دائمًا ما نتحدث عن سقوط منطقة اليورو، وعن العواقب الاقتصادية الناتجة من هذا الافتراض حال حدوثه، ولكن أحدًا لم يتحدث عن العواقب الاقتصادية التي ربما تحدث حال سقوط أو تفكك مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه ومع تصاعد الخلافات بين دول المجلس، والتي انتهت مؤخرًا إلى حصار قطر، باتت تثار عدة تساؤلات بشأن مستقبل مجلس التعاون الخليجي في حال وصل الخلاف إلى طريق مسدود، وذلك بعد عقود من تأسيس المجلس.

يعرف مجلس التعاون الخليجي بأنه تكتل سياسي اقتصادي يتكون من ست دول، هي: الإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت، فيما تم التوقيع على وثيقة إعلان قيام المجلس في قمة وزراء خارجية الدول الست في العاصمة السعودية الرياض في الرابع من فبراير (شباط) 1981، وكان الهدف الأساسي منه تحقيق التنسيق، والتكامل، والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولًا إلى الوحدة.

وبعد مرور نحو 36 عامًا على قيام المجلس، يمر الآن بأزمة هي الأصعب في تاريخه بحسب المحللين، إذ قطعت السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو (حزيران) الجاري، وذلك في أسوأ أزمة دبلوماسية تشهدها المنطقة خلال سنوات، لكن الأمر تخطى كونه دبلوماسيًّا، وباتت قطيعة اقتصادية خلفت وراءها الكثير من الخسائر لهذه الدول، يمكنك الاطلاع عليها خلال هذا التقرير:

أسعار النفط فقط تحرك اقتصاد المنطقة

في الواقع تقول الحقائق الاقتصادية بالخليج إن البوصلة الاقتصادية في المنطقة تتحرك حسب أسعار النفط، إذ يقول تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ربيع 2016، إن تراجع النمو في دول مجلس التعاون إلى النصف منذ عام 2014 يعني أن النمو يرتفع أو يتراجع بسبب النفط.

وتملك الدول الأعضاء في المجلس ثلث الاحتياطي النفطي العالمي، ويمثل النفط 90% من إيراداتها، حيث تضخ دول المجلس 17,5 مليون برميل من الخام يوميًّا، أي حوالي خمس الإنتاج العالمي و55% من إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وإجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول مجتمعة بلغ 1600 مليار دولار في 2012، قبل أن يتراجع نهاية 2016 إلى 1370 مليارًا بحسب صندوق النقد الدولي، كما تمتلك الدول الخليجية واحدًا من أعلى مستويات الدخل في العالم، إذ يقدر متوسط دخل الفرد فيها بنحو 27400 دولار، وتقدر أرصدة هذه الدول في الخارج حاليًا بحوالي 2400 مليار دولار.

وبالرغم من أن الأحداث السياسية في غاية الأهمية، إلا أن البنك الدولي يؤكد أن أسعار النفط هي المؤثر الأول والأهم في اقتصادات الخليج، وفي حال اجتمعت الأزمة السياسية مع هبوط أسعار النفط سيتولد عن ذلك نتائج اقتصادية قاسية، إذ هبطت أسعار النفط بنحو 1%، بختام تعاملات الاثنين، وذلك إلى أدنى مستوى في 7 أشهر، في الوقت الذي وجد فيه المتعاملون في السوق المزيد من الإشارات على زيادة إنتاج الخام في الولايات المتحدة وليبيا ونيجيريا.

وتراجع خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود آجلة التسليم في أغسطس (آب) 46 سنتًا؛ لتجري تسويته عند 46.91 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) السابق، لاتفاق أوبك على تقليص الإنتاج في أول ستة أشهر من 2017، ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تسليم يوليو (تموز) 54 سنتًا إلى 44.20 دولار للبرميل في التسوية، وهو أدنى مستوى منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني).

ووفقًا لهذه الأرقام يكون الخامان منخفضين بأكثر من 15% منذ أواخر مايو (أيار)، عندما مدد المنتجون بقيادة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) اتفاق خفض الإنتاج تسعة أشهر، بواقع 1.8 مليون برميل يوميًّا.

للمزيد عن مستقبل أسعار النفط يمكنك قراءة التقرير التالي:

في 37 دورة.. الأهداف حبر على ورق

في ديسمبر (كانون الأول) 2016، عقد مجلس التعاون الخليجي الدورة الـ37 في البحرين، وذلك بمشاركة ملوك وأمراء دول مجلس التعاون، وكان من المتوقع أن تخلص القمة الخليجية إلى إعلان إجراءات عملية لتحقيق التكامل الاقتصادي، من حيث تعزيز العمل الخليجي المشترك، والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والعمل على مشروع العملة الخليجية الموحدة، بالإضافة إلى الاتفاق على إجراءات تطبيق ضريبة القيمة المضافة الموحدة لدول الخليج التي أقرتها دول المجلس العام الماضي، ولكن انتهت الدورة كما بدأت دون التقدم خطوات ملموسة في هذه الملفات، اللهم إلا الاتفاق على ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها مطلع العام القادم.

وهو ما يذكرنا بمقولة أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون الفرنسية محمد هنيد، بأن «مجلس التعاون الخليجي الذي نص في بنود تأسيسه (1981) على التقارب والتناغم، وصولًا إلى الوحدة، أصبح مثل باقي الهياكل العربية الجوفاء كالاتحاد المغاربي والجامعة العربية»، ففي الواقع لم يحقق المجلس معظم أهدافه، وأبرزها العملة الخليجية الموحدة، وجواز السفر الموحد، والأمن المشترك، والجيش الخليجي الموحد، والبنك المركزي الموحد… إلخ.

لماذا أصبحت احتمالية تفكيك الخليج قائمة الآن؟

يرى الباحث والمحلل السياسي الكويتي، مبارك القفيدي، أن احتمالية خروج سلطنة عمان وقطر من منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي باتت قوية مع استمرار الخلاف الحالي، ويأتي هذا الاحتمال وسط ضعف دور الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، البحريني عبد اللطيف الزياني، الذي تجاهل لائحة النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تنص في مادتها العاشرة على تشكيل هيئة تسوية المنازعات لحل أي مشكلة تحدث بين دول مجلس التعاون الست.

وبالنظر إلى أبرز الخلافات التي نشبت بين دول مجلس التعاون التي تمثلت في الخلاف القطري البحريني على مجموعة جزر في تسعينيات القرن الماضي، والخلافات بين السعودية والإمارات عام 2009، والخلاف بين سلطنة عمان والإمارات عام 2011، وأخيرًا الخلاف في 2014 بين كل من الرياض والدوحة وأبوظبي، نجد أن هذه الخلافات ظلت في نطاق سياسي لا أكثر، ولم يكن لها ضرر اقتصادي يذكر، ولكن هذه المرة فإن الاقتصاد ربما يكون الأساس في المعادلة، والمعادلة الاقتصادية هذه المرة لن يكون لها سوى جانبين فقط، إما الاتفاق والنجاح، وإما الاختلاف والفشل.

مستقبل اقتصادات الخليج حال تفكيك مجلس التعاون

يحاول «ساسة بوست» استطلاع آراء خبراء الاقتصاد حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، وذلك وسط التوترات السياسية المتصاعدة، إذ يرى عادل حميد، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن وجود مجلس التعاون الخليجي له ثقل سياسي إقليمي إيجابي، أما من الناحية الاقتصادية فوجوده وعدمه سواء، فلا مزايا نسبية أو تنافسية لأية دولة منه على أخرى، إلا أنه يؤكد أن وجوده أفضل من عدمه، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أنه حائط صد قوى أمام طمع أية جارة إقليمية.

وتابع حميد خلال حديث لـ«ساسة بوست» عما يقدمه مجلس التعاون اقتصاديًّا للدول الستة، قائلًا: «المجلس لا يقدم شيئًا، فحجم التجارة البينية محدود جدًا، ومعظم الاستثمارات الخليجية في الخارج، وكل ما يقدمه اقتصاديًّا هو التشاور في المجال النفطي، وكذلك إمدادات الغاز».

أما مصطفى عبدالسلام، الخبير الاقتصادي، ورئيس قسم الاقتصاد بصحيفة العربي الجديد، يرى أن ما حدث من حصار لقطر قد أحدث شرخًا، ليس فقط في المشروعات الاقتصادية الخليجية، وذلك يهدد مجلس التعاون الخليجي بالكامل خاصة مع رفض دولتين هما الكويت وسلطنة عمان المشاركة في حصار قطر اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا.

وقال عبدالسلام، إن البعض يتوقع انهيار المشروعات الاقتصادية الخليجية المستقبلية مثل العملة الموحدة، والبنك المركزي، والاتحاد الجمركي، وغيرها، إلا أنني استبعد هذا الاحتمال لأن هناك مشروعات اقتصادية حيوية ما تزال مستمرة ولم تتأثر بالتطورات الأخيرة مثل خط دولفين الذي تزود قطر من خلاله 30 في المائة من احتياجات الإمارات من الغاز، وكذا الحال بالنسبة لسلطنة عمان.

وتابع خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أنه ما زال هناك تنسيق خليجي متوقع في ملف النفط خلال اجتماعات كبار المنتجين، بالإضافة إلى المحاولات المشتركة لسد العجز في الموازنات العامة، وكذلك الاتفاق على فرض ضرائب على المواطنين لدعم زيادة الإيرادات العامة، وعلاج عجز الإيرادات النفطية، ومن بين هذه الضرائب القيمة المُضافة والضرائب الانتقائية، والتي اتخذت دول الخليج قرارًا جماعيًّا بفرضها، حتى وإن كانت بعض الدول ليست بحاجة لمثل هذه الضرائب، إلا أنها تطبق الخطوة كنوع من التضامن الجماعي بين دول المجلس، وفِي حال إخلال دولة بتطبيق ما تم الاتفاق عليه فإنه قد يسبب حرجًا للدول التي تفرض ضرائب وترفع رسومًا على مواطنيها.

ويختتم الخبير الاقتصادي حديثه قائلًا، إنه في كل الأحوال في حال استمرار التوتر السياسي فإن التنسيق الاقتصادي سيتواصل في الملفات القائمة، أما بالنسبة للملفات المستقبلية فأظن أنها ستعود للأدراج، خاصة تلك الخلافية مثل العملة الخليجية الموحدة، والبنك المركزي الخليجي، والاتحاد الجمركي، وإبرام اتفاقيات خليجية جماعية مع كل من الشركاء الرئيسين، مثل أمريكا وأوروبا وغيرها.

في المقابل، يقول مدحت نافع، الأكاديمي المصري، وعضو اتحاد البورصات العالمية، إن مجلس التعاون الخليجي حتى الآن يعد أنجح نموذج للعمل العربي المشترك على مختلف الأصعدة، وقد ساهم تقارب اقتصادات الدول الأعضاء في تحقيق قدر من التناغم والتفاهم حول العديد من الأمور الاقتصادية، والسياسية أيضًا، ومن أهم إنجازات المجلس في العقود الماضية قيام السوق الخليجية المشتركة بعد استكمال متطلباتها الرئيسية، وقيام المجلس النقدي الخليجي، فضلًا عن توحيد القوانين والأنظمة والإجـراءات في المجالات الاقتصادية «نحو أربعين قانونًا موحدًا»، وبناء المؤسسات الخليجية المشتركة؛ بغية تأكيد التعاون الفني والاقتصادي بين دول المجلس.

ويؤكد نافع، خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن الأزمة القطرية الحالية من شأنها أن تقف حائلًا دون تحوّل المجلس إلى اتحاد كامل كما كان مخططًا، خاصةً إذا تعذّر على الاتحاد الأوروبي أن يضرب مثلًا إيجابيًّا في الصمود أمام الخروج البريطاني، والصعوبات المالية لدوله الأصغر نسبيًّا، بل يمكن إذا استمرت لفترة أطول دون تسوية أن ينشأ عنها صدع يصعب رأبه، وتتسبب في تفسّخ المجلس مع اختلاف الانحيازات وتقلبها بصورة سريعة، وهذا أمر محتمل نظرًا لسيادة مفاهيم القبيلة والأسرة الحاكمة على المؤسسات في دول الخليج.

وعن معوقات النمو الاقتصادي، وكذلك بقاء مجلس التعاون الخليجي، يرى نافع، أن أهمها هو الاعتماد على المنتج الواحد وهو النفط أو الغاز الطبيعي، لكن الرؤية السعودية للمستقبل استطاعت أن تدرك هذا، وبدأت تتشكل في ظل معطيات مختلفة، أما الإمارات فاعتمادها الأساسي على الخدمات، وهو ما خفف من أثر تعرضها للصدمات البترولية الأخيرة، وقطر اعتمدت على صناعات الغاز، وتنويع الاقتصاد هو التحدي الأول، والقدرة على الاستفادة من الطاقات الوطنية في مجالات العمل المختلفة هو التحدي الثاني.

ويؤكد أستاذ التمويل، أن الفكرة لا تكمن في بقاء المجلس من عدمه، ولكن الأمر برمته يكمن في تقديم نموذج للاقتصاد المفتوح الحر الذي يسمح بالتعدد، ويقبل الآخر كمستثمر وكسائح وكشريك تجاري، وهي أمور مهمة جدًّا، ويعتقد نافع أن كلًّا من قطر والإمارات قد أدركتا ذلك بشكل جيد خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يجعل الدولتين مرشحتين لقيادة الخليج خلال مرحلة مهمة للتحول من اقتصاد المنتج الواحد إلى الاقتصاد المتنوع الكبير.

ويختتم حديثه قائلًا: «كل ذلك مرهون بحسم الصراع الدائر بشكل سريع ومرضي لمختلف الأطراف، وسط مشهد اقتصادي عالمي مرتبك، وتسوده حالة من عدم اليقين من جراء تباطؤ الاقتصاد الصيني، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود تيار يميني متشدد في أوروبا وأمريكا؛ مما يضع العالم على صفيح ساخن في السنوات القادمة».

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد