إذا كُنت لا زلت لا تفهم لماذا متاجر الكُتب في بلادنا فارغة غالبًا، وإذا كُنت تاجر كُتب، أو ربما باحثًا، فإن زيارة مكتبة من مكتبات المايريشي بوخهاندلونغ Mayersche Buchhandlung في ألمانيا، ففي فرعها الواقع بمدينة آخن، يكاد يستحيل أن تزور المكتب ولا تراها تعج بالزوار كما لو كانت أحد معالم المدينة، في هذا المتجر يمكنك أن تكتشف كيف يمكن للمكتبات استقطاب أكبر عدد من الزاور والزبائن، وبالتالي كيف يمكن أن تكون مشروعًا مُربحًا. كيف لا، وهي تستقبل زوارها بعروض خاصة جدًا جدًا وعناوين مُغرية، ثم تقدم لهم إمكانية تناول وجبة خفيفة داخل المكتبة، او كأس من العصير الطبيعي اللذيذ وكذلك فإنها تقدم فرصة للأطفال باللعب والاستمتاع في زاوية ضخمة أعدّت خصيصًا لهم، دون أن يضطروا لدفع أي سِنت، ولا ننسى الكنبات المنتشرة في المكتبة، بالأخص تلك التي في الطابق الرابع والتي تمنحك إطلالة بديعة على مدينة آخن وكتدرائيتها الشهيرة.

548862471

عروض مُغرية .. في الاستقبال

عند البوابة، يمكنك أن ترى العروض المغرية تستقبلك، كُتب وموسوعات مغرية كان يفترض أن تباع بـ 20 أو 30 يورو صارت بـ 10 فقط، وهي لا تنحصر في مجال من المجالات، في الخيل وفي الدين، الفلسفة والفن وبالتأكيد هناك كُتب الطبخ التي تباع بأسعار أرخص بكثير وهي متنوعة جدًا جدًا، كُتب للطبخ السريع وكُتب للطبخ النباتي، بل يمكنك أن تحظى بكتاب يشرح لك كم وجبة مميزة يمكنك أن تصنع من شوكولاتة النوتيلا، ولا ننسى بالطبع الكُتب التي تتحدث عن آخن والسياحة في جبال الأيفيل القريبة.

كُل هذه العروض، من شأنها أن تُغريك لتدخل فتجد ما هو مغرٍ أكثر، ستجد أن مجموعة من الزبائن مجتمعة حول عشرات الكُتب وفي الوسط لوحة تُشير: الكتاب الذي كان بـ 12 يورو صار بـ 3 يورو فقط، ويمكنك أن تشتري 3 كُتب بـ 7 يورو فقط.

كشك العصائر .. مطعم ومقهى!

في الطابق الأول، من بين 4 طوابق، وبعد الدخول لك أن تُطلق ناظريك لتجد شيئًا ممتعًا في الداخل، ستجد كُشكًا يُقدم تشكيلة بديعة من العصائر الطبيعية، صحيح أنها ليست رخيصة ولكن لا بُد لك من تناول كأس من (تشكيلة الربيع) المُنعشة مثلًا، تتناولها وانت تتأمل الكُتب واهلها، ثم لا بُد لك أن تدرك معنى “إنعاش المكتبات”.

في الطابق الثالث، يمكنك أيضًا أن تشتم رائحة الحساء تنتشر في إحدى الزوايا، حيث يقبع مقهى آخر داخل المكتبة، نفس المقهى يقدم تشكيلة من الوجبات “الخفيفة” مثل الحساء والسلطات المختلفة، التي بإمكانك تناولها وأنت تُطالع شيئًا من الكُتب أو لربما وأنت تتأمل قبّة كتدرائية آخن الشهيرة وزوّار البلدة القديمة.

مكتبة الأطفال .. ملاهٍ مُصغّرة!

زاوية كُتب الأطفال تستحق وحدها بحثًا كاملًا، فأساليب الإغراء الموجودة هُناك ليست عشوائية، ويبدو واضحًا جليًا أنها مستوحاة من دراسات علمية بحثت كيفية تأصيل ثقافة المُطالعة عند الأجيال الصغيرة، بدءًا من اختيار سيارة رجال الإطفاء بارزة لتكون عند مدخل الزاوية، ومعروض عليها عدد من كُتب الأطفال المغرية، مرورًا بزاوية الألعاب التي تعج بالدُمى والتي تشكل وحدها عنصر إغراء لكل أم تريد أن تروّح عن ابنها بعد جولة في المدينة، وانتهاء بفكرة عرض دُمية من شخصيات الكتاب أو القصة، يشتريها الطفل مع شرائه للكتاب، فيستمتع باللعب معها، بعد أن تُقرأ له القصة.

بالمناسبة، زاوية الأطفال تشكل مساحة طابق وليست صغيرة بالمرّة، بل إنها تمتد شيئًا فشيئًا لتحوي كُتبًا للشباب وفيها تشكيلة مُدهشة من الكتب، فمثلًا لو رُحت تبحث عن كُتب تاريخية للأطفال فستجد شيئًا من الموسوعات والكتب المختصة في هذا الشأن، ومثلها مثل كثير من الكتب ستجد بالقرب منها ألعابًا فكرية من نفس المجال، أو أقراص دي في دي وغيرها، كي تجعل تجربة الاطلاع والمطالعة تجربة مُتكاملة.

زوايا غير تقليدية

بما أن كُتب الحُب والجرائم هي من أكثر الكُتب مبيعًا في ألمانيا، فستجد مثلًا مجموعة هائلة من كُتب “الجرائم”، وكي نستوعب مدى كبر حجم المكتبة، يكفينا فقط أن نذكر بأن زاوية كُتب الجرائم تحتوي على زاوية فرعية بداخلها، مثلًا زاوية لكتب الجرائم التي حصلت في ألمانيا، وعندها زاوية فرعية أكثر، عن الجرائم التي حصلت في منطقة الأيفيل وجبالها، وهي المنقطة الجبلية الأقرب من آخن، وبالتالي من المكتبة. في نفس الزاوية يمكنك أن ترى طاولة عليها تجسيد لسكاكين مع دماء، وتحمل عنوانًا لزاوية أخرى “روايات النساء المجرمات”.

في زاوية الطبخ مثلًا، يمكنك أن تجد أدوات وإكسسوارات مثيرة للمطبخ إلى جانب مجموعة ضخمة من كتب الطبخ، والتي تضم أيضًا زاوية مُدهشة لكتب الطبخ التي تخدم طبقة النباتيين وعشاق الطبيعة، والأمر نفسه في زاوية كُتب الحدائق والزراعة. ولك أن تتخيل وجود زاوية خاصة لكتب المركبات، وفيها زاوية عن الكتب التي تتحدث عن السكك الحديدية.

ولأن كثيرين أيضًا في ألمانيا ليسوا من روّاد المكتبات، ولا بُد من استقطابهم للمكتبة، فهناك في المكتبة تشكيلة من الهدايا الفاخرة، هي وحدها كفيلة بأن تقود أي باحث عن هدية بديعة للمكتبة، ولعل هذا الأمر موجود في بعض بلادنا، ولكن الجميل هُنا، أن الهدايا منتشرة بين الكتب، فلا يمكن أن تشتري هدية دون أن تتجول بين الكتب وتقرأ أكثر من عنوان مثير قبل خروجك بل وأحيانًا تجدها معروضة مع الكتب في نفس الزاوية كما الحال في إكسسوارات الحديقة أو الطبخ.


زاوية آخن!

هذه الزاوية كفيلة بأن تُشعرك حقًا بحجم أزمة الكُتب ومتاجر الكُتب، ففي الأربعة طوابق التي تتألف منها المكتبة هناك زاوية خاصة للكتب التي تم تأليفها عن آخن ولقيت رواجًا بين القراء، وفي نفس الزاوية تجد الهدايا المميزة من آخن، ومن كبر حجم الزاوية، قد يُخيّل إليك أن آخن مدينة بالغة الأهمية وربما أهم من القدس، ففي القدس نفسها يندر أن تجد زاوية في مكتبة ما، تتحدث عن كُتب القدس وحدها، مع أن هناك كتب ومؤلفات كبيرة وبديعة، ولكن للأسف فإن طريقة عرض الكتب على رفوف “ميّتة” تفقد الكتب أحيانًا كُل حيويتها .. وليست مُشكلتي مع متاجر الكتب في القدس أو في رام الله فقط، فقد زُرت مكتبات في الأردن، وفي السعودية وفي قطر .. وللأسف لم أر الرقي الذي رأيته في مكتبات شبكة “ماييرشي بوخهاندلونغ” في ألمانيا.

زاوية اللاجئين

في الطابق الأول، يُمكن أن تجد الكثير من الكُتب والهدايا التي تتغير مع تغيّر الأيام وتبدّلها، ولا ينحصر الأمر في هدايا عيد الميلاد أو الهالويين أو قدوم المدارس أو الشتاء، بل يمكنك أن تجد في هذه الأيام زاوية خاصة لللاجئين، تؤكد أن مكتبة المايريشي بوخهاندلونغ تُرحب باللاجئين في ألمانيا وفي الأسفل مجموعة كُتب لا تتعدى الخمس كُتب، وهي تشكيلة بديعة لآخر ما توصّل له الألمان في تدريس لغتهم الصعبة، مثل قواميس اللغة المصوّرة وكتب أخرى تحوي ألعابًا وألغازًا لتعلم اللغة.


عرض التعليقات
تحميل المزيد