صُدمت عائلة أبو غبن، التي تقطن مدينة جباليا في شمال قطاع غزة، بخبر متداول على شبكات التواصل الاجتماعي، يفيد بأن ابنتهم أحلام (في الأربعينات من عمرها) ضمن كشف المصابين بمرض كوفيد 19 في قطاع غزة، ذلك أن السيدة التي تعمل في المستشفى الإندونيسي بغزة، لم تُخبَر بإصابتها من قبل الجهات الرسمية في قطاع غزة وإنما عرفت مما نشر.

أصيبت أحلام بالفيروس خلال عملها في المستشفى، ومع ظهور الأعراض وإخضاعها للفحص، جاءت النتيجة إيجابية لتنقل إلى المستشفى الأوروبي بخان يونس جنوب قطاع غزة للعزل وتلقي العلاج، لكن المأساة الأكبر هي أن السيدة خالطت عائلتها الممتدة المكونة من 26 شخصًا يقطنون مبنى سكنيًّا واحدًا.

وقد ظهرت الأعراض في الساعات الماضية على بعض منهم ومُنعوا من الخروج من المنزل لحين خضوعهم لفحوصات الفيروس، تحدث «ساسة بوست» إلى رامز أبو غبن (25 عامًا) الذي كان يقف بجوار شقيقته المخالطة بشكل مباشر لعمته المصابة، وقال: «مناعتها ضعيفة، تشعر بارتفاع بدرجة الحرارة، ولا نستطيع الخروج من المنزل لجلب الدواء، كل ما أستطيع فعله هو البحث على شبكة الإنترنت لأعرف كيف أتصرف».

المفارقة، أن عائلة أبو غبن كجملة سكان قطاع غزة تطالب الآن في المقام الأول بتوفير المياه والكهرباء والطعام لأفرادها، يقول رامز لـ«ساسة بوست»: «منذ 10 أيام نفتقد المياه في بيتنا، فهي لا تصل إلينا بسبب تقليص ساعات التيار الكهربائي لأقل من أربع ساعات فقط يوميًا، وكنا نعتمد على مياه الشرب العذبة التي نشتريها من الموزعين. ومع إعلان الحظر فقدنا مصدر رزقنا، فوالدي يعمل في السوق، كذلك لا يوجد في البيت معقمات ولا مواد تنظيف».

لم يجد هذا الشاب سبيلًا لإنقاذ عائلته إلا الاستغاثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يريد أبو غبن إخضاع العائلة لفحوصات الفيروس، إذ يوجد 16 طفلًا من بين 26 فردًا متواجدين في المبنى الذي يجمع أعمامه وعائلتهم.

قبل 25 أغسطس (آب) الحالي، كان قطاع غزة واحد من الأماكن القليلة الخالية من انتشار الفيروس باستثناء أماكن حجر القادمين من معبري رفح وبيت حانون (إيرز)، إلا أن ظهور الفيروس في القطاع المحاصر من قبل مصر وإسرائيل، يعني أن القطاع قريب جدًا من كارثة إنسانية بسبب انهيار الوضع الصحي والمعيشي للسكان المنهكين من سنوات الحصار الممتدة منذ 14 عامًا، حتي أصبحوا غير قادرين على تحمل تبعات الإجراءات التي يتم اتباعها عادة، بهدف كبح جماح تفشي الفيروس.

كيف وصل كوفيد 19 لسكان غزة؟

في السادس من مارس (آذار) 2020، أعلنت السلطة الفلسطينية في رام الله، حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية إثر اكتشاف إصابات بالفيروس المستجد في مدينة بيت لحم (جنوب الضفة الغربية المحتلة)، قبل أن ينتقل الفيروس لسائر مدن الضفة الغربية، وتبقى حتى يومنا هذا تعاني من انتشار الفيروس.

Embed from Getty Images

عامل فلسطيني يرش مطهرات في أحد الشوارع بعد تفشي فيروس كورونا

في تلك الأثناء كانت غزة التي التزمت بقرار السلطة في رام الله في فرض حالة الطوارئ خالية من الفيروس، وبقيت كذلك حتى 25 أغسطس الحالي، وذلك بفضل اتخاذ إجراءات متشددة تقضي بإدخال القادمين عبر معبري رفح وبيت حانون (إيرز) في عزل إجباري لمدة 21 يومًا داخل أماكن حجر صحي مخصصة لهم.

وقد كان من الطبيعي أن تُكشفت حالات إصابات من بين العائدين من المعبرين الحدوديين، خاصةً أن أهم جارة للقطاع – مصر – أخذ الفيروس يتفشى فيها بسرعة. ووقع أول اكتشاف لاصابات بين المحتجزين في منتصف ليلة 22 مارس 2020، إذ كسرت نتائج حالتين، روتين عملية فحص عينات من العائدين عبر اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل وكانتا إيجابيتين.

ومع تزايد الحالات بين المحجوزين بقي السكان يشعرون بالأمان بسبب عزلة القطاع الساحلي عن العالم، وكذلك الإجراءات السريعة التي سهلت عملية حصر المصابين الذين وصل عددهم إلى 109 حالات في منشآت الحجر الصحي منذ مارس الماضي، علاوة على حالة وفاة وحيدة لامرأة كانت تعاني من ظروف صحية سابقة.

الوضع السابق يصور ما كتبته المحامية والناشطة الحقوقية الأسترالية شانون ماري تورينس، التي قالت: «إذا كان مغلقًا عليك في قفص، فأنت محمي، لكن في الآن ذاته، أنت في خطر كبير بأن تتأثر بشدة، فلا يحتاج الأمر إلّا لإصابة شخص واحد حتى يتغير مسار الأمور (في القطاع) نحو الأسوأ، أيّ تفش صغير للفيروس سيشكل ضغطًا هائلاً على نظام صحي يعاني أصلًا».

وبناء على ما سبق؛ حظي السكان الغزيون الذين يقارب عددهم مليوني شخص بالتحرك في أمان، فتابعوا روتينهم اليومي، وكانوا يتدفقون على الشواطئ، ويصلون في المساجد، ويتسوقون في الأسواق، وقبل نحو الأسبوعين افتتح العام الدراسي، لكن مع نجاح الإجراءات المتبعة في تجنيب القطاع المعركة مع كوفيد 19، لم يترك الوباء غزة إلى النهاية، إذ تفشى المرض – كما أسلفنا – قبل نحو الأسبوع حين وقع خطأ لم يعرف بالتحديد حتى الآن مصدره، وتسبب في انتشار الفيروس في جميع محافظات القطاع.

تعود البداية إلى وصول سيدة فلسطينية من مخيم المغازي إلى أحد مستشفيات القدس لعلاج طفلتها، وهناك اكتشف الأطباء إصابتها بالفيروس قبل وصولها للقدس، وحين أخبرت الصحة بغزة بذلك، عجلت بإجراءات الفحوصات للمخالطين للسيدة فاكتشفت إصابات في المحيط الكثيف الذي كانت تعيش به السيدة، وهو مخيم المغازي الواقع وسط القطاع، ومع الإعلان عن انتشار الفيروس بين عموم السكان اكتشفت بؤرًا متعددة بالقطاع، سبقت إصابة المرأة المذكورة، ليعلن حظر التجول، مما دفع تسابق الناس إلى محلات السوبر ماركت لتخزين المواد الغذائية ومستلزمات النظافة، فيما تتوالى إجراءات الحكومة بغزة نحو المزيد من الحصر للمصابين. 

كورونا ليس أول مصائب القطاع.. أوضاع إنسانية كارثية في غزة

«يعمل زوجي حدادًا، وقبل أكثر من شهر لم يحصل على أي فرص عمل متقطعة، وكنت أعتمد في تلبية حاجاتي الأساسية على ما يوفره لي أشقائي من مساعدة، لكن الآن قطع أوصال القطاع ولا أستطيع الوصول إليهم، كما أنهم تأثروا بظروف الحظر فهم يعملون في السوق».

Embed from Getty Images

أطفال فلسطينيون يلعبون بأقنعة الوجه في مدينة غزة

تعاني أم محمد (37 عامًا) من مأساة حقيقية، فهي الآن لا تملك المال لشراء الطعام في أوقات السماح بذلك، ولا تستطيع حتى تخزين الطعام الرخيص بسبب عدم وجود كهرباء تجعل ثلاجتها المتواضعة قادرة على حفظ الطعام، تواصل القول لـ«ساسة بوست» وتقول: «الحياة بائسة بالفعل، نحاول أن نظهر أقوياء أمام أطفالنا لا أكثر».

هنا في قطاع غزة التي أعاق الحصار حتى الاستعدادات الأساسية لمواجهة الفيروس قبل وصوله بعدة أشهر، يحظى السكان بإمدادات صغيرة من الكهرباء والمياه النظيفة بسبب تفاقم التصعيد العسكري بين حركة حماس التي تريد تخفيف الحصار على القطاع ودولة الاحتلال التي تنفذ غارات جوية على مدار الأسبوعين الأخيرين، بعد قيامها بإغلاق منطقة الصيد الوحيدة والمعبر التجاري في غزة، بالإضافة إلى تعليق شحنات الوقود إلى محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، إذ خُفضت مخصصات الكهرباء اليومية إلى ساعتين في اليوم، وهو وقت يعجز فيه السكان عن تخزين المياه ورفعها بسبب تضارب مواعيد وصول المياه مع وصول التيار الكهربائي.

أما الوضع الاقتصادي، فتصل نسبة البطالة في القطاع، إلى نحو 46% (وترتفع في أوساط الشباب لتصل إلى 63%)، فيما تصل نسبة الفقر إلى 53%؛ كما يُصنف أكثر من 62.2% من سكان القطاع بغير آمنين غذائيًا، حسب تقارير صادرة عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

فيما يؤكد تقرير مركز الميزان لحقوق الإنسان (مركز غير حكومي)، أن: «التدهور غير المسبوق في الخدمات الأساسية بسبب استمرار الحصار، يجعل من تفشي كورونا خطرًا قائمًا ويهدد بكارثة حقيقية، فوزارة الصحة تواجه عجزًا في الأدوية بنسبة 45%، وفي المستلزمات الطبية بنسبة 31%، ونقص بنسبة 65% في لوازم المختبرات وبنوك الدم»، وجاء في التقرير أيضًا، أن: «القيود الإسرائيلية تشكّل عاملًا حاسمًا في تقويض جهود محاصرة الوباء والوقاية منه، بما في ذلك حفظ العينات واستمرار عمل المختبرات الطبية الحكومية والأهلية والخاصة، كما أنها تحبط قدرة المستشفيات المتواضعة أصلًا على الوفاء بواجباتها تجاه المرضى».

كورونا يتفشى في غزة.. لماذا قد يُصبح حُكمًا بالإعدام على سُكّان القطاع؟

في واحد من الأزقة الضيقة بحيّ الشيخ رضوان بغزة، وما أن تقترب من منزل السيد أحمد (35 عامًا) حتى تراه في أقرب مكان لباب المنزل المفتوح، حيث اختار مكانًا تخف فيه وطأة حر أغسطس الشديدة.

إلى هنا جر الرجل كرسيه المتحرك، فهو مريض لا يقوى على الوقوف على قدميه ثم استقر في ركنه المهيأ لجلسة يومية تستمر ساعات في العادة، يعيش أحمد الآن مع تخوفات كبيرة من الافتقار للأولويات والاحتياجات المختلفة، في أبسطها صعوبة التنقل داخل أرجاء المنزل للحفاظ على النظافة الشخصية وغسل اليدين، يقول الرجل: «مع مرور الوقت، اكتشفت أن المصاب الأكبر ليس صعوبة الحصول على الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية؛ بل انقطاع بعض الخدمات نهائيًّا كالمياه والكهرباء».

تجثو المنظومة الصحية في قطاع غزة على ركبتيها كما يقال، إذ يعتقد الخبراء أن القطاع الآن أبعد ما يكون عن إنقاذ السكان الأكثر كثافة على مستوى العالم من تداعيات الإصابة بفيروس كورونا في ظلّ نقص الأدوية والتجهيزات والمعدات الطبية، والنقص في الكادر الطبي المتخصص لعلاج الأمراض الخطيرة، فغزة لا يوجد لديها سوى 100 جهاز تنفس فقط، نصفها مستخدم بالفعل.

وتظهر الأرقام أن ظروف الحصار انعكست على جميع المرافق الصحية، فأصبحت تعاني من نقص 39% من الأدوية الأساسية و23% المستهلكات الطبية و60% من مستلزمات المختبرات وبنوك الدم اضافة الى شح المواد الخاصة بفحص فيروس كورونا الأمر الذي يتحمله الاحتلال الإسرائيلي، ذلك لأن إسرائيل قيدت دوما واردات المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية. فعلى سبيل المثال منعت إسرائيل عام 2018 ما يقارب من 70% من المعدات التقنية (مثل المضخات والمواد الكيميائية لتنقية المياه وبيروكسيد الهيدروجين) اللازمة للحفاظ على المياه والصرف الصحي من دخول القطاع.

صحة

منذ 3 سنوات
طبيب من سوريا لـ«الجارديان»: أزمة فيروس كورونا هائلة ولا نستطيع الحديث علانية

المصادر

تحميل المزيد