يبدأ مسلسل «البحث عن علا» والمذاع عبر شبكة «نتفليكس» بصورة تبدو وردية لعائلة جميلة، في طريقهم إلى عيد ميلاد طفلهم الأصغر، لكن الحفل ينتهي في غرفة نوم الزوجين بطلب الزوج الطلاق، حتى تلك النقطة يبدو كل شيء منطقيًا، لكن فجأة يختفي المنطق عند تلك النقطة لتبدأ مرحلة ما بعد الطلاق، مع كثير من التفاصيل التي بدت غريبة للمشاهدين!
فالزوجة علا تحظى بالمنزل دون أي نقاش مع الزوج الذي يترك البيت لها ولطفليها دون محاكم أو نزاعات، أو مضايقات، وفجأة تظهر الصديقة القديمة، لتسامح علا على قطع علاقتها بها فجأة بأمر زوجها! ليس هذا فحسب، فلم تبحث الزوجة عن محام ليصحبها عبر أروقة محكمة الأسرة، ولا تقع تحت طائلة مساومات ومفاوضات، مثل التنازل عن قائمة منقولاتها وحقوقها مقابل الحصول على الطلاق، بل يأخدنا المسلسل إلى واقعة غريبة بقيام الأب بوضع أموال في حساب زوجته السابقة كمصروف شهري لها وللأطفال بلا محاكم ولا استئناف على النفقة الضئيلة، ولا تلاعب، ولا تهديدات!
Netflix | مقطع من مسلسل البحث عن عُلا
عٌلا: لو مدفعتش ثمن الغلطة اللي غلطها، مبقاش أنا؟ 🎶😂
📺: #البحث_عن_عُلا
هند صبري – Hend Sabry – Hany Adel – Yasmina El-Abd
Posted by Netflix on Friday, February 4, 2022
تخرج علا لترقص وتنسى ما جرى لها، ويظهر للمشاهدين أن أزمتها الكبرى هي كيفية مواجهة الواقع، وتغيير حالتها الاجتماعية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» من متزوجة إلى مطلقة، لكنها تفعل أخيرًا وتقرر المضي قدمًا، لتبدأ مشروعًا جديدًا خاصًا بها، وتمطر السماء عليها «رجالًا»، فتصبح مأساتها الوحيدة كيفية العثور على ضالتها بينهم، في مسلسل «البحث عن علا» يبدو «ما بعد الطلاق» طريقًا سهلًا للغاية، مثل قطعة كعك، تنتهي زيجة فجأة بين ليلة وضحاها، فتبدأ الزوجة السابقة مسيرة مهنية سريعة في مشروعها الذي ينمو بسهولة!
الطلاق لأسباب – قد تبدو – تافهة!
«عندما عادت «بيتي» لم نغن ولم نضحك، ولم نناقش شيئًا. جلسنا نشرب في الظلام، وندخن السجائر، ثم خلدنا للنوم، لم أضع قدمي على جسدها، ولم تمدد ساقها فوق جسدي كما اعتدنا. نمنا دون أن نتلامس، شيءٌ ما سُرق منا كلينا» *تشارلز بوكوفسكي من رواية «مكتب البريد»
حصلت لبنى على الطلاق عقب سنوات زواجها التي أثمرت عن ولد وحيد، تعجب الجميع حين طالبت بالطلاق بإصرار وتصميم، فالكل يعلم كم يحبها زوجها، أما هي فكانت في حيرة من أمرها بشأن الإجابة الصحيحة، تقول: «حين حصلت على الطلاق عقب تسع سنوات من الزواج، الذي بدا للجميع ناجحًا، لم يتحرج الكثيرون من سؤالي حول السبب، لكنني بكل صدق لم أكن أمتلك إجابة واضحة، ليس ثمة موقف بعينه، أو حادث كبير، كان الأمر تراكمًا طويلًا لعشرات المواقف التي كان الخذلان وكسر الخاطر من بينها، لكن تلك ليست أسبابًا مقنعة تقال، لذا اعتدت أن أجيب بثبات «قسمة ونصيب».
ينفصل الناس لأسباب عديدة، لكن تبقى الأسباب الأبرز للطلاق بحسب دراسة متخصصة في العلاقات الزوجية، هي:
- البخل.
- الخيانة.
- الإسراف.
- التعاطي بأنواعه.
- الغيرة الشديدة.
- المزاج المتقلب.
لكن أكثر الزيجات تنتهي لسبب أغرب من هذا كله، ربما النقطة الأكثر واقعية وصدقًا في «البحث عن علا» هو أن بعض الأزواج ينفصلون فجأة دونما مقدمات قوية، أو ربما دون سبب واضح معلن، فبحسب دراسة حول أثر الضغوط على الطلاق، وهي الدراسة التي جرى تنفيذها بأثر رجعي على عدد من المطلقين في ثلاثة بلدان (ألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا)، تبين أن الضغوط اليومية، والأحداث اليومية التافهة، من الأسباب الرئيسة التي أسهمت في اتخاذ قرار الطلاق بقوة؛ إذ أشار المشاركون في الدراسة أن تراكم الضغوط اليومية كان الدافع الرئيس للطلاق.
لكن.. هل يخرج المرء ناجيًا؟
«إن الطلاق ليس سهلًا. إنه خدش في جسم الحياة يبقى طول العمر» *إحسان عبد القدوس، رواية «زوجات ضائعات»
للأسف لا يتكفل الوقت – كما هو شائع – بشفاء الجروح؛ ففي دراسة استمرت 18 عامًا، وشملت 30 ألف ألماني، أبلغ الأفراد المطلقون عن مستويات أقل من الرضا عن الحياة مقارنة بالمتزوجين، وقد حاولت الدراسة رصد القدرة على التكيف والشعور بالرضا عن الحياة، والذي تبين أنه ينخفض مع اقتراب المرء من الطلاق، ثم يرتد تدريجيًا مع الوقت، لكن أحدًا لم يعد كما كان قط.
التحليلات المستقبلية توضح أن الأفراد الذين هم بصدد الحصول على الطلاق أقل سعادة من أولئك الذين يبقون متزوجين، لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فثمة علاقة بين الحالة الاجتماعية والرفاهية النفسية، هذا ما أثبتته دراسة نفسية، حول التغيرات في درجات الاكتئاب بعد الطلاق؛ إذ تبين من خلال البحث أن المطلقين الجدد أكثر اكتئابًا بشكل ملحوظ، وهذه الزيادة في الاكتئاب تتخللها مشاكل اقتصادية أكبر مع تدهور معيشة الفرد، وتراجع ثقته في العلاقات؛ ما يتسبب في تراجع عام على كافة مستوياته الحياتية والنفسية.
ما الذي يحدث للأطفال بعد انفصال ذويهم؟
«لكن قد يتحول ما اقتنيناه في لحظة سابقة على أنه انتصارات إلى فضائح وهزائم في المستقبل. ما الذي يحدث لصور الزفاف الجميلة بعد الطلاق؟» *إيمان مرسال من كتاب «كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها؟».
لا يمر قرار الطلاق مرور الكرام على الأطفال، بداية من علاقة الطفل بوالديه، مرورًا بالأداء الدراسي والحالة النفسية للصغار، في عام 1996 نشرت مجلة الزواج والأسرة دراسة بعنوان «دراسة مستقبلية حول الطلاق والعلاقة بين الوالدين والطفل» خلصت إلى أن العلاقات بين الوالدين والطفل تتأثر إذا ما قورنت هي نفسها بما قبل وما بعد الطلاق، وجرى رفع تقارير عن المشاكل التي ظهرت في وقت مبكر من عمر ثمان إلى 12 سنة، قبل الطلاق، أبرزها تراجع المودة بين الآباء والأطفال، وليس بين الأمهات والأطفال.
بحسب دراسة أخرى حديثة تتبعت أثر الطلاق على الأطفال، أظهرت نتائج الفئة المبحوثة أن طلاق الوالدين يرتبط بنتائج سلبية على الأطفال، أهمها تراجع التحصيل التعليمي، حتى أن بعض الاطفال لعائلات منفصلة لا يصلون إلى مرحلة الدراسة الجامعية، لكن درجة السوء والأثر السلبي تتباين بحسب طبيعة العلاقة بين الوالدين قبل وقوع الطلاق.
فبالنسبة للآباء الذين لا يعانون في العلن من مشكلات، ويبدو زواجهم مستقرًا، على الأقل أمام الأبناء، يصبح طلاقهم بمثابة صدمة غير متوقفة لأطفال أكبر امتيازاتهم هو تماسك أسرتهم، وهنا تبدأ الصعوبات الكبرى – بحسب نتائج الدراسة – في التكيف، بينما لا يكون الضرر بالقوة ذاتها على نفسية الأطفال في الزيجات التي تعاني مخاطر عديدة وأزمات متكررة؛ إذ يتوقع الأطفال المحرومون من الاستقرار والترابط الأسري، وقوع الطلاق، فلا يعود ضارًا بالنسبة لهم مقارنة بالأحداث اليومية التي يمرون بها مع والدين غير متفاهمين.
المشكلة تبدو أكبر مع تلك الدراسة التي رصدت سلوك الأولاد في العائلات المطلقة، والتي تميزت بالتحكم غير الكامل في الاندفاع والعدوانية والطاقة المفرطة التي تظهر مع الإرهاصات الأولى للطلاق، حتى قبل وقوعه، وهذا يعود إلى سلوك الوالدين المضطرب والمتضارب قبيل وقوع الطلاق؛ ما يتسبب في عواقب وخيمة على تنمية شخصية الأطفال.
الوقاية خير من العلاج
«نامت. لم تنم. حلمت. لم تحلم. عالجت نفسها بكتابة مذكراتها قبل النوم. تلك المرأة القوية التي تقطنها تولت هي كتابة سطور نارية تفرح بها لأن والدها لن يرافقها إلى المحكمة، وتقرر بهدوء أنها لو كانت تعرف التفاصيل الرسمية لإنجاز معاملات الطلاق لرفضت حضور حتى المحامي، وكتبت عدة مرات في الصفحة ذاتها: أريد القبض على حياتي. أريد امتلاك مصيري. لا أريد التواكل على أحد غير ذاتي. أريد أن يكون لي حق الخطأ كأي رجل في زقاق الياسمين وحق تصحيحه أيضًا من دون أن يهتاج الجميع. نامت وبومتها تغرد لها» *غادة السمان من رواية «يا دمشق وداعًا»
في دراسة حول دور برامج تعزيز العلاقات التي يتلقاها بعض المقبلين على الزواج، وجد باحثون أن الأسباب الأكثر شيوعًا في الطلاق هي عدم الالتزام، والخيانة الزوجية، والصراع المستمر وتعاطي المخدرات، كلها كانت أسبابًا يمكن اعتبارها «قشة أخيرة» قسمت ظهر العلاقة، صحيح أن الجلسات السابقة للزواج ساهمت في استمراره، لكنها لم تحمه لعدم حصول المتدربين على المهارات التي تمكنهم من تنفيذ ما تلقوه خارج البيئة التعليمية قبل الزواج.
في كتابه «الإرشاد الأسري» يقول الكاتب عبد الله بن ناصر السدحان، أن عودة السكينة المبدئية للحياة الزوجية تبدأ بتفريغها من مصادر العدائية، والتشويش، والقلق النفسي، سواء في النفس، أو في البيئة المحيطة بالزوجين، مشيرًا إلى أن النصيحة الذهبية للحفاظ على زواج ناجح، وهو أمر – في رأيه – يستحق، يكمن في تقبل الطرف الآخر كما هو والتوقف عن محاولة تغييره.
فالأصل – بحسب السدحان – القبول غير المشروط لكلا الطرفين عندما يجري توقيع عقد القران، وأن ما يترتب على عدم التقبل، فهو فتور وتباعد عاطفي يسمح بحدوث ما يسمى الحوار الذاتي السلبي، الذي يقود لاحقًا إلى الطلاق. لكن وإن استحالت الحياة، وأصبح الطلاق الحل الأخير، فلا يجب أن تنخدع الزوجات بصورة «علا عبد الصبور» في مسلسل «نتفلكس»، وأن يَعين جيدًا تكلفة هذا القرار، ويلجأن للدعم النفسي والعائلي، سواء لهن أو لأطفالهن، فالأمر ليس بالسهولة التي حاول المسلسل ترويجها للمشاهدين.