بينما كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يجتمع مع من سمتهم الدولة «ممثلي فئات المجتمع»، ويقول لهم إنَّه كان بإمكانه أن يستبيح تلك الأراضي التي ثبت لديه أنَّها سعودية، لكنه التزم بنصيحة والدته التي قالت له «لا تطمع فيما بأيدي الغير».
كانت الإدارة الإسرائيلية تتابع بحزم شديد، الأخبار الوافدة إليها بشأن مجرى المحادثات حول سوريا، وما تضمنته تلك الأخبار بشأن احتمالية حدوث تسوية للأزمات في سوريا، يكون من بنودها إعادة الجولان المحتلة للأراضي السورية.
المواطن الإسرائيلي: ليالي نيسان الآمنة
في يوم 17 أبريل (نيسان) 2016، وبينما كان المواطن المصري الذي يتابع قضية جزره، التي أعلنت سلطته التنفيذية عن أحقية المملكة العربية السعودية فيها؛ ويتنقل بين وسائل الإعلام المختلفة، كانت تلك الوسائل الإعلامية تتناقل صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، وهو يجلس مع وزراء حكومته في الهواء الطلق، حيث يرزح الجولان العربي المحتل خلفهم في الصورة.
اصطحب نتنياهو وزراءه، في ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا، وبمناسبة مرور عام على ائتلاف حكومته، في رحلة بالمروحية إلى الجولان العربية المحتلة، واجتمع بهم في مجلس مستوطنة كاتسرين، وهي كبرى مستوطنات الجولان.
كانت تلك فرصة مثالية لنتنياهو، ليحذر القوى الكبرى في العالم من أي تسوية للمسألة السورية تضر بمصالح إسرائيل، سواء فيما يخص القضاء على أي وجود عسكري لأعداء إسرائيل من الشيعة أو السنة على الأراضي السورية، أو فيما يخص الاقتراب أو المساس بسيطرة إسرائيل غير الشرعية على الجولان.
قال نتنياهو في هذه الزيارة، أمام وزرائه وقادة المستوطنين، ما تناقلته وسائل الإعلام الدولية باهتمام شديد، وهو أنه جاء بحكومته للجولان ليرسل رسالة مباشرة وواضحة، بأن الجولان ستظل إلى الأبد وحتى فناء الكون جزءًا لا يتجزأ من التراب الإسرائيلي.
وقال بجرأة المنتصرين والمتملكين لقرارهم، أنه آن الأوان بعد مرور 50 عامًا، أن يعترف العالم بكون الجولان ستظل إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية، وأن خطوط إسرائيل الحدودية لن تتغير.
وكانت إسرائيل قد استولت على مساحة 1200 كيلو متر مربع في مرتفعات الجولان (حوالى ثلثي مساحتها) في حرب 1967، التي هزمت فيها مصر هزيمة قاسية، غيرت وجه الحياة على أرض مصر من شتى النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأعلنت بحزم ضمها تلك الأراضي السورية بعد مرور 14 عامًا من الاستيلاء عليها.
ومنذ الاستيلاء على تلك المرتفعات السورية، حشدت إسرائيل مواطنيها في تلك المنطقة المحتلة؛ حوالي 50 ألف يهودي، وقد أكد نتنياهو في تلك الزيارة الحاسمة الأخيرة أن دولته بصدد إرسال آلاف آخرين.
يأتي ذلك ضمن العملية المحكمة التي اتبعتها اسرائيل، من أجل تغيير هوية المدينة العربية التي لا يزال يقطنها حوالي 30 ألفًا من العرب السوريين، يعانون من الاحتلال الإسرائيلي معدوم الشرعية لأراضيهم.
جدير بالذكر هنا أن تهديدات نتنياهو للعالم، في حالة المساس بسيادة إسرائيل على الجولان، تأتي بعد حوالي 25 عامًا من إصدار مجلس الأمن قراره رقم 497، بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) 1981، وهو الذي اعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغىً وباطلًا، ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي؛ وطالب إسرائيل أن تلغي قرارها بضم الأراضي الجولانية السورية فورًا.
كما تضمن قرار مجلس الأمن عام 1981، بندًا قد يثير الضحك إذا ما تمت قراءته اليوم، وهو البند الذي يقول: «على الأمين العام أن يقدم تقريرًا إلى مجلس الأمن بشأن تطبيق هذا القرار خلال أسبوعين، وأنه في حال عدم امتثال إسرائيل، يجتمع مجلس الأمن بصورة استثنائية، وفي مدة لا تتجاوز 5 يناير (كانون الثاني) 1982، للنظر في اتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة».
باختصار، وخلال شهر أبريل 2016، جلس المواطن الإسرائيلي الذي يؤيد سياسات حكومته اليمينية، وهو مطمئن لكون تلك الحكومة ستحافظ على مصالحه ومقدراته في الإبقاء على التراب الذي استولت عليه منذ عام 1967، ولكونها متنبهة لأي محاولة قد ينتج عنها إعادة الحقوق السورية لأصحابها، رغم وجود قرار من مجلس الأمن، منذ 25 عامًا، يقول إنه في مدة أسبوعين سيتابع عن كثب التزام إسرائيل بالانسحاب من الجولان السورية.
المواطن المصري يفقد حدوده ومقعده في المقهى!

صورة لمقهى غزال، أحد المقاهي التي استهدفتها قوى الأمن قبل مظاهرات ذكرى تحرير سيناء، ضد التنازل عن تيران وصنافير
استيقظ المصريون والمصريات في شهر أبريل (نيسان)، على أخبار تقول بأن مساحة وطنهم ستتقلص مجددًا؛ فطائر العقاب النادر «الأوسبري»، حين يأوي هذا العام إلى جزيرتي تيران وصنافير، كعادته كل عام، لن يقف على أرض مصرية، وإنما على أرض تحت سيادة المملكة العربية السعودية.
اقرأ أيضًا: قبل تيران وصنافير.. هكذا حسمت السعودية 6 خلافات حدودية لصالحها
الجزيرتان اللتان أعلنتهما السلطات المصرية محميتين طبيعيتين منذ عام 1983، واللتان تتميزان بصفاء مائهما وجمال تشكيلاتهما المرجانية، واللتان يقصدهما محبو الغوص من السياح القادمين إلى مصر ليستمتعوا ببحرها، واللتان تحتويان ثروة ضخمة من الأسماك الملونة والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض، واللتان وضعتا منذ معاهدة كامب ديفيد ضمن المنطقة «ج» المدنية، والتي لا يحق لمصر أن تتواجد فيها عسكريًا، دون نفي لأحقيتها بممارسة سيادتها عليهما.
قد أعلنت السلطة التنفيذية المصرية، أنها وقعت اتفاقًا بترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، يقضي بتبعيتهما للمملكة.
على خلاف وضع الجولان مع إسرائيل، والتي صدر بحقها قرار من مجلس الأمن يؤكد على سوريتها، وعلى عدم شرعية ضمها للأراضي الإسرائيلية منذ أوائل ثمانينيات القرن المصرم، ومع ذلك ما زالت تدافع عنها بكل قوة، وتؤكد أنها لن تتنازل عنها تحت أي ظرف، فإن وضع تيران وصنافير التي أعلنت السلطة التنفيذية بمصر حق المملكة العربية السعودية في انتزاعهما، مختلف تمامًا؛ فتيران وصنافير لم يصدر بحقهما أي فصل دولي في النزاع حولهما لصالح دولة أخرى غير مصر.
وقد توصل الصحفي المصري آدم ياسين، إلى نص محضر جلسة الأمم المتحدة، التي انعقدت يوم 15 فبراير (شباط) عام 1954، وترجمه.
وفيه فنَّد المتحدث باسم مصر، في محضر تلك الجلسة، كلَّ المزاعم الإسرائيلية حول شبهة أن مصر قد احتلت الجزيرتين فجأة عام 1950، وأثبت أن الجزيرتين تقعان تحت السيادة المصرية منذ عام 1841، مرورًا باتفاقية سايكس بيكو ووصولًا إلى الحرب العالمية الثانية وحرب 1948.
حيث أكدت المذكرة التي قدمها مندوب مصر لدى الأمم المتحدة، على أن السجلات الرسمية للحرب العالمية الثانية، تحتوي على أدلة وجود قوات مصرية على الجزيرتين آنذاك، جزءًا رئيسيًّا من نظام الدفاع الوطني المصري أثناء الحرب، وبأن تلك الوحدات والقوات قد تعاونت مع باقي القوات المصرية، في حماية النقل البحري بالبحر الأحمر.
كما بين محضر تلك الجلسة، أن مصر كانت قد اتفقت مع السعودية على السيطرة على الجزيرتين، وأنهما يمثلان جزءًا لا ينفصل عن التراب الوطني المصري.
وفي مقال بجريدة الشروق المصرية يوم 17 أبريل (نيسان) 2016، لخص الكاتب خالد أبو بكر، عدة أدلة تؤكد أحقية مصر في الجزيرتين؛ وكانت أهم تلك الأدلة:
– أنه لا توجد لدى المملكة السعودية أية وثيقة تثبت أحقيتها في الجزيرتين، لا قبل عام 1950، ولا بعده.
– أن ما أكده مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، من أن مصر تفرض سيطرتها على الجزيرتين منذ بدايات القرن العشرين، أمر تثبته كل الخرائط المصرية الصادرة منذ تلك الفترة، وأكد الكاتب في هذا الصدد على أنه يمتلك خريطة رسمية لسيناء والحدود المصرية الشرقية، صدرت عام 1914، وهي تؤكد على نفس الأمر.
– أن السعودية لم تبد أي اعتراض عام 1954، على تأكيد السفير المصري الخاص بمصرية الجزيرتين، ولم تبدأ في الحديث حول أن الجزيرتين سعوديتان، وأن المياه التي تحيط بهما هي جزء من المياه الإقليمية السعودية، إلا في 12 أبريل (نيسان) عام 1957، دون تقديم أي دليل على هذا الزعم.
– أن الجزيرتين قريبتان للغاية من الساحل المصري أكثر من قربهما للساحل السعودي، بالأخص تيران.
– والأهم أنه لم يثبت على الإطلاق ممارسة السعودية لسيادتها على تلك الجزر، منذ تشكل كيان المملكة العربية السعودية عام 1932.
كل هذا نظريًا يظهر بالطبع أن قدرة مصر في الدفاع عن حقها في الجزيرتين بشكل شرعي، أكبر بكثير جدًا من قدرة إسرائيل في الدفاع عن حقها في مرتفعات الجولان، التي احتلتها عام 1967 بقوة السلاح.
بشاير أبريل من كل عام

صورة من اجتماع كلاماتا، مصدر الصورة: mubasher-misr.net
على كل حال، لم تكن تلك المرة الأولى التي يستيقظ فيها المواطن المصري على خبر يقول له أن حدود دولته قد تقلصت.
ففي أبريل (نيسان) أيضًا ولكن في عام 2015، اجتمع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، ورئيس الوزراء اليوناني «أنطونيوس سمارس» في قمة بمدينة كالاماتا اليونانية.
وقد أعلنت القاهرة تعقيبًا على القمة، ما مفاده أن الاتفاق في كالاماتا يتضمن أن اليونان قد أخذت حقًا في شرط مائي يمتد بين مصر وتركيا، ويقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، وهو ما نظر إليه العديد من المتابعين، باعتباره تنازلًا عن حقوق مصر في حدودها البحرية.
وأنه في حال توقيع الاتفاق رسميًا، ستمتد المياه الإقليمية اليونانية بين مصر وتركيا، بشريط تبلغ مساحته ما يقرب من ضعف مساحة الدلتا، في مناطق تُنبئ بوجود ثروة من الغاز الطبيعي فيها.
وهو ما دفع بعض المحللين للقول، بأن هذا التنازل من مصر سيضيع عليها حوالي 6 مليارات دولار من الأرباح، التي يمكن أن تحصل عليها من حقول الغاز.
وجدير بالذكر هنا أن الرئيس المصري في حديثه الأخير لممثلي فئات الشعب، يوم 13 أبريل (نيسان) 2016، قد قال إنه حين تم اكتشاف حقل ظافر للغاز الطبيعي، اتصل الرئيس القبرصي لتنهئته، لكن الرئيس المصري قال له: «لو حدود الحقل تدخل في نطاق مياهك البحرية نصيبك هتاخده».
الحقيقة، وبعكس المواطن الإسرائيلي الذي لم تكن واحدة من مخاوفه قبل الخلود إلى النوم في ليالي شهر أبريل (نسيان)، الخوف من أن تفرط الإدارة الإسرائيلية في حدود دولته؛ تلك الحدود غير الشرعية بقرار مجلس الأمن، كان ما يقابل المواطن المصري الذي يود أن يعبر بالرفض على تقلص حدوده، أكبر من مجرد فقدان الأمل في أن تلبي السلطة أمنيته.
ففي يوم 14 أبريل 2016، حذرت وزارة الداخلية المواطنين المصريين من الخروج للتعبير عن رفضهم لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، وفي بيان لها قالت: «إذ تعرب وزارة الداخلية عن تقديرها واحترامها الكامل لحقوق المواطنين في حرية التعبير عن الرأى، تجاه مختلف القضايا القومية في الحدود التي رسمها القانون، وفي ضوء ما توافر من معلومات مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية بإطلاق جماعة الإخوان «الإرهابية» دعوات تحريضية منظمة، وتوزيع نشرات تدعو لتنظيم مسيرات تستهدف إثارة الفوضى ببعض الشوارع والميادين، واستثمارها في خلق حالة من الصدام بين المواطنين وأجهزة الأمن، فإن الوزارة تُهيب بالمواطنين عدم الانسياق وراء تلك الدعوات».

سخرية أحد المواطنين المصريين، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، من حملة القوى الأمنية على المقاهي، على أثر تطورات الغضب بشأن تيران وصنافير
وعلى خلفية الدعوات الثورية للمشاركة في مظاهرات 25 أبريل (نيسان) الجاري – الذي يوافق ذكرى تحرير سيناء – لرفض التنازل عن جزيرتي «تيران» و«صنافير» للمملكة السعودية، قامت قوات الأمن المصرية، في مساء الخميس 21 أبريل (نيسان) 2016، بحملة واسعة من الاعتقالات بحق المواطنين الذين يبدو عليهم الرفض بخصوص التنازل عن الجزيرتين، واحتمالية مشاركتهم في مظاهرات 25 أبريل، حيث تم اعتقال المواطنين من على المقاهي، ومن منازلهم؛ تلك الحملة التي بدأت في مقاهي وسط القاهرة، لتمتد بعد ذلك إلى مصر الجديدة وشبرا الخيمة وفيصل والجيزة، والإسكندرية والغربية والمنوفية والشرقية والوادي الجديد.
وهكذا يكون الفرق بين المواطن المصري والمواطن الإسرائيلي في شهر أبريل (نيسان)، وفيما يخص قضية الحدود؛ هو الفرق الحقيقي بين الرفاهية، والهلع.
علامات
25 أبريل, editorial, إسرائيل, احتجاجات شعبية, الأمن المصري, الجولان, الحدود, السعودية, السيسي, القهاوي, المقاهي, المقهى, المواطن المصري, بيع الجزيرتين, بيع جزيرتين, تيران, تيران وصنافير, جمعة الأرض, جولان, حدود الدولة, صنافير, عبد الفتاح السيسي, قوات الأمن, مصر, مصر وإسرائيل, مصر واسرائيل, نتنياهو, نزاعات حدودية