درجت جمعيات خيرية ومساجد جزائرية على تنظيم أعراس جماعية موسمية للشباب الجزائري الذي أصبح لا يتحمل المصاريف الباهظة التي باتت ترافق تحقيق حلمه في  الزواج، وتحاول مبادرات كهذه أن تسهم في الحد من استفحال ظاهرة العنوسة التي تهدد نسيج المجتمع الجزائري، حيث تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى نسبة العنوسة في الجزائر والتي بلغت 38% في وقت بلغ فيه عدد العوانس 11 مليون عانس، وأن متوسط سن الزواج يبلغ 27.4 عامًا في المتوسط لدى الفتيات وحوالي 31 عامًا للذكور.

وأشاد العديد من الجزائريين بفكرة إقامة الأعراس الجماعية لإرساء دعائم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد وتيسير تبعات الزواج المادية، داعين إلى ضرورة إنشاء صندوق لدعم الزواج بالجزائر اقتداء بالتجارب الأخرى في هذا المجال بغية تقديم الدعم المادي والمعنوي والإرشاد للمقبلين على الزواج والمساهمة في تكوين أسر مستقرة ومتماسكة، وتشهد الجزائر مئات الأعراس  الجماعية في  السنة، متوسط عدد العرسان بها حوالي 80 عريسًا.

عرس جماعي بغرداية

وتعدّ محافظة غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) أكبر المحافظات الجزائرية التي تشهد عددًا كبيرًا من الأعراس  الجماعية، إذ ينظم في الولاية 40 زفافًا جماعيًّا في السنة، ربع تلك الأعراس تتبناها مدينة متليلي الشعانبة، التي تحتضن هذه الأيام واحدًا من أكبر الأعراس الجماعية التي تنظّم في الجزائر.

57 عريسًا دفعة واحدة في متليلي الشعانبة بغرداية

نظمت في مدينة متليلي الشعانبة نهاية الأسبوع الماضي الطبعة الـ17 من العرس الجماعي المقرون بإحياء وفاة العالم الرباني الجزائري محمد بن الكبير، وتأتي هذه التظاهرة بتنظيم شعبي، يعكف على قيادته اللجان الدينية للمساجد والجمعيات الخيرية، وفي السياق زفّ 57 عريسًا من مدينة متليلي وخارجها في هذه الطبعة، كما تكريم 20 حافظًا وحافظةً لكتاب الله، وتمّ ختن 19 طفلًا، وفي تفاصيل العرس الجماعي الذي حضره «ساسة بوست»، افتتح الشيخ الجزائري مختار الرمة بمعية شيوخٍ الجنوب الجزائري ختمة للقرآن الكريم انطلقت من عصر الجمعة لتختتم فجر اليوم الموالي وحضرها أزيد من 400 حافظٍ لكتاب الله.

ختم القرآن جماعة عادة ترافق الأعراس الجماعية في الجزائر.

موازاةً مع ذلك افتتح الحفل بكلمة ترحيبية من اللجنة المنظمة، وبتناول وجبة العشاء والإعلان عن بداية التتويج بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت الشيخ فارح عبد الرحمن ليتم التعريف تم انطلاق تتويجهم جماعيًّا بحضور 20 ألف مدعو من الولاية وخارجها، وفي عادات المنطقة يتمّ التتويج على أنغام قصيدة البردة للعلامة البصيري ويتكوّن لباس العريس من طاقم يشبه لباس الفارس إيذانًا بوصوله مرتبة القيادة.

كما حضر هذه الطبعة ضيف الشرف محمد عبد الرحمن فارح أصغر حافظٍ لكتاب الله في العالم الذي تمّ تكريمه بالمناسبة، كما عرفت حضور عديدٍ من الشخصيات الوطنية البارزة في الجزائر، وبالمناسبة صرّح أحد العرسان المحتفى بهم في هذه التظاهرة لـ ساسة بوست قائلًا: «نشكر القائمين على هذه التظاهرة الجيدة التي تحفز الشباب اليوم على الزواج، فالشاب الجزائري الآن لم يعد قادرًا على إكمال نصف دينه لولا مثل هذه المبادرات» وقال عريس  آخر: «الحمد لله، إنّها فرحة لا توصف، قبل سنة لم أكن أتوقع أني سأكون عريسًا بالنظر إلى التكاليف الباهظة التي باتت ترافق الزواج»، وكمفاجآت للعرس الجماعي تمّ إهداء عريسين تمّ اختيارهم عن طريق القرعة رحلة للبقاع المقدسة لأداء العمرة.

الأعراس الجماعية: سبيل الجزائريين إلى الوحدة ونبذ الفرقة

عاش سكان مدينة غرداية أمسية الجمعة الماضية على وقع أفراح العرس الجماعي السنوي الذي ينظّم في مدينة متليلي الشعانبة بمحافظة غارداية كلّ سنة المقرون بإحياء ذكرى وفاة العلامة الرباني الجزائري محمد بن الكبير ونظمت اللجنة الدينية لمسجد حمزة بن عبد المطلب بحي القمقومة هذا الحفل بالتعاون مع مجتمع المدني، وفي تصريحٍ لـ«ساسة بوست» قال إمام المسجد وصاحب فكرة العرس الجماعي بالمدينة الإمام مختار الرمّة إن الأمة العربية عمومًا والشعب  الجزائري بالخصوص في حاجة لمثل هذه الأفراح والمسرّات التي تجتمع فيها القلوب قبل أن تجتمع الأبدان، وحاجة سكان غرداية اليوم هي لمن يجمعها لا إلى ما يفرقها، في حين أجمعت الهيئة المنظمة لهذا الحدث على أن الأعراس الجماعية التي باتت تنتشر بين أحياء مدينة غرداية ساهمت في وحدة المدينة وأعطت صورة إيجابية أن الشعب الجزائري متكافل بطبعه وما يجمع أكثر مما يفرقه، وجدير بالذكر أن مدينة غرداية عاشت قبل سنتين أحداثًا مؤلمة نتيجة اقتتالٍ طائفي حصد عشرات الأرواح، قبل أن يتدخل الجيش الشعبي ويمسك بزمام أمن المحافظة.

الأعراس الجماعية سبيل الجزائريين للقضاء على العنوسة المستشرية

تعدّ الأعراس الجماعية في الجزائرية بوابةً يعوّل عليها أفراد المجتمع لمحاربة والقضاء على العزوبة والعنوسة في أوساط المجتمع الجزائري، فباتت الجزائر تشهد مئات الأعراس الجماعية كل سنة، ويشهد شهر مارس (آذار) مثلًا بالمحافظات الجنوبية الجزائرية، عقد العديد من الأعراس الجماعية، خصوصًا في كلٍ من محافظة أدرار غرداية وواد سوف، وعرف أسبوعٌ واحدٌ من شهر مارس (آذار) الماضي فقط تزويج 1200 عريسٍ في أعراسٍ جماعية بالمحافظة الجنوبية، وما يميّز هذه الأعراس الجماعية هي عملها على تيسير الزواج للشباب الجزائري، إذ يصل تكاليف الزواج في إطار الأعراس الجماعية مبلغ 100 دولار فقط، في حين يتضاعف ليصل إلى خمسة آلاف دولار على الأقل حالة إقامة عرسٍ جزائري منفردًا.

تتويج 57 عريسًا في غرداية بالجزائر.

وبحسب الإمام بمسجد ورقلة محمد بن عامر، فإن هناك عدة دوافع أدت إلى بروز ظاهرة الزواج الجماعي، منها ارتفاع تكاليف الزواج، التي أصبحت عائقًا كبيرًا لدى معظم الشباب المقبل على الزواج، خاصة الفئات البسيطة والفقيرة من المجتمع، وكثرة العنوسة، وغلاء المهور وغيرها. وأصبحت الجمعيات الخيرية في الجزائر تعمل على تسطير برامج مكثفة لتفعيل هذه الأعراس الجماعية في كامل  التراب الجزائري، وفي هذا الشأن تحدث محمد ولد العربي رئيس تنسيقيات جمعيات المجتمع المدني عن التفكير في إنشاء جمعية وطنية خاصة بتزويج الجزائريين من أصحاب المستوى المادي الضعيف.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد