صدقت نبوءة «ستيف جوبز» مؤسس شركة أبل العملاقة (أحد أكبر شركات التكنولوجيا في العالم)، حينما قال أن الفلاش ليس له مستقبل على المتصفحات لأنه مغلق المصدر، وأن شركته لن تستخدمه في متصفح الإنترنت على أجهزتها (سفاري)، وستستخدم بديلًا عنه تكنولوجيا متقدمة أخرى، لم يُعلن “جوبز” عنها في حينه.
كان في مخيلة “جوبز” – الذي رحل عن دنيانا مؤخرًا تاركًا رصيدًا ضخمًا من العلم التقني – أن تكنولوجيا النص فائقة السرعة أو ما تعرف تقنيًا باسم “html”، ستحل اللغز أو اللوغارتيم الأصعب على الإطلاق، وهو احتكار شركة أدوبي لتكنولوجيا “الفلاش” وغلق مصدرها.
«أبل» أول شركة تستغني عن “الفلاش”
وأصبح التركيز الأكثر على النسخة الأخيرة من تكنولوجيا النص الفائق “html 5″، ووجّه ستيف جوبز مبرمجي أبل نحو استخدام هذه التكنولوجيا والتعمق في فهمها، وإدخالها في عمل الشركة، فكان متصفح الشركة سفاري، أول متصفح يُلغي “الفلاش بلاير” ويستخدم بدلًا عنه الـ html 5، ولم يكتف “ستيف جوبز” بذلك، بل قام بإلقاء خطاب شهير أمام مبرمجي أبل، قال فيه: «أن الفلاش غير آمن، ولن يكون له مستقبل، كما أنه مغلق المصدر، ولذلك لن نستخدمه في جميع منتجاتنا».
حديث “ستيف جوبز”، كان له أثر بالغ في تفاقم أزمات شركة أدوبي (المنتجة للفلاش)، حيث ارتدت تلك التصريحات على الشركة وانعكست عليها سلبًا، فخسرت الشركة ما يقرب من 43 مليار دولار، منذ عام 2010، وحتى أعلنت الشركة مؤخرًا عن وقف العمل بنظام الفلاش بلاير، واعترفت بعجزها عن المنافسة أمام تكنولوجيا النص فائق السرعة في نسخته الأخيرة “html 5”.
«جوجل» تلحق بـ«أبل» وخسائر فادحة لـ«أدوبي»
ولحقت شركة “جوجل” عملاق البحث عبر الإنترنت؛ بشركة أبل، حينما أصدرت نسخة جديدة من متصفحها “كروم”، تحمل خيار وقف “الفلاش بلاير” على المتصفح، ما يعني أن الشركة تُفكر بشكل فعلي في التخلي عن تكنولوجيا الفلاش، الأمر الذي قد يُزيد من أزمات شركة أدوبي ويُعمق جرحها.
وبنظرة تحليلية، فإن الخطوة التي اتخذتها «جوجل» قد تكون الأكثر تأثيرًا في شركة «أدوبي»، وذلك لأن هناك المليارات من البشر حول العالم يستخدمون متصفح جوجل الشهير «كروم»، كما تقوم بعض الشركات والصحف على الإعلانات التي تُتيحها «جوجل» والتي يتم استخدام الفلاش بها.
وإن كانت خطوة جوجل لوقف تكنولوجيا الفلاش ستُعجب الكثير من المستخدمين؛ فإنها بكل تأكيد لن تُعجب أصحاب المواقع، رغم أن الأمر لا يتعلق بجميع الإعلانات أو بالفيديوهات الموجودة على صفحات المواقع، وإنما يتعلق فقط بالإعلانات المزعجة التي تظهر فجأة ويكون بعضها محرجًا للمستخدم، حيث سيتم منعها بشكل افتراضي، لكن بإمكان المستخدم دائمًا القيام بمشاهدة هذه الإعلانات عن طريق إلغاء المنع حيث يتم تحويلها تلقائيا إلى محتوى HTML5.
لم تكتف جوجل بالتخلي عن «الفلاش» في متصفحها، بل قامت أيضًا بحذفه نهائيًا من مشغل الفيديوهات لديها «يوتيوب»، واعتمدت في ذلك على الـhtml 5، وجعلته هو المشغل الافتراضي للفيديوهات، وذلك لإضافة المزيد من المرونة للمطورين والمدونين والمستخدمين.
يُشار هنا إلى أن اليوتيوب كانت قدمت الـhtml 5، في عام 2010 وكان حيز التجريب، إلى أن أصبح الآن ناضجًا بشكل كافٍ لكي يُصبح هو المشغل الافتراضي لفيديوهات اليوتيوب، على حد وصف مطوّري جوجل، الذين فرحوا كثيرًا باتخاذ هذه الخطوة، واعدين بتحسين أداء منصة العمل على التكنولوجيا الحديثة html 5.
ثغرات أمنية خطيرة
“فيروسات قاتلة.. برمجيات خبيثة.. معلومات ضارة.. ثغرات أمنية خطيرة”.. جميعها أشياء خطيرة لا تتواجد إلا في الفلاش بلاير، حيث استخدمه جميع القراصنة في الوصول لمعلومات خطيرة لدى مستخدمي شركات “أبل وجوجل ومايكروسوفت”، وعجزت الشركة المنتجة “أدوبي” في سد تلك الثغرات، رغم التحديثات الدورية التي قامت بها، إلا أنها لم تستطع الحد من عمليات القرصنة التي كان يقوم بها المهاجمون بشكل دوري.
وفي يوليو الماضي، تسربت العديد من البيانات الخاصة بشركة إيطالية متخصصة في صناعة أدوات التجسس والمراقبة للحكومات، تدعى “هاكينج تيم Hacking Team”، وقد حدثت عملية اختراق لخوادم الشركة، وقُدر حجم البيانات المسربة بحوالي 400 جيجابايت.. وتم التعرف من ضمن المعلومات المُسربة على ثغرة موجودة في برنامج “فلاش بلاير Flash Player” الخاص بشركة أدوبي تتيح للمخترقين تجاوز وظائف الحاسوب الشخصي، وتخصيص الذاكرة الخاصة بالحاسوب.
وظهر في شرح الثغرة الموجودة في “فلاش بلاير” أنها تمكن المخترق من تنفيذ بعض العلميات، مثل فتح تطبيق الآلة الحاسبة على نظام ويندوز، وتحميل وتنفيذ بعض الأكواد الخبيثة على الحاسوب الشخصي الخاص بالضحية، وجرى استخدام الثغرة منذ الإصدار التاسع من “فلاش بلاير”.
وفي أغسطس الماضي، وجهت شركة أمازون ضربة قاتلة لـ”Flash” بعدما أعلنت أنها لن تقبل إعلانات Flash على موقعها “amazon.com” أو منصات إعلانات الطرف الثالث.. وقالت أمازون إن «التغير يعتبر رد فعل للإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المتصفحات للمساعدة في تطويق »Flash.
كـــــان الفلاش جزءًا لا يتجزأ من الويب لأكثر من عقد من الزمان، ولكنه مع تجاوز نقاط الضعف والثغرات الأمنية القاتلة، واستغلاله من جانب “المخترقين” وبعض مشاكل التباطؤ به على أجهزة الكمبيوتر أدى ذلك إلى تراجعه، وهو الأمر الذي جعل الصناعة تتحول بدلا من ذلك نحو استخدام تكنولوجيا HTML5 والتي تعتبر أخف وأسرع في اتصالات الإنترنت.