نضال الإنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد النسيان.. ميريك

أن تكون مؤمنًا بقضية لا يعني الكثير، أما أن تقرر أن تناضل من أجلها فأنت تقرر حينها أن تحيا أسطورتك الذاتية، تعني حينها أن لديك قلبًا ينبض وعقلًا يضيء، يعني أنك إنسان. هن دومًا شعرن بقلبهن النابض وعقلهن المضيء، شعرن بذلك الإنسان القابع في نفوسهن برغم القيود التي فرضها عليهن المجتمع لا لشيء إلا لكونهن ملحقات بتاء التأنيث، وبرغم ذلك هن قررن أن يحملهن تاء التأنيث سلاحًا في نضالهن. ينتشرن في التاريخ كالزهرات الجميلات يمنحن الأمل ويتركن حلمًا لدى الجميع يقول: أنا المرأة، أنا النضال.

في هذا التقرير سوف نستعرض نماذج لنساء قدمن أسطورتهن ونضالهن برؤيتهن الخاصة، ربما لم تسمع عنهن بعد لكنك سوف تتذكرهن جيدًا لتضيفهن إلى القائمة الطويلة إلى جانب جميلة بوحريد وهدى شعراوي وليلى خالد… وغيرهن.

1- أونغ سان سو تشي: مسيرة مانديلا في قلب امرأة

ما يزيد عن 15 عامًا قيد الإقامة الجبرية لم تمنعها من رفع أصوات الديموقراطية والحرية وجذب ملايين المؤمنين بها من كل أنحاء بورما، كل هذه السنوات لم تمنعها أن تصل إلى العالم بأكمله وتحصل على أعلى الأوسمة حتى جائزة نوبل للسلام.

هي أونغ سان سو تشي؛ ابنة المناضل البورمي وبطل استقلال بورما عن الاحتلال البريطاني عام 1947. درست الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أكسفورد بعد وفاة والدها، وانتقلت إلى الولايات المتحدة للعمل بأمور تتعلق بالميزانيات، وهناك تزوجت من مايكل آريس أستاذ الجامعة وأنجبت منه طفلين، ومن بعدها تحصل على الدكتوراه من لندن لتشعر برغبة في العودة إلى وطنها لإحياء مسيرة والدها والمطالبة بالحرية في وجه الحكم العسكري. وهي نفس الفترة التي تقدم فيها الجنرال ني وين زعيم الحزب الاشتراكي الحاكم بتقديم استقالته فتخرج مظاهرات تطالب بالديموقراطية كانت في مقدمتها أونغ عام 1988. بعنف شديد تم قمع هذه المظاهرات لتجعل أون تبدأ رحلة نضالها الكبيرة بحشد يصل إلى نصف مليون متظاهر يخرجون إلى الشوارع يطالبون بالحرية والديموقراطية واللاعنف. يصل حاكم عسكري جديد إلى الحكم فتقرر أون أن تنشأ رابطة وطنية من أجل الديموقراطية تصبح زعيمة لها فتجد نفسها في صراع مع السلطة إما الخروج من البلاد، وإما الإقامة الجبرية، فترفض الخروج من وطنها. في عام 1990، يدعو الحكم العسكري إلى انتخابات عامة ويسمح لأونغ بمشاركة حزبها لتفوز بأعلى الأصوات ويتقرر تعيينها في منصب رئيس الوزراء إلا أن الحكم العسكري يرفض الاعتراف بالنتيجة، وتوضع مرة أخرى تحت الإقامة الجبرية لما يزيد عن 12 عامًا. يموت فيها زوجها بمرض السرطان دون أن يسمح لها بلقاء الوداع. خرجت من السجن الجبري تحت ضغط أمريكي دولي، وقد حصلت على عدد من الأوسمة الرفيعة منها جائزة نوبل للسلام الذي تسلمتها بعد 20 عامًا من حصولها عليها، وعلى ميدالية الكونغرس الذهبية.

تقف أونغ موقف يراه البعض غريبًا من قضية الروهينغا (مسلمي بورما) حيث ترفض النظر إلى القضية باعتبارها قضية تطهير عرقي ضد المسلمين، وترى أن كلًا من الطرفين؛ المسلمين والبوذيين يتعرضون للتهجير والعنف، وهي نتيجة الحكم الديكتاتوري الذي يخلق حالة من العنف ويجعل الوفاق أمرًا بعيد المنال. ولكنها تنظر إلى ثورات الربيع العربي باعتبارها أملًا لشعبها يمكن أن يحتذى به.

2- روزا باركس: أشهر «لا» في التاريخ

في إحدى مناطق الجنوب بالولايات المتحدة الأمريكية التي يظهر فيها التمييز العنصري في أسوأ صوره، وبموجب قوانين جيم كرو يتم الفصل التام بين السود والبيض، نشأت روزا لويس عام 1913 لتكون من القلائل الحاصلين على الثانوية من السود، وتتزوج من رايموند باركس الذي كان عضوًا في إحدى جمعيات مكافحة العنصرية، فتشاركه في رحلة نضاله وتسخر حياتها في الدفاع عن قضية حقوق السود.

تنتظر يوميًّا روزا الحافلة العامة لتركب من الباب الخلفي المخصص لأصحاب البشرة السوداء، تجلس على أحد المقاعد وهي تعلم أن القانون يسمح لأي رجل أبيض أن يأتي ويطلب منها القيام في أي لحظة ليجلس هو، القانون يمنع جلوس أي رجل أو امرأة من الملونين مهما كانت الظروف أن يجلس ليقف الرجل الأبيض. ولكن روزا في يومٍ ما قررت أن تقول لا للرجل الذي طلب منها الوقوف. وإثر هذا الحادث ذهبت إلى الشرطة ليتم حجزها وتدفع غرامة 14 دولارًا. ومن سجنها ساهمت روزا في إضراب السود عن ركوب الحافلات العامة لمدة 381 يومًا بقيادة المناضل مارتن لوثر كينج. فقدت روزا وظيفتها وتعرضت لمحاولات اغتيال أكثر من مرة، ولكنها ظلت طوال حياتها الطويلة تناضل من أجل حقوق السود والمساواة حتى ماتت عام 2005، وقد حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996 ولقبت بزعيمة الحقوق المدنية.

3- فولان ديفي: ملكة اللصوص نائبة في البرلمان

فتاة صغيرة السن من أسرة فقيرة في جنوب الهند تخضع لزواج قسري تتعرض خلاله للإيذاء البدني والنفسي؛ مما يجعلها تقرر الهروب فتقع ضحية في أيدي عصابة من اللصوص لتتزوج من زعيم العصابة وتصبح أحد أفراد العصابة، وتمضي الأيام حتى تسطو على هذه العصابة قرية مجاورة تقتل أفراد العصابة وتأسر الفتاة لتقع ضحية جديدة للاغتصاب الجماعي. تقرر الفتاة أن تنتقم لنفسها فتعيد تشكيل العصابة وتقتحم القرية وتقتل الرجال، ومن هنا تنشأ أسطورة ملكة اللصوص فولان ديفي التي عجزت قوات الشرطة الهندية عن القبض عليها أو السيطرة عليها، سيطرت ديفي وعصابتها على ثلاث ولايات هندية كامرأة قوية عصية على الهزيمة حتى عقدت الشرطة معها اتفاق على تسليم السلاح في مقابل السجن وحسن المعاملة وحمايتها من القتل. ليصبح يومًا مشهودًا حينما قررت فولان أن تلقي السلاح ويتم القبض عليها وتمضي في السجن 11 عامًا.

تخرج فولان ديفي من السجن لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها، فتتزوج وتؤسس جمعية للدفاع عن المظلومين، وتقرر أن تترشح للبرلمان الهندي، وبالفعل تفوز بمقعد في دائرة يسكنها الفقراء والمظلومين الذين لقبوها بـ(المتمردة ذات العمامة الحمراء). عام 1999، تعرضت فولان للقتل على يد أحد أبناء ضحايا المجزرة ليقف البرلمان الهندي دقيقة حداد على روحها وتتحول إلى أيقونة لنضال المظلومين. ألهمت قصة فولان العديد من الفنانين فتم إنتاج العديد من الأفلام أشهرها «ملكة اللصوص» الذي أخرجه شيكار كابور عام 1996.

4- أحلام التميمي: امرأة في القسّام

أول امرأة تنضم لكتائب عز الدين القسام وتشارك في المقاومة المسلحة، ويتم اعتقالها ليصدر عليها حكم بالسجن ما يزيد عن 1500 عام!

ابنة الأردن من أسرة فلسطينية الأصل، درست في الأردن ثم قررت أن تلتحق بجامعة بيرزيت في فلسطين لدراسة الإعلام والصحافة. اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية في سنوات دراستها الأخيرة لتقرر المشاركة فيها بكل طاقتها ومجهودها الإعلامي. كتبت في الصحافة عن جرائم الاحتلال وعملت بقناة محلية برام الله على كشف الوجه الإجرامي لإسرائيل حتى قررت أن لديها ما يمكن تقديمه أكثر من ذلك. حاولت الانضمام لكتائب القسّام وتم تقديم الطلب إلى عبد الله البرغوثي المناضل المعروف الذي وافق على انضمامها والمساعدة في الاستطلاعات وتحديد أماكن التفجيرات والعمليات الاستشهادية.

تم القبض على أحلام إثر حادث استشهادي كبير قُتل فيه 16 إسرائيليًّا وجُرح فيه العشرات. ظلت قصة أحلام التميمي مثار الحديث كونها أول امرأة تنضم لكتائب القسام، ولدورها الكبير في المقاومة، وللحكم الذي صدر عليها، ولكل صور التعذيب التي تعرضت لها في سجون الاحتلال، وإلى جانب كل ذلك لقصتها مع زوجها نزار الذي تم عقد قرانها عليه وهي في السجن وهو كذلك بعد قصة حب قررا أن يعلناها للعالم حتى وإن كان من خلف الأسوار. كانت أحلام ونزار ضمن صفقة تسليم الأسرى التي تمت في مقابل الجندي جلعاد شاليط، وتجدد الأمل في جمع الحبيبين إلا أنه فور الخروج أصدرت السلطات قرارًا بترحيل أحلام إلى الأردن والإقامة الجبرية لنزار في رام الله.

5- إميلين بانكيرست: للمرأة حق التصويت

اختارتها مجلة التايم الأمريكية كواحدة من أهم مائة شخصية خلال القرن العشرين، هي المناضلة الحقوقية إميلين بانكيرست التي عاشت حياة مليئة بالنضال والكفاح في سبيل انتزاع حق المرأة البريطانية في التصويت في الانتخابات كإنسان حر يملك اختيار من يمثله. ولدت إميلين في 15 يوليو 1858، ودرست الحقوق وتزوجت من ريتشارد بانكيرست المعروف عنه دفاعه عن حقوق المرأة لتقود مسيرة الدفاع عن حق المرأة في التصويت، وتتعرض للسجن عدد من المرات في سبيل تخليها عن أفكارها التي نظر لها المجتمع البريطاني باعتبارها متشددة. توفيت إميلين عن عمر 69 عامًا لتترك تاريخًا حافلًا بالنضال وأثرًا محفوظًا في صدر كل امرأة بريطانية. تم تقديم سيرة إميلين من خلال فيلم أُنتج عام 2015 بطولة ميريل ستريب، وقد حمل اسم الحركة التي تزعمتها إميلين في نضالها؛ Suffragette.

إميلين بانكيرست أثناء تغذيتها قسرًا عن طريق الأنف في أحد سجون لندن عام 1911 بسبب إضرابها عن الطعام.


المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد