عندما تشاهد أي حلقات وثائقية مصورة عن الحيوانات، خاصة عادات الهجرة السنوية؛ ترى أسراب الحيوانات سواء على البر أو في البحار أو في الهواء؛ يتقدمون لوجهة بعينها وكأنهم يمتلكون نظام ملاحة أو تحديد المواقع «GPS» الخاص بهم، وعندما يخرج الحمام الزاجل من برجه؛ يستطيع أن يجد طريقه لتوصيل الرسالة المطلوبة منه، كما تعودنا أن الحمار يحفظ عن ظهر قلب الطريق من بيت صاحبه إلى أرضه الزراعية.
هذا قد يدفعنا للتساؤل؛ كيف يمكن للحيوانات تمييز الاتجاهات، فنحن البشر لدينا ما يعرف بالاتجاهات والعلامات المتفق عليها من التعرف إلى الأماكن، مثل الشمال والجنوب أو الشرق والغرب، كما أن اللغة تساعدنا في وضع الكثير من الوسائل للتعرف إلى الطرق والاتجاهات أو حتى وصفها، لكن كيف يمكن للحيوانات أن تعرف طريقها بوضوح ودون أي خطأ وتنفذ ذلك في مجموعات كبيرة؟
هجرة الطيور
الحيوانات أمهر مما نتوقع فيما يخص القدرات الملاحية سواء في بيئتها الخاصة أو – كما أثبت العلم مؤخرًا- خارج بيئتها أيضًا؛ فماذا لو أخبرناك بأن هناك سمكة استطاعت تحديد الاتجاهات على اليابسة بل القيادة أيضًا، هذا ليس فيلم رسوم متحركة أو فيلم خيال علمي؛ تلك تجربة علمية نشرحها لكم في هذا التقرير.
سمكة ذهبية ماهرة في القيادة!
فسَّر العلماء قدرات الحيوانات على الهجرة وتحديد الاتجاهات لعدة أسباب – سنذكرها فيما بعد- وكانت كل هذه الأسباب تخص جينات الحيوانات وعلاقتها بالبيئة التي نشأت فيها، لكن جاءت دراسة جديدة لتغير منظور الإنسان عن قدرة الحيوانات على الملاحة وتحديد الاتجاهات.
في الأيام الأولى للعام الجاري 2022 نُشرت دراسة بعنوان «?Can a goldfish drive a car on land» أو «هل تستطيع السمكة الذهبية القيادة؟»، وكان الهدف من هذه الدراسة هو استكشاف قدرة الأسماك على تحديد اتجاهاتها خارج المحيط البيئي الذي عادة ما تنشأ فيه، فالأسماك ماهرة في تحديد الاتجاهات داخل البحار والمحيطات؛ فهل تستطيع تحديد اتجاهات تحركها على اليابسة؛ والإجابة التي قدمتها هذه الدراسة تعد غريبة بعض الشيء.
صمم الباحثون في هذه الدراسة جهازًا هو عبارة عن حوض سمك مدمج بروبوت له عجلات وأجهزة استشعار لحركة السمكة داخل الحوض، وكلما تحركت السمكة في اتجاه تحرَّك الروبوت وكأنه سيارة صغيرة، ودرَّب الباحثون السمكة الذهبية المشاركة في التجربة، على النقاط التي يوجد فيها الطعام في الغرفة، وبعد عدة أيام من التدريب، استطاعت السمكة قيادة هذا الروبوت لتصل إلى الطعام، حتى بعد أن حاول الباحثون خداعها، صححت مسارها لتصل إلى الهدف الموجود به الطعام.
يمكنك مشاهدة التجربة من خلال الفيديو التالي:
ما تشير إليه هذه الدراسة بوضوح هو أن قدرات الأسماك على الملاحة عامة، وليست خاصة بالبيئة التي تعيش فيها فقط، والنتيجة الثانية التي أكدها الباحثون في الدراسة أن السمكة الذهبية لديها القدرة الإدراكية لتعلم مهمة معقدة مثل القيادة وتحديد الاتجاهات في بيئة تختلف تمامًا عن البيئة التي نشأت وتطورت فيها، مثلها مثل أي شخص حاول تعلم قيادة سيارة أو ركوب دراجة للمرة الأولى.
وبحسب ما ورد في الدراسة المنشورة عن تلك التجربة؛ فإمكانية تدريب الحيوانات على القيادة لم تعد مستحيلة، ولم تعد القدرات الملاحية للحيوانات تقتصر على ما تعلموه في بيئتهم الخاصة.
قدرات الملاحة الفطرية للحيوانات معقدة أيضًا
قد تكون قدرة تدريب الحيوانات على القيادة أمرًا معقدًا وصعبًا، إلا أن القدرات الملاحية لدى الحيوانات ليست بسيطة أيضًا، فكيف يستطيع أن يجد الحيوان طريقه في البرية أو البحر أو السماء؟
على سبيل المثال؛ لمدة طويلة كان يظن العلماء أن الكلاب تستطيع أن تجد طريقها عن طريق الشم فقط، ولكن بدأ العلماء مؤخرًا بدراسة القدرات الملاحية لدى الكلاب ليكتشفوا أنها تستطيع استشعار المجال المغناطيسي للأرض، وهو ما يشبه «بوصلة داخلية».
وعلى الرغم من أن الإنسان لا يستطيع استشعار المجال المغناطيسي للأرض لتحديد الاتجاهات – شمال وجنوب وهكذا- إلا عن طريق بوصلة، فإن الكثير من الحيوانات وليس الكلاب فقط يمكنها استشعار هذا المجال فطريًّا وتحديد الاتجاهات، كما أن الحيوانات وقت الهجرة في جماعات تستخدم الإشارات والتواصل فيما بينها، على سبيل المثال تستخدم الحيتان الصوت لتخبر بعضها عن مكان وجودها وأين تتجه.
«خنفساء الروث»
وقد يظن الإنسان أنه استخدم النجوم في السماء أثناء الليل لتحديد وجهته قديمًا، لكن الحيوانات لديها تلك القدرات من قبل الإنسان، فقد أثبت العلماء في دراسة نشرت عام 2018 تحت عنوان «How animals follow the stars» أو «كيف تتبع الحيوانات النجوم»؛ أن بعض الحيوانات ومنها البط يمكنه العثور على الاتجاهات من خلال النجوم شديدة السطوع.
والحيوانات والطيور ليست الكائنات الوحيدة التي لديها القدرة على الاسترشاد بالنجوم، بل إن الحشرات أيضًا لديها القدرات نفسها، مثل خنفساء الروث التي لديها عيون مركبة شديدة الصغر ولا يمكنها رصد النجوم بشكل فردي، ولذلك تعتمد الخنفساء في الملاحة على استخدام الضوء المنبعث من مجرة درب التبانة لمعرفة اتجاهها الصحيح، مما يجعلها الحشرة الأولى من نوعها التي تختار طريقها مستدلة بالمجرة والفلك.
تلك القدرات الملاحية استطاعت الحيوانات تطويرها فطريًّا وتمريرها من جيل لجيل من خلال الجينات الخاصة بها، دون حاجة لتدريب من البشر، فماذا لو استثمر الإنسان العلم لتدريب الحيوانات على ما هو أكثر مما تفعله الآن؟
كلما تقدم العلم، وكلما أجريت تجارب أكثر تعمقًا على الحيوانات بجميع أنواعها وفصائلها؛ يكتشف الإنسان أن الحيوان يحمل من الذكاء والإدراك أكثر مما تخيلنا من قبل، وغير قدرة الحيوانات على الملاحة بشكل معقد، فتلك الكائنات أثبتت قدراتها على التعاطف والحب والحزن، وكما رأينا من قبل غوريلا تتعلم لغة الإشارة؛ فهل في يوم من الأيام نرى حيوانًا يقود مركبة في الطرقات؟
علامات
GPS, البوصلة, الحيوانات, السمكة الذهبية, الطيور, القيادة, المجال المغناطيسي للأرض, الملاحة, تحديد الاتجاهات, علوم, هجرة الطيور