شهدت الأيام الأخيرة تقاربًا لافتًا بين حركتي «حماس» و«فتح»، اللتين تعيشان انقسامًا منذ 14 عامًا، كان أبرز مؤشراته الرسائل الإيجابية التي تبادلها قادة الحركتين التي تضمنت تقديم تنازلات غير مسبوقة خلال جلسات التفاوض المنعقدة بينهما بعدد من العواصم في سبيل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية.

ويتزامن هذا التقارب مع تحركات دولية وتغييرات إقليمية متسارعة أبرزها تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الجاري، واتمام المصالحة الخليجية بعد سنوات من الخصام الذي ترك تداعياته على الداخل الفلسطيني، وأخيرًا إعلان أكثر من دولة عربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

يحاول التقرير التالي التعرف على أبرز العوامل الداخلية والخارجية التي دفعت حركتي «حماس» و«فتح» إلى الوصول لأرضية مشتركة، وتجاوز حركة «حماس» تنسيق حركة فتح مع إسرائيل، ومن الرابح من وراء إتمام المصالحة الفلسطينية.

ماذا حدث الأيام الأخيرة في قضية المصالحة الفلسطينية؟

مع نهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2020 دخلت تركيا على خط الأزمة الفلسطينية، عبر استضافة وفود حركتي فتح وحماس في لقاءات مشتركة، بترحيب وقبول من الحركتين، اللتين صدر من قادتهما إشارات إيجابية بتوكيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل «تسهيل» تحقيق المصالحة الفلسطينية والذهاب للانتخابات، وكذلك توفير مراقبين في إطار المراقبين الدوليين، للمراقبة على الانتخابات.

Embed from Getty Images

انتهت هذه اللقاءات بإصدار بيان مشترك للحركتين، أكد فيه الاتفاق على «رؤية تتعلق بإنهاء الانقسام وتوحيد الصف لمجابهة ما تتعرض له القضية الفلسطينية»، على أن يبدأ المسار العملي والتطبيقي لمخرجات المصالحة. وبدأ الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2006 بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وعدم انعقاد انتخابات عامة منذ هذا التاريخ.

وأتت لقاءات أنقرة بين وفدي الحركة امتداد للقاءات وحوارات بين الحركتين من أجل تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل، الذي انعقد في رام الله وبيروت، مطلع شهر سبتمبر الماضي.

وحضرت مصر أيضًا بعض لقاءات وفدي الحركة في تركيا، بوصفها أحد رعاة المصالحة الفلسطينية بعدما أصدرت إشارات تكشف «تململ» من التحركات التركية والقطرية وتدخلات الدولتين في الملف الفلسطيني بصورة تبدي اعتداءً على الدور التقليدي الذي تقوم به مصر، بحسب دبلوماسيين مصريين.

كانت أولى الخطوات العملية للمصالحة استعداد حركة حماس، في بيان صادر عن رئيسها في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2021، باستئناف الحوار وإنجاز اتفاق وتفاهم فلسطيني لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بالتوالي والترابط في غضون ستة أشهر.

وجاءت الخطوة التالية من الرئيس الفلسطيني الذي رحب برسالة حركة حماس بشأن إنهاء الانقسام وبناء الشراكة وتحقيق الوحدة الوطنية، من خلال انتخابات ديمقراطية، وأتبعها بدعوة رئيس لجنة الانتخابات المركزية، للاجتماع به لبحث الإجراءات الواجب اتباعها لإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات وفق القانون.

وشملت المصالحة الفصائل الفلسطينية قادة الفصائل الفلسطينية، عبر تنظيم اجتماع بين الأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية و الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو الاجتماع الأول منذ سنوات الذي يضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، وحركة الجهاد الإسلامي.

وكان المؤشر الإيجابي على استمرار المفاوضات وبلوغها مرحلة متقدمة هو صمودها وتمسك حركة حماس بسريان المفاوضات، رغم عودة اتصالات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، وعودة سفرائها للدول العربية التي أعلنت التطبيع مع إسرائيل.

من جانبه قال مفيد جلغوم، الكاتب والباحث التاريخي الفلسطيني، والمحاضر بجامعة القدس المفتوحة، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست»: إن «المصالحة الفلسطينية طريق سار به الطرفان، ومعهما بقية الفصائل منذ سنوات، إلا أن الجهود كانت تتعثر لأسباب خارجية، أما الآن فإن الموقف العربي المهترئ لم يعد حاسمًا في الضغط على الفلسطينيين لتعطيل حركة المصالحة، خصوصًا بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي شكلت قفزة فلسطينية مهمة نحو المصالحة، ذلك أن الكل الفلسطيني اتفق على رفض التطبيع العربي، خاصة وأنه مجاني».

وأضاف جلغوم أن «الأمر لا يخلو من جملة من العوائق الداخلية، ولنتذكر الفترة الطويلة التي احتاجتها حركة حماس للرد على إجراء الانتخابات المتتالية، إضافة الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ما بعد الانتخابات، وتجدد الخلافات حول التنسيق الأمني مع الاحتلال، ناهيك عن المؤثرات، وربما الاعتراضات من بعض الدول العربية والولايات المتحدة، لرغبتهم في حكومة بلا حماس».

هؤلاء هم العائق الأكبر أمام إنجاز المصالحة الفلسطينية

يمكن القول إن الخطوات السابقة والاستثنائية قد مهدت نحو مصالحة حقيقية، خصوصًا بعد الاتفاق على الآليات لتنفيذها، وسط حذر من عوائق في الداخل أو الخارج تعمل على إفشال هذه الجهود التي وصلت لمرحلة متقدمة إذا ما قورنت بالمساعي السابقة.

وبرز في هذه المفاوضات شخصية جبريل رجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح الفلسطينية، الذي عاد للواجهة من جديد بتمثيل حركته في ملف المفاوضات، وأظهر انفتاحًا كبيرًا في التعامل مع حركة حماس، خلافًا لمن سبقوه في هذا الدور في السنوات الماضية.

Embed from Getty Images

وكان رجوب قد استبق جولة المفاوضات الحالية بإعادة التنسيق مع حركة حماس بعد قرار واشنطن بضم الضفة الغربية، لينهي بذلك سنوات من الجمود والقطيعة، إذ اجتمع مع صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واتفقا «على التنسيق معًا لإفشال صفقة الضم ومشروع تصفية القضية كقضية سياسية، فضلًا عن تطوير كافة الآليات التي تحقق الوحدة الوطنية».

ويدعم رجوب في هذا المسار الساعي لإعادة التواصل مع حركة حماس والدفع نحو تحقيق المصالحة محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، وأحد المُقربين من الرئيس الفلسطيني، الذي كشفت تصريحاته واتصالاته مع قادة حماس عن انفتاح وتطور كبير، والأهم: رغبة في تمرير المصالحة الفلسطينية.

كان أبرز هذه التصريحات تأكيد العالول على وجود «إصرار وتأكيد من الرئيس الفلسطيني محمود عباس واللجنة التنفيذية للمنظمة على استعادة الوحدة الوطنية، داعيًا حركة حماس للتيقن من ذلك».

وساهم تصدر رجوب هذه المفاوضات، والذي يُعد أحد أبرز المنافسين على خلافة الرئيس محمود عباس، الذي يدخل عامه السادس والثمانين، في تصاعد الخلافات مع أقطاب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ممن يتنافسون مع رجوب على خلافة الرئيس الفلسطيني.

فبحسب مصدر من داخل حركة فتح الفلسطيني، فإن «تيارات فتح المتناحرة على خلافة الرئيس عباس وجدت أن الرجوب خطف الأضواء وعاد لتصدر المشهد السياسي؛ الأمر الذي أدى لاستياء رئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج وعضو اللجنة المركزية حسين الشيخ وتوجيه قواعدهم لمهاجمة الرجوب».

ويقف فرج، الذي يحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي، وبدعم من بعض الدول العربيّة لخلافة أبي مازن، ضد أية محاولة اقتراب مع حركة حماس، وساهم في الحد من نفوذ الحركة خلال السنوات الأخيرة.

ويدعم فرج في هذا الاتجاه حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وزير الشؤون المدنية، الذي رسمت تصريحاته خلال الأيام الأخيرة موقفًا رافضًا لإتمام المصالحة، في ضوء اتهاماته للحركة بأنها من تعتمد «على موجة التضليل والخداع للهروب من استحقاق المصالحة الوطنية»، وهو الموقف الذي يخالف موقف الحركة الرسمي ممثلة في تجاوب أبي مازن على رسائل هنية.

Embed from Getty Images

من جانبه يقول عدنان أبو عامر، رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة الأمة للتعليم المفتوح بغزة، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست»: إن «هناك انقسامًا داخل حركة فتح حول المصالحة مع حركة حماس ترتبط بصراع نفوذ بين أجنحة الحركة»، مؤكدًا أن الجناح الرافض لفكرة المصالحة يرى أن سلطة حماس في قطاع غزة ما زالت قوية، وبالتالي تمسك بزمام المبادرة، وبالتالي قد تستفيد داخليًا عن طريق تقنين أوضاعها في الضفة الغربية، وهذا ليس في صالح السلطة.

ويُعزز من النقطة السابقة أن عامل الفوق الرئيس لفرج في السنوات الأخيرة بكسب دعم دولي لخلافة أبي مازن هو نجاحه في توفير الأمن الكافي بالضفة الغربية، بعد استئصال حركة «حماس» وأسلحتها والحد من نفوذها العسكري كثيرًا، إذ أصبح: «التنظيم «مضروبًا» في الضفة الغربية بفضل جهود فرج ورجاله».

وأضاف أبو عامر أن «السلطة ليست على قلب رجل واحد في موضوع المصالحة»، مؤكدًا أن العامل الداخلي ضالع أكثر في عرقلة المصالحة أكثر من العامل الخارجي، وتدخلات إسرائيل في ظل انشغال الأخيرة بالانتخابات الداخلية وأزمة كورونا، مؤكدًا أن الجناح الرافض للمصالحة يرون أيضًا أن رجوب استطاع ونجح فيما فشل فيه الآخرون، ونجح في التقارب مع حماس وفتح قناة اتصال مباشرة، وهذا ما أخفق فيه القادة الآخرون.

وتابع أبو عامر أن «خطوة حماس في الانفتاح نحو المفاوضات مع فتح قد تجد تجاوب إقليمي، خصوصًا بعدما تخلت الحركة الفلسطينية عن مطلب الانتخابات المتوازية، وتجاوزت مطلب عودة تنسيق السلطات الفلسطينية مع إسرائيل »، مؤكدًا أن أبا مازن موجود في المشهد، وما زال قادرًا على حسم الخيارات.

لكنه يستدرك بالقول: «لكنه في مرحلة عمرية متأخرة، والأخطر أن هناك تيارات أخرى قد تستعين ببعض الحلفاء لإفشال المفاوضات».

منطقة الشرق

منذ سنتين
مترجم: هل فقدت مصر دورها في المصالحة الفلسطينية لصالح تركيا؟

المصادر

تحميل المزيد