هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.

كيف تُحمى الديمقراطيات في العالم؟ يبدو سؤالًا بديهيًا وجوابه البسيط هو من خلال «صناديق الاقتراع».

ولكنّنا عادة ما نسمع في الإعلام الغربي عن «البيروقراطية» أو «مؤسسات الدولة»، وفي السنوات الأخيرة اشتعل الجدل في الولايات المتحدة حول «الدولة العميقة» التي يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها موجودة وتسعى لتعطيل عمله، وفي هجوم متكرر عليها اتهم العاملين فيها بتمرير «أجندتهم السرية الخاصة بهم»، واعتبرهم «تهديدًا للديمقراطية».

وباختصار تحظف مؤسسات الدول الديمقراطية نفسها وتراكم خبرتها بسبب وجود أفراد ليسوا مُنتخبين من الشعب، ولا يأتون بصناديق اقتراع، وإنّما يوظفون وفقًا لمهاراتهم وكفاءتهم العملية، ويعملون لسنوات طويلة داخل ماكينة الدولة ومؤسساتها المختلفة.

وإذا كُنّا قديمًا في الملكيات نطلق على هؤلاء «حاشية القصر»، فنستطيع اليوم في الولايات المتحدة مجازًا تسمية العاملين منهم في الكونجرس بـ«حاشية الكونجرس»، أو «حاشية المؤسسات التنفيذية» لمن يعملون في أذرع الحكومة الأمريكية المختلفة.

فمن هؤلاء؟

لكل عضو في الكونجرس الأمريكي مكتب يعمل فيه عدة موظفون على تلبية احتياجات عضو الكونجرس من بحث وتقارير، وتنسيق اجتماعات، وكتابة مسودات لقوانين وتشريعات، ويقدمون استشارات للعضو في مجال خبراتهم ودراساتهم، وبعضهم يعملون استشاريين في ملفات حساسة مثل السياسة الخارجية والأمن القومي. موظفو الكونجرس هم القائمون على التفاصيل ودقائق الأمور فيه.

ومن هنا تأتي أهميتهم لشركات الضغط السياسي واللوبيات، باعتبارهم البوابة للوصول لأعضاء الكونجرس أحيانًا والتأثير عليهم، وكلما ارتفعت رتبة الموظف في مكتب العضو أو في الكونجرس كلما زاد سعره وتأثيره.

أثناء عملنا في تفريغ وتحليل قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية التابعة لقانون «فارا»، لنفهم ونقدم لكم قصص لوبيات العالم العربي وبعض الدول الإسلامية خلال العقد الماضي، مع تصفحنا للملفات برزت مجموعة من أسماء الموظفين تتواصل معهم اللوبيات بشكل مستمر. وانتقينا لكم منها أكثر الأسماء تكرارًا، وقمنا بالبحث عن خلفياتهم الثقافية والتعليمية، ومواقفهم وأفكارهم السياسية، وتتبعنا أيضًا أنشطتهم ورحلاتهم الخارجية، وتواصل اللوبيات المختلفة معهم.

نُقدم لكم في هذا التقرير أربعة موظفين كبار، بعضهم لم يزل في الكونجرس، وآخرون انتقلوا للعمل في مراكز بحثية، على عادة الأبواب الدوارة في واشنطن، فالخارج من الكونجرس ينتهي به المقام في شركة لوبيات أو في مركز بحثي مرموق.

إريك تراجر.. أمريكي ذو هوى صهيوني يتجوّل في ميدان التحرير

اشتهر إريك تراجر أثناء سنوات الربيع العربي بتغطيته الحثيثة للأحداث في مصر، فهو من الباحثين والصحافيين الذين غطوا الثورة من الأرض منذ اندلاعها في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وأصبح مرجعًا لصناع القرار الأمريكيين في فهم السياق المصري وتطوراته المتسارعة.

أثناء سنوات الثورة وبعدها، كان تراجر يكتب بشكل مستمر في منصات إعلامية مختلفة، منها «فورين بوليسي» و«ذا أتلانتيك»، واستضافته قنوات مثل «فوكس نيوز»، واقتبس عنه الصحافيون الغربيون في كتاباتهم عن الأحداث في مصر.

درس تراجر البكالوريوس في جامعة هارفارد في تخصص «الدراسات الحكومية – Government»، وأثناء دراسته تعلم اللغة العربية، وقضى فصلًا صيفيًا في الجامعة الأمريكية في بيروت، ويعرف تراجر اللغة العبرية أيضًا. وكتب تراجر أثناء دراسته، وكان بحث تخرجه عن «القانون الإسرائيلي الانتخابي»، وفقًا لصفحته على منصة «لينكدإن».

إريك تراجر أثناء محاضرة له عن حماس تستضيفها منظمة إسرائيلية - مصدر الصورة: يوتيوب

إريك تراجر أثناء محاضرة له عن «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، تستضيفها منظمة إسرائيلية. مصدر الصورة: يوتيوب

تراجر: جدار فصل عنصري؟ لا.. بل حاجز أمني

وخلال فترة دراسته في هارفارد نشر تراجر مقالة على مجلة «هارفارد إسرائيل ريفيو»، عن مخططات بناء جدار الفصل العنصري الذي أسماه حينها بـ«الحاجز الأمني»، وبلسان إسرائيلي يلقي تراجر الطالب الصغير حينها باللوم بشكل دائم على الطرف الفلسطيني.

ويبرر بمهارة الاعتداءات الإسرائيلية لدواعٍ «أمنية»، ثم يسرد تفاصيل عن المواد الخام التي سيصنع منها الجدار، وأنّها مواد «قابلة للإزالة»، في إشارة لكون الجدار حلًا مؤقتًا لردع «الإرهابيين». ولكن جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ظلّ موجودًا بمواده «القابلة للإزالة»، فهل يصادفه تراجر في زياراته الصيفية لإسرائيل، أم تفوت عيناه الجدار الطويل من 400 كيلومتر؟

Embed from Getty Images

جانب من جدار الفصل العنصري، الفاصل بين الأراضية الإسرائيلية والضفة الغربية. 

بعد تخرجه من هارفارد، عمل تراجر لعامٍ واحد مساعدًا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي أسسته لجنة العلاقات العامة الإسرائيلي الأمريكية «أيباك»، أهم أذرع اللوبي المناصر لإسرائيل بالولايات المتحدة. بعدها انتقل تراجر لدراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في القاهرة بتخصص الدراسات العربية والإسلامية، حيث كتب رسالته عن «الإصلاح القانوني الإسلامي».

وأثناء دراسته اندلعت الثورة المصرية، وجرفت الثورة تراجر معها، ليجد نفسه مهتمًا ومتابعًا لتفاصيل هذا الحدث الكبير، وظلّ يكتب ويعلق بشكل مستمر على الأحداث، مع تركيز خاص على جماعة الإخوان المسلمين.

تراجر المفكّر القنفذ

يُقسِّم المنظّر الألماني إسحاق برلين الكُتّاب والمفكرين إلى قسمين: المفكر الثعلب، الذي يبني تصوراته وأفكاره بناءً على شبكة معقدة من الأفكار المترابطة. والمفكر القنفذ، الذي تسيطر عليه فكرة واحدة رئيسة يرى ويفسر من خلالها كل الظواهر والحالات من حوله.

وبالنظر في تحليلات تراجر للثورة المصرية، فيبدو أنه من «القنافذ»، فرؤيته للأحداث الكبيرة في مصر، وللصراع العربي الإسرائيلي، ولثورات الربيع العربي، وللحروب الإقليمية في المنطقة، جميعها تنبثق من رؤيته لجماعة الإخوان المسلمين وموقفه منها، في اختزال كبير للمنطقة العربية ومشهدها السياسي المعقد.

وعلى سبيل المثال، نشر تراجر مقالة على صحيفة «نيويورك تايمز»، بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا في يوليو (تموز) 2016، يقول فيها أنّ الانقلاب العسكري في تركيا، الذي أفشله حليف الإخوان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حفز بفشله أحلام المصريين المنفيين في إسطنبول لتحقيق أحلامهم الانتقامية من العسكر في مصر.

ويقتبس تراجر منشورًا للشاب المصري عمر فراج، أحد مؤسسي موقع رصد الإخباري، يقول فيه فراج: «يا رب أعيش لليوم الي اشوف فيه مخ صدقي صبحي (القائد العام للقوات المسلحة المصرية آنذاك) على الأسفلت».

«مرسي أقوى قائد مصري منذ فرعون».. كيف غطى إريك تراجر سنوات الثورة المصرية؟

قبل اندلاع الثورة بشهور بسيطة، نشر تراجر مقالة يتحدث فيها عن تأسيس حزب الغد الليبرالي، ووحشية نظام مُبارك في قمع أيّ تحرك أو توجه ديمقراطي «ليبرالي» في الدولة.

ومن خلال تغطيته لثورة 25 يناير، راقب تراجر بحذر دخول جماعة الإخوان المسلمين على الثورة المصرية.

ويعتقد تراجر، بأنّ القدرات التنظيمية لجماعة الإخوان هي التي ساعدتهم لتصدّر المشهد السياسي والفوز بالانتخابات الرئاسية في مصر بعد الثورة، ولأنّ الديمقراطية منتجٌ ليبرالي في نظر تراجر، فصعود حركة إسلامية للحكم إشكال يعظِّم من تخوفه الواضح على إسرائيل وأمنها.

وبعد فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية، ومع تسلمه للمنصب في يونيو (حزيران) 2012، نشر تراجر مقالة يدعو فيها الولايات المتحدة للانخراط مع الأحزاب غير الإسلامية، والتي لديها «ارتباط بالمصالح والقيم الأمريكية»، على عكس خطاب الإخوان المسلمين الديني المعادي للغرب.

وفي مقالته يرى تراجر أن على أمريكا التحدث عن معاهدة كامب ديفيد باعتبارها اتفاقية تصب في مصلحة مصر بالأساس، وليس في مصلحة أمريكا، ويحدد تراجر في مقالته أهمية تأطير العلاقة مع الإسلاميين على أساس المصلحة وفقط، وليس على أساس «دعم الديمقراطية».

في هذا السياق وأثناء حكم مرسي دعا تراجر لتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية المصرية، بالتعاون مع أطراف محددة غير إسلامية، ولكنه يتراجع عن هذا الموقف بعد 2013، وذلك في جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي، لمناقشة الإطاحة العسكرية بالرئيس المنتخب مرسي، وفي هذه الجلسة رفض تراجر بشدّة أي محاولات للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري ويرى أنها ستكون محاولات بلا جدوى.

في تحليل لـ«سي بي سي نيوز»، نشر بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، تساءل تراجر: «هل مرسي هو ديكتاتور مصر؟»، وأجاب: «حاليًا نعم. وعلى الورق هو أقوى قائد لمصر منذ فرعون». وفي مطلع 2013 نشر تراجر مقالة وصف فيها ممارسات الإخوان المسلمين في الحكم بأنّها «استبدادية»، ووصفَ الإخوان المسلمين بأنهم «إنجيليو مصر»، في تشبيه لهم بالحركة الإنجيلية المسيحية في الولايات المتحدة.

ويستدرك قائلًا: إنهم إنجيليون من ناحية التدين، ولكن تدينهم لا يمنعهم من الانخراط في الحياة السياسية، ولا عن السعي الحازم لتحصيل السلطة، بما يتضمنه ذلك من استخدام القوة ضدّ منتقديهم، وفجأة يشبههم تراجر بالبلاشفة الروس، حملة الثورة الاشتراكية ومؤسسي الاتحاد السوفيتي.

وجدنا قناة على منصة «يوتيوب» بمعرّف «Trager18»، الذي يطابق معرّف حساب تراجر في «تويتر». في القناة لقطات لمشاهد من مصر، منها لحظة الإعلان عن فوز مرسي برئاسة مصر، وفيها يسجد أنصاره احتفالًا بفوزه، ومقطع آخر عنوانه «الإخوان المسلمون في رابعة»، أي في ميدان رابعة الذي اعتصم فيه أنصار مرسي والإخوان المسلمون (شاهد أدناه).

اللعب على التناقضات.. ما الذي قاله وفعله تراجر بعد الانقلاب؟

في مايو (أيار) 2015 عقدت لجنة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس النواب جلسة استماع بعنوان «مصر: عامان بعد مرسي»، ترأست هذه اللجنة آنذاك النائب الجمهورية إليانا روس ليتينين، والتي تعمل الآن مع اللوبي الإماراتي بواشنطن في الضغط السياسي أكين جامب.

استضافت اللجنة تراجر ليدلي بشهادته، وليتحدث عن قضايا عدة منها «الإرهاب»، وأهمية مصر لمكافحته.

وبدأ تراجر كلمته برسم السياق بالتسلسل الآتي: اندلاعٌ لثورة شعبية، ركوب الإخوان المسلمين للثورة وصعودهم للسلطة، ثم ثورة أخرى تطالب بإسقاط مرسي (أحداث 30 يونيو)، تهديدٌ ووعيدٌ بالعنف والقمع من قبل الإخوان المسلمين في حال سقوط مرسي، يأتي السيسي «ويزيل» مرسي من السلطة، على حد تعبير تراجر.

وفي النهاية يسهب تراجر في شرح أسباب توافق الرئيس السيسي مع المصالح الأمريكية أكثرَ من الرئيس مرسي. وفي كلامه يحاول تراجر وضع اللوم على مرسي بسبب أجندته الدينية «المثيرة للجدل»، وفشله الاقتصادي.

وخلال الجلسة رفض تراجر باستمرار تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لمصر، بحجة أنّه لا يمكنها التأثير في تلك المساحة. الأمن مقابل الديمقراطية؟ بالطبع يفضّل تراجر الأمن.

تحدث تراجر في محاضرة نسقتها منظمة إسرائيلية، تحدث فيها عن «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، وفي بداية حديثه طرح سؤالًا على الحضور: «ما هي حماس؟»، وتلقى إجابات عدّة مثل «منظمة إرهابية»، و«ميليشيا عسكرية»، أو «حكومة قطاع غزة». أكّد تراجر على صحة هذه الأجوبة، ونبّه الحضور لضرورة النظر لحماس على أنها «الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين» قبل أي شيء آخر، وأنها جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

«للكونجرس: لا تلتقوا بالإخوان المسلمين»، هكذا عنون تراجر مقالةً له نشرت في سبتمبر (أيلول) 2017، حثّ فيها أعضاء الكونجرس ليمتنعوا عن لقاء أي من وفود الإخوان المسلمين، وأشار تحديدًا لزيارة عمرو دراج للولايات المتحدة، ووصفه بأنه من كبار قادة الإخوان المسلمين.

يرى تراجر أن الإخوان المسلمين في الأساس مشروع وجد لمقاومة «المصالح والثقافة الغربية»، ويحلل أن العائق الوحيد للإخوان المسلمين لبناء دولة إسلامية هو وجود «الدولة اليهودية»، إسرائيل، ويشدد على وضع الإخوان في خانة أعداء الولايات المتحدة.

وأخيرًا موجز رؤية تراجر للصراعات القائمة في الشرق الأوسط؛ يُقسم تراجر القوى الإقليمية ما بعد الربيع العربي إلى ثلاثة أقسام، ويسميها كالآتي: الجهاديون، ويقصد بذلك «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» وتنظيم القاعدة. ثم الإخوان المسلمون، وداعموهم مثل تركيا وقطر، وأخيرًا الدول الكلاسيكية «التقليدية»، ويقصد بها مصر، والسعودية، والإمارات.

كيف يرى تراجر الربيع العربي؟ الجواب في عنوان كتابه، «الخريف العربي: كيف كسب وخسر الإخوان المسلمين مصر في 891 يوم»، صدر عام 2016.

باحث برتبة أمنية؟

لم يكتفِ تراجر بالعمل البحثي والصحافي أثناء تواجده في مصر في أيام ثورة يناير؛ إذ يكشف أرشيف «ويكيليكس» تنسيقه مع بعض الجهات الحكومية الأمريكية وتقديمه لمعلومات وتحليلات من الشارع مباشرةً لتصل عبر سلسلة من الوسطاء لمكتب هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك. الوثائق جزء من إيميلات هيلاري.

الإيميل كتبه تراجر في 30 يونيو 2012، وعنوانه «كامب ديفيد في مأزق كبير»، في إشارة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، المشهورة باتفاقية «كامب ديفيد»، عام 1978.

صعود مرسي للحكم دقّ ناقوس الخطر في إسرائيل وأثار مخاوف دولية، أمريكية بالأساس، وأخرى إقليمية، بشأن مستقبل الاتفاقية وهل سيلتزم بها مرسي أم لا. ولم يكن حديث مرسي في هذا الشأن مطمئًنا لهذه المخاوف، وقال: إنه «آن الأوان أن تدرك إسرائيل أن مصر لا بد أن يتعامل معها الطرف الآخر على نفس المستوى»، وبالرغم من تأكيده على أن الاتفاقية ستُحترم، إلا أنه أشار لـ«مخالفات» ارتكبتها إسرائيل مخالفة للاتفاقية؛ ما قد يستدعي النظر فيها.

التقى تراجر بالبرلماني الإخواني خالد ديب، وأسرع بعد اللقاء ليكتب رسالةً لأصدقائه، مفادها أن ديب أخبره برغبة الإخوان المسلمين في طرح معاهدة كامب ديفيد للاستفتاء الشعبي، وبعدها يرسم تراجر تصورًا مستقبليًا لما ستؤول إليه الأحداث، يقول فيه: «حتمًا ستُهاجم إسرائيل من سيناء، وقد ترد إسرائيل على هذا الهجوم، وعندها سيدّعي الإخوان أنّ إسرائيل هي من ضربت أولًا، ومن ثم يكسرون المعاهدة».

ثم أكّد تراجر هذه الرؤية للأحداث، بحديثه عن لقاء جمعه بمسؤول في وزارة الخارجية المصرية قال له إن الأخبار عن وجود إطلاق نار من سيناء تجاه إسرائيل مُختلقة، وبين قوسين يذكر تراجر أن «هذا المسؤول تحديدًا سفير. وسيكون الرئيس القادم للبعثة المصرية في طهران»، وهكذا أصبح التحليل لاذعًا إن صحّ التعبير.

رسالة إريك تراجر التي انتهت على مكتب هيلاري كلينتون، وزير الخارجية الأمريكية، عبر واحد من أصدقاء تراجر. المصدر: ويكيليكس.

وتكشف الوثيقة كيف وصلت رسالة تراجر إلى صندوق بريد الوزيرة هيلاري، حيث مرّت بدينيس روس، دبلوماسي أمريكي عملَ آنذاك مساعدًا خاصًا للرئيس أوباما، وتضم السلسلة اسم توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما (2010 – 2013)، وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لجو بايدن، نائب الرئيس أوباما آنذاك، ومن الجدير بالذكر أن سوليفان سيكون مستشاره للأمن القومي في الإدارة القادمة.

إيميل آخر في يناير 2012 يوثّق رسالة من سوليفان لهيلاري، يقترح فيها أن تقرأ مقالًا كتبه تراجر بعنوان «كيف يجب على الولايات المتحدة التعامل مع الإسلاميين في مصر»، حوّلت هيلاري الرسالة لمساعدها روبيرت روسو، وطلبت منه طباعة المقال.

دخول الكونجرس واتصالات مع اللوبيات العربية

ضمن الحملة التطهيرية لصورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في واشنطن، والتي دفعت الإمارات جزءًا من أتعابها، بحسب إيميلات مسرّبة ليوسف العتيبة، السفير الإماراتي بواشنطن، كشفها موقع «ذا إنترسبت».

كشفت التسريبات اتصالات في أبريل (نيسان) 2017، بين العتيبة وبريان كاتوليس، الباحث في مركز التقدم الأمريكي، المقرب من الدوائر الديمقراطية والمؤيد لإسرائيل. في الإيميل، يقترح كاتوليس على العتيبة إقناع إدارة ترامب بتعيين إريك تراجر سفيرًا أمريكيًا لمصر، فتراجر يحظى «بثقة» جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الخاص، ودينا باول، التي خدمت بمنصب نائب مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، وهي أمريكية مصرية ولدت في القاهرة وتتحدث العربية.

في ذلك الوقت، كان تراجر باحثًا في معهد واشنطن. وفي نوفمبر 2017، عُيّن في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، موظفًا جمهوريًا في مكتب رئيس اللجنة، السيناتور الجمهوري بوب كوركر، وعمل حينها على شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خلال هذه الفترة، تواصلت اللوبيات العربية المختلفة مع مكتب السيناتور ومع تراجر، فعلى سبيل المثال، تكشف وثائق وزارة العدل الأمريكية عن اجتماع لصندوق الاستثمارات السعودي مع تراجر في 14 مارس (أذار) 2018، نسقت شركة أكين جامب للاجتماع، وتابع السعوديون التواصل معه بعد الاجتماع لمناقشة بعض الشؤون الاستثمارية.

أما مع الإمارات، فلدينا جهود لهاجر العوض، مساعدة للعتيبة وإحدى محرّكات اللوبي الإماراتي في واشنطن. نسّقت هاجر اجتماعًا لطاقم من السفارة الإماراتية، ربما يكون السفير العتيبة واحدًا منهم، مع تراجر، وزميله كريس بول، الموظفين في لجنة العلاقات الخارجية، بتاريخ 8 مارس 2018.

الإمارات

منذ سنتين
هاجر العوض.. من موظفة بالسفارة الإماراتية إلى ذراع العتيبة في «لوبيات» واشنطن

ثم تواصلت هاجر مع تراجر، ودانا سترول، زميلته الموظفة في اللجنة، ليُعلموا رؤساءهم بالزيارة القادمة لوفد من وزارة الخارجية الإماراتية. وقد حضر تراجر الاجتماع الذي عُقد في مايو 2018، وحضرته دانا سترول أيضًا، مع السيناتور الجمهوري بوب كوركر، والسيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، وهما زعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ.

وتبين الوثائق تواصل هاجر المتكرر مع تراجر حيث تقدم له تحديثات عن حرب اليمن ودور الإمارات فيها، وتحديدًا العمليات الإماراتية مدينة الحديدة.

وتُظهر سجلات مصوفات السفر التي ينشرها ينشرها الكونجرس بشكل دوريّ، رحلات سافرها تراجر في فترة بين يناير ومارس عام 2018 إلى الأردن، والعراق، والكويت.

وفي يوليو إلى ديسمبر (كانون الأول) 2018، سافر تراجر إلى كلٍ من الأردن، والسعودية، والبحرين، والكويت، وقطر، وسافر مرتين إلى الإمارات.

واستمر عمله في مكتب السيناتور كروكر حتى ديسمبر عام 2018، بعد إعلان السيناتور عدم الترشح لمرة أخرى للانتخابات.

تراجر مع واحد من أقوى الشيوخ.. لجنة القوات المسلحة

بعد خروجه من لجنة العلاقات الخارجية، وجد تراجر ضالته مع السيناتور الجمهوري جيمس إنهوف، رئيس لجنة القوات المسلحة، وبدأ عمله معه في ديسمبر 2018.

ولدى تراجر والسيناتور إنهوف مشتركات كثيرة، مثل القيم الجمهورية، والخوف على أمن إسرائيل، والعلاقات باللوبي الإماراتي، ولكنّ الأهم من ذلك عدواتهم للإخوان المسلمين، فقد كان السيناتور إنهوف من مهندسي قانون تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، ولكن لم يمر بعد.

السيناتور جيم إنهوف مع صديقه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي – مصدر الصورة: مدونة إنهوف على «ذا تايمز أوف إسرائيل»

ويعمل تراجر في اللجنة على شؤون القيادة المركزية (العسكرية) للولايات المتحدة «سنتكوم»؛ الإدارة المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط ومصر (باستثناء إسرائيل)، وأيضًا شؤون القيادة الشمالية (العسكرية) للولايات المتحدة «نورثكوم».

وخلال عمله في اللجنة، في أبريل 2019، اجتمع ولي العهد محمد بن زايد مع مجموعة من الشيوخ والموظفين بالكونجرس، وكان تراجر واحدًا منهم.

وتضمن كشوفات السفر الخارجية الخاصة بتراجر، سفره نهاية عام 2019 إلى لبنان ومصر، وبداية عام 2020 تنقله بين السعودية، والكويت، وقطر، قبل توقيع الإمارات والبحرين اتفاقية التطبيع مع إسرائيل.

ميرا ريسنيك.. ديمقراطية تُدافع عن إسرائيل منذ شبابها

ميرا ريسنيك – مصدر الصورة: لينكد إن

بالبحث عن ميرا ريسنيك، التي يتكرر اسمها كثيرًا في ملفات اللوبيات، لن تجد معلومات كثيرة متاحة عنها، رغم أنها موظفة قديمة في الكونجرس. ولكن يبدو أنها تتحرك بهدوء، ولم تعمل من قبل صحافية أو باحثة، ولم تنشر أوراقًا تكشف عن أفكارها وتحليلاتها.

درست ميرا العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، وحصلت على بكالوريوس آخر في الدراسات الإسرائيلية من المدرسة اللاهوتية اليهودية، في إسرائيل. وأثناء دراستها، ترأست ميرا «رابطة طلاب جامعة كولومبيا من أجل إسرائيل».

وفي عام 2002 أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تحدثت ميرا ممثلةً عن الرابطة في تجمع مناصر لإسرائيل نظم في ساحة البيت الأبيض، حيث أقيمت فعالية جماعية تحدثت فيها شخصيات إسرائيلية وأمريكية، منهم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي (وكان حينها خارج الحكومة)، وعمدة ولاية نيويورك الأسبق، رودي جولياني، محامي دونالد ترامب الحالي.

وكانت ميرا بين المتحدثين في الفعالية بكلمتها الختامية، وبحماسة وعنفوان قالت: إنّها «ممثلة عن جميع الطلاب اليهود في القارة»، وأكملت خطابها بصوتها العالي والحاد مدافعة عن إسرائيل «الضحية» للأيدي الفلسطينية ولـ«الانتحاريين المفجرين». في هذا الخطاب، كشفت ميرا صراحةً عن تعاون منظمتها وتنسيقها المباشر مع «أيباك»، أهم منظمات اللوبي المناصر لإسرائيل، ليعملوا على إيصال رسالة إسرائيل لجميع الطلبة الأمريكيين.

تكوين ميرا المتنوّع.. دراسات أمنية وخبرة في الخارجية والكونجرس

بعد تخرجها بعامين، انتقلت ميرا للعمل في الكونجرس حيث عملت مسؤولة تشريعية في مجلس النواب من يناير 2007 حتى مايو 2011، في مكتب النائب الديمقراطي السابق رون كلين، عضو لجنة الشؤون الخارجية، ورئيس المجلس اليهودي الديمقراطي الأمريكي.

وفي 2010 أرسل كلين بمساعدة ميرا، رسالة لهيلاري كلينتون، يعارض فيها جهود لجنة جولد ستون، بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة، ويطالب فيها بأن تضغط وزارة الخارجية الأمريكية ليُحال النزاع للنظام القضائي الإسرائيلي.

وبعد خروج النائب كلين من الكونجرس، عملَ في شركة المحاماة «هولاند & نايت – Holland & Knight»، التي استأجرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية لتنفيذ خدمات قانونية، وكان كلين من وقع العقد مع الوزارة.

Embed from Getty Images

النائب الديمقراطي رون كلين، رئيس المجلس اليهودي الديمقراطي الأمريكي، وأول عضو كونجرس عملت لصالحه ميرا ريسنيك

ثم في مايو 2011 انتقلت ميرا للعمل في وزارة الخارجية الأمريكية، منسقةً للتواصل مع الكونجرس. وأثناء عملها في الخارجية، درست ماجستير «الدراسات الأمنية» في جامعة «الدفاع الوطني»، الممولة من وزارة الدفاع الأمريكية.

وبعد وزارة الخارجية عادت ميرا للعمل في الكونجرس، لتعمل مستشار أول للسياسات في مجلس النواب عام 2013، ومن ثم موظفة ديمقراطية أولى في لجنة الشؤون الخارجية عام 2014، وما زالت في منصبها حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر أن زوجها جوشوا ريسنيك، موظف في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، وعملَ مترجمًا للغة العربية في البنتاجون (2004 – 2007).

ملفات الضغط السياسي والسفرات الخارجية

بعدما بدأت العمل في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وبسبب علاقاتها القوية مع منظمة «أيباك»، عملت في مكتب النائب الديمقراطي إليوت أنجل، زعيم الأقلية آنذاك في اللجنة، وأحد أعمدة اللوبي الإسرائيلي في مجلس النواب.

انضم النائب أنجل للمجلس عام 1989، واستمر حتى هُزم عام 2020، أمام الديمقراطي التقدمي جمال بومان.

وعادةً ما تستهدف شركات الضغط السياسي التواصل مع مكاتب زعماء الأقلية والأغلبية في لجان الكونجرس، نظرًا لنفوذهم وتأثيرهم على الشكل النهائي الذي تخرج به التشريعات.

وتكشف وثائق السفرات الخارجية لعام 2014، سفر ميرا للسعودية أيامَ 20 – 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وبعدها مباشرة رحلة لقطر بين 31 أكتوبر إلى 3 نوفمبر.

وفي هذه الفترة شهدَ الخليج أزمة بين قطر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، سحبت فيها هذه الدول سفراءها من الدوحة منذ مارس 2014 وحتى نوفمبر.

وفي عام 2016 تواصلت السعودية بشكل مكثف مع ميرا، من خلال شركة «هوجان لوفيلز – Hogan Lovells» المستأجرة من اللوبي السعودي. تكثفت هذه الاتصالات في فترة تمرير قانون «جاستا»، القانون الذي يعطي حق أهالي قتلى هجمات سبتمبر من محاكمة السعودية، وعُقد معها اجتماع في 8 سبتمبر 2016، أيّ قبل يوم من التصويت عليه في مجلس النواب.

وفي عام 2017 عقدت شركة سكواير باتون بوجز (اكتب اسم الشركة بالصيغة المتبّعة ما دام ذكرناها أول مرة بهذا التقرير)، التي كانت مستأجرة من هيئة المفاوضات العليا السورية لقاءً مع ميرا.

ونسقت «مجموعة بريدجز إنترناشونال – Bridges International Group» لقاء لشركة ميلينايم جروب سيرفيز (المملوكة لعائلة الحريري) مع ميرا في 7 يوليو 2017. وتكشف وثائق السفرات الخارجية، رحلة لميرا إلى لبنان بين 29 أبريل، واستمرت حتى 2 مايو 2018، وألحقتها برحلة إلى الأردن.

وبعد الحصار الرباعي على دولة قطر، وعمل لوبيات الإمارات والسعودية ضد الدوحة في واشنطن، قُدّم قانون مكافحة الدعم الدولي للإرهاب الفلسطيني في نوفمبر من قبل النائب الجمهوري بريان ماست. القانون الذي يتهم دولة قطر بدعم حركة (حماس) عسكريًا وماديًا. سَعت قطر للضغط ضدّ لوبيات الحصار، وتواصلت مع ميرا لمناقشتها بالقانون، في محاولة للضغط على النائب الديمقراطي إليوت إنجيل لإزالة اسم قطر من نص القانون، وقد حصل بالفعل.

ملف اليمن وحصار قطر

كان تواصل اللوبي الإماراتي مع ميرا مكثفًا في السنوات الماضية خاصةً في ملف حرب اليمن. وتكشف ملفات شركة «هاجر العوض وشركائها»، عن تواصل مستمر ولقاءات مع ميرا، خاصة في فترات تمرير ومناقشة مشاريع القوانين الداعية لسحب القوات الأمريكية من الحرب في اليمن وإيقاف الدعم الأمريكي لها. وعقدت اجتماعات أخرى عن «دور قطر الإقليمي» ضمن الحملة التشويهية التي شنتها الإمارات على قطر.

وفي 16 مايو 2018 اجتمع وزير الخارجية أنور قرقاش مع النائب إليوت أنجل، وكانت برفقته ميرا، وتبعه اجتماعٌ ليوسف العتيبة مع ميرا، وزميلها ماثيو زويج للحديث عن اليمن، وسنتحدث بعد قليل عن زويج.

وأثناء زيارة ريم الهاشمي، وزيرة التعاون الدولي الإماراتية، اجتمعت مع ميرا، وموظفتين آخرتين، سارة أركين، ودانا سادلوسكي، للترويج المساعدات الإماراتية في اليمن في 18 فبراير 2019.

Embed from Getty Images

النائب الديمقراطي إليوت أنجل، مناصر شرس لإسرائيل في الكونجرس، وزعيم الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بالنواب

وفي تلك الفترة تواصلت السلطة الفلسطينية بكثافة وعقدت لقاءًا مع ميرا، وزميلتها جابريلا زاش، عن طريق شركة «سكواير باتون بوجز».

ومع بداية عام 2019 وفوز الديمقراطيين بأغلبية في مجلس النواب، أصبح النائب إليوت إنجيل زعيم الأغلبية في اللجنة، ومع صعوده ارتفعت أسهم ميرا.

وأثناء الحملة الترويجية التي نفذها اللوبي السعودي لتحسين صورته في حرب اليمن، التقى بميرا السفير السعودي لليمن، محمد الجابر، للترويج للمساعدات الإنسانية السعودية لليمن، والتقى حينها مع مجموعة من موظفين آخرين في الكونجرس.

تمكين الأجندة الإسرائيلية في مجلس النواب

في مارس 2019 قدّم النائب الديمقراطي تيد دويتش قانون «تحسين التعاون الاسرائيلي الأمريكي والأمن الاقليمي»، والذي كان من داعميه النائب أنجل، وساعدت ميرا رؤساء لجنة الشؤون الخارجية في إعداد هذا القانون الذي يهدف لتوثيق الترابط بين البلدين، ودعم بعض البرامج الأمنية والتجارية مع إسرائيل.

ويأتي هذا القانون في سياق رزمة من التشريعات التي تحاول ضرب الجهات أو الدول الداعمة أو الحليفة لحركات المقاومة الفلسطينية، ورافقتها قوانين لتجريم حركة المقاطعة الدولية، «بي دي إس»، للضغط ضد صعود تيارٍ في الكونجرس ناقدٍ للسياسات الإسرائيلية، وفي لجنة الشؤون الخارجية، أبرز وجوهه النائبة إلهان عمر.

وفي تلك الفترة، سجلت وثائق السفرات الخارجية، رحلات لميرا إلى الإمارات ثم السعودية بين 17–22 فبراير 2019، وبعدها بشهرين رحلات إلى الإمارات، ثم البحرين بين 14–18 أبريل 2019، ومن ثم إلى لبنان، وقبرص، وإسرائيل خلال 24–31 مايو 2019.

وبعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقية التطبيع الإسرائيلية، وشاركت ميرا في فعالية استضافتها منظمة «الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل»، قبل توقيع اتفاقية التطبيع، دانا سترول، وميرا ريسنك، وتحدثت فيها برفقة زميلتها دانا سترول عن اتفاقيات التطبيع ومآلاتها على المنطقة، وتحدثت ميرا أثناء الجلسة عن رؤية الحزب الديمقراطي للملف الإسرائيلي، وإدراك الديمقراطيين لخطورة إيران، وأكدت على أهمية عودة الولايات المتحدة لتلعب دورها الدولي.

دانا سترول

دانا سترول. مصدر الصورة: لينكدإن

درست دانا سترول دراسات الشرق الأوسط في جامعة فيرجينيا، وتعلمت اللغة العربية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن ثم أكملت دراسة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون.

بدأت دانا مشوارها المهني في شركة «دي إف آي إنترناشونال – DFI International»، الشركة التي تساعد الحكومة الأمريكية في تنمية وتطبيق مشاريع وسياسات الأمن القومي. وانتقلت بعدها للعمل في مكتب وزير الدفاع الأمريكي، مستشارةً سياسية في الشرق الأوسط حيث عملت لمدة خمس سنوات من عام 2008 حتى 2013.

بعد خروجها من البنتاجون عُيّنت دانا موظفة ديمقراطية في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبتركيزٍ على العلاقات المصرية الأمريكية، والانسحاب الأمريكي من العراق، ومراجعة سياسات وبرامج الحكومة تجاه المنطقة ما بعد الربيع العربي.

وعملت دانا مع السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وأحد الشيوخ الذين يقدمون الولاء والقرابين لإسرائيل في المؤتمر السنوي لمنظمة «أيباك».

لوبيات عربية تتواصل مع دانا سترول

عمل دانا موظفة في لجنة الشرق الأوسط، وفي مكتب عضوٍ نافذ مثل مينينديز، يجعلها هدفًا ثمينًا لشركات اللوبيات.

فمنذ عام 2015 يتواصل اللوبي السعودي مع دانا عبر شركة «دي إل بيبر – DLA Piper»، خاصةً في فترة مناقشة وتمرير قانون «جاستا»، وتواصلت معها لنفس السبب ولصالح السعوديين «مجموعة بوديستا – Podesta Group» للضغط السياسي، المقربة من الدوائر الديمقراطية ومن عائلة كلينتون. وقبلها تواصل اللوبي السعودي معها لمناقشة شؤون سورية.

واجتمع اللوبي الإماراتي معها عن طريق شركة دي إل بيبر أيضًا في 20 نوفمبر 2013.

وتواصلت شركة «هاجر العوض وشركاؤها» عام 2018 مع دانا لمناقشة شؤون متعلقة بحركة حزب الله.

وفي تلك الفترة قدم السيناتور الجمهوري جوني إساكسون، مشروعًا يفرض ضرائب على دخول شركات الطيران الخارجي (ومنها الإماراتي)، وسط النزاع القائم بين بعض شركات الطيران الأمريكية والإماراتية، إذ اتهمت بعض الشركات الأمريكية تلقي الطيران الإماراتي دعمًا حكوميًا؛ مما يخالف اتفاقية السماوات المفتوحة. وضغطت هاجر العوض لتعطيل القانون، وتواصلت في هذا الصدد مع دانا، وزملاؤها ديف دريسلير، وإدريان أرناكيس.

واجتمعت هاجر معها مجددًا أثناء شنّ الإمارات لعمليات عسكرية على مدينة الحديدة اليمنية.

وتواصلت جهات بحرينية مع دانا؛ فقد اجتمعت بها شركة «سوريني ساميت وشركائهم – Sorini, Samet & Associates»، تعمل لصالح مجلس التنمية الاقتصادي البحريني، للحديث عن تمديد الاتفاقية التجارية الحرة بين الدولتين، وتعديل سعر التعرفة الجمركية على واردات القطن، والألياف الصناعية، والأقمشة، والملابس، والسلع المصنعة من البحرين بموجب اتفاقية التجارة الحرة.

سترول ورؤيتها للصراع في سوريا والقوى الإقليمية

تركت دانا الحياة التشريعية في الكونجرس عام 2018، لتدخل عالم المراكز البحثية والأكاديميا، لتنضم لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، نفس المعهد الذي عملَ فيه إريك تراجر سابقًا، وهو مركز مناصر لإسرائيل بالكامل وشاركت «أيباك» في تأسيسه.

ومن أبرز أنشطتها مشاركتها في رئاسة «مجموعة دراسة سوريا – Syria Study Group».

وأعدت المجموعة تقريرًا شاملًا عن سوريا نهاية عام 2019، وشاركت في جلسة استماع لمجلس النواب، نسقتها اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد خلصت المجموعة إلى خطرين إستراتيجيين بالنسبة للولايات المتحدة في الملف السوري، الأول: عدوانية بعض القوى الجديدة، مثل روسيا، والثاني «خطر الإرهاب الدولي».

دانا سترول -

دانا سترول، موظفة سابقة بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، في حوارية عن سوريا. مصدر الصورة: يوتيوب

وأوصت المجموعة بعودة القوات الأمريكية لشمال سوريا، مع فرض العقوبات المستمرة على الأسد وحلفائه.

أما بالنسبة لتركيا، فقد حذرت المجموعة من أية أزمة معها جراء التدخل التركي شمالي شرق سوريا، وأنّه على الولايات المتحدة الأخذ بعين الاعتبار الأخطار الأمنية الواقعة على تركيا، والتحفيز على عودة محادثات السلام بين الأتراك ومنظمة «بي كا كا».

وعقد معهد واشنطن مؤتمرًا في فبراير 2019، ولأول مرة شاركت دانا في هذا المؤتمر كزميلة في المعهد، بجانب باربارا ليف، ودينيس روس. وذكرت سترول أنه قبل إدارة ترامب احتلّت إيران وإسرائيل أجندة الشؤون الخارجية في الكونجرس، ولكن الأمور تغيرت في السنوات الماضية لتتركز على السعودية واليمن أكثر. وتذكر سترول أمثلة لقوانين مثل قانون «جاستا»، القانون الذي يعطي حق أهالي قتلى هجمات سبتمبر من محاكمة السعودية، والقوانين التي تخص عدم بيع أسلحة للسعودية بسبب انتهاكاتها في الحرب اليمنية.

إسرائيل والإمارات.. مواقف متداخلة

في نفس اليوم الذي وقعت فيه الإمارات والبحرين اتفاقية التطبيع، خرجت دانا مع دان شابيرو السفير الأمريكي السابق لإسرائيل، للتعليق على الاتفاقية، وكان المحاور هو النائب السابق رون كلين، التي كانت تعمل في مكتبه ميرا ريسنيك، وبدأت دانا مقدمتها بالتعبير عن حماستها وقيمة «العدالة الاجتماعية» تجاه اليهود، كونها ترعرعت في بيتٍ يهودي.

بعد توقيع اتفاقية التطبيع نشرت دانا مقال رأي على «وكالة التلجراف اليهودية»، تستشرف فيه مستقبلًا أبهرَ وأفضلَ في ظل التكامل الإقليمي الذي تسعى له إسرائيل، وتتحدث دانا في مقالتها عن الأسباب والعوامل المشتركة التي دفعت باتجاه هذا الاتفاق، منها: القلق المشترك تجاه إيران، والخوف من «الإسلاموية»، وتضع تنظيم القاعدة و«داعش» ممثلين عن النموذج «العنيف المتطرف»، والخوف من الإخوان المسلمين في مصر وتركيا، «التجسيد» للحركة الإسلامية «الاجتماعية السياسية» على حد تعبيرها.

وتدعو دانا الدول المطبعة لتعزيز الروابط التجارية والاقتصادية، ليقدموا نموذجًا ناجحًا للدول الأخرى. وتكمل بأنّه ما زال الخطر يحفّ بإسرائيل بوجود إيران وحزب الله، وحماس في فلسطين، التي ترسل «صواريخها على أحياء الشعب الإسرائيلي».

وتؤكد دانا أيضًا أنّ العلاقات الإستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل ستبقى وستقوى بالرغم من وجود بعض المنتقدين، لا بسبب التصدي لإيران فحسب، بل أيضًا لرؤية ازدهار دولة «يهودية ديمقراطية»، يهودية وفقط.

ويبدو أنّ دانا من الديمقراطيين الذين يؤمنون بحل الدولتين، وهو الخط التقليدي للحزب الديمقراطي، مع استمرار تقديم المساعدات الأمريكية للفلسطينيين في نفس الوقت، ولكن كتاباتها لا تقدم تصورًا للجمع بين فكرة حل الدولتين، وفكرة الدولة اليهودية.

نشرت دانا سترول مقالة مع باربارا ليف، السفيرة الأمريكية السابقة في الإمارات (2014-2018)، تتحدثان فيها عن اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية. يبدأ المقال بسرد أحداث كبرى هزّت الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، ثم تصفان الاتفاقية بأنها «لا تصدّق» في سياق الشرق الأوسط الكئيب الذي تتخيلانه.

يذكر المقال أنّ ما يجمع الإمارات وإسرائيل على طاولة واحدة هو التهديد الإيراني في المنطقة. وتسهبان في الحديث عن أهمية ثقة إسرائيل لبيع مقاتلات «إف-35»؛ لأنّ الإمارات لن تنقلب عليها، وأنّ الإمارات، على عكس مصر والأردن، لم تهاجم أو تضرب إسرائيل من قبل أبدًا.

Embed from Getty Images
أثناء توقيع الإمارات والبحرين اتفاقية التطبيع مع إسرائيل

وبالرغم من تأييدهما لصفقة «إف-35»، يبدو أن دانا وزميلتها لديهما تحفظٌ من نوع ما على بيع هذه المقاتلة المتفوقة للإمارات، وتقولان إن بيعها لدول أجنبية يعني ثقةً أمريكية عالية بالحليف المُشتري، وبطريقة اتخاذه لقرار استعمال المعدات العسكرية وحماية التقنيات المتقدمة، وتصفان تاريخ الإمارات في هذا الصدد بأنه مختلط، ولا يصل للمستوى المنشود.

وفي نهاية المقال تؤكدان على أنّ بيع الأسلحة المتطورة لأطراف في الشرق الأوسط سيفتح ملفًا شائكًا وصعبًا على الولايات المتحدة لما ستواجهه من طلب متزايد من حلفاء آخرين في المنطقة يريدون شراء نفس التقنيات المتطورة.

وتتبنى دانا الخط العام للحزب الديمقراطي، ولا تدعم تصنيف الإخوان المسلمين جماعةً «إرهابية»، وترى أن تصنيف جميع أفرع الحركة على أنها «إرهابية» لن يكون تصنيفًا «موضوعيًا/واقعيًا»، وتقول إنّ العديد من الدول التي تتلقى مساعدات أمريكية مثل تونس، لديها مشاريع ديمقراطية حقيقية، وقد تتعرض هذه الدول لقطع المساعدات عنها في حال تصنيف الإخوان جماعة «إرهابية».

وأخيرًا، كانت دانا من بين المتحدثين في مؤتمر أيباك لعام 2020.

ماثيو زويج

ماثيو زويج – مصدر الصورة: لينكدإن

ماثيو زويج هو موظفٌ جمهوري خدم في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، منذ عام 2001، وبتركيز على لجنة شؤون الشرق الأوسط.

وعمل مستشارًا في السياسات الخارجية للنائب الجمهوري إدوراد رويس، الذي ترأس اللجنة بين عام 2014 إلى 2016.

وتبنى رويس أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف في الكونجرس، إذ قدم مطلع عام 2017 قانونًا يعارض قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة، الذي يستنكر بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

تحصل زويج على شهادتي ماجستير، واحدة في «دراسات الحرب» من جامعة لندن، والأخرى في «الدفاع الوطني» من كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج ماسون.

تركز عمل زويج على العقوبات الدولية خاصةً على: روسيا، وكوريا الشمالية، وإيران والجماعات التابعة لها مثل حزب الله، وقضايا التمويل «الإرهابي»، وشؤون الشرق الأوسط.

ولكنّ ما يُميز عمل زويج في الكونجرس، جهوده في لجنة الشؤون الخارجية فيما يخص التشريع الكبير، «قانون إقرار الدفاع الوطني – National Defense Authorization Act»، وهو قانونٌ سنوي يحدد السياسات والموازنات المالية لوزارة الدفاع الأمريكية، ويرسم خطوطًا عامة للعلاقات الأمريكية العسكرية بعدّة حلفاء وخصوم.

وتكشف وثائق مسربة على «ويكيليكس» من السفارة الأمريكية في تل أبيب، عن زيارات لماثيو زويج مع زميله ديفيد آدمز إلى تل أبيب ومصر نهاية أكتوبر 2005، وعقدهم لقاءات مع مسؤولين حكوميين.

زيارة تل أبيب بين 8–12 أكتوبر. تحدث زويج وآدمز عن قلقهم من مشاركة حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية، وذلك في لقاء مع مسؤولين إسرائيليين ودوليين. وبحث زويج مع المسؤولين ردة فعل المجتمع الدولي اللازمة في حال فوز حماس.

ثم سافرا لمصر، والتقيا بمسؤولين مصريين لنقاش موضوع حدود رفح، والمساعدات العسكرية. والتقيا برندا لبيب، مسؤولة الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية المصرية، للحديث عن الانتخابات الفلسطينية القادمة، ومعوقات عملية السلام.

كما التقوا مع مسؤولين كبار بالقوات المسلحة المصرية وفي وزارة الدفاع، منهم اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع آنذاك، ومعه اللواء فؤاد عبد الحليم، وأكد العصار على الأهمية «الرمزية» للمساعدات العسكرية للجيش المصري، في سياق تعاون الحكومة المصرية في عملية فك الارتباط الإسرائيلي عن غزة.

ويكشف موقع ويكيليكس أيضًا عن وفد من لجنة الشؤون الخارجية كان فيه زويج، زاروا الأردن في يناير 2008، حيث التقوا مع بشر الخصاونة، مسؤول الشؤون الأوروبية والأمريكية في وزارة الخارجية الأردنية، ونواف التل، مسؤول التفاوض وملف المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية. وخلال اجتماعهم ناقشوا المسؤولين الأردنيين في الملف الفلسطيني، وعن رغبة الأردن في تطوير برنامجها النووي السلمي.

ماثيو زويج أثناء جلسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب للحديث عن الاحتجاجات في مصر ولبنان فبراير 2011 – مصدر الصورة: سي-سبان

زويج خبير الأموال والشؤون الدفاعية.. رجل المهمات الصعبة لدى اللوبيات

لم يكن تواصل اللوبيات مكثفًا مع زويج، ولكنّه كان محددًا في قضايا أمنية تهدد بعض اللوبيات.

فعلى سبيل المثال تواصل اللوبي السعودي مع زويج نهايات عام 2015، في الوقت الذي كان فيه الاتفاق النووي الإيراني على مشارف التمام، وكان هذا التواصل جزءًا من حملة الضغط لتعطيل هذا الاتفاق بأي ثمنٍ كان.

وتواصلت هاجر العوض، ذراع العتيبة اليمين في واشنطن مع زويج في 14 سبتمبر 2017، لمناقشة شؤون حزب الله. وفي هذا الوقت اشترك النائب الديمقراطي إليوت أنجل (مدير ميرا ريسنيك)، والنائب الجمهوري إدوارد رويس (مدير ماثيو زويج)، بتقديم قانونٍ يفرض عقوبات مالية على أفراد وهيئات تابعة لحزب الله، ويحظر شبكات مالية «غير مشروعة».

وعقدت هاجر اجتماعات أخرى مع زويج عن اليمن، واحد في 26 سبتمبر 2018، وواحد مع يوسف العتيبة 3 أكتوبر 2018. في نفس الفترة التي كانت الإمارات تشن عملياتها في الحديدة.

وبعد تقديم قانون مكافحة دعم الحركات الفلسطينية تواصل اللوبي القطري بشكل مكثف مع زويج لإزالة اسم قطر من نص القانون.

وعقد بنك لبنان لقاءً مع زويج عن طريقة شركة «سكواير باتون بوجز»، لنقاش بعض «القضايا المصرفية» التي تخص لبنان، في ضوء متابعة وزارة الخزانة الأمريكية لشبكات ومصادر تمويل حزب الله اللبناني الذي استعمل خدمات المصرف. وكانت شركة «سكواير» عملت على تحسين صورة المصرف أمام الجهات الأمريكية.

وبعد خروج النائب رويس من الكونجرس خرج معه زويج في عام 2018. ويعمل الآن باحثًا في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، التي تتلقى جزءًا من أجندتها من أذرع حكومية إسرائيلية، ويُمول من بعض منظمات اللوبي في أمريكا. ولدى المعهد ارتباطٌ وثيق مع الإمارات، فقد كشفت تسريبات العتيبة تواصلات عديدة لباحثين عدة مع السفير الإماراتي يوسف العتيبة.

هذه القصة جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد