«سنرمي الإرهاب في سلة مهملات التاريخ، فعلًا وليس قولًا»، بهذه العبارة ختم قائد أركان الجيش الجزائري القايد صالح، سنة 2016، وجاءت رسالة الجيش إلى الرأي العام الجزائري بلهجة شديدة التحذير، تجاه الأوضاع المحلية والإقليمية للبلاد، وهذا ما يعكس التحديات التي يدركها صناع القرار في الجزائر للتهديدات الخارجية المعقدة.

وفي تصريح للوزير الأول عبد المالك سلال، خلال الأسبوع الأخير، قال: «الربيع العربي لا نعرفه ولا يعرفنا»، في إشارة إلى رفض نظام بلده للثورات العربية، ووقوفه مع الأنظمة، واستقرار البلدان، وهي النظرة الواقعية التي تميز تحرك الدبلوماسية تجاه القضايا العربية، والحدودية المتوترة.

ورغم كل هذه الجهود المبذولة في سبيل حماية النظام السياسي من الانهيار، يتفق المتابعون حول مجموعة من التحديات التي تبدو صعبة للغاية، وفي وقت تمارس الحكومة مجموعة من إجراءات التقشف، وما سمي بشد الحزام، يرابط أفراد الجيش الجزائري على الحدود الممتدة بآلاف الأميال شرقًا وغربًا وجنوبًا، وهو ما يمثل تحديًا في ظل الأوضاع الصعبة لدى الدول المجاورة.

هل يتكرر السيناريو السوري في ليبيا؟

رصدت تقارير غربية، كما أوردت صحيفة لوس أنجلوس الأمريكية، الجنرال الليبي، خليفة حفتر، ضمن اجتماع عالي المستوى مع قادة عسكريين روسيين في موسكو. وكشفت تلك التقارير عن فرض روسيا شرطًا لرفع الحظر عن شراء السلاح عن القوات الليبية بقيادة حفتر، وهو إنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية قرب مدينة بنغازي.

الثروة النفطية الهائلة، والموقع الجغرافي المميز لليبيا كمدخل للساحل الإفريقي، تعتبر هدفًا قريبًا للهيمنة عليه في ظل الصراع القائم بين أبناء البلد الواحد، ولعل أكبر متضرر من الصراع المسلح في ليبيا هو الجارتان الشمالية تونس، والغربية الجزائر.

ووقفت الجزائر منذ بداية الأزمة، ضد الحرب والتدخل العسكري الغربي في ليبيا، وكانت من أشد المدافعين عن الرئيس الراحل معمر القذافي. ويستند المحللون السياسيون للموقف الجزائري، إلى المدرسة الواقعية التي تتعامل مع الدول والأنظمة ككيانات، بعيدًا عن الجماعات، أو المجالس الحكومية المؤقتة، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في وقوفها مع بشار الأسد في حربه ضد قوى الثورة السورية.

وتعتبر الدبلوماسية الجزائرية، أن وقوف بعض الحكومات مع الجماعات المتمردة على أنظمتها السياسية، هو مدخل لتشجيع الفوضى في البلاد العربية، وفي ظل الصراع الدولي الكبير يتحتم على الحكومات، والشعوب قبول الإملاءات الغربية، والخضوع لإرادة القوى الكبرى.

وهذا ما تخشاه الجزائر من وراء التدخل العسكري، الذي ترعاه فرنسا بغطاء الحلف الأطلسي قبل سنوات في ليبيا، بالإضافة إلى رغبة روسيا التدخل من أجل توسيع نطاق النفوذ بالبحر الأبيض المتوسط، واستعادة مشاريعها الاقتصادية في ليبيا المبرمة مع العقيد الراحل معمر القذافي.

هل يشكل الجهاديون العائدون إلى تونس خطرًا على الجارة الشرقية؟

أوردت تقارير إعلامية، احتمال عودة أكثر من ألفي جهادي تونسي إلى بلادهم، بعد الضربات العنيفة التي يتلقاها تنظيم الدولة في سوريا، والعراق. وقد تشكل هذه العودة تهديدًا مباشرًا إلى تونس التي تعتبر مؤسساتها الأمنية هشة، مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة التي أطاحت النظام السابق لزين العابدين بن علي.

وقال وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب، إن «مصالح الأمن التونسي، اتخذت جميع الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية البلاد، ومتابعة العائدين من مناطق الصراع والتوتر في الشرق الأوسط»، لافتًا إلى أن الكثير من الجهاديين يسعون للدخول إلى تونس عن طريق ليبيا التي تلقى فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضربة عسكرية موجعة في سرت، خلال الأشهر الأخيرة من قبل قوات ليبية.

وأشارت جريدة الشروق الجزائرية، إلى رفع الجيش الجزائري لدرجة مراقبته للحدود الشرقية مع تونس وليبيا خلال هذه الفترة.

وقضت العمليات المشتركة بين الجيش الجزائري والتونسي خلال السنوات الأخيرة، على عدد من الإرهابيين وفق وسائل إعلام تونسية بجبال الشعانبي الحدودية، وتقول مصادر متطابقة إن منطقة الشعانبي تعتبر أحد المعاقل الرئيسية لأنصار الشريعة المحسوبة على تنظيم الدولة «داعش».

الجزائر تنظر بعين الريبة للقواعد العسكرية في الساحل الإفريقي

في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المنقضي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إقامة قاعدة عسكرية لطائرات بدون طيار في الساحل الإفريقي، في حين زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كلًّا من مالي والنيجر وكينيا في نفس الشهر، والتقت بمجموعات عسكرية من الجيش الألماني القائم على الدعم اللوجستيكي للجيوش الأوروبية المتواجدة في المنطقة.

في حين أجرى مؤخرًا رئيس الحكومة الفرنسية برنار كازنوف، زيارة خاطفة إلى منطقة الساحل الإفريقي، والتقى كازنوف الجنود الفرنسيين الذين يقضون أوقاتًا طويلة بعيدًا عن عائلاتهم، في قتال ضد جماعات توصف بـ«المتشددة» في شمال مالي، وبعض المناطق المتوترة في النيجر والتشاد، وقال كازنوف، إن «الجيش الفرنسي أمامه حرب طويلة في المنطقة».

وما يزال الذهب واليورانيوم المتواجد بكثافة في منطقة الساحل الإفريقي، أحد أسباب التواجد الفرنسي، ومن ورائه الأوروبي بالصحراء الإفريقية، وبدخول الولايات المتحدة إلى حلبة الصراع الإفريقي عسكريًّا، تنتظر النظامَ الجزائري تحدياتٌ جسيمة تجاه ما يمكن توقعه في المستقبل القريب، من وراء هذا الإنزال الغربي المكثف.

كما تعيش منطقة الصراع في الشرق الأوسط، تحولاتٍ كبيرة إزاء ما يتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز، ففي حين تعتمد كل من الصين وألمانيا وإنجلترا على الطاقة النظيفة، وتشجيع عدم حرق المواد الباطنية، تتجه هذه القوى من نقل استثماراتها الضخمة من المشرق العربي إلى دول الصحراء، وجنوب الصحراء في إفريقيا.

وبالتأكيد تحوز الصّحراء الإفريقية على أكبر مورد للطاقة الشمسية في العالم، ويشكل الامتداد الحدودي بآلاف الأميال للجزائر مع دول السّاحل مصدر إزعاج، وقلق لدى صنّاع القرار، بسبب ثلاثية: التهريب، والتسليح، والفوضى التي تميز المنطقة الآن، وبتشجيع ودعم غربي للجماعات الإرهابية، خاصة ما يتعلق بدفع الفدية للخاطفين مقابل إطلاق سراح المخطوفين.

مأزق انهيار أسعار النفط مجددًا

أوردت صحيفة الإندبندنت البريطانية، تقريرًا تتوقع فيه نزول أسعار النفط خلال العام الجاري، استنادًا إلى خبراء طاقة، لفتوا إلى تحويل الشركات الكبرى العاملة في القطاع، إلى مشاريع في الطاقة النظيفة، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لمدى انتعاش سوق النفط مجددًا.

ومع الاتفاق النووي الغربي مع إيران، دخلت هذه الأخيرة بقوة إلى السوق في محاولة منها إلى استعادة السوق العالمية بعد السيطرة الطويلة للخليج خلال الأزمنة الأخيرة لها. وهذا ما شكل عائقًا أمام الاتفاق التاريخي لمنظمة الدول المنتجة، والمصدرة للنفط (أوبك).

وتعاني أوبك من خلل في تطبيق اتفاق الجزائر، الذي تم ترسيمه في العاصمة النمساوية فيينا في آواخر العام المنصرم، وتعود صعوبة تطبيق هذا الاتفاق إلى رغبة كل طرف في الحيازة على سوق النفط، بعد تقلص الطلب لعدد كبير من الدول على مادة النفط. ويتعلق الأمر بإيران، والسعودية، والعراق.

وحددت الجزائر السعر المرجعي للنفط بخمسين دولارًا أمريكيًّا للبرميل في موازنتها السنوية، في حين يتراوح السعر منذ ثلاثة أشهر ما بين 45 و55 دولارًا. وقال الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، إن الحكومة بصدد «الانتقال بالبلد من اقتصادي ريعي إلى اقتصاد متنوع المداخيل؛ للابتعاد عن دائرة الخطر الذي تمثله الموارد الطاقوية في السوق العالمية».

وشكّل انهيار أسعار النفط في العالم لدى صنّاع القرار توتراتٍ كبيرة، أدّت بالحكومة لإعلان سياسة التقشف، وتجميد عدد من المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، وتقليص الاستيراد، والرفع من القيمة المضافة على السلع الاستهلاكية. وهذا ما دفع الاحتجاجات إلى الشارع مع بداية العام الجديد، في مناطق مختلفة من الوطن.

توتر مع المغرب

في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1963، وبعد أشهر قليلة فقط من استقلال الجزائر عن فرنسا، شنّ المغرب هجومًا مسلحًا على الجارة الشرقية الجزائر، في اتجاه الصحراء، من أجل استرجاع أراضيه التي استعمرها الاحتلال الفرنسي، وسميت تلك الحادثة بحرب الرمال، التي دفعت بكامل قوات الجيش الجزائري إلى الغرب، من أجل وقف العدوان خلال أيام قليلة.

وبعد 54 سنة من هذه الحادثة، ما يزال في الطبقة السياسية المغربية من ينادي بضرورة استرجاع حدود المغرب الممتدة إلى وسط الجزائر شمالي موريتانيا، حيث طالب زعيم حزب الاستقلال حميد شباط، النظام المغربي بضرورة العمل على تحقيق الدولة المغربية التاريخية، وهو ما يهدد أي تكامل او استقرار في المنطقة المغاربية في ظل التوتر السياسي القائم بين الدولتين الجارتين الجزائر والمغرب.

وكان شباط قد قال في لقاء نظمته نقابة الاتحاد العام للشغالين في المغرب، إن «الانفصال الذي وقع عام 1959 خلق مشاكل للمغرب، منها تأسيس دولة موريتانيا، رغم أن هذه الأراضي تبقى مغربية، وأن كل المؤرخين يؤكدون ذلك»، مضيفًا أن حزب الاستقلال آمن منذ البداية بأن حدود المغرب «تمتد من سبتة المحتلة إلى نهر السنغال»، على حد قوله.

وبالإضافة إلى كل هذا، يشكل ملف الصحراء الغربية العالق في الأمم المتحدة، تحديًا جوهريًّا في معادلة الصراع الإقليمي بين الدولتين، ويعتبر الكثير من المتابعين للشأن الصحراوي أن هذا الملف، قابلٌ للانفجار في أي لحظة بسبب تواجد جهة مسلحة ممثلة في «البوليساريو»، والجيش المغربي على حدوده الشرقية؛ ترقبًا لأي تحركات قائمة.

وما تخشاه الجزائر من الحدود المغربية هو تهريب المخدرات، الذي يعتبر مصدر قلق داخلي في البلاد، بالإضافة إلى الصراع السياسي الذي قد يتحول إلى عسكري بين المغرب، وجبهة البوليساريو، وبالتالي تتحول المنطقة الهادئة نسبيًّا إلى بؤرة توتر، تستنزف الجيش الجزائري على الحدود، مثلما يحدث في الجنوب.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد