يبدو أن فكرة الحد من الاحتباس الحراري (paused)، دُحضت بشكل شبه كامل بالأرقام الثلاثة القياسية التي حققتها درجات الحرارة في الأعوام الثلاثة الماضية بشكل متتالٍ. ليس هذا فحسب، فقد حذر جافن شميدت، مدير معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، من إمكانية تسارع معدل ارتفاع درجات الحرارة، مُوضحًا أنه من الخطأ الظن بأن كون درجات الحرارة كانت أقل من متوسط معدّل الزيادة، يُعتبر علامة مُضيئة على الاتجاه نحو انخفاض حرارة الأرض.
ويعود سبب ذلك إلى أنه خلال السنوات الثلاثة الماضية، سُجّلت أرقام ثلاثية لأكثر الأعوام حرارة بشكل متعاقب. ورغم أن هذه الأرقام القياسية مدعومة جزئيًا من تأثير ظاهرة «إلنينو» الطبيعية، يظل السبب الرئيسي لتغيّر المناخ، ولظاهرة الاحتباس الحراري، ناتجًا عن أنشطة بشرية.
ترامب سيعقد الأمور
ويبدو أن مجيء الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، للسلطة، سيساهم بصورة كبيرة في زيادة معدلات الاحتباس الحراري، وذلك ببساطة لعدم اقتناع ترامب بالخطر المحدق من وراء ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي عام 2012، نشر ترامب تغريدة على موقع التدوينات القصيرة، تويتر، قال فيها إن «التغير المناخي مفهوم اخترعته الصين لجعل الشركات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة»، وعليه فإن الاحتباس الحراري في نظر ترامب، ليس أكثر من نظرية مؤامرة خارجية.
The concept of global warming was created by and for the Chinese in order to make U.S. manufacturing non-competitive.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) November 6, 2012
اعتقد البعض أن ترامب سيتغير عند تسلمه السلطة، كون المسؤولية التي هو بصددها ستفرض عليه تعاملًا مُختلفًا، لكنه على العكس، حتى الآن، لا يزال مُصرًا على طريقه، ومن ذلك أن أزالت إدارته أي شيء يخص تغيّر المناخ من الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض بعد ساعات فقط من تسلمه السلطة بشكل رسمي.
واستبدلت الإدارة الجديدة هذه الأمور بخطة طاقة جديدة، لا تعطي أي اهتمام أو ذكر لظاهرة الاحتباس الحراري، مُلتزمةً فقط بالمساعدة على تخفيض الأسعار التي يدفعها الأمريكيون مقابل استهلاكهم الطاقة.
وقبل أن يُسلّم فريق باراك أوباما الموقع لإدارة ترامب، كانت هناك عدة صفحات على الموقع تُشير صراحة إلى عمل أوباما على قضيّة تغيّر المناخ، ومن أهم تلك الصفحات كانت تلك التي تحتفل بخطة العمل من أجل المناخ، وهو الاتفاق التاريخي الذي أعلنه أوباما في عام 2013، من أجل الرد على التحدي المتمثل في تغير المناخ.
لكن ترامب كان قد التزم بإزالة تلك الخطة وما يرتبط بها، وذلك جزء من التزامه لتوفير المال، وللتخلص من السياسات التي يعتقد أنه «لا لزوم لها»، فيما كانت الإشارة الوحيدة للبيئة على موقع البيت الأبيض بعد تسلم إدارة ترامب له، هي الإشارة إلى «تنظيف الجو والبحر»، بنص: «وأخيرًا، حاجتنا للطاقة يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع إدارة مسؤولة للبيئة. حماية الهواء النظيف والمياه النظيفة والحفاظ على المساكن الطبيعية لدينا، والحفاظ على الاحتياطيات والموارد الطبيعية لدينا، سوف تظل على قمة الأولويات».
ويذكر الموقع أيضًا أن ترامب سوف يعيد تركيز واهتمام وكالة حماية البيئة على المهمة الأساسية المتمثلة في حماية الهواء والمياه، وهو ما يبدو إشارة إلى الالتزام بالتوقف عن العمل على أية مشاريع متعلقة بتغير المناخ أو الاحتباس الحراري.

هل تضر سياسات ترامب جهود العالم للحد من الاحتباس الحراري؟
ناسا لن تعمل على الاحتباس الحراري
وفي خطاب تنصيبه، يوم 20 يناير (كانون الثاني) 2017، وعد ترامب بفتح واكتشاف أسرار الفضاء، خلال فترته الرئاسية. وبعد كلام طويل لترامب وبّخ خلاله السياسيين لكثرة الكلام، قال إن «وقت الكلام الفارغ قد انتهى. الآن وصلنا لساعة العمل».
لم يتحدث ترامب كثيرًا عن خططه للسفر نحو الفضاء والاستكشاف، لكن ما تحدث عنه يوحي بحرصه على استكشاف النظام الشمسي وما بعده، وأنه في سبيل ذلك قد يزيد ميزانية ناسا، في مقابل تقليل الميزانية المخصصة للأعمال المتعلقة بتغيّر المناخ.
وفي اجتماع حاشد له قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أكّد ترامب تركيزه على استكشاف ما أسماه «الفضاء السحيق»، وأنه لتحقيق ذلك سيحرر ناسا من «القيود الخاصة بخدماتها في المقام الأول باعتبارها وكالة للخدمات اللوجستية المتعلقة بالأنشطة ما تحت الفضائية أو تلك المتعلقة بكوكب الأرض»، يقصد تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
هذه التصريحات سرعان ما تحولت بالفعل إلى واقع، وذلك بعدما تولى روبرت إيتفوت، مدير ناسا المساعد، منصب الإدارة بالكامل بدلًا من تشارلز بولدن ودافا نيومان، اللذيْن تنحيا عن منصبي المدير ونائب المدير على التوالي، في نهاية ولاية باراك أوباما، وذلك طبقًا لما ذكره موقع «space.com» المتخصص.

الولايات المتحدة واحدة من أكثر دولة العالم تسببًا في الاحتباس الحراري
الولايات المتحدة السبب
لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن أن الولايات المتحدة هي واحدة من أكثر الدول المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، فالولايات المتحدة تحتل المركز الثاني فيما يتعلق بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الغاز الأكثر تسببًا لظاهرة الاحتباس الحراري عالميًا، بنسبة 16%، فيما تحتل الصين المركز الأوّل بنسبة 28%، أما المركز الثالث فتأتي دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%، طبقًا لبيانات وكالة حماية البيئة الأمريكية.
وجدير بالذكر أن هناك العديد من الطرق المختلفة لمقارنة مسؤولية دول العالم المختلفة في تغير المناخ، وتشمل هذه الطرق قياس الانبعاثات الحالية، والتي يمكن أن ينظر إليها بالأرقام المطلقة أو على أساس نصيب الفرد، وكذلك الانبعاثات التاريخية، وانبعاثات الكربون طبقًا للاستهلاك، بما في ذلك السلع المستوردة. هناك أيضا مسألة ما إذا كانت الدول تُزيل الغابات، أو حتى استخراج الوقود الأحفوري، فكل نهج يعطي نظرة مختلفة، ولا يحكي القصة كلها من تلقاء نفسها.
وإذا ما قارنّا الدول من ناحية انبعاثات جميع الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فسيظهر لنا أن الولايات المتحدة في المركز الثاني عالميًا بنسبة 15.7% من إجمالي الانبعاثات العالمية بعد الصين التي تساهم بنسبة 16.4%، وحتى نعلم مدى مساهمة الولايات المتحدة (والصين بالتبعية) في حدوث الاحتباس الحراري، فعلينا أن نعلم أن الدولة صاحبة المركز الثالث هي البرازيل بنسبة 6.5% فقط، وهو ما يمثل نسبة 40% تقريبًا من ابنعاثات الولايات المتحدة.
يمكن أن نقارن دول العالم أيضًا بنسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون لكل مواطن، وسنلاحظ أن الولايات المتحدة ستظل مُحتلّة المركز الثاني بنسبة 17.3 طن لكل مواطن، ولا يسبقها سوى دولة قطر التي تحتل المركز الأول بنسبة 36.9 طن لكل مواطن.
لكن إذا ما قارنا دول العالم طبقًا لمساهمتها التاريخية في الاحتباس الحراري، فإن الولايات المتحدة ستحتل المركز الأول بلا منازع. الولايات المتحدة أطلقت كمية من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1850 وحتى عام 2007 وصلت إلى 174 مليون طن، أو ما يمثل 28.8% من إجمالي انبعاثات العالم، فيما تأتي الصين في المركز الثاني بنسبة 9% فقط.
يدفع هذا إلى طرح التساؤل الأهم: هل تعني توجهات ترامب وتصرفاته نحو الاحتباس الحراري، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تتخلى تمامًا عن تحمّل مسؤوليتها تجاه ما تسببت فيه، ولا تزال، من خطر حقيقي لكوكب الأرض؟