بسؤاله عن كيف ترى حكومة الوفاق سير معركة طرابلس من منظور سياسي عسكري، صرّح مصدرٌ من داخل مكتب الإعلام الحربي لعملية بركان الغضب إلى «ساسة بوست» قائلًا: «نصفُ انتصارٍ ميداني يعني هزيمة سياسية كاملة بالنسبة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بينما نصفُ هزيمةٍ عسكرية مع صمود متواصل هو انتصارٌ سياسي كبير بالنسبة إلى حكومة الوفاق حتى وإن كانت خسائرنا من العتاد مؤثرة»، يُضيف المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «الوفاق أجادت لعبة السياسة والحرب معًا، على الأقل نحن نمتلك أوراق رابحة؛ إمّا الصمود أو النصر، عكس حفتر الذي يوجّه قواته إلى دخول طرابلس بأي ثمن لعلمه بخوض معركة خاسرة».
بعد أن طالت معركة طرابلس التي أطلقها حفتر في 4 أبريل (نيسان) الماضي، ومع عجز طرفي النزاع عن تحقيق نتيجة عسكرية حاسمة، انتقلت المواجهة العسكرية بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى تبادل ضرب القواعد الخلفية بهدف عرقلة خطوط التموين والإمداد، وبينما دفعت تلك الاستراتيجية قوات الوفاق لتوسيع رقعة القتال، وجد الجنرال الليبي نفسه في مواجهة مباشرة مع «كتائب مصراتة» ـ أقوى قوة عسكرية في الغرب الليبي ـ بعدما قصف قاعدتهم الجوية لأول مرة منذ بداية الحرب.
هذا التقرير يشرح لك آخر تطورات الوضع العسكري ميدانيًا، ولماذا لا يمكن لحفتر الانتصار على «كتائب مصراتة».
حفتر خسر غرفة عملياته الرئيسة.. إلى أين وصلت معركة طرابلس؟
أطلق حفتر قبل نحو أسبوع معركة «ساعة الصفر» لاقتحام طرابلس عبر شن هجوم عنيف على تمركزات لقوات حكومة الوفاق بمناطق «عين زارة والخلة ووادي الربيع» جنوبي العاصمة، تزامنًا مع سلسلة تغييرات عسكرية وأمنية داخل قيادات الصفوف الأولى لقوات الجنرال الليبي، إلى جانب الدفع بالكتيبتين «36 صاعقة» و«15 صاعقة» من الشرق الليبي، باتجاه العاصمة للالتحاق بالوحدات الأخرى الموجودة في محاور القتال.
الهجوم العنيف الذي شنّه حفتر لاختراق الطوق العسكري حول العاصمة عبر المدفعية الثقيلة والقصف الجوي وفشل لاحقًا؛ جاء عقب خسارته مدينة «غريان» الاستراتيجية – 100 كم جنوب طرابلس – التي انطلق منها لمهاجمة طرابلس وحوّلها لغرفة عملياته الرئيسية ومقرّ الإمدادات المركزي طيلة ثلاثة أشهر، لكنّ الوفاق استطاعت منع اختراق الطوق العسكري حول العاصمة.
ووفقًا لآخر المستجدات العسكرية على الأرض؛ قصفت قوات حكومة الوفاق قاعدة «الجفرة» الجوية – وسط ليبيا – وهو ما أسفر عن تدمير حظيرة طائرات مسيرة وطائرة شحن ومنظومة للدفاع الجوي، ويُعتقد بأنّ القاعدة – أصبحت مسرح العمليات بعد فقدان مدينة «غريان» – كانت تضم ضباطًا وخبراء أجانب إلى جانب طائرات إماراتية، ونتيجة لضرب خطوط إمداد قوات حفتر، لم تمض ساعاتٍ حتى قصفت قواته القاعدة الجوية لمطار «مصراتة»، كما سيطر ميدانيًا على طريق الإمداد الرئيس بين العاصمة وأكبر قوة في الغرب الليبي.
وحاليًا تنحصر معركة طرابلس في سبع جبهات رئيسية: (مطار طرابلس، وتاجوراء، وعين زارة، ووادي الربيع، واليرموك، وخلة الفرجان، وترهونة)، حيث يشهد مطار طرابلس أعنف الاشتباكات في معارك كر وفر، دون أن يتمكن الطرفان من تثبيت السيطرة عليه بشكل كامل ونهائي، وتخشى حكومة الوفاق من سقوط المطار في يد حفتر، وأن يستغله لقصف طرابلس أو حتى دعم بقية جبهات القتال.
أما منطقة (تاجوراء، وعين زارة، ووادي الربيع) التي تعتبر خط الدفاع الأول عن طرابلس وطوق العاصمة الحصين، فلا تزال قوات حكومة الوفاق تتقدم ببطئ في ظل دفاعاتها المستميتة، عدا تقدم لقوات حفتر في منطقة «عين زارة». بينما تشهد جبهة «خلة الفرجان» حرب شوارع، بين نقاط التماس بين طرفي النزاع، أمّا المعارك في محور اليرموك فتشهد مواجهة بالمدفعية والأسلحة الثقيلة.
وعلى مدار المعركة التي المستعرة منذ 117 يومًا، شهدت الحرب ثلاث جولات مختلفة؛ فالجولة الأولى التي امتدت نحو 20 يومًا بدأت بوصول قوات الجنرال الليبي إلى مدينة غريان التي تعد أضعف ثغرة جنوبية، ثم زحفت بعدها نحو مدينة الزاوية – 48 كم غرب طرابلس – قبل أن تتمكن قوات حماية طرابلس بفضل تحييد سلاح الطيران في الساعات الأولى من استعادة أغلب المدن التي خسرتها.
لكنّ الجولة الثانية من المعركة شهدت جمودًا ميدانيًّا طيلة 30 يومًا في ظل الأزمة المالية التي عصفت بحفتر لتمويل حربه، وهو ما دفع رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري، للقيام بزيارة عاجلة إلى قطر وتركيا، التي أعلنت دعمها حكومة الوفاق بشكل غير المشروط، لتظهر بعدها المقاتلات التركية في شوارع طرابلس إلى جانب الطائرات المُسيرة التي استغلت بُعد القواعد الجوية التابعة لحفتر عن مواقع الاشتباكات.
ومنذ أوائل الشهر الماضي شهدت الجولة الثالثة من الحرب تطورًا مفاجئًا بعد الانتصارات العسكرية التي حصدتها قوات حفتر أمام حكومة الوفاق في محاور مطار طرابلس إضافة لاحتكاره سماء المعركة، بفضل الدفاع الجوي الروسي الذي مدت به الإمارات الجنرال الليبي، ليتمكن بعدها من إسقاط طائرة تركية من طراز «درون» باهظة الثمن. وفيما رفض حفتر دعوة المبعوث الأممي لليبيا لوقف إطلاق النار، استطاعت حكومة الوفاق ضبط إيقاع المعركة عبر إسقاط مدينة غريان وقصف قاعدة «الجفرة»، وهو ما مثّل نهاية رمزية للمعركة، خاصة بعدما خسر الجناح الغربي ممثلًا في مدينتي «غريان والزاوية».
«كتائب مصراتة».. هزمت «داعش» وأسقطت طرابلس في يومين
قبل نحو أسبوعين من إطلاق حفتر عملية تحرير طرابلس، تحركت إحدى الكتائب التابعة للواء المتقاعد، قرب مدينة سرت، وبدا أن حفتر سيدخل طرابلس عبر خوض أصعب حروبه على الإطلاق بمقاتلة «كتائب مصراتة» القوية المكافئة له، لكنّ الاستراتيجية العسكرية حينها؛ اعتمدت على شنّ معارك ضارية ومتفرقة عبر أكثر من جبهةٍ في جنوب العاصمة وغربها، وحين طال أمد الحرب عمدت حكومة الوفاق إلى جرّ حفتر إلى مخاوفه القديمة عبر إجباره على الاصطدام بـ«كتائب مصراتة».
يقول الصحافي الليبي عماد الراجحي لـ«ساسة بست»: «حين قصفت الوفاق خطوط الإمداد وقاعدة الجفرة الجوية، ردّ حفتر بعدها بساعاتٍ بقصف خطوط الإمداد والكلية الجوية بمصراتة، حتى لا يتمكن طرف دون الآخر من احتكار سماء المعركة»، يُضيف المصدر: «حفتر رغم خسائره أُجبر على دخول الجولة الأخيرة مع أقوى جيش ليبي».
وكان حفتر قد عاد حفتر من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها إلى ليبيا، عندما اندلعت الثورة عام 2011، ليُبايعه نحو 150 ضابطًا منشق عن الجيش الليبي، رئيسًا للأركان؛ لتبدأ بعدها معركة تحرير طرابلس من كتائب القذافي. يقول حفتر في مقابلة مع «قناة العربية» السعودية متحدثًا عن خُطة الاستعداد آنذاك: «اعتمدنا خطة الدخول إلى العاصمة من اتجاه الغرب، وحشدنا القوات عند منطقة الزاوية، لكنّ قوات مصراتة سبقتني وأسقطت طرابلس»، والمعركة التي يتحدث عنها حفتر لم تزد على يومين بمساعدة حلف شمال الأطلسي الذي وفّر غطاءً جويًا للثوار آنذاك.
السجل الحافل لـ«كتائب مصراتة» يكمن في هزيمتها لكتائب الزنتان –غرب طرابلس- التي شكلت الجيش الحقيقي للقذافي، وسيطرتها على مدينة بني الوليد معقل رأسه، بالإضافة إلى تأمينها للجنوب الليبي، وفي عام 2016 حققت تلك الكتائب أكبر انتصاراتها بهزيمتها لـ«تنظيم الدولة (داعش)» في مدينة سرت، 500 كم شرق طرابلس.
ونظرًا لقوة «كتائب مصراتة» – تقع في المنتصف بين حفتر وطرابلس – اتجه حفتر بعدما أخضع الشرق الليبي إلى اقتحام الجنوب، ومنه التف حول العاصمة غربًا متفاديًا مواجهة تلك القوات التي تحمل وحدها نصف العتاد العسكري الذي خلفه القذافي في المخازن التي نُهبت عقب سقوط نظامه. وتعد أكبر قوة عسكرية منظمة في الغرب الليبي، بما تملكه من 17 ألف مقاتل، و5 آلاف عربة مسلحة، ومئات الدبابات، بالإضافة إلى صواريخ أرض- أرض متوسطة المدى، وتعتبر اندماج لعشرات الكتائب المسلحة بداخلها.
وبحسب التقرير الذي أعدته منظمة «ضحايا لحقوق الإنسان» الليبية، حول تقدير القوة التسليحية لمدينة مصراتة منذ عام 2011، فإنها تمتلك نحو 20 ألفًا من قوات الاحتياط، وهو ما يرفع عددهم عند التعبئة إلى 36 ألف مقاتل مقابل نحو 25 ألف هو كامل عتاد حفتر، إلى جانب امتلاكها نحو 380 دبابة مستعدة للأعمال القتالية، بالإضافة إلى 225 دبابة أخرى مخزنة تحتاج لصيانة، بالإضافة إلى 300 عربة مدرعة، و500 شاحنة نقل ثقيل، ونحو 1500 عربة منصوب عليها المدافع المضادة للطائرات.
في ظل انتصارات الوفاق.. هل تشهد المعركة هدنة مع اقتراب العيد؟
قبل نحو أسبوع، فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إقناع رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا في القبول بوقف إطلاق النار، وكان مبرر رفض فايز السراج هو: «الحديث عن وقف القتال يجب أن يوجه للمعتدي»، في إشارة إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وسبق لحفتر أن رفض في أواخر يونيو (حزيران) الماضي دعوة المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، وقف الحرب بعدما أحرزت قواته انتصارات ميدانية بعد جولةٍ طويلة من المعارك الخاسرة، دفعت رئيس الحكومة الموازية في الشرق، عبدالله الثني، للإعلان لأول مرة عن استعداد الجيش لوقف إطلاق النار دون شروط.
وبينما يرتكز إصرار حكومة الوفاق على اسئتناف الحرب في مكاسبها السياسية والعسكرية، يرفض حفتر من جهة أخرى التراجع والقبول بالمفاوضات نظرًا للدعم العسكري الذي حصل عليه من فرنسا ومصر والإمارات، وسبق للمجلس الأعلى الدولة الليبي أنّ حذر قبل أيام من معركة «ساعة الصفر» الأخيرة من حصوله على معلوماتٍ استخباراتية تفيد بأن فرنسا ومصر والإمارات على وشك شن هجوم على طرابلس، والاتهام الرسمي جاء بعد أيامٍ من عثور حكومة الوفاق على صواريخ فرنسية اعترفت فرنسا لاحقًا بتبعيتها إليها.
وحاليًا دعا المبعوث الدولي إلى ليبيا إلى هدنة خلال عيد الأضحى وتبادل الأسرى والإفراج عن معتقلين، وهي الدعوة التي لم تجد صدى حتى الآن لدى طرفي النزاع في انتصارات حكومة الوفاق، ومع تحوّل الوفاق من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم المضاد، بدت ثمة إشارات واضحة بأن الحرب لن تنتهي حتى بانسحاب حفتر إلى ثكناته.
وسبق لحفتر أنّ شنّ هجومًا مباغتًا على العاصمة الليبية طرابلس قبل نحو 10 أيام من انعقاد الملتقى الوطني الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة لتحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والاتفاق حول موعد الاستفتاء على الدستور، وهي المعركة التي امتدت 177 يومًا دون نتيجة فاصلة.