عندما يولد الطفل بمرض نفسي أو عقلي؛ قد يشعر الآباء بأن مهمتهم أصبحت مضاعفة، ولكن عندما يفتح الأبناء أعينهم على الحياة ليجدوا من يرعاهم مرضى نفسيين أو عقليين؛ فما يكون العمل؟ «لماذا يتحرك أبي بهذا الشكل؟»، «لماذا حاولت أمي قتل نفسها؟»، «لماذا لا يبدو أبي طبيعيًّا مثل باقي الآباء؟»، كل تلك الأسئلة قد تدور في أذهان هؤلاء الأطفال، والسؤال الذي قد يكون الأقسى والأهم: «هل أنا السبب؟».
يجنح الأطفال للظن أن كل ما يحدث لآبائهم هو خطؤهم بشكل ما، ولذلك عندما يقع الطلاق بين الزوجين، ربما يكبر هذا الطفل بصورة ذهنية عن نفسه، أنه كان السبب في فشل زيجة والديه وتفكك الأسرة، أما عن الطفل الذي ينشأ في كنف مريض نفسي أو عقلي؛ فأحيانًا ما يكون كل تصرف صادر من ولي الأمر المريض؛ في ذهن هذا الطفل أنه سببه أيضًا.
ما يمر به أبناء المرضى النفسيين هو عالم لا نعرف عنه الكثير، ولكننا في هذا التقرير نحاول أن نكشف الستار عن ثلاث حالات لأبناء تربوا مع ولي أمر مريض نفسي أو عقلي، لنعرف كيف أثرت تلك التجربة فيهم خلال طفولتهم، وحتى الآن.
الطعام بديلًا للحب الأمومي
كان هاني 34 سنة يتساءل في طفولته، لماذا يبدو شكل والدته مختلفًا عن باق الأمهات، وماذا تعني تلك التجاعيد غامقة اللون على جلد جسدها بأكمله وبعض المناطق في وجهها، وعندما وصل للمرحلة الإعدادية صارحته أمه بالحقيقة قبل أن يسمعها من الآخرين، وقصت له محاولة انتحارها وهو في أحشائها عن طريق حرق نفسها، وكيف أن تلك التجربة فشلت وأنقذها الأطباء، وكتبت له الحياة رغم العمليات الجراحية التي أجرتها وهو ما زال بداخلها، مؤكدة له أن الأطباء وصفوا ولادته سليمًا بأنها «معجزة».
«دائمًا ما أشعر بأنها هي المسؤولة مني وليس العكس وكأنها ابنتي»؛ هكذا يخبرنا هاني عن تجربته مع والدته بعد أن أدرك أنها تعاني من الاكتئاب السوداوي، وهو شكل من أشكال اضطراب الاكتئاب (MDD) والذي يصيب صاحبه بشعور عميق بالاكتئاب ويفقد أي قدرة على الاستمتاع بأي شيء في الحياة تقريبًا، واسم الاكتئاب السوداوي عادة ما كان يستخدم قديمًا ولكن الآن يستخدم الأطباء اسم الاكتئاب الحاد.
ما جعل وضع هاني أصعب هو وفاة والده وهو في سن صغيرة – ثلاثة شهور – وتكفل والدته برعايته، ولم تكن والدته قادرة على تقديم الدعم النفسي أو العاطفي له حتى عن طريق «الحضن»، ولذلك كانت تحاول أن تعوض هذا الاهتمام بتوفير كل ما يحبه من الأطعمة خاصة السكريات، ما جعله يصاب بمرض السكري في سن صغيرة والذي ما زال يعاني منه حتى الآن.
«مراهق في جلباب أب»
يؤكد الطبيب النفسي المصري محمود جاويش، أن في مرحلة المراهقة لدى أبناء المرضى النفسيين تبدأ عملية تبادل الأدوار، والتي يصبح فيها المراهق هو المسؤول عن ولي الأمر المريض نفسيًّا، وهو المطلوب منه تقديم الرعاية له، هذا الدور السابق لأوانه يسبب انحرافات نفسية لمن يتعرض له من أهمها التصرفات العنيفة الناتجة من حجم الضغط النفسي المرتبط بحجم المسؤولية التي ألقيت على عاتقه، ومع الوقت يتولد لديه رغبة ملحة في السيطرة والتسلط، والتي من دونها لا يشعر بالأمان، بسبب الشعور الدفين بداخله بأنه إذا لم يسيطر على زمام الأمور؛ ستقع كارثة أو عواقب وخيمة.
يوضح جاويش أنه عندما يقوم الابن بدور «الأب»؛ خاصة لو كانت الأم هي المصابة بالمرض النفسي مع غياب الأب ووجود أشقاء أصغر؛ يحدث اضطراب نفسي لدى المراهق من الدور الذي فُرض عليه ولا يستطيع أن يمارسه، فيلجأ للسيطرة والتحكم والتي تستمر معه في سنوات عمره القادمة، وخطورة هذا الأمر لا تتوقف على محاولته للسيطرة على الآخرين، بل يمتد الأمر إلى رغبته في السيطرة على الظروف المحيطة به كاملة حتى يشعر بالأمان.
«لست أولوية» شعور الطفل بالإهمال
لم تعانِ والدة أمنية من مرض نفسي خطير، ولكنه منتشر في العالم بدرجات مختلفة، وهو متلازمة الاكتئاب والقلق المزمن، هذا المرض يضع صاحبه في حالة دائمة من التوتر والعصبية والشعور بعدم الثقة في نفسه وفي الآخرين، وقد مررت الأم هذا المرض لابنتها مع الوقت. كانت أمنية متعلقة بوالدها بشدة ولكن اهتمام الأب دون قصد منه كان يكرس طوال الوقت لمواساة وبث الاطمئنان في نفس الأم، ما جعل أمنية – وهي الابنة الوحيدة- تشعر بالإهمال، خاصة وأن الأم لم تكن تمنحها الرعاية النفسية الكافية لأنها – الأم – كانت في أمس الحاجة لتلك الرعاية.
«كنت أشعر بالغيرة من أمي فأحاول أن أقلد التصرفات التي تلفت انتباه أبي عندما تقوم بها أمي»، كانت أمنية تراقب الأم وتحاول نسخ تصرفاتها في محاولة لكسب ود الأب وتعاطفه مثلما يحدث مع والدتها، ولكن الإحباط كان يصيبها عندما لا تجد من الأب رد الفعل نفسه الذي يفعله مع الأم.
كان والد أمنية طبيبًا بشريًّا وكان مدركًا لما تمر به شريكته وكان يعاني من رفضها للانتظام في العلاج النفسي وكانت دائمًا تكرر بصوت صارخ في وجهه «أنا مش مجنونة عشان أروح لدكتور نفسي»، وهو ما حاولت أمنية أن تغيره في نفسها عندما بدأت الأعراض نفسها تظهر عليها منذ المراهقة، فمنذ سن الشباب ذهبت هي بنفسها لوالدها وطلبت منه أن يعرضها على طبيب نفسي.
الطفل في سنواته الأولى يسعى للاهتمام ولفت انتباه الآباء طوال الوقت، وقدر الاهتمام والحب الذي يحصل عليه منهما يكون عاملًا مهمًّا في تشكيل صورته الذهنية عن نفسه وعن أهميته في الحياة، في حالة أبناء المرضى النفسيين لا يكون الطفل هو مركز الاهتمام، بل ولي الأمر المريض والذي يحتاج لهذا الاهتمام والرعاية خاصة لو كان عرضة لإيذاء نفسه، هذا الشعور بالإهمال وبأن الطفل ليس أولوية في حياة والديه، يخلف بداخله إحساسًا بالعزلة النفسية، والتي يكون لها عامل كبير فيما بعد في تشكيل علاقاته بالآخرين سواء أصدقاء أو شركاء حياة.
قد يكون متطلبًا في العلاقة أو لديه خوف دائم وغير مبرر من الهجران، تقول أمنية إن معظم علاقاتها العاطفية فشلت بسبب خوفها من أن تفشل، كانت تعاني من الشعور الدائم بالشك وعدم الثقة في النفس أو الشريك، عدم استجابته مرة واحدة في مكالمة هاتفية كافية أن «تطلق شياطين عقلها» على حد وصفها، وهو ما وضحه لها طبيبها النفسي أن سببه يعود إلى متلازمة القلق والاكتئاب التي مررتها لها والدتها.
«في حاجة غلط ماعرفش إيه هي»
قصة أمجد – 37 سنة – تختلف، فقد انتقل للمعيشة مع خالته المصابة بالفصام بعد أن تخطى مرحلة المراهقة بوقت قصير، وكان أمجد يعلم أن خالته تعاني من خطب ما، ولكن أسرته لم تخبره بكل التفاصيل نظرًا إلى الصورة الذهنية عن المرض النفسي، وقد كانت خالته في كلية من كليات القمة، ولكن مرضها اضطرها أن تترك دراستها، خاصة وأنها لم تتلق العلاج الكافي واستقرت بالمنزل لأنها لا تستطيع التعامل مع المجتمع بشكل عام.
لم يكن أمجد على علاقة قوية بخالته، مجرد زيارات سريعة في المناسبات، وكانت وجهة نظره عن خالته في طفولته أنها «في حاجة غلط بس ماعرفش إيه هي»، والآن وبعد فقدانه لوالديه عليه أن يعيش معها وأن تكون ولية أمره.
«منسحبة عن العالم.. وتعاني من الخوف غير المبرر من الأشياء بشكل مبالغ فيه» ونوبات الخوف تلك – يوضح أمجد – كان يمكن أن تدخلها في نوبات هيستيرية وعصبية. خاض أمجد رحلة العلاج مرة آخرى مع خالته، ولم يكن هناك عقاقير تمنحها بعض السلام النفسي إلا عندما وصل لسن المراهقة، ومع تناول العقاقير يكون التعامل معها أكثر سهولة.
كان لمرضها أعراض كثيرة من أهمها فقدان الذاكرة قصير المدى، والذي كان يدفعها للسؤال عن الشيء أكثر من مرة في الجلسة الواحدة، وكان لديها مجموعة من الأسئلة الثابتة كلها تتمركز حول مخاوفها، وكل سؤال يمكن أن تسأله ما يقرب من 10 مرات يوميًّا، ما كان يصيبه بالتوتر في جميع مراحل عمره، خاصة وأن كل مخاوفها كانت غير منطقية ومضخمة بشكل غير واقعي وأحيانًا كان يدفعه هذا لفقدان أعصابه، ولكن بعد تلك اللحظة يتملكه الشعور بالذنب.
«غريزة بقاء أم هي واعية أكثر مما نظن؟» قال أمجد تلك الجملة لنا معلقًا على الحدث الذي يعده الأغرب والذي عاشه مع خالته، وهو عندما شب حريق في مطبخ المنزل بينما كان معهما بعض الأقارب، وتفاجأ الجميع بأنها هي من أخذت الخطوة الأولى والسريعة لوقف مصدر الحريق وقد نجحت في ذلك، تلك اللحظة كانت مفاجأة له، لأنه وقتها – بحسب وصفه – نظر لها نظرة مختلفة لأنه تأكد أنها لم تكن لديها رغبات انتحارية.
لم يجمع بين أمجد وخالته أسلوب تربية بعينه، فهي لم تكن تتفاعل معه كثيرًا، ومعظم الوقت كانت تقضيه في غرفتها بعزلة عن الآخرين، أو في مشاهدة التلفاز والذي كان يحفز بداخلها المزيد من المخاوف غير المبررة.
تشكيل رؤية الطفل عن «التصرفات المقبولة اجتماعيًّا»
يوضح جاويش أنه إذا كان المرض النفسي الذي يعاني منه ولي الأمر يتضمن بعض التصرفات أو ردود الأفعال العنيفة التي لا يمكن السيطرة عليها، يكون لهذا العامل دور كبير في تشكيل ذهنية الطفل عن التصرفات المقبولة اجتماعيًّا، فربما تجد هذا الطفل يتعامل بعنف وعصبية مع أقرانه وأصدقائه.
والأمر لا يتوقف على التصرفات العنيفة أو حتى الإساءة للطفل جنسيًّا، فالأمر يتضمن أيضًا التأثير في تشكيل مفهوم الثواب والعقاب لدى الطفل، وما هو مقبول من تصرفات اجتماعية وغير مقبول، خاصة وأن ولي الأمر المريض النفسي قد يقبل على فعل غير مقبول اجتماعيًّا ولا يرى الطفل أنه يتعرض لعقاب، في الوقت الذي يكون فيه الطفل غير قادر على إدراك معنى المرض النفسي، ولذلك من المحتمل أن يقبل الطفل في أي مرحلة عمرية من حياته على واحد من تلك التصرفات بعد أن رسخت في ذهنه صورة بأن هذا التصرف مقبول اجتماعيًّا.
تقول أمنية لـ«ساسة بوست» إن تأثير مرض والدتها فيها كان أكبر مما تتخيل، حتى في أبسط الأمور في الحياة اليومية، على سبيل المثال وليس الحصر أدركت أنها تشعر بأنه أمر طبيعي أن تشك فيما حولها وكأنهم مقبلون على إيذائها حتى دون سبب، وهو ما كانت تشعر به والدتها طوال الوقت حتى تجاهها هي شخصيًّا، فأكثر من مرة اتهمتها والدتها بالسرقة أو بترويج أقاويل كاذبة عنها، بينما يؤكد هاني أنه أحيانًا دون أن يشعر في لحظات الضعف يجد أن مرض أمه يأتي له من الماضي ويسيطر عليه حينما يدخل في نوبات اكتئاب طويلة قد تستمر لشهر أو أكثر، يختار فيها أن ينغلق على نفسه ولا يتحدث مع أحد مثلما كانت تفعل والدته.
«العار».. والإيذاء الجسدي.. والمخدرات
الوصمة المجتمعية للمرض النفسي تلحق بأبناء المرضى النفسيين أيضًا، فإذا تعرض الطفل أو المراهق لموقف محرج مع ولي أمره المريض النفسي أمام الآخرين، قد يفضل أن يتركهم يظنون أنه مجرد شخص سيئ بدلًا من أن يبرر مرضه النفسي خوفًا من «العار» – يوضح جاويش- وهذا الكتمان وعدم الحديث بحرية عن الأمر، يتوسع داخل نفس الأبناء ويشمل أي معاناة نفسية أخرى يمرون بها فيما بعد، ما يتسبب لهم في حالة من العزلة نتيجة كتمان المشاعر السلبية، ولذلك عادة ما تجد أبناء المرضى النفسيين بحسبه يلجأون لتعاطي المخدرات ظنًّا منهم أنها المتنفس الوحيد عن هذا الغضب والتوتر الذي يسيطر عليهم.
تعرضت أمنية لإيذاء جسدي ونفسي على يد والدتها والتي كانت تصاب بنوبات فزع، تؤدي بها إلى ممارسة العنف الجسدي مع ابنتها،«الضرب بالقلم كان يوم آه ويوم لأ»، تخبرنا أمنية أن والدتها مارست جميع أنواع العنف الجسدي معها ولكن أكثر ما كان يؤلمها هو صفعها على وجهها والذي ولَّد بداخلها إحساسًا دائمًا بالإهانة وعدم تقدير الذات.
تتعاطى أمنية الكوكايين من وقت لآخر بينما تنتظم على تدخين الحشيش، بجانب أنها قد جربت جميع أنواع المخدرات الأخرى قبل أن تستقر على هذا النوع، بجانب تناول المهدئات التي وصفها الطبيب لها، بينما اختار هاني أن يدخن الحشيش فقط ولم يجرب أي أنواع مخدرات أخرى، أما أمجد فلم يكن له تجربة قوية مع المخدرات، فقد خاض تجربة تدخين الحشيش من حين لآخر «زي كل الشباب» على حد وصفه، ولكنه لا يرى في نفسه متعاطي مخدرات.
هل هناك جوانب إيجابية؟
يوضح جاويش أن بعض الأمراض النفسية مثل الفصام والتي يكون السبب في الإصابة بها جينيًّا أو تشريحيًّا، يكون من المحتمل نقلها من الآباء للأبناء، ولكن أيضًا بالنسبة للأمراض التي لا يكون للجينات دخل فيها، فهي لها أثر سلبي أيضًا على الأبناء إذا عانى منها الآباء وهذا يعود لطرق التربية التي سيتبعها المريض النفسي في تربية هؤلاء الأبناء، والتجارب الصعبة والقاسية التي قد يمر بها هذا الطفل مع ولي الأمر المصاب بالمرض النفسي.
من مميزات الممكن توافرها لدى الأطفال الذين يتعرضون لهذا الظرف أن لديهم مرونة نفسية، ولديهم القدرة على التغيير في حالة وجود الدعم، ولذلك يمكن حماية الطفل في فترة مبكرة من الآثار السلبية التي شُكلت بسبب ما تعرضوا له مع ولي الأمر المريض نفسيًّا، وفي حالة تلقي هذا الطفل للعلاج النفسي، يكون في المستقبل شخصًا أكثر تعاطفًا مع الآخرين لما مر به من تجربة نفسية قوية في طفولته، بجانب إمكانية تمتعه بقدرة مميزة على التصرف في الظروف الصعبة.
ولذلك من الضروري توفير الحماية النفسية والعلاج للطفل الذي ينشأ في تلك الظروف، لأن فترة الطفولة هي الفترة الوحيدة التي يمكن فيها تجنب أكبر نسبة من الآثار السلبية المترتبة على التجربة، بينما يكون الأمر أصعب في مرحلة المراهقة والنضج، والتي من الممكن أن يرفض فيها الشخص الاعتراف بأنه في حاجة لرعاية نفسية من الأساس، ولكن هذا لا يمنع اللجوء للعلاج النفسي إذا بدأ ظهور الأعراض النفسية على الأبناء في سن المراهقة.
وأكد جاويش أهمية وجود بيئة داعمة سواء للطفل أو الشاب الذي يعيش مع ولي أمر مريض نفسي. في البلاد الأوروبية عادة ما يتجسد هذا الدعم النفسي في المؤسسات الصحية، ولكن في المجتمعات الشرقية عادة ما تتجلى البيئة الداعمة في العائلة والأقارب، الذين ننصحهم بتوفير مثل أعلى بديل من داخل الأسرة للطفل أو المراهق أو حتى الشاب الذي يمر بتلك التجربة، ويطالبون إياه بالتقرب منه بهدف احتوائه وتقديم الدعم النفسي والنصائح التي يفتقدها مع ولي أمره.
يوضح جاويش أن من أهم الخطوات التي يمكن لها أن تساعد الطفل على تخطي تلك التجربة هي مصارحته بالوضع الصحي لولي أمره، مع الشرح المفصل لما يمر به، وهذا يحرره من الإحساس بالذنب بأنه هو السبب فيما يحدث للطرف المعني، والأهم من كل ذلك، يجب أن تحمل العائلة على عاتقها مهمة علاج المريض النفسي ومتابعة تناوله العلاج ومواظبته عليه، لأن هذا هو الطريق الأسلم لحماية الطفل.
هل هناك جوانب إيجابية لهذا الأمر؟ سندع أصحاب التجربة يجيبون عن هذا السؤال بأنفسهم، يقول هاني إنه إذا فكر في جانب إيجابي واحد في هذه التجربة، فهو الاستقلالية التي تمتع بها بعد زواج أمه وتوتر العلاقة بينهما بغرض إرضاء هذا الزوج، في البداية كان الأمر قاسيًا ولكن مع الوقت منحه هذا حرية جعلته يكتشف الحياة بعيدًا عن المنزل عندما وصل للعشرين عامًا، وتعلم أن يكون مستقلًّا ومسؤولًا عن نفسه، والجانب الإيجابي الأهم من وجهة نظر هاني هو أن نظرة أمه السوداوية للحياة كان لها تأثير عكسي عليه وخلقت داخله رغبة محمومة بأن يكون متفائلًا دائمًا رغم أي ظرف صعب يواجهه، وأن يستمتع بحياته قدر الإمكان.
بينما ترى أمنية أن ما مرت به مع والدتها كان دافعها الأساسي للبحث في علم النفس والذي تحول بعد ذلك إلى هوايتها الأولى والأخيرة، وتحول تحليل شخصيات من حولها إلى شغف حقيقي، بجانب هذا الإحساس بالتعاطف الذي تولد بداخلها تجاه كل من يعاني من مرض نفسي ومحاولتها طوال الوقت لمساعدته، وهو ما يتفق عليه أمجد أيضًا، والذي يرى أن تجربته مع خالته قد منحته نافذة واعية عن المعاناة مع المرض النفسي والتعاطف والتعامل بحرص مع من يعانون منه.