هذا أول يوم من العام الجديد، ومنذ عقود من الزمن لم تتغير القارة الإفريقية كثيرًا، ولم تقع فيها أحداث كالتي تجري في الشرق الأوسط، وربما يعود ذلك لغياب تغطية وسائل الإعلام العالمية لما يقع من حروب وانقلابات واحتجاجات، بالإضافة إلى انصراف الاهتمام الدولي عن الذي يحدث في مناطق كالساحل الإفريقي أو إفريقيا الوسطى أو جنوب السودان والقرن الإفريقي.
يتفق الكثيرون أن الدول النفطية في العالم بشكل عام، والقارة الإفريقية بشكل خاص، ستعيش أوضاعًا صعبة هذا العام؛ فالجزائر بدأت في سياسة التقشف، وهي أمام انفجار اجتماعي وشيك، بحسب وسائل الاعلام المحلية، ونيجيريا، البلد النفطي الأول في القارة، تُعاني كذلك من تراجع اقتصادي رهيب، فيما يزداد الوضع تعقيدًا في دول الطاقة غربي إفريقيا، مع الوجود الأمريكي والأوروبي العسكري.
ومع كل عام جديد، يُعد «ساسة بوست» تقارير استشرافية وإحصائية حول الأحداث الهامة والمنتظرة، في عدد من المناطق حول العالم، واضعًا القارئ في صورة ما يُسجّله التاريخ مُستقبلًا، وهو ما سنفعله مع إفريقيًا 2017.
في سباق الرئاسة.. قد يسقط أكبر الرؤساء عمرًا
قبل 20 يومًا من الآن، هنأ الرئيس الغاني السابق، «جون دراماني ماهاما»، خلفه ونظيره في الانتخابات، زعيم المعارضة «نانا أكوفو أدو»، وتسجل إفريقيا ـ بهذا السلوك ـ أحد المشاهد النادرة في التداول السلمي للسلطة، في حين يقف «يحيى جامع»، الرئيس الغامبي، حجر عثرة أمام الانتخابات الديمقراطية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) لهذا العام.
وتطوى بذلك صفحة الرئاسيات التي جرت عام 2016 في كل من النيجر وغامبيا والتشاد وأوغندا وإفريقيا الوسطى وجيبوتي والكونغو الديمقراطية وجزر القمر وزامبيا والجابون وغينيا الاستوائية والبنين وساوتومي وجزر الرأس الأخضر.
لينتقل السباق الرئاسي في كل من الصومال التي شهدت قبل أيام قليلة فقط انتخاب برلمان جديد، وسيشرف رئيس البرلمان على انتخابات الرئاسة في الأسبوع الأول للشهر الأول من العام الجديد، بالإضافة إلى رواند التي أعلن رئيسها «بول كاجامي» الترشح للفوز بالعهدة الثالثة، وهو القرار الذي انتقدته الخارجية الأمريكية بشدة.
وتعرف كينيا هي الأخرى انتخابات رئاسية وبرلمانية في شهر أغسطس (آب) القادم، في حين تعرف ليبيريا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) نفس الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية، وسيراليون في الشهر الذي يليه مباشرة، حيث التنافس حول منصب رئيس البلاد ومقاعد البرلمان السيراليوني.
كما تعرف زيمبابوي عملية انتقال صعبة جدًا؛ فالرئيس «روبررت موجابي» (92 عامًا)، لا يرغب في التنحي طواعية (استلم الحكم في 1978)، وقد يؤدي ضغط المعارضة لحدوث مواجهات عنيفة بين دوائر السلطة والمعارضة، التي ترفض استمرار موجابي في الحكم لسنوات إضافية، ولذلك يبقى نائب الرئيس الحالي والمدعوم من الجيش، المرشح الأقوى لاستلام الحكم.
وبالرغم من وجود تواريخ محددة للانتخابات الرئاسية في إفريقيا، إلا أن التأجيل والصراع السياسي والأمني في عدد من المناطق، يجعل الكثير من الاستحقاقات تتأجل لأشهر أو أكثر من سنة، لذات الأسباب التي تمهد لاستمرار الرئيس الحاكم.
وعلى سبيل المثال، أشارت الأخبار المحلية إلى عزم رئيس أنجولا، «خوسي إدواردو دوس سانتوس» (استلم الحكم عام 1979)، التنحي من رئاسة البلاد في عام 2018، والإشراف على الانتخابات التي تخلفه في المنصب، بالرغم من أن تاريخ الاستحقاق الرئاسي كان سابقًا محددًا في عام 2017.
هذه هي الدول التي تشهد السباق نحو البرلمان
كما تعرف دول، مثل غامبيا، وغينيا الجديدة، والسنغال، وجنوب السودان، والجابون، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا، انتخابات برلمانية خلال أشهر هذا العام، في حين تعرف ثلاث دول عربية، هي: الجزائر، وتونس، وموريتانيا، استحقاقات برلمانية ومحلية جهوية، واستفتاء حول تعديلات دستورية على التوالي.
وفي الجزائر، جاء التعديل الدستوري الجديد بمجموعة من المواد التي تعطي للتشريعيات أهمية بالغة للأحزاب السياسية، فالإسلاميون بعد انشقاقات عديدة، تحولت أخبارهم نحو التحالفات والاندماج الكلي فيما بينهم، وهي التشريعيات المرتقبة في شهر أبريل (نيسان) من العام الجديد. كما أن سياسة التقشف التي تعتمدها الحكومة حاليًا، ستنعكس لا محالة على الصراع السياسي خلال هذه السنة، التي تختم بانتخابات محلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس العام.
أما في موريتانيا، فتُسيل التعديلات الجديدة على دستور البلاد الكثير من الحبر، فالمعارضة نزلت للشارع بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، تعبيرًا عن رفضها لمثل هذه التعديلات التي تمس ثوابت في الدستور، كتعديل للراية والنشيد الوطنيين، وكذلك فتح الولايات «العهدة الرئاسية» أمام رئيس البلاد، بعدما كانت محددة بولاية واحدة قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.
لم تحدد تونس موعدًا للانتخابات المحلية (الجهة) التي ستجرى هذا العام، في الوقت الذي تشهد فيه أوضاعًا أمنية واقتصادية صعبة، بعد تجربة الانتقال الديمقراطي التي يصفها المراقبون بـ«الناجحة»، فيما اعتبر الرئيس التونسي، «باجي قائد السبسي»، أن «الفترة القادمة تستدعي منا انتقالا اقتصاديًا تضامنيًا لتعزيز التجربة الانتقالية السياسية».
كما تعتبر دول مثل ليبيا، وجنوب السودان، ومالي، وإفريقيا الوسطى، دول قابلة لإجراء انتخابات أو استحقاقات في أي وقت خلال هذا العام، خاصة مع وجود حروب ونزاعات عسكرية متواصلة منذ سنوات.
هذا، ولا يبدو أن مؤشر العنف في إفريقيا مع العام الجديد يشهد تراجعًا، نظرًا إلى الأوضاع السائدة حاليًا، خاصة في المناطق الذاخرة بالثروات النفطية والمعدنية.
نمو اقتصادي مرهون بالأمن والاستقرار
تدخل إفريقيا العام الجديد، وهي تترقب اتفاق منظمة الدول المصدرة والمنتجة للنفط (أوبك)، بالرغم من قرار تسقيف الإنتاج، الذي يُعتبر تتويجًا لعودة دول المنظمة إلى الحوار، وتجسيد قراراتها، إلا أن هناك تخوفًا كبيرًا في الجزائر وليبيا ونيجيريا والكاميرون، من تراجع أسعار النفط خلال 2017.
كما تعرف أنجولا زيادة كبيرة في مستويات الإنتاج والتصدير للنفط أواخر عام 2016، متفوقةً أخيرا على المُنتج رقم واحد في القارة، وهي نيجيريا، بحسب آخر التقارير الاقتصادية في هذا الشأن.
وتجاوزت أنجولا أكبر منتج للنفط في القارة بعد ضخ أزيد من 8800 برميل خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) مقارنة بما أنتجته في شهر يونيو (حزيران) 2016.
وتأثرت نيجيريا خلال عام 2016 بصورة كبيرة في الإنتاج الطاقوي؛ بسبب التفجيرات التي استهدفها في منطقة دلتا النيجر، وهو السبب الذي دفع بمنظمة «أوبك» إلى استثناء نيجيريا وليبيا من القرار الخاص بتخفيض الإنتاج.
من جانبها، تعيش جنوب إفريقيا أوضاعًا سياسية صعبة، زادت من التأثير على الناتج المحلي للحكومة، بعد فقدان للحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس «جاكوب زوما»، لمقاعد في البرلمان الحالي، فيما لعبت ملفات الفساد المرتبطة بالرئيس الجنوب إفريقي زوما، وحزبه الحاكم، دورًا في خسران العاصمة بريتوريا لصالح تحالف المعارضة الديمقراطية، بالإضافة إلى مدينة الزعيم الراحل «نيلسون مانديلا»، وهي القطب الصناعي الأول في البلاد.
ومع استمرار الركود الاقتصادي الذي تعرفه جنوب إفريقيا، التي تعد الدولة الأكثر تطورًا بالنسبة لباقي دول القارة؛ قد يشهد عام 2017 تغييرًا على مستوى الحزب الحاكم، وترقبًا لعدم استمرار رئيس البلاد والحزب معًا جاكوب زوما في قيادة الحزب لولاية أخرى، والمؤتمر يجري منتصف عام 2017.
وبالنظر إلى نمو الاستثمارات في القارة الإفريقية، يُحتمل أن تتراجع الاستثمارات الصينية بشكل لافت للانتباه، في الوقت الذي حققت فيه تونس نجاحًا من خلال صندوق الاستثمارات الأجنبية بحوالي 15 مليار دولار.
ومع هذا قد تشهد القارة زيادةً طفيفة في معدل النمو، يُقدّر بـ3.5% مقارنة بعام 2016 الذي لم يتجاوز 1.6% فقط. وعرفت إفريقيا ازدهارًا في معدلات النمو العالمية، لترتفع إلى أكثر من 4.4% في الفترة 2010 إلى 2015.
ويرتبط النمو الاقتصادي في إفريقيا، بالاستقرار السياسي والأمني في عدد من المناطق المصنفة بالخطيرة. ويعطي الصومال صورة مثالية على زيادة نموه الاقتصادي بعد استتاب الأمن، ومرور سنة سياسية مستقرة، مقارنة بما عاشته المنطقة من حروب وتطرف وإرهاب، وأصبحت للحكومة الصومالية علاقات مع قوى كبرى، حيث أرسل عدد كبير من الدول سفرائها إلى الصومال خلال هذا العام مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسويد واليابان.
إلا أن الصومال ومنطقة الشرق الإفريقي، قد تعرف مفاجآت غير سارة، خاصة مع عودة تنظيم المقاتلين الشباب الذي أعلن عن محاولة استهدافه لمقرات وهيئات حكومية ودولية في داخل البلاد وبالحدود مع كينيا، بالإضافة إلى قرار الاتحاد الإفريقي عدم زيادة جنوده في مناطق حفظ السلام. وتعرف إثيوبيا هي الأخرى تحركات اجتماعية تؤثر تدريجيا على الاستقرار النسبي الموجود منذ الصراع مع أرتيريا بداية الألفية الجديدة.
الكوارث الإنسانية المسكوت عنها في القارة
أشارت دراسة أعدتها منظمة «عيون الجمهور» السويسرية غير الحكومية، إلى احتمال حدوث كارثة إنسانية مرتقبة بين 2017 و2019، لافتةً الدراسة إلى ما وصفته بتحايل الشركات الأوروبية على المجتمعات الإفريقية الغارقة في الفقر جراء ممارسات تحويل الطاقة غير النظيفة، المحظورة أوروبيًا، إلى المجتمعات الإفريقية.
ولفتت الدراسة إلى أنّه في عام 2006، ظهرت أعراض مرضية غامضة على عدد من سكان مدينة أبيدجان في ساحل العاج، وقالت وسائل الإعلام حينها: إن روائح كريهة غير معهودة من النفايات في المدينة، أدت إلى وفاة أكثر من 10 اشخاص، ودخول عشرات الألوف إلى المستشفيات، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن تصنيف أبيدجان العاجية إلى «مدينة موبوءة».
وتوصلت التحقيقات إلى أسرار مروعة عن كوارث بيئية مروعة، تسببت فيها شركات يونانية ترفع علم بنما، وتنقل هذه الشركات أطنانًا من المواد الكيمياوية والوقود التي تحمل موادًا خطيرة على صحة الإنسان في إفريقيا. وأضاف التقرير أن «تجارًا سويسريين وآخرين يحققون أرباحًا كبيرة عبر استغلال النواظم الضعيفة لإنتاج وبيع أنواع ضارة من الوقود».
وتستورد أربع دول مثل هذه المحروقات السامة، وفق تقرير «الوقود القذر» وهي الصومال ومصر والكونغو وتونس. وتفوق التركيبة الكيمياوية النسب الدولية المسموح بها بـ400 مرة. وبالإضافة إلى هذه الدول الأربع، ورد ضمن التقرير دول نفطية أخرى وهي بنين وكوت ديفوار ومالي والسنغال وغانا، وهي دول تصدر النفط الخام، قبل أن تستورده موادًا سامة.
وتشير تقارير مشابهة لهذه الدراسة، إلى تعاظم الخطر المناخي والكيمياوي في إفريقيا، ولعل هذا ما يفسر انتشار الفيروسات والأمراض بسيرورة غير متناهية في المجتمعات الإفريقية، بالإضافة إلى انتشار الفقر والحروب والنزاعات في عدة مناطق، وهو ما يجعل عام 2017، أحد الأعوام الأكثر إثارة في القارة ذات التناقض في مفهومي الثروة والثورة.
كأس الأمم الإفريقية «كان 2017»
عند الحديث عن أهم الأحداث في القارة الإفريقية، لا يمكن تجاهل الحدث الكروي الهام «كان 2017» لهذا العام، الذي تستضيفه الجابون في 14 يناير (كانون الثاني) الجاري، وتشارك أربع دول عربية في هذا النزال الكروي، وهي مصر وتونس والجزائر والمغرب.
وعرفت الجابون أعمال عنف خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2016؛ بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ احتجت المعارضة لفوز الرئيس المنتهية عهدته على بانجو، وهي الأحداث التي خلفت عدد من القتلى والجرحى، ما أثار مخاوف لدى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، تجاه قدرة الجابون على تنظيم الدورة المرتقبة.
وترشح الصحف الرياضية منتخبات الجزائر ونيجيريا وكوت ديفوار وزامبيا والكاميرون للتتويج بالكأس الإفريقية، في حين يعرف المنتخب المصري عودة قوية إلى الساحة الكروية، بالنظر إلى النتائج الجيدة في الفترة الأخيرة، وصعوده في ترتيب المنتخبات الذي تصدره الفيفا كل شهر، ومع خبرته الكبيرة في كأس الأمم الإفريقية، قد يُرشّح هو الآخر للتتويج.
علامات
2017, editorial, إفريقيا, استشراف, افريقيا, افريقيا في 2017, الجزائر, العام الجديد, القارة الافريقية, تقارير, توقعات 2017, جنوب افريقيا, دراسات, كان 2017, مصر, نيجيريا