3 انتفاضات قام بها الفلسطينيون حتى اللحظة منذ العام 1987، وهي: انتفاضة الحجارة ، انتفاضة الأقصى، وأخيرا انتفاضة القدس، أفتمضي هذه الانتفاضة مثل سابقاتها أم أنها يمكن أن تحقق بعضًا؟ حيث الكثير من التحولات العالمية تحدث، ولم يبق أمر على حاله، نعرض لك في هذه التقرير أربع وجهات نظر، هي: الفلسطينية، الإسرائيلية، العربية، والدولية.
الانتفاضة في أرقام:
لحظة كتابة هذه السطور استشهد نحو 84 فلسطينيًا منذ أكتوبر من العام الحالي من بينهم 18 طفلاً و 4 سيدات، فيما أصيب نحو 3500 آخرين، بين جروح متوسطة، وطفيفة، واعتقل نحو 1500 مواطن في حين قتل نحو 13 إسرائيلي، وأصيب قرابة المائة، وأبرزت دراسة إحصائية أن مجمل العمليات التي نفذت منذ بداية الشهر الماضي: 127 عملية، توزعت على 47 عملية طعن، كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أحبط 26 عملية طعن أخرى، كمانفذت مجموعات فلسطينية 47 عملية إطلاق نار، و7 عمليات دهس أسفرت عن مقتل 12 إسرائيليًا، وعشرات الإصابات”.
الكاتب الفلسطيني علاء الريماوي أكد أن زخم الأحداث على الأرض حقق سابقة لم تتكرر منذ عام 2004، وعمليات الطعن والمحاولات لم تتكرر في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث إن الظاهرة الجديدة وغير المسبوقة هي مشاركة أطفال بعمر 11 عاما في العمليات، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات أسرية، أي: مشاركة أكثر من فرد من ذات العائلة في عملية واحدة، كعائلة مناصرة، وعائلة أبو جبل؛ واحتلت الخليل المرتبة الأولى على مستوى العمليات، حيث نفذت أكثر من 27 عملية، بينما جاءت القدس في المرتبة الثانية برصيد 19 عملية، تليها جنينشار كتب 6 ، ثم رام الله بأربع، وتلقى هذه الانتفاضة دعمًا شعبيا كبيرا؛ إذ إنه وفي آخر استطلاع أجراه مكز إوراد، كشف أن 63% من المستطلع آرائهم مؤيدين للانتفاضة، بينما يصرح 33% بأنهم يعارضون انتفاضة جديدة.
رؤية الفصائل الفلسطينية:
نجحت الانتفاضة في بناء تحالف وطني قوي في الشارع الفلسطيني ضمّ جميع الفعاليات والقوى السياسية، وفي توجيه رسالة محددة إلى إسرائيل مفادها: “أن لا أمن ولا استقرار دون الاستجابة لحق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي التي احتلت عام 1967 ومن دون الاعتراف بمسئولية إسرائيل عن مشكلة اللاجئين”، فالصراع يدور حول حدود إسرائيل وحدود الدولة الفلسطينية والسيادة على الأرض، وحول حق اللاجئين، وجميع الفصائل الفلسطينية بلا استثناء ترحب بالانتفاضة والعمليات، بل تدعو لمزيد من العمليات ، بيد أنه لم يثبت حتى اللحظة أن ثمة عمليات منظمة يقف خلفها فصيل ما بشكل رسمي، واللافت أيضا أن هذه العمليات لا يتبناها أي فصيل، وحتى بعد أن يستشهد منفذ العملية ويكون انتماؤه لفصيل ما، لا يعلن الفصيل أنه قام بإرسال هذه الشاب أو هذه الفتاة لتنفيذ هذه العملية كما كان في السابق.
وكانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وهما الفصيلان الأكثر نشاطًا في مجال المقاومة، أكدتا أن الأحداث الجارية هي انتفاضة كاملة الأوصاف؛ حيث إن جميع الظروف مهيئة لاندلاع انتفاضة جديدة بالأراضي الفلسطينية، وأنها لن تستأذن أحدا أو تأخذ قرارًا من أية جهة كانت لتشتعل في وجه المحتل.
فيما أكدت حركة حماس أن ،جميع أشكال المقاومة ستكون حاضرة، بما فيها العمليات الاستشهادية بواسطة الأحزمة الناسفة، ولكن قيادة المقاومة هي من ستحدد طبيعة الشكل المناسب والتفاصيل بحسب المصلحة التي تراها.
موقف السلطة الفلسطينية:
انفجرت الانتفاضة في ظل وجود سلطة وطنية تحظى بشرعية إقليمية ودولية أكثر من أية جهة فلسطينية غيرها، حتى لو كانت منتخبة، كحماس مثلا، فاتخذت موقف التوصيف الدقيق له بأنه رمادي؛ فهو يسمح للشبان بالاحتكاك مع الاحتلال، ولا يمنعهم، كما كان يفعل في السابق، بيد أنه لا يسمح أبدًا باستخدام الأسلحة النارية، ويعتقل نشطاء الفصائل المشتبه بهم في تنفيذ عمليات فدائية، فيما الحماسة والروح الثورية تسود الجيل الفتحاوي بامتياز ويشاركون الشبان بؤر المواجهات مع الاحتلال.
إلا أن البعض وصف موقف السلطة الفلسطينية، وهي الجهة الحكومية للشعب الفلسطيني بأنه موقف باهت، كأستاذ العلوم السياسية في قطر محمد المسفر، والذي دعا السلطة الفلسطينية إلى تجاوز مستوى البيانات الباهتة تجاه انتفاضة القدس إلى مواقف التأييد العملية”.
كما حث دول الخليج خاصة والدول العربية بشكل عام، “على إسناد انتفاضة القدس ومناصرة الفلسطينيين في مواجهة آلة الاحتلال الإسرائيلي”.
ورغم تبدل الكثير من المتغيرات على الأرض، إلا أن السلطة موقفها هو ذاته الذي رفعته قبل نحو عشرة أعوام، وأعلنه الرئيس محمود عباس غير مرة، ويتمثل في التالي:
-
استئناف مفاوضات السلام على أساس الانسحاب إلى حدود 1967.
-
توسيع قاعدة رعاية المفاوضات بإدخال الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا والصين .. إلخ.
-
إنشاء قوة دولية في فلسطين لحماية السكان كمقدمة للوصاية على الأراضي المحتلة بينما يتم التفاوض في شأن مستقبلها.
-
تجميد الاستيطان في مناطق الضفة المحتلة.
أما الكاتب عبد الستار قاسم، والذي فُصِل من جامعة بالضفة الغربية؛ لآرائه السياسية المناهضة تمامًا لاتجاهات السلطة، أشار إلى أن “السلطة سبب أساسي في منع قيام انتفاضة ثالثة، لأن سبب قيامها هو حماية أمن إسرائيل، فإذا فشلت في ذلك فإنه لن يبقى مبرر لوجودها، والقائمون على السلطة لهم مصالحهم المرتبطة بإسرائيل، وهم ليسوا على استعداد للتضحية بمصالحهم من أجل فلسطين، فضلا عن أن السلطة في السنوات الماضية استنزفت ثقافة الناس في قضايا ثانوية احتلت الأولوية على الهم الوطني، كل ذلك مما يعيق اندلاع انتفاضة ثالثة”، وكان الرئيس محمود عباس أكد بالفعل أنه لن يوقف التنسيق الأمني والتعهدات المنضوية تحت هذا النوع من التعاون بين السلطة وإسرائيل.
وما يؤكد وجهة النظر هذه، ما حدث إثر العملية الفدائية التي نفذتها مجموعة قيل إنها تابعة لحركة حماس قرب مستوطنة “إيتمار” القريبة من نابلس في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قامت الأجهزة الأمنية بالتحقيق مع أحد أفراد المجموعة الذي أصيب في العملية، ولم تمر بضع ساعات حتى قامت قوات الاحتلال باعتقاله وباعتقال أفرادالمجموعة، وهو ما جعل أصابع الاتهام توجه إلى الأجهزة الأمنية.
كذلك فإن عباس كان قد أصدر أوامره إلى القيادات العسكرية في الأجهزة الأمنية في 5 تشرين الأول/ أكتوبر بما سماه تفويت الفرصة على المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تصعيد الوضع وجره إلى مربع العنف، كماحدثت اتصالات من قيادات في السلطة مع أحزاب وقوى فلسطينية في الأرض المحتلة 1948 تطالبها بالتهدئة.
الموقف العربي:
إن اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة وعامة في الضفة الغربية يَحتَاجُ إلى حواضن مُساندة سياسياً ومادياً ومعنوياً، حواضن عربية وإسلامية؛ فيما يبدو توقيت الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية غيرمشجع على الإطلاق: من الناحية الإقليمية، والعربية، حيث لم يلحظ الفلسطينيون أكثر من التنديد، وليس من كافة الدول العربية، كما كان يحدث في السابق، وهو أمر يدعو للدهشة، بحسب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عدنان أبو عامر، والذي أضاف: “لكل امرئ منهم شأن يغنيه”، ومتابعة أولية لنشرات الأخبار العربية تعطي الجواب اليقين بأن المشاكل الداخلية تتصدر الاهتمامات، لكن ترتيب الأولويات قد يعيق تقديم عون عربي رسمي أو شعبي لأي انتفاضة فلسطينية، وهو ما حدث بشكل جلي وواضح خلال حرب غزة الأخيرة 2014، وحجم التفاعل الشعبي والرسمي العربي، الذي كان محدودًا جدا في معظم الأحيان، ودون المستوى المطلوب بكثير.
في حين أكد علي بدوان أن الجميع يَعلم أن الفلسطينيين في ظل الواقع الراهن لا يستطيعون وحدهم، في غياب أمتهم، مواجهة ما يجري لهم ولقضيتهم، فالذي شَجَّعَ الاحتلال وحكومته على استمرار الحملات التصعيدية التي هوّدت الأرض وصادرت الأحياء وهدمت المنازل وشردت الإنسان، هو استمرارية غياب الدور العربي المطلوب تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس، والاتكاء على استراتيجية: “السلام خيار عربي وحيد”، في مواجهة سياسات الاحتلال.
الموقف الدولي:
“يشعر بالقلق” التعبير الدائم للأمين العام للأمم المتحدة، وهو ذات الموقف لكافة الدول الأوروبية وواشنطن، غير أن الأولى نحت منحًا كان مخطط له من السابق، وسرًعت الأحداث في تطبيقه، وهو يعد درجة ضمن سلم مقاطعة إسرائيل، حيث أقر الاتحاد الأوروبي وضع ملصقات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية؛ للتنويه بأنها سلع منتجة في مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان.
وكان 525 برلمانياً في الاتحاد الأوروبي صوتوا على إقرار وضع الملصقات التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في يونيو/حزيران 1967.
وقد صوت 70 برلمانياً ضد القرار في حين امتنع 31 عضواً عن التصويت. يذكر أن بريطانيا وبلجيكا والدنمارك تطبق وضع العلامات على البضائع المنتجة في المستوطنات، بخاصة الفواكه والخضروات، التي تستوردها من وادي الأردن والضفة الغربية.
والآن بات على جميع دول الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، وضع كلمة: “مستوطنة ” على المنتج، كما أن المصارف الإسرائيلية قلقة من إمكانية مقاطعتها دولياً، وذلك بسبب الأنشطة التي تمارسها في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان حيث زُودت دول الاتحاد الأوروبي بأوراق وإثباتات موثقة، تؤكد تورط عدد من المصارف الإسرائيلية في نشاطات بالمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان”.
فيما سارع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحرك دبلوماسياً، إذ التقى بالقيادات الأردنية وبالرئيس محمود عباس في العاصمة الأردنية، كماالتقى لاحقاً ببنيامين نتنياهو. أسفرت هذه اللقاءات عن مجموعة من التفاهمات حول المسجد الأقصى منها:
إبقاء الوضع في المسجد الأقصى على ما هو عليه؛ أي أن المسلمين يؤدون صلاتهم في الأقصى، أما غير المسلمين يسمح لهم بالزيارة فقط، كذلك يعمل على وضع كاميرات؛ لمراقبة الوضع في المسجد الأقصى، كما تحترم “إسرائيل” الدورالأردني في رعاية المسجد الأقصى وفق معاهدة السلام بين الطرفين.
وعلى الرغم من أن هذه التفاهمات تعزز من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، إلا أنها في حال تخفيف من بعض القيود المفروضة على الأقصى، وكذلك منع المستوطنين من اقتحامه قد ينعكس على مستوى الانتفاضة ومسارها.
الموقف الإسرائيلي:
“القبضة من حديد” لم تستخدم إسرائيل أية وسيلة ترغيب مع الفلسطينيين، فلم تخفف من إجراءاتها التهويدية في المسجد الأقصى ومدينة القدس،أو إخراج أعداد من الأسرى أو حتى الإعلان عن تجميد الاستيطان، بل على العكس تمامًا، كل إجراء من الإجراءات السابقة تم تكريسه وتعزيزه، فأعلن عن المزيد من سياسة هدم البيوت، ووحدات استيطانية جديدة وصلت لنحو 5000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، والقدس، وتهويد المدينة، ومسح أية آثار إسلامية هناك.
وميدانيًا خولت الحكومة الإسرائيلية؛ قواتها، بفرض حظر التجول، كما صادقت على هدم بيوت منفذي العلميات، ومصادرة ممتلكاتهم، وسحب الهوية منهم، كما شجعت السلطات الإسرائيلية المستوطنين على حمل السلاح، فقد نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مسئول في وزارة الأمن الداخلي قوله إنه خلال أسبوعين، ارتفع عدد الطلبات لحيازة السلاح، من 150 طلبا في اليوم، إلى 8 آلاف طلب خلال الشهرين الماضيين، وتحديداً بعد إصدار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي: غلعاد إردان قراراً بتخفيف القيود على عملية الحصول على تصريح لحيازة سلاح.
الخلاصة :
بغض النظر عما يمكن أن يطلق من تسميات على ما يحدث في فلسطين، سواء هبة أو انتفاضة أو حراك، ولكن الثابت بأن الشعب تجاوز حالة العجز عند القيادة الفلسطينية وهبّ ليوجه للمحتل رسالة بأن الأقصى خط أحمر لا يمكن تخطيه.
إذا لم تمر الاستفزازات الإسرائيلية والاقتحامات المتكررة للأقصى مرور الكرام، بل خرج الشباب الفلسطيني؛ ليدافعوا عن مقدساتهم وأرضهم.
يرسم المشهد الحالي للمواجهات الدائرة بين شباب فلسطين العزل وبين قوات الاحتلال المدججين بالسلاح، ثلاث سيناريوهات لكل واحد منها مقوماته:
-
السيناريو الأول
تقويض الانتفاضة في مهدها:
وهنا لابد من الإشارة بأنه من الصعب تحقيق هذا السيناريو دون إشراك أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، وقد يُعزّز ذلك إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بشكل طارئ، وإعطاء السلطة بعض المكاسب الهامشية، كإطلاق سراح بعض الأسرى أو إعطائها نفوذا أمنيا في بعض المناطق ذات الاحتكاك المباشر لتصبح المواجهات فلسطينية فلسطينية.
-
السيناريو الثاني
المراوحة في الهبات صعوداً وهبوطاً:
أي أن تعجز قوى المقاومة عن ترشيد مسار الانتفاضة، وتطويرها فتتحول إلى هبة شعبية محدودة الزمان والانتشار، وتفتقد إلى استراتيجية واضحة، وقيادة قادرة على حمايتها وعلى تأمين حاضنة عربية وإسلامية لها، وبالتالي يستمر الجماهير في التفاعل مع الأحداث صعوداً وهبوطاً حس بحجمها.
-
السيناريو الثالث
اتساع رقعة الموجهة:
ومما يعزز هذا السيناريو ارتفاع وتيرة الهجمات وتنوعها، وإدراك القوى الفلسطينية بأن الانتفاضة هي السبيل الأمثل للخروج من حال الجمود. ولكن يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على توسيع رقعة المواجهات لتشمل كافة مناطق الضفةالغربية، وفرض الأمر الواقع على الأجهزة الأمنية للسلطة بشكل يفقدها فعاليتها في قمع الانتفاضة، أو يُحيُّدها (برغبتها أو دون رغبتها) في التدخل في المواجهات بين المنتفضين وقوات الاحتلال.
وبشكل عام، يصعب ترجيح أحد السيناريوهات الثلاث، وتكاد السيناريوهات في هذه اللحظة تملك حظوظاً متقاربة، غيرأن قدرة “الانتفاضة” على الصمود والاستمرار والانتشار قد يرجح السيناريو الثالث.