تعتبر الجزائر إحدى الدول التي لا تشجع استخدام تدفق عالٍ لشبكة الإنترنت، كما أنها ما زالت تصنف في المراتب الأخيرة تجاه تشجيع رقمنة الإدارة والاقتصاد والمعاملات المالية، في حين تحتكر شركة «اتصالات الجزائر» الحكومية هذه الخدمة منذ عقدين من الزمن، ويقدم عدد كبير من المواطنين شكاوى كثيرة كل يوم حسب وسائل الإعلام المحلية لأسباب تتعلق بضعف الخدمة.

وتعود سياسة الحكومة في ممارسة سياسة الانغلاق تجاه خدمة الإنترنت التي أصبحت ضرورية في حياة المواطنين عبر العالم، إلى التخوف من ممارسة هذه الأداة كوسيلة ضغط ومعارضة، والتعبير عن السخط العام تجاه ممارسة السلطات عبر كافة المستويات، وسنطرح في هذا التقرير نماذج وأمثلة من الواقع، لنوضح كيف كشف الفضاء الأزرق «فيسبوك» ما رآه البعض كذب تصريحات مسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى تحول هذا الفضاء إلى مساحة لسخرية العديد من مستخدميه من المسؤولين الحكوميين، وقراراتهم، وسياساتهم.

وكان عمر غول أحد شخصيات الموالاة (وزير سابق ورئيس حزب موالي) قد صرح مؤخرًا بأن هذا الفضاء أصبح خطرًا على مقومات ومكتسبات الوطن، في حين نادى أحمد أويحيى مدير ديوان رئاسة الجمهورية بضرورة التصدي لمحاولات التشويش التي تستهدف الجزائر ضمن مخططات الربيع العربي، وبالنسبة للبعض فإن خطابات المسؤولين الحكوميين في البلاد يمكنها اختصار رواية 1984 الطويلة، للروائي البريطاني جورج أورويل، خاصةً ما تعلق فيها بجهاز الرصد والتشويش الذي يهدد الحزب الحاكم.

 

فيسبوك يفضح غش المسؤولين على البكالوريا

البداية كانت مع شخصية وزيرة التربية نورية بن غبريط التي تحولت في عالم الفضاء الأزرق إلى محل لنكات قطاع من المستخدمين في الأعوام الأخيرة، ليس بسبب الإجراءات الصارمة، وإنما لأخطائها اللغوية في الحديث باللغة العربية، ولعل دورة بكالوريا يونيو (حزيران) 2016 هي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث قررت الحكومة في اجتماع وزاري مصغر قطع شبكة الإنترنت على كافة مراكز الامتحان، وهو الإجراء الذي غيّب الجزائر عن العالم كليةً في نظر البعض.

مقطع فيديو ساخر حول لغة وزيرة التربية والتعليم نورية بن غبريط

وبالرغم من هذا الإجراء الذي تم تجسيده عمليًّا، بعد اتفاق مع قيادة الدرك الوطني وجهاز الشرطة الجزائرية، عاش الجزائريون كابوس تسريب نصوص الامتحان ليلة قبل الموعد الرسمي، وهو ما شكل صدمة في القطاع الأكثر أهمية لدى المجتمع، وقد صنع الفضاء الأزرق وسيلة ضغط وترهيب للمسؤولين في القطاع، اعتبرتها وسائل الإعلام أحد أكثر الفترات ضغطًا على الحكومة الجزائرية هذه السنة.

وشارك مئات الآلاف من الجزائريين عبر موقع التواصل الاجتماعي من أجل إقالة الوزيرة بن غبريط، وردت الحكومة على لسان الوزير الأول بأن الوزيرة باقية في المنصب، ولا يمكن استبدالها، في حين كثفت الوزيرة من تواصلها عبر فيسبوك مع العالمين في القطاع، وجندت كافة الوسائل من أجل إعادة الاعتبار لسمعة القطاع، وتحول النقاش من البحث عن الذي سرب الامتحان، إلى تهم جاهزة بين التيار الإسلامي، والعلماني في البلاد.

 

وفاة أول سجين رأي منذ الاستقلال

تحول مصطلح «الدولة المدنية» في البلاد من مرحلة كان لا بد وأن تُجسد، إلى مرحلة ذاق فيها بعض المدونين ونشطاء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي السجن، ولعل آخر مظاهر تجسيد هذا المفهوم هو وفاة الناشط الإعلامي «محمد تامالت» في سجن بالعاصمة الجزائر، تحت تأثير إضرابه عن الطعام بعد الدخول في غيبوبة لعشرة أيام.

وتلقى الوسط الإعلامي صدمة كبيرة بوفاة سجين الرأي تامالت، وقد كانت أهم أسباب سجن الصحافي الذي كان يعيش في بريطانيا، هو منشوراته عبر الفضاء الأزرق، وحديثه عن المحسوبية والرشوة وتوظيف أبناء المسؤولين داخل وخارج الوطن، واعتبر الإعلاميون وفاة زميلهم إحدى المراحل الفارقة في مسار حرية التعبير بالبلاد.

 

ونددت أحزاب سياسية معارضة بمقتل الناشط الإعلامي، حيث وصفت حركة مجتمع السلم «حمس» في بيان لها هذه الحادثة باستخفاف السلطات بالنفس البشرية، وقالت في بيانها الموقع باسم الناطق الإعلامي عبد الله بن عجمية: «إن صحة السجين هي مسؤولية سجانيه في كل الأحوال، وحتى في حالة إضرابه عن الطعام»، وأضاف الحزب الإسلامي المعارض للسلطة «لا بد للسلطات أن تبين للرأي العام حقيقة ما وقع والمسؤولية الكاملة على ذلك. وإن ملف الحريات وحقوق الإنسان خط أحمر، ولا يمكن السكوت عن هكذا استخفاف وانتهاكات، والعالم يحيي يومه العالمي لحقوق الإنسان».

ووصف الصحافي بيومية الخبر محمد سيدمو وفاة الناشط تامالت بأنها صدمة، ويوم حزين في تاريخ الصحافة الجزائرية، وقال سيدمو في منشور له عبر فيسبوك يصف فيه الراحل: «أصبحت بطلي بشجاعتك بجرأتك بإصرارك على رفض الظلم.. أنت اليوم قديس للحرية في الجزائر يا محمد ليس لأنك كتبت ضد الفاسدين فكثيرون غيرك فعلوا وربما أكثر منك.. لكنك الوحيد الذي حمل القضية إلى النهاية.. إلى الحد الذي أفزع خصومك وصاروا يتمنون لو أنهم لم يسجنوك.. أتعلم يا محمد أنك ورطتهم أنهم اتصلوا وضغطوا وحاولوا أن نصمت حتى بعد وفاتك..».

وسرد صحافي الخبر جزءًا من وصية الراحل تامالت قائلًا: «عندما اتصلت بمحاميك أمين اليوم قال لي إنك تركت وصيتك.. قلت إنك لن تكف عن إضرابك حتى تلقى ربك أو ينتزع الظلم عنك.. أعترف أني لا أمتلك شجاعتك يا محمد .. أعترف بجبني أمام قوتك وعزمك.. أعذرني يا محمد وأنا أكتبك وأبكيك الآن أني قصرت في حقك.. سامحني يا أخي».

ويعتبر محمد تامالت أول سجين رأي في الجزائر يلقى حتفه دفاعًا عن نفسه وقضيته التي لم يرض بالتنازل عنها حسب محاميه، ويتداول النشطاء من أصدقاء الراحل أن محمد توفي على إثر ضربة في الرأس أدت الى غيبوبته، دامت أكثر من عشرة أيام حتى الإعلان عن وفاته، في بيان المديرية العامة للسجون.

وعرفت الفترة الأخيرة من عام 2016 حملة إيقاف للمدونين عبر فيسبوك في الجزائر بتهم مختلفة ومتعددة، ولعل أهم الأسباب التي تم تسريبها من قبل أهالي وعائلات المعتقلين هي الإشادة بتنظيمات إرهابية متشددة، والانتماء إلى جماعات من خارج الوطن، بالإضافة الى الإساءة لرموز ومؤسسات الجمهورية، وشخص رئيس البلاد، مثل ما حدث للناشطة زوليخة بلعربي، وعدد من النشطاء في ولايات مختلفة من الوطن يقدر عددهم بالعشرات.

 

دواء السكري بين القبول والرفض.. فيسبوك يفضح التلاعب

أحدث منتوج صحي موجه لمرضى داء السكري في الجزائري ضجة في الرأي العام المحلي خلال الفترة الأخيرة، ومنذ عام تقريبًا، قامت مصالح وزارة الصحة بالترويج لهذا المنتوج الذي يطلق عليه تارة المكمل الغذائي، وتارة أخرى الدواء، وهو النقاش الذي لم ينته إلا بسحب هذا المنتوج من الصيدليات، وتشديد الرقابة بضرورة منعه.

فيديو لقاء الوزير بمخترع المنتوج في مقر الوزارة

https://youtu.be/Ez3h7kAljAw

وتعود قصة اختراع هذا المنتوج إلى الطبيب توفيق زعيبط المنحدر من ولاية قسنطينة (شرق الجزائر)، حيث قدم المنتوج إلى مصالح وزارة الصحة، وتم بث برامج تلفزيونية تقول إنه تم اختراع أول دواء محلي الصنع من طبيب جزائري، وهي الفرصة التي جعلته يقدم المنتوج إلى وزير الصحة محمد بوضياف نفسه من أجل تشجيعه، والحصول على موافقة أحد أعضاء الحكومة شخصيًّا.

المنتوج بعد أن وزع في السوق الجزائرية ونال نقاشا شعبيًّا واسعًا، بين مؤيد ومعارض له، قررت مصالح وزارة التجارة سحبه رسميًّا من السوق، ومعاقبة كل من يقوم ببيعه على مستوى الصيدليات أو المحلات التجارية، وهو ما خلف ضجة في الرأي العام الجزائري الذي اكتشف أن هيئات وبارونات الأدوية تلاعبت واستثمرت في معاناة داء السكري لشهور طويلة.

الفضاء الأزرق «فيسبوك» لعب دورًا كبيرًا في بلورة وصناعة نقاش عام، حيث روج نشطاء للتناقض بين ردود فعل أعضاء الحكومة في تأييد المنتوج في البداية، ومعارضته في الأخير، ووصفه وزير الصحة بالمنتوج الذي قد ينهي معاناة المرضى، في حين منعه وزير التجارة من التوزيع وسحبه من السوق، وهو ما وضع الحكومة تحت مطرقة سخرية المدونين والنشطاء طيلة الأيام الأخيرة.

 

وتشكل مواقع التواصل الاجتماعي فضاء تعبير حر بامتياز، حيث تجد مقاطع فيديو مركبة للسياسيين وللسخرية منهم مشاهدات بالملايين في أوقات جد قصيرة، كما تلتقي تعليقات وآراء الصحافيين بالسياسيين والنخب بشكل عام بهذا الفضاء، لتشكل مادةً خامًا للصحافة الورقة والمرئية، وبالرغم من المراتب الأخيرة التي تعرفها البلاد في تدفق شبكة الإنترنت، إلا أن الإحصاءات تشير إلى وجود أكثر من 17 مليون مستخدم للإنترنت في الجزائر خلال هذه السنة (2016)، خاصة بعد تزويد متعاملي الهاتف بخدمة الجيل الرابع.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد