رغم عدم وجود موقف رسمي واضح من غالبية الأطراف، إلا أن مؤشرات عديدة تؤكد قرب توصل حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي لتوقيع اتفاق تهدئة طويلة الأمد برعاية دولية قطرية تركية.
مصادر مطلعة أكدت أن مغادرة القيادي في الحركة موسى أبي مرزوق السبت الفائت إلى قطر عن طريق معبر رفح، كان بهدف التوصل لاتفاق تهدئة طويل الأمد مع الاحتلال، فقد زار مؤخرًا وزير الخارجيّة البلغاريّة السابق، نيكولا ميلادنوف الأراضي الفلسطينية ودولة الاحتلال وقام بإعداد مسودة هذا الاتفاق.
ما هي شروط حماس في اتفاق التهدئة؟
يكشف موقع “واللا” العبري عن الورقة التي قال إن حركة حماس سلمتها للمبعوث الأممي لتثبيت التهدئة، وجاء فيها أن الحركة تريد تهدئة طويلة تستمر 5 سنوات قابلة للتجديد، مقابل تخفيف الحصار، وتسريع عملية الإعمار، وإقامة ميناء بحري عائم مراقب من جهات دولية ويستقبل السفن المحملة بالبضائع للقطاع مع إيجاد آلية للرقابة الإسرائيلية على الميناء.
ويصف الموقع الشروط التي تضمنتها الورقة بأنها ليست جديدة فقد قدمت عقب العدوان الإسرائيلي الأخير، ومنها فتح معابر قطاع غزة كافة، وإدخال كافة البضائع اللازمة للقطاع، وعدم وضع حظر على أي منها، والسماح بحرية الاستيراد والتصدير من وإلى قطاع غزة.
هل ستوافق دولة الاحتلال على شروط حماس؟
“لدى إسرائيل وحماس مصالح متبادلة في استمرار الهدوء في غزة وعلى الجبهة الجنوبية بشكل عام”، هذا ما قاله قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي سامي ترجمان، وهو يمثل موقف دولة الاحتلال التي تدرك أنه “لا يمكن هزيمة حماس بغزة، فهي حكومة مستقلة لها سيادتها وتمارس ذلك على أعلى مستوى، وفي الوقت الراهن لا يمكن إيجاد بدل قوي لها في غزة”.
فكما يضيف ترجمان: “لا يمكن لأحد ولا حتى للسلطة الفلسطينية أن تبسط سيطرتها على غزة في ظل وجود منظمات إرهابية كثيرة، وهم لا يريدون مجموعات تنظيم الجهاد العالمي وداعش، وحماس لا تريد مشاكل إنسانية بغزة ونحن نرفض أن تتحول غزة لأزمة إنسانية”.
ويؤكد الباحث في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر أن “هناك رغبة حقيقية لدى إسرائيل، في إتمام اتفاق هدنة طويلة الأمد، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ويوجد تصريحات غير مسبوقة حول هذا الموضوع”، ويرى أبو عامر، أن الاتفاق وفق المؤشرات والتصريحات، المتداولة بات حتميًّا، ما لم تحدث عراقيل أو مفاجآت، فإسرائيل تسعى وفق تأكيده إلى تهدئة جبهة قطاع غزة، في ظل التطورات الميدانية الإقليمية وفي مقدمتها ما يجري في سوريا.
كيف تنظر حركة فتح لما يجري من محادثات بين دولة الاحتلال وحماس؟
قبل شهر، سارعت حركة فتح – الخصم الأول لحركة حماس- للكشف عن معلومات لديها أن هناك اتفاقًا وشيكًا بين دولة الاحتلال وحماس وصل إلى مرحلة متقدمة جدًّا، وسيدخل حيز التنفيذ بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
فحركة فتح التي ترفض أي مفاوضات أو اتفاقات محتملة بين حماس والاحتلال، على اعتبار أن منظمة التحرير هي المخول الوحيد بذلك مصدومة بالتطورات الأخيرة، وهي صدمة كشفتها عدة مواقف، منها هجوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل شهر على حركة حماس، واتهمها بإجراء مباحثات سرية، قائلًا لصحافيين في عمان، بأنه يحمل في سيارته ملفًا يحوي محضرًا متكاملًا عن الاتصالات السرية بين الإسرائيليين وحركة حماس.
وتصر فتح على تمسكها باتفاق القاهرة للتهدئة الذي أعقب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وجاء تصريحات عدة تؤكد على موقف فتح ذلك، منها ما قاله عضو اللجنة المركزية، الناطق باسم حركة ‘فتح’ نبيل أبو ردينة، أن: “فتح ترفض أي اتفاقيات جزئية تحت أي ذرائع أو مسوغات، تصب في خانة فصل القطاع عن الضفة الغربية، وهو هدف إسرائيلي ليس بحاجة إلى برهان”.
ما هو موقف باقي التنظيمات الفلسطينية من اتفاق التهدئة المزمع؟
رغم تأكيد حركة حماس على أن إطار التهدئة سيكون متفقًا عليه بالإجماع الوطني ولن يكون بيد حماس وحدها إلا أن فصائل وتنظيمات فلسطينية (معظمها يسارية) اعتبرت ما يجري تفردًا من حركة حماس في إبرام اتفاق مع “إسرائيل” وخرقًا للتوافق الوطني بين الفصائل وحركة حماس.
فقد اعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم أن ما يجري هو خرق للتوافق الوطني بين الفصائل وحركة حماس، وله تداعيات سلبية على الكل الفلسطيني ويصب باتجاه رغبة إسرائيل بانفصال قطاع غزة عن المشروع الوطني الشامل، أما أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي فقال إن الخطورة في الاتفاق تكمن في إتمامه بصيغة منفصلة عن الإطار الفلسطيني وبشكل منفرد بين حركة حماس وإسرائيل بعيدًا عن الوفد الفلسطيني الموحد الذي شكل لمفاوضات التهدئة إبان العدوان، أو موقف جماعي بمرجعية منظمة التحرير.
من جهته، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية كايد الغول إنه لا يحق لأي فصيل أن يقرر منفردًا في هذه الحلول، لأن الأمر يتجاوز الموقف الخاص لكل فصيل، مشددًا على ضرورة بحث المقترحات وطنيًّا بما يضمن تخفيف معاناة سكان قطاع غزة وبما يمنع تحقيق الهدف الإسرائيلي بتكريس الفصل.
هل ستقيم حماس دولة منفصلة في غزة؟
اتهامات عدة وجهت لحماس من خصومها بأنها تريد إقامة دولة منفصلة في غزة – رفضت حماس ذلك-، ويعتبر هؤلاء أن دولة الاحتلال وعبر الصفقة تسعى لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وقد يرافقها إغلاق كل المعابر بالتزامن من تنفيذ الميناء العائم لفصل غزة عن الضفة سياسيًّا وجغرافيًّا بشكل كامل، مع تحويل القطاع لكيان فلسطيني مستقل، والاستفراد بالضفة الغربية عبر توسيع الاستيطان، وخلق واقع يجعل المجتمع الدولي يتقبل فكرة البحث عن بدائل عن الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967في الضفة وغزة والقدس.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة: “إن حركة حماس تخشى من توقيع اتفاق طويل للتهدئة خشية اتهامها بالتفرد في حكم قطاع غزة، فمن الوارد والطبيعي أن تلجأ حركة حماس إلى تثبيت لاتفاق التهدئة الحالية، فهي غير معنية بالتصعيد، والوضع الإنساني في قطاع غزة لا يسمح لها بأن تغامر بالدخول في معركة إسرائيلية جديدة”.
واستدرك بالقول: “لكن هي تريد أن تبحث عن مخرج، أو تهيئة لقواعدها، والشارع الفلسطيني، ولكن لا أظن أن أحدًا سيمانع اتفاقًا من شأنه أن يخفف من معاناة أهالي قطاع غزة، ولهذا الحركة مطالبة بمصارحة الشعب والفصائل، وأن تُشرك الكل الوطني في هذا الاتفاق”.