جمعهم الوطن العربي غزاة ومهاجرين من أوطان نشب فيها الفقر والحرب، ورحلوا عنه ثانية لظروف سياسية صادمة أو لطموح غلب واقعهم، حاملين معهم ثقلا عربيًا دفعهم لتصدر قائمة مشاهير العالم في الأدب والموسيقى والرياضة.
ألبير كامو (1913 – 1960)
فيلسوف وجودي وروائي فرنسي حائز على جائزة نوبل للآداب لعام 1957، ولد في قرية الذرعان في الجزائر لأب فرنسي وأم أسبانية. عاش البؤس مثل كل جزائري وظلت الجزائر مركزية في الجدل حول معاركه الفكرية، أنكرته الجزائر بعد وفاته، فأصبح يحكم على أدبه من خلال القضية الجزائرية وكفاحه ضد المؤسسة الاستعمارية في الجزائر أو النازية عندما احتلت فرنسا أو من حركة التحرير الوطني الجزائرية التي رأى في استهدافها للمدنيين إرهابًا، عاش كامو في الجزائر مع أمه الصماء البكماء الأمية، وجدّته المتسلطة وشقيقه لوسيان برعاية عمه الأمي صانع البراميل أمام ميناء الجزائر على البحر المتوسط، بدأ نشاطه السياسي وفقد صلته بالجزائر تدريجيًا بعد مقالاته، ثم كانت الزيارة الوحيدة للجزائر بعد سنوات في المنفي في أوروبا عام ،1965 في محاولة للبحث عن حل لوقف العنف بين الفرنسيين والجزائريين، وهو ما رفضه الجزائريون والمتطرفون الفرنسيون مطالبين بموته مما أدى لفشله في التوصل لهدنة مدنية، ليقرر الالتزام بالصمت وألا يقول شيئًا يتعلق بالجزائر لأنه كان مقتنعًا أن أي شيء يقوله سيفاقم الوضع. أصدر بعد ذلك كتابه “سجلات جزائرية” وقد كتب في مقدمته “هذا تحذير أخير يمكن أن يقدمه كاتب قبل أن يعود مرة أخرى لصمته”.
داليدا (1933 – 1987)
[c5ab_gettyimages c5_helper_title=”” c5_title=”” ]
[/c5ab_gettyimages]
جاءوا من بعدها يختلفون لأي وطن غنت “حلوة يا بلدي”، داليدا المغنية الشهيرة التي غنت بتسع لغات لتتصدر قوائم أفضل عشر أغنيات حول العالم، ولدت في مصر في حي شبرا لأبوين مهاجرين من جزيرة كالابريا الإيطالية هربًا من الحرب والفقر. تلقت داليدا الدروس في الكنيسة المصرية كطفلة حتى بدأت عملها كسكرتيرة في إحدى شركات الأدوية. بدأت داليدا حياتها الفنية بعدما فازت بلقب ملكة جمال مصر لعام 1954 لتتأكد من قدرتها وموهبتها التي ورثتها عن إحدى قريباتها وهي الممثلة الإيطالية إليانور دوسي. مما قادها لتمثيل بعض الأدوار الصغيرة فسافرت إلى فرنسا في نفس العام بحثًا عن الشهرة، وبدأت العمل مع ألان ديلون منذ كان الجوع رفيقهم لضعف فرصتها كمغنية، وهو يبحث عن دور صغير يقوم به، ثم بدأت الغناء في الملاهي الليلية حتى احترفت الغناء، لكن حياتها الخاصة حملت الكثير من الآلام لفشل زواجها الأول وانتحار اثنين ممن عشقتهم، فلحقتهم بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة تاركة رسالة كتبت عليها “سامحوني، الحياة لم تعد تُحتَمل” بعد أن قدمت داليدا للسينما المصرية واحدًا من أهم أعمال المخرج يوسف شاهين وهو فيلم ” اليوم السادس”.
كلود فرانسوا (1939 – 1978)
[c5ab_gettyimages c5_helper_title=”” c5_title=”” ]
[/c5ab_gettyimages]
“مغني الفرنسيين الشعبي”
ولد في مصر في محافظة الإسماعيلية لأم إيطالية وأب فرنسي كان يعمل في قناة السويس وطُرد منها يوم تأميمها لتعود العائلة إلى موناكو وتعلن إفلاسها، فبدأ فرانسوا العزف وقرر العمل كموسيقي بمونت كارلو رغم رفض والده حاد الطباع، فقاطعه ورفض حتى أن يستقبله وهو على فراش الموت. كان فرانسوا معروفًا بشغفه النادر وعزيمته الاستثنائية وميله نحو الابتكار خوفًا من الفشل الذي ظل هاجسًا يلازمه، وعاش مجدًا فنيًا دون أمان مهددًا بالإفلاس، يكتسب شهرته من تلك الحقبة الزمنية التى عاشها الشباب الأوروبي والأمريكي يحلم بالثورة بعد الحرب العالمية الثانية، وتعكس موسيقاه ميلهم نحو التعبير عن الذات بالموسيقى والرقص. وقد تعرض فرانسوا لأبشع أنواع التعتيم غير المقصود حتى أن أغنيته الأشهر “Comme d’habitude” سرقها منه فرانك سيناترا ونقلها للإنجليزية تحت عنوانMy way ولم يستطع الدفاع عن أغنيته أمام النجم الأمريكي. كانت حياة فرانسوا قصيرة بما لا يكفي فيأخذه الموت وهو في طريقه لدخول عالم الموسيقى الأمريكية في سن التاسعة والثلاثين عندما تسربت الكهرباء إلى جسده أثناء استحمامه بمنزله ليكون ممن يجني اسمهم أرباحًا وهم موتى! حيث تجاوز ما بيع من اسطواناته السبعين مليون اسطوانة ليقترب من ظاهرة المغني الأمريكي إلفيس بريسلي الذى تحول اسمه إلى ماكينة تدر الملايين.
جورج موستاكي (1934 – 2013 )
مغني الحب والجمال وعاشق الإسكندرية التي ولد فيها لأبوين من الجالية اليونانية التي أقامت في المدينة في القرن الماضي، لينشأ وسط خليط من عرب ويونانيين وفرنسيين وأرمن وأتراك، ويتقن مفردات العيش المشترك ويحب الموسيقى منذ صغره ويتعلق بالأغاني الفرنسية والتي سمعها في الحفلات وما أتى به البحارة. وكانت أحب المغنيات إليه أم كلثوم فرنسا والمطربة الأشد صخبًا “إديث بياف”. هاجر لفرنسا عام 1951 ليعمل بالصحافة حتى حالفه الحظ للقاء إديث فأرفقته بفرقتها حتى قدم لها أغنية “Milord” لتكون بابه لكتابة وتلحين أغنيات لكبار المغنيين الفرنسسين في ستينات القرن الماضي، منهم إيف مونتان وباربارا وسيرج ريغيانى وداليدا وكلود فرانسوا، في الوقت الذي شارك فيه في الحركة السياسية فساند انتفاضة الطلبة عام 1968 مدفوعا بإيمانه بالمنهج التروتسكي الشيوعي لتكون خطوته الثانية نحو العالمية هي تلك الأغنية التي بث فيها شعوره كمغترب مرتحل في أغنية “le meteque” وهو الاسم المشتق من اليونانية القديمة عن شخص يعيش في مدينة لا ينتمي إليها وأغنيته “nadjejda” والتي كتبها في محبوبته المغربية نادية برادلي، المناضلة التي انخرطت في العمل مع المقاومة الفلسطينية وألقت القوات الإسرائيلية القبض عليها وهي في طريقها لتنفيذ عملية فدائية داخل إسرائيل وأمرت حبسها 12عاما، سافر أثناء تلك المدة بوستاكي لزيارتها في المعتقل حتى وفاتها بالسرطان، ورغم مرور عشرات السنوات على رحيله لم ينس موستاكي مصر حيث أقام حفلًا خيريًا عام 1992 بإشراف اليونسكو في باريس ذهب ريعها لضحايا الزلزال الذي ضرب مصر ذاك العام، ورحل عن العالم في العام الماضي إثر مرض صدري تاركًا أغانيه باعثة للوحدة بين شعوب البحر المتوسط بين إيقاع يوناني وإحساس فرنسي ونكهة شرقية.
جيست فونتين
[c5ab_gettyimages c5_helper_title=”” c5_title=”” ]
[/c5ab_gettyimages]
في المغرب عام 1933 ولد فونتين لأب فرنسي وأم أسبانية ليبدأ احترافه لكرة القدم في صفوف الاتحاد الرياضي المغربي بالدار البيضاء حتى تعاقد مع نادي نيس الفرنسي ثم ريميس النادي الأقوى في فرنسا ونجح في تسجيل 121 هدفًا في ستة مواسم حتى أحرز 165 هدفا في 200 مباراة في الدوري الفرنسي وتوج له هدافا مرتين في 1958 و 1960، وارتدى بعد ذلك قميص المنتخب الفرنسي وتردد اسمه في كل مرة يقام فيها كأس العالم ويحصل على لقب أفضل هدّاف في نهائيات كأس العالم عام 1958 محرزا 13 هدفًا وهو الرقم القياسي الذي ما زال يحمله كفرنسي. لكن سرعان ما أنهى فوتين مسيرته رسميًا ولم يكن قد بلغ السابعة والعشرين في تلك الفترة بعد تعرضه لإصابة خطيرة في ساقه، لكنه لا يزال فاعلا في مجال كرة القدم، فقد أسس الجمعية الوطنية للّاعبين المحترفين في فرنسا كنقابة للّاعبين، لكنه كان المدرب الأقل تعميرًا في المنتخب الفرنسي لأنه أشرف على مباراتين فقط أسفرتا عن خسارة فريقه وتمت إقالته مباشرة.