شهدت بريطانيا، الخميس 23 يونيو (حزيران) 2016، استفتاءً تاريخيًّا، بموجبه تخرج بريطانيا رسميًّا من عضوية الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، بعدما صوت أغلبية الشعب البريطاني بنسبة 52% لصالح قرار الانفصال عن الاتحاد، وهو ما أثار صدمة عالمية لا تزال أصداؤها جارية حتى الآن من النتيجة المفاجئة.
وقد عكست عناوين الصحف العالمية، الصادرة خلال اليومين الأخيرين، وجهة نظر بلدانها من الخروج المفاجئ لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتباينت رؤيتها حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
الصحافة البريطانية تحتفل بالانفصال
وحدها الصحافة البريطانية احتفت بخروج بريطانيا من الاتحاد، حيث رحب معظمها، بنسختيها الورقية والإلكترونية، بنتائج الاستفتاء المؤيدة لقرار الانفصال.
في هذا الصدد، كتبت صحيفة «الديلي ميل» مباشرة بعد الاستفتاء، بخط عريض على صدر صفحتها الأولى، «تحية لبريطانيا»، معلقة «هذا هو اليوم الذي وقف فيه الشعب الصامت في بريطانيا ضد النخبة المقيتة في بروكسل وطبقة سياسية وقحة ومنقطعة عن الواقع»، فيما كتبت «ذا صن» ساخرة من الاتحاد الأوروبي «نراك فيما بعد»، وعبرت عن دعمها اليميني نايجل فاراج، المرشح لخلافة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أعلن استقالته بعد ثلاثة أشهر، على أثر نتيجة الاستفتاء.
بينما احتفلت جريدة «ديلي ميرور» بالخروج من الاتحاد الأوروبي، على صفحتها الأولى بعبارة «خرجنا»، وعلقت على الأمر بأن المملكة المتحدة تحررت بعد 43 عامًا من «أغلال الاتحاد الأوروبي»، وسارت على نهجها صحيفة «التلغراف»، التي كتبت قائلة إنه «اليوم الذي صوت فيه البريطانيون من أجل استعادة زمام أمورهم»، كما شنت هجومًا لاذعًا على الاتحاد الأوروبي.
في حين بدت «الغارديان» أكثر توازنًا، وعنونت صفحتها الأولى، «أمة منقسمة»، في إشارة إلى الفارق الطفيف الظاهر في نتائج الاستفتاء، بين مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومعارضي القرار، وكتب الصحافي جوناثان فريلاند، «تغيرت المملكة بشكل يخيب آمال %48 من الذين صوتوا للبقاء وغالبية العالم الذي يراقبنا أيضًا». وتساءلت الصحيفة البريطانية، «ماذا سيحدث لاحقًا؟»، واعتبرت إنهاء علاقة الحب والكراهية مع الاتحاد الأوروبي نقطة تحول في تاريخ المملكة المتحدة.
أما جريدة «الإيكونوميست» فقد رأت في خروج بريطانيا من الاتحاد صدمة للأسواق البريطانية والأوروبية، محذرة من أن القرار يحمل مفاجآت غير سعيدة بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين، ونشرت صورة للعلم البريطاني وهو ممزق، كناية على الانقسام الشعبي حول انفصال بريطانيا عن الاتحاد من عدمه.
الصحافة الأمريكية تحمل الصحافة الإنجليزية مسؤولية الانفصال
بدت معظم الصحف الأمريكية غير سعيدة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووضعت صحيفة «نيويورك تايمز» اللائمة على الصحف البريطانية، وحملتها مسؤولية الخروج، متهمة إياها بأنها «قدمت سيلًا من الأخبار المنحازة والمضللة والقصص الوهمية عن الاتحاد الأوروبي على مدى زمني كبير»، مما أثر في توجيه الناس إلى التصويت لفائدة الخروج.
وكتبت «وول ستريت جورنال» السياسات البريطانية على وشك أن تتغير، بعد استفتاء الخروج عن الاتحاد الأوروبي، وشبهت الموجات الاهتزازية التي أعقبت زلزال انفصال بريطانيا، مثل تهاوي العملة المحلية «الجنيه الإسترليني» لأدنى مستوياته منذ عقود أمام الدولار.
من جهة أخرى، حذر موقع «دالي بيست» من أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يجعل بعض البلدان، مثل فرنسا وإيطاليا والسويد، تتحمس لتنظيم استفتاء مماثل على غرار بريطانيا.
الصحافة الأوروبية مصدومة من قرار الشعب البريطاني
عبرت الصحف الأوروبية عن ذهولها من نتيجة الاستفتاء «غير المتوقعة» بالنسبة لها، وفي هذا الإطار، وضعت صحيفة «هاغشه كورانت» الهولندية صورًا معدلة، للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسي الوزراء الهولندي مارك روتي والبريطاني ديفيد كاميرون، وهم مذهولون في حالة تشبه لوحة «الوجوه»، التي تعبر عن صرخة رعب في لوحات الفنان التعبيري إدفارد مونش. فيما قالت زميلتها «ميترو» الهولندية بأن خروج بريطانيا سيضر اقتصاديًّا بشكل كبير كلًّا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
أما «ليبيراسيون» الفرنسية فعنونت صفحتها بعد استفتاء بريطانيا، «بيت أوروبا المشترك يحترق»، وقالت، محاولة فهم ما حدث، إن «المواطن البريطاني يرفض المشروع الأوروبي بقدر فقره وتقدمه في السن»، مضيفة أن الطبقات الشعبية ترى العودة إلى «الأمة القومية» ملاذًا ذا مصداقية لتجاوز مشاكل العولمة.
بينما وجدت «لافوا دونور» الفرنسية خروج بريطانيا فرصة لقادة الاتحاد لكي «يبرهنوا على أنهم بمستوى التحدي. يجب أن نتحرك بسرعة»، متعهدة الإنجليز بالشكر يومًا ما «لأنهم سيكونون السبب في إنعاش المريض الأوروبي».
وكانت الصحف الإسبانية الأشد استياءً من خروج بريطانيا من الاتحاد، حيث وصفت «الموندو» الإسبانية القرار بـ«الكارثي» واعتبرت رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، «السبب وراء هذه المصيبة»، متسائلة عن مستقبل الاتحاد الأوروبي، وكيف ستكون علاقاته مع بريطانيا مستقبلًا.
صحيفة «البايس» هي الأخرى وصفت الحدث بـ«الكارثة»، معتبرة إياه «انتصارًا رمزيًا كبيرًا لكل أعداء المشروع الأوروبي». وقالت صحيفة «لاريبوبليكا» إن إسبانيا تعتبر من أكبر الدول التي ستتأثر سلبًا من خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، عبرت صحيفة «زود دويتشي» الألمانية عن صدمتها إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد، قائلة «كبار السن يحددون مستقبل الشبان الذين سيعانون من تبعات الخروج». وبيّنٌ من خلال بيانات الاستفتاء، أن كبار السن هم من حسموا النتيجة، إذ صوت ثلاثة أرباع من الشباب لصالح البقاء، بينما صوت العجزة فوق ستين سنةً بأغلبية ضد البقاء، وهم يشكلون ثلثي المصوتين.
وعزت جريدة «بوليتيكين» الدانماركية هذا الفشل إلى المسؤولين الأوروبيين، وفي مقدمتهم ديفيد كاميرون، بينما وصفت «فيبورجا» البولندية خبر خروج بريطانيا بأنه «نبأ سار لأعداء التكامل الأوروبي، الشعبويين وأتباع الأنانية الوطنية والانعزالية وكره الأجانب».
فيما ذهبت صحيفة «تالوسانومات» الفنلندية إلى أن قرار خروج بريطانيا من الاتحاد جاء لصالح روسيا، التي تسعى لتفكيك الاتحاد الأوروبي.