تخيل أن تستيقظ في يوم لتجد صديقك يخبرك أنه أصبح نبيًّا، أو أنه تلقى رسالة من الله وعليه أن يحملها لجميع البشر؟ ستقول بشكل عفوي إن لديه مشكلة نفسية ما، ورد الفعل التلقائي هذا ليس بعيدًا عن العلم؛ فقد اكتشف علماء النفس أن العديد من المرضى المصابين بالشيزوفرنيا أو بالاكتئاب ثناني القطب و«أوهام العظمة» تظهر عليهم أعراض بعينها تجعلهم يظنون أنهم في مكانة أفضل من الآخرين، أو أنهم يستحقون أكثر من قدراتهم، ويصابون بأوهام تُهيئ لهم أنهم «ملوك» أحيانًا و«أنبياء» في أحيان أخرى، وفي هذا التقرير نخبرك كيف يمكنك أن تعرف الشخص المصاب باضطراب نفسي قد يدفعه للاعتقاد بأنه نبي مرسل.
فأوهام النبوة أو الحيازة الخيالية للسلطة ليست سوى عرض واحد فقط ضمن أعراض نفسية أخرى تظهر على المريض، وفي هذا التقرير نحدثكم عن متلازمة «أوهام العظمة» التي تدفع المصاب بها للإيمان بأنه ملك أو نبي مرسل.
زوجتي نبية.. عَرَض متطور لأمراض نفسية خطيرة
عام 2017 نشر مواطن من الولايات المتحدة الأمريكية سؤالًا على موقع «كورا» يقول فيه: «زوجتي تخبرني بأنها آخر نبية وقد حملت آخر رسالة من الله للبشر، بينما يقول الأطباء النفسيون إنها تعاني من أعراض مرض انفصام الشخصية – شيزوفرنيا- فمن علي أن أصدقه؟!».
وإذا كنت من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، فقد مر عليك منشور مثير للجدل عن الشخص الذي يلقب نفسه بـ«النبي نشأت» في لبنان، والذي تعرض للكثير من السخرية من جانب المصريين في التعليقات على منشوراته، حتى إنه أعلن في منشور له أنه يمنع دخول المصريين إلى صفحته الشخصية ومجموعات الدعوة الخاصة بديانته الجديدة.
في الحالتين هناك قدر وافر من الأوهام، وهي بحسب الطب النفسي، مرض عقلي خطير يصعب على المصاب به التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، وتأتي الأوهام أو المعتقدات الخاطئة في عدة أشكال، من أهمها وأكثرها انتشارًا هي «أوهام العظمة».
فحين يعتقد الشخص أن لديه ثروة، أو قوة جسدية مفرطة، أو سلطة، أو ذكاءً خارقًا، أو أنه بطل خارق قادر على الطيران، أو يوهم نفسه بأنه قادر على قراءة أفكار الآخرين، أو سمات عظيمة أخرى ليس لها وجود على أرض الواقع، فالتفسير العلمي في هذه الحالة يدور حول متلازمة «أوهام العظمة».
وفي بعض الأحيان لا تكون الأوهام متعلقة بالصورة الذهنية عن الذات، بل عن أحداث يصعب تصديقها، مثل أن يخبرك أحدهم بأنه لديه «كائن فضائي في الثلاجة»، والمفارقة أنه سيقول لك ذلك وهو على يقين تام، فالشخص المصاب بـ«أوهام العظمة» عادة لا تمثل الأوهام مفاجأة بالنسبة له، لأن «أوهام العظمة» عرض متطور لأمراض نفسية أكثر خطورة وتعقيدًا، ويكون لصاحب تلك الأوهام تاريخ طويل مع الاضطراب النفسي، وعادة ما يكون مصابًا بـ«الشيزوفرنيا» أو «الذهان» أو «الخرف» أو «الاكتئاب ثنائي القطب».
أعراض شائعة لدى المصاب بـ«أوهام العظمة»
حدد علم النفس أربعة أعراض شائعة بين المصابين بمتلازمة «أوهام العظمة»، أول الأعراض هو رفضه التام للتخلي عن الوهم الذي يؤمن به حتى لو أثبت له الآخرون بالدلائل أنه اعتقاد خاطئ، فالشخص المصاب بوهم القدرة على الطيران، إذا طلبت منه أن يطير أمامك ولم يستطع؛ سيخبرك أن هناك ما يمنعه الآن ولن يعترف بأن قدرته على الطيران مجرد وهم في خياله.
العرض الثاني هو عدم قدرة هذا الشخص الذي يعاقر أوهام بالغة بالاستماع إلى آراء الآخرين، خاصة لو كانت تلك الآراء ضد الأوهام التي يقتنع بها، وسيظل في عزلة عن الأشخاص الذين يواجهونه بحقيقته، ولن يهتم برأي سوى الرأي الموافق لرأيه، وذلك لأنه ليس لديه حجج ودلائل يناقش فيها من يختلف معه في الرأي، فإذا قلت له «أنت لا تستطيع الطيران»، قد يكون رده عليك: «وأنت جاهل وليس مسموحًا لك بالحديث معي مرة أخرى»، فالهجوم عليك حيلة دفاعية غريزية للمصابين بهذا النوع من الأمراض.
أما العرض الثالث فهو تبني المصابين بالأوهام أفكارًا مستحيلة وغير قابلة للتصديق، مثل أن يخبرك صديقك فجأة بأنه مطلوب للترشح للرئاسة، وهو ليس له أي علاقة بالسياسة وليس لديه أي مؤهلات سياسية تسمح له بذلك، ولم يحدثه أحد عن هذا الأمر، أو أن يخبرك شخص بأنه «ملك مصر»، في حين أن دولة مصر جمهورية في الأساس وليست ملكية.
والعرض الرابع وهو الأخطر في هذه الأعراض، وهو تأثير هذا الوهم في الحياة اليومية للمصاب به، فالشخص الذي يعتقد بأنه يطير قد يحاول القفز من فوق مكان مرتفع بغرض الطيران، والشخص المصاب بوهم امتلاك السلطة المطلقة قد يستقيل من عمله أو يتعدى على مديره في العمل ظنًّا منه أنه أصبح أعلى منه في المنصب، ولذلك الشخص المصاب بأوهام العظمة، من الصعب أن تجده يخبرك عن وهم ما، ويتصرف عكس هذا الوهم؛ فوقتها سيكون مجرد كاذب أو مدعٍ وليس شخصًا يعاني من اضطراب نفسي.
«أبو العربي» ليس مريضًا.. كيف يمكننا التفريق بين المبالغة والوهم؟
في مصر هناك شخصية كاريكاتورية تدعى «أبو العربي»، وهي تشير إلى الشخص الذي تعمد المبالغة في الأحكام والتقييم، ويطلق هذا التعبير على من يبالغون فيما يخص إنجازاتهم في الحياة، فهل هؤلاء مصابون بأوهام العظمة؟
في دراسة نشرت عام 2009 تحت عنوان «Understanding delusion» أو «فهم الأوهام»؛ ذكر الباحثون مثالًا مهمًّا يمكنك من خلاله فهم كيفية التفريق بين الشخص الذي يكذب أو يبالغ، وبين المصاب بأوهام مرتبطة بمرض نفسي؛ فالشخص الذي يستخدم معلومات مبالغ فيها يجب أن يكون لتلك المعلومات أساس واقعي في حياته، مثل الشخص الذي يهوى المقامرة، نادرًا ما يتحدث عن خسائره، بل كل خسائره نجاحات متتالية حين يذكرها للآخرين، فهذا – بحسب الدراسة- ليس وهمًا، فهناك لعبة، وهناك احتمالية أنه قاد فاز مرة بالفعل حتى لو أصبح مفلسًا لاحقًا.
أما الشخص المصاب بالأوهام فلا يكون للأحداث التي يحكيها أي أساس في الواقع، مثل من يدعي القدرة على الطيران، أو اعتقاد أحدهم بأنه نجم مشهور وهو لم يظهر على شاشة التلفزيون ولو مرة واحدة، ومجموع معارفه على كل وسائل التواصل لا يتعدون أقاربه وزملاءه في العمل، ولكنه يسير في الطرقات يلوح للمارة وكأنهم معجبون ومتابعون.
يؤكد الطب النفسي أن أوهام العظمة لن تكون وحدها أبدًا، فإذا وجدت فسيكون هناك اضطرابات نفسية أخرى واضحة عليه، مثل الأعراض المصاحبة لمرض الشيزوفرنيا، من قبيل الحديث مع أشخاص غير موجودين بالغرفة ويظهرون للمريض في كل الأوقات، وقد تسمعه يتحدث في الغرفة مع نفسه ظنًّا منه أنه يرى شخصًا ما مثلما يرى الآخرين الحقيقيين من حوله.
وقد يكون المصاب بمتلازمة «أوهام العظمة» مريضًا باضطراب ثنائي القطب، والذي كان يُعرف في السابق باسم الاكتئاب الهوسي، وهو عبارة عن حالة صحية عقلية تتسبب في تقلبات مزاجية مفرطة تتضمن التأرجح بين حالتين، الاكتئاب الحاد أو السعادة المفرطة غير المبررة، وفي بعض الحالات، يمكن أيضًا أن تحدث الأوهام أو تتفاقم عن طريق استخدام مواد مثل الكحول أو الحشيش.
فما يريد أن يوضحه لنا علم النفس فيما يخص أوهام العظمة، ووفقًا للدراسات التي حللت هذا المرض؛ هو أن الشخص المصاب بأوهام العظمة إذا كنت مقربًا منه، قبل أن يخبرك بأي وهم يسيطر عليه ستكون قد لاحظت عليه العديد من الأعراض الأخرى التي سبقت هذا الوهم، والتي يصعب تجاهلها أو عدم ملاحظتها، وعليك أن ترسله إلى الطبيب قبل أن يتفاقم الأمر ويصبح محل سخرية على نطاق واسع مثل «النبي نشأت».