“الاحتياطي النقدي الأجنبي يقترب من مستوى حرج”، كانت هذه العبارة هي مفاد حديث العديد من المحللين الاقتصاديين وحتى المسؤولين الرسميين المصريين عن الاحتياطي النقدي الأجنبي، وخصوصًا بعد اتجاه البنك المركزي المصىري لتخفيض قيمة الجنية المصري عدة مرات، آخر مرة كانت الأسبوع الماضي.

منذ قيام انتفاضة الخامس والعشرين من يناير والتي لم تقم فقط لأهداف سياسية وإنما بالأساس كانت أهداف اجتماعية، تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية، فانتفاضة شعارها “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، يبدو أن أيًا من هذه المطالب لم يتحقق إلا الفتات منها.

بعد 4 سنوات من عدم الاستقرار السياسي الذي غطى على كافة مناحي الحياة في مصر، وقطاع السياحة الذي تأثر كثيرًا بفعل قيام الثورة وما تبعها من أحداث عنف وعدم استقرار أدى في بعض الأحيان إلى أن تقوم بعض الدول بمنع رعاياها من السفر لمصر.

ما بين هذا وذاك والأحداث المتلاحقة التي لا تمر بها مصر وحدها وإنما المنطقة جمعاء، يبدو الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري في أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2010، فماذا يحدث للاحتياطي النقدي؟

 

بداية: ماذا يعني الاحتياطي الأجنبي النقدي؟

التعريف الأكثر انتشارًا والأبسط للاحتياطي النقدي الأجنبي هو اجمالي حجم الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط، والتي تحتفظ بها البنوك المركزية والسلطات النقدية، أو هو حجم صرف العملات الأجنبية والذهب والمعادن النفيسة التي تستخدم لدعم العملة الوطنية ولإتمام المعاملات الدولية، وتسديد الديون والالتزامات. وغالبًا ما يكون هذا الاحتياطي بالدولار، كما الحال في مصر.

متى يمكن القول أن الاحتياطي قد وصل لوضع حرج؟

في الأوضاع الطبيعية فإنه من المتعارف عليه أن يتبقى للدول من الاحتياطي النقدي الأجنبي الخاص بها ما يكفي لمدة 6 أشهر، إذا ما انخفض الاحتياطي ليصبح قادرًا على تغطية فترة 3 أشهر أو أقل هنا يمكن الحديث عن مستوى حرج، وهو ما يحدث الآن في مصر.

 

أرقام وحقائق عن الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري

بعض الأرقام عن الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري قبيل قيام الثورة بشهر وحتى سبتمبر 2015: البيانات الموجودة بالأدنى كلها وفقًا للبنك المركزي المصري ولكن عن التقارير الصادرة في شهر سبتمبر، ويتغير الاحتياطي النقدي الأجنبي على مدار العام، ولكن شهر سبتمبر وقع عليه الاختيار لعقد المقارنة نظرًا لوصوله أدنى المستويات في سبتمبر 2012 وسبتمبر 2015.

وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن احتياطي النقدي الأجنبي في ديسمبر 2010 كان 36 مليار دولار.

وبعد سنة واحدة من قيام الثورة في سبتمبر 2011 وصل الاحتياطي النقدي إلى 24 مليار دولار.

وفي سبتمبر من العام 2012 وصل الاحتياطي النقدي لـ15 مليار دولار، وهو أدنى مستوى وصل له الاحتياطي النقدي خلال الأربع سنوات الماضية، ولكنه عاود ليرتفع العام التالي.

ففي سبتمبر 2013 وصل الاحتياطي النقدي الأجنبي 18,7 مليار دولار.

ثم في سبتمبر 2014 عاود التراجع ليصل إلى 16,8 مليار دولار.

وظل الاحتياطي من المستوى الحرج في سبتمبر من العام الجاري ليصل إلى 17,3 مليار دولار.

ووفقًا أيضًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن احتياطي النقد الأجنبي انخفض بمقدار1,76 مليار دولار فقط في خلال شهر واحد، حيث انخفض من 18,09 مليار دولار في أغسطس 2015 يصل إلى 16,3 مليار دولار في سبتمبر2015، وكان الاحتياطي النقدي قد وصل لـ 20 مليار دولار في يونيو هذا العام.

منح وودائع وديون!

يُذكر أن مصر كانت قد تلقت ودائع بستة مليارات دولار في أبريل هذا العام من عدة دول عربية: السعودية والإمارات والكويت، كجزء من حِزم المساعدات الاقتصادية بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي.

وقد قامت مصر بتسديد ديونها لنادي باريس للدول الدائنة  –وهو مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة التي تسعى لإيجاد حلول ملائمة للصعوبات التي تواجهها الدول المدينة في سداد ديونها- حيث سددت مصر 670 مليون دولار في بدايات شهر يونيو، وهو ما أسهم بقوة في هذا الانخفاض.

قامت الحكومة بطرح سندات دولية في الشهر نفسه الذي سددت فيه الديون لنادي باريس، يونيو 2015، بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل 10 سنوات.

كما أنه من المتوقع أن تقوم مصر برد المتبقي من الوديعة القطرية التي كانت قطر قد وجهتها لمصر إبان فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية وطالبت قطر الحكومة المصرية بردها بعد عزل محمد مرسي، وكانت هذه الوديعة بقيمة 6,5 مليار دولار تُتستخدم فقط في الاحتياطي النقدي، وقامت مصر برد 6 مليار دولار في الفترة من نوفمبر 2013 وحتى نوفمبر2014، وتبقى 500 مليون دولار من المنحة أن تقوم بردها.

 

الاقتصاد المصري .. ماذا بعد؟

الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل أساسي على أربعة محاور (إيرادات قناة السويس، البترول، السياحة، تحويلات العاملين بالخارج) كان قد تأثر كثيرًا من بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث تأثرت السياحة بشكل ملحوظ، فقد مثّل عام 2010 الذروة السياحية لمصر بعوائد 12,5 مليار دولار بينما واصل الانخفاض على مدار الثلاثة أعوام الماضية وحقق في عام 2014 ما يقرب من 7,5 مليار دولار.

 

ووفقًا لبيانات صادرة عن هيئة قناة السويس تراجعت إيرادات القناة بـ9%  خلال شهر أغسطس 2015  مقارنة بالعام الماضي خلال نفس الفترة، بالرغم من افتتاح قناة السويس الجديدة التي اعتبرها البعض مشروعًا قوميًّا ومعجزة تم إتمامها في عام واحد، ويرجع البعض الأمر أنه شيء طبيعي وفقًا للمعدلات العالمية.

ومنذ عام 2008 وقد خرج البترول ضمن هذه المصادر الأربعة، نظرًا لخروج مصر من دولة منتجة إلى دولة مستوردة للبترول.

وبما أن مصر ليست بمنأى عما يحدث حولها فالعلاقات الخارجية المصرية مع الدول الأخرى لها شأن كبير فيما يتعلق بالاقتصاد، فالعلاقات المصرية السعودية والتي يبدو أن أصابها التوتر وخصوصًا فيما يتعلق بسوريا وطريقة حل النزاع هناك حيث لا تتفق القاهرة والرياض على وجهة نظر واحدة فيما يتعلق بهذا الأمر.

الحل الذي يتبقى أمام مصر لرفع الاحتياطي النقدي من جديد، إما:

(1)  اللجوء لدول صديقة للحصول على قروض أو ودائع

(2)  طرح سندات دولارية في الأسواق العالمية.

محاولة السيطرة على الواردات لتوفير الدولار، وهو ما لمّح إليه كثيرًا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كثير من أحاديثه أن العديد من السلع التي يتم استيرادها ليست سلعًا رئيسية ولا يحتاجها الكثيرون، وظهر ذلك جليًا في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي عندما قال: “الدولة تستورد الكثير من السلع غير الضرورية” والتي يمكن توفيرها محليًا.

بالإضافة إلى الاتجاه إلى خفض قيمة الجنية المصري أمام الدولار، وهو ما يحدث بالفعل، فمنذ بداية هذا العام فقط قامت مصر بتخفيض قيمة الجنيه في مواجهة الدولار 79 قرشًا، وذلك بالأخذ بنصيحة كلٍ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واللذان كانا قد دعا مصر إلى انتهاج سياسة صرف “مرنة” لسعر الصرف.

ووفقًا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي فحتى مع تبني مصر لسياسة صرف مرنة فتحسن الوضع المالي ليصبح قريبًا من مستويات ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير ليس قريبًا.

المصادر

تحميل المزيد