«ليه اللي جايلك أجنبي، عارفة عليه تطبطبي؟ وتركبي الوش الخشب وعلى اللي منك تقلبي» هذه كلمات من أغنية «بالورقة والقلم» من الفيلم الشهير «عسل أسود»، يبدو أنها أصبحت تمثل واقعًا في عدد من الوقائع التي مررت فيها السلطات المصرية، أثناء حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، مخالفات معظمها جنائية لأجانب على أراضيها، على عكس ما تفعل عادةً تجاه المصريين الذي يخالفون نفس القوانين، ويكون الأمر أكثر شدة عندما يتعلق بمعارضين مصريين.
إخلاء سبيل سائح إيطالي بعد قتله مدير فندق مصري
تعود واحدة من أبرز تلك الوقائع، إلى العاشر من أغسطس (آب) 2017، عندما قتل سائح إيطالي يُدعى «ليوناردو إيفان باسكال» ، المهندس طارق عبد الحميد الحناوي، مدير فندق مصري في منطقة مرسى علم على شاطئ البحر الأحمر حيث يقضي باسكال إجازته، وبد أ الشجار عندما رفض طارق السماح لباسكال بالسباحة في البحر بعد المواقيت المحددة مساءً، وهو شجار «تطور إلى اشتباك بالأيدي؛ ضرب خلاله باسكال طارق حتى الموت»، بحسب ما أفاد التلفزيون الحكومي الإيطالي.
وعلى إثر تلك الواقعة، صادرت السلطات المصرية جواز سفر باسكال، وحبسته نيابة البحر الأحمر على ذمة التحقيق في تلك القضية، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى قررت النيابة إخلاء سبيله يوم الأحد الماضي، الموافق العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي، بكفالة 100 ألف جنيه على ذمة التحقيقات، وبعد أقل من يومين من ذلك القرار، أمرت النيابة يوم الثلاثاء الماضي بتسليم باسكال جواز سفره.
«شكرًا» تحت هذا العنوان بثّت هدير نجلة طارق، فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، وجهت فيه بشكل ساخر الشكر للسلطات المصرية على حسن تعاملها مع «السائح الإيطالي»، وحكت رواية مختلفة نسبيًا عن رواية التلفزيون الإيطالي، وقالت إن باسكال قدم من قرية سياحية أخرى إلى شاطئ الفندق الذي يديره والدها، ورفض دفع الرسوم مما دفع والدها لتهديده بأنه سيستدعي شرطة السياحة، فضربه باسكال فأرداه قتيلًا.
وخلال الفيديو حاولت هدير مغالبة دموعها، ولكنها لم تستطع حتى بكت، وقالت إن إخلاء سبيل باسكال وإعطاءه جواز سفره «خلاني أحس لمرة تانية إن بابا مات» وأضافت بطريقة ساخرة غلب عليها الحزن «شكرًا جدًا لبلدي إنها حافظت على حق بابا جدًا.. شكرًا أوي إنها حسستني إني أنا بني آدمة.. وإني يوم لما يحصلي حاجة في بلدي هلاقي حد يجيبلي حقي»، وجاء فيديو هدير، بعد فيديو لوالدتها «أكدت عدم تنازلها عن حق زوجها» ونفت فيه حصولها على عشرة مليون جنيه للتنازل «مجرد شائعات».
[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” id=”” url=”https://www.facebook.com/hadeer.elhennawy.3/videos/343873236056459/” width=”446″ ]
وتظهر تلك الواقعة تباينًا كبيرًا بين تعامل مصر عندما قتل أحد مواطنيها على يد سائح إيطالي، وبين تعامل إيطاليا مع مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر؛ إذ صعّدت إيطاليا ضد مصر بقوة لدرجة سحب السفير الإيطالي من القاهرة، وهو السفير الذي عاد يوم الأربعاء الماضي، بعد غياب 17 شهرًا، في خطوة «نحو تعزيز العلاقات بين البلدين» على حد تعبير الخارجية المصرية، جاءت بعد إخلاء سبيل مصر للسائح الإيطالي الذي قتل مدير الفندق المصري.
إخلاء سبيل 38 مشجعًا للفيصلي الأردني ومحاكمة 235 مشجعًا للزمالك عسكريًا
ولم يتوقف التساهل المصري خلال تجاوزات الأجانب عند هذا الحد، ففي السادس من أغسطس (آب) 2017، انتهت البطولة العربية المقامة في مصر، بفوز نادي الترجي التونسي، بعد تغلبه في المبارة النهائية على نظيره الأردني بثلاثة أهداف لهدفين، وعقب إطلاق الحكم المصري إبراهيم نور الدين صافرة النهاية، انهال عدد من لاعبي ومديري فريق الفيصلي الأردني عليه بالضرب، ليس ذلك وحسب وإنما أعقب المباراة أيضًا أعمال شغب لمشجعي الفيصلي الأردني تضمنت تكسير تسعة مقاعد وخلع 20 مقعدًا، باستاد برج العرب في الإسكندرية.
وأدت أحداث الشغب والعنف تلك إلى اعتقال السلطات المصرية 38 مشجعًا للفيصلي الأردني، ووجهت النيابة لهم تهم: إثارة الشغب وتحطيم منشآت عامة والاشتباك مع الأمن خارج الإستاد ورشقه بالحجارة، وزجاجات فارغة وشعارات مسيئة وسب وقذف، وما هي إلا ساعات قليلة، حتى أخلت النيابة سبيلهم، في صباح اليوم التالي بعد تدخل السفير الأردني.
اللافت أنه قبل تلك الواقعة بنحو شهر واحد فقط، وقعت أحداث شغب مشابهة بنفس الإستاد، في يوليو (تموز) الماضي، هذه المرة من رابطة مشجعي نادي الزمالك المصري «ألتراس وايت نايتس»، عقب تعادل الزمالك مع نادي أهلي طرابلس الليبي، وخروج النادي الأبيض المصري من دوري أبطال أفريقيا.
ولكن كان رد فعل السلطات المصرية في هذه الواقعة مختلفًا تمامًا عن واقعة الفيصلي الأردني، فبعد إلقاء القبض على 235 من مشجعي الزمالك بينهم 135 طفلًا «حدث» لم يتعدوا سن 18 عامًا، بعدما اتهمتهم النيابة بممارسة أعمال شغب، تحولت قضيتهم إلى قضية عسكرية، تُباشر التحقيقات فيها نيابة العامرية العسكرية، وقد قضوا أكثر من شهرين قيد الحبس، تعدى خلالهما 79 متهمًا سن الطفولة القانوني، وقد تأجلت آخر جلسة لهم نحو شهر، لتعقد الجلسة المقبلة في تلك القضية يوم 26 سبتمبر (أيلول) 2017.
إخلاء سبيل خليجيين في قضايا سلاح وتهريب آثار وهتك عرض في مصر
بالإضافة إلى الوقائع سالفة الذكر، تعددت الوقائع والقضايا التي مرّرت فيها مصر خلال في الفترة الأخيرة، مخالفات وتجاوزات قانونية لأجانب خليجيين وبالأخص سعوديين، في قضايا تتعلق بحيازة سلاح وهتك عرض، وتهريب آثار، وقعت جميعها في مدينة الغردقة السياحية الواقعة ساحل البحر الأحمر.
ففي الثاني من أبريل (نيسان) 2016، أخلت نيابة الغردقة سبيل مواطن سعودي الجنسية، بكفالة مالية على ذمة قضة حيازة سلاح بدون ترخيص، بعدما ضُبط وبحوزته مسدس وطلقات ذخيرة بدون ترخيص، تحفظت عليهما النيابة.
وفي الثاني من يونيو (حزيران) 2016، أخلت نيابة الغردقة سبيل عريف شرطة سعودي الجنسية، بكفالة مالية قدرها 3 آلاف جنيه، على ذمة قضية مخلة للآداب، اتهم خلالها في بلاغ بـ«هتك عرض طفلة يبلغ عمرها 10 سنوات، وتقبيلها دون رضاها أثناء تواجده في إحدى القرى السياحية».
وفي 17 أغسطس (آب) 2017، وبعد أيام قليلة من قتل باسكال لطارق، أخلت نيابة الغردقة سبيل مواطن خليجي لم تحدد جنسيته، بكفالة مالية قدرها 20 ألف جنيه، على ذمة قضية تهريب آثار، بعد ضبطه أثناء تهريب ست لوحات أثرية وعصا حجرية تعود للحضارة الآشورية من خلال ميناء الغردقة، واعترف المواطن الخليجي بأن المضبوطات «مقتنيات شخصية»، وصادرتها النيابة قبل أن تخلي سبيله.
ألفا معارض مصري تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي
في الوقت الذي «طبطبت» فيه مصر على مخالفين أجانب في قضايا «جنائية» وأسرعت النيابة في إخلاء سبيلهم، رغم ما ارتكبوه من جرائم اعترف بعض المتهمين بها بالفعل، تماطل النيابة في إخلاء سبيل معتقلين معارضين، بالرغم من تجاوزهم الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وهو ما يخالف القانون المصري.
فمن بين عشرات آلاف المعتقلين في مصر، هناك نحو ألفي معتقل، في 24 قضية تجاوزوا فترة الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، البالغة سنتين دون إخلاء سبيلهم، بحسب ما أفاده أسامة ناصف، المحامي في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، مؤكدًا لـ«ساسة بوست» بأن الإفراج عن هؤلاء المتهمين أصبح وجوبيًا بنص القانون.
في الإشارة للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تحدد حدًا أقصى للحبس الاحتياطي لا يزيد عن سنتين، وتنص على أنه: «في جميع الأحوال، لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي، وسائر مراحل الدعوى الجنائية، ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح، و18 شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام».
ومن أبرز تلك القضايا، ثلاث قضايا تحديدًا بلغ إجمالي المحبوسين فيها المئات، وقضى نحو 850 معتقلًا فيها «أربع» سنوات في الحبس الاحتياطي دون إخلاء سبيلهم، وهم: قضية فض رابعة، وقضية فض النهضة، اللتان تعودان ليوم 14 أغسطس (آب) 2013، وقضية أحداث مسجد الفتح التي تعود لـ16 و17 أغسطس (آب) 2013.
اقرأ أيضًا: «في طي النسيان».. ألفا معتقل في السجون المصرية تخطوا فترة الحد الأقصى للحبس الاحتياطي