اتخذ رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) «يحيى السنوار» العديد من القرارات بعد توليه المنصب في فبراير (شباط) الماضي، إلا أن تلميحه بعودة العلاقة مع النظام السوري هو الأكثر مفاجأة وجرأة. ما أسماه السنوار بـ«الانفراجة التي تشهدها الأزمة السوريّة الداخليّة» وإشارته إلى أنّ «الوقت لم يحن بعد» لهذه العلاقة لم يشفع، ليكون الجدل أكثر هذه المرة عن دوره في إعادة العلاقة مع روسيا و إيران و«حزب الله» اللبناني، وهي الأطراف التي تعمل وسيطًا نحو عودة العلاقات مع النظام السوري.
«السنوار» و«الأسد» يغيّران موقفهما تجاه بعضهما البعض
«تسارع وتيرة حل الأزمة السورية الداخلية يساعد في عودة العلاقات مع النظام السوري، ولكن الوقت لم يحن بعد» يحمل هذا التصريح الذي قاله «يحيى السنوار» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في 29 من أغسطس (آب) الماضي تلميحًا مفاجئًا بأنّ حماس لا تستبعد عودة علاقتها مع النظام السوري.

يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (رويترز)
واستكمل «السنوار» القول: «ننتظر الوقت المناسب لإعادة تلك العلاقة حتّى لا تدخل حماس في لعبة المحاور بالمنطقة، فسياستنا هي الانفتاح على كل الأطراف خدمةً للقضية الفلسطينية». لقد ارتبطت حماس بعلاقاتٍ قوية مع سوريا لم تكن مسبوقة مع دول عربية أخرى، فكانت ضمن ما يعرف بـ«محور الممانعة»، الذي يضم إلى جانب النظام السوري، إيران، و«حزب الله» اللبناني، وقد تلقت حماس وهي ضمن هذا المحور دعمًا سوريًّا وحرية كبيرة أثناء تواجدها على الأراضي السورية، إلا أنّ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، ووقوف حماس إلى جانب الشعب السوري رافضة تأييد الأسد حوّلها لعدو عند النظام وحلفائه إيران وحزب الله.
وإثر ذلك، كانت تصريحات رئيس النظام السوري «بشار الأسد» تشير في أكثر من مناسبة عن عدم ثقته في حماس، إذ هاجم الحركة في أبريل (نيسان) 2015، عندما قال إنّ: «حماس تعمل باعتبارها جزءًا من جبهة النصرة بسبب أن قيادتها المتواجدة في دمشق تدعو إلى مساعدة مجموعتها المسلحة المسماة (أكناف بيت المقدس) بعد هجوم داعش والنصرة على مخيم اليرموك»، لكن موقف «الأسد» تغير ليُظهر في الأيام الأخيرة ما يمكن اعتباره تحولًا تجاه حماس، فأكد في 20 أغسطس (آب) الماضي، خلال كلمته في مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين، أكد على دعم القضية الفلسطينية دون أن يستثني حماس، كما جرت العادة في خطاباته بعد القطعية بينهما.
معارضون سوريون يدوسون صورة لبشار الأسد
بل يذهب الباحث السياسي الإيراني «حسين رويوران» إلى استبعاد أن يطلب النظام السوري ضمانات لعودة العلاقة مع (حماس)، ويقول لـ«المونيتور» إن موقف حماس: «من فكّ ارتباطها التنظيميّ عن الإخوان المسلمين وتعريف نفسها بأنّها حركة مقاومة فلسطينيّة فقط وتثبيت ذلك في وثيقتها السياسيّة الجديدة، يدلّل على أنّ هناك تغيّرًا كبيرًا في فكرها، وهذا كاف لعودة العلاقات مع النظام السوريّ، وسبقته قبل ذلك عودة العلاقة مع إيران وحزب الله».
دوافع عودة حماس لـ«النظام السوري»
يقع على رأس قائمة الأسباب التي تدفع حماس بقوة نحو «محور الممانعة» هو حاجتها لدعم مالي وعسكري، بعدما تضررت كثيرًا من الحصار الإسرائيلي والتضييق الإجرائي الذي اتخذه ضدها الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» في الشهور الماضية، ناهيك عن الدور المصري في أزمتها.
وزيري الخارجية الإيراني والروسي
ولذلك يقرأ المراقبون اضطرار حماس للذهاب إلى إيران وحلفائها، ضاربة بعرض الحائط الانتقادات التي تنال منها، ويقول مدير مركز «ميسان للدراسات العربية والإيرانية»، محمد المذحجي أنه لا حل أمام حركة حماس إلا التوجه من جديد إلى طهران ودمشق، لكونهما الدولتان الوحيدتان المتبقيتان خارج إطار التطبيع مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن ما يدفع حماس لهذا المحور هو وجود حراك سياسي وعسكري وأمني ضخم في الإقليم لحذف مختلف تيارات الإسلام السياسي من المشهد في الشرق الأوسط، موضحًا لـ«ساسة بوست»: «حماس ليست مستثناة من هذه الضغوط والحذف من المشهد. ومن جهة أخرى، تمارس الجهات الأوروبية والأمريكية فضلًا على المحاولات الإقليمية خاصة مصر، ضغطًا كبيرًا على حركة حماس ومنظمة فتح للتوصل إلى توافق فلسطيني – فلسطيني وتشكيل دولة جديدة على هذا التوافق»، ولذلك تحاول حماس أن تعيد تموضعها وعلاقاتها مع دول الإقليم خاصة سوريا التي كانت الحاضنة الرئيسية لحركة حماس، وذلك حتى تكون لديها أوراق للتفاوض على طاولة المفاوضات المنعقدة في القاهرة، حسب المذحجي.
وزراء الخارجية، الإيراني والروسي والسوري
يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة «هاني البسوس» أن حماس لا تسعى إلى بناء علاقة مع النظام السوري، مستدركًا : «لكن روسيا تحاول أن توسع من دائرة نفوذها في المنطقة وضم أي منظمة أو فصيل أو دولة في الشرق الأوسط بعيدًا عن النفوذ الأمريكي، لذلك روسيا هي من تحاول إعادة العلاقة بين حماس والنظام السوري»، ويرى «البسوس» خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن الأمر بالنسبة لحماس ليس بالسهل كون موقفها كان حاسمًا فيما يتعلق بالثورة السورية، وهي معنية بأن تتقرب من إيران مجددًا وكل حلفاء إيران بالقدر الذي يخدم مصالح الحركة، حسب «البسوس».
ولا يمكنا تجاهل ما فرضته الأزمة الخليجيّة القائمة الآن، والتي تسببت في إنتاج محورين، هما محور يتكوّن من مصر والأردن والسعوديّة والسلطة الفلسطينيّة، ومحور مشكّل من إيران وسوريا و(حزب الله)، إذ دفعت الأزمة «محور الممانعة» لمحاولة ضم حماس من جديد، الأمر الذي دفع الأخيرة للعودة لهذه المحور بسبب ما يقع على قطر التي دعمتها، فقد رأت ضرورة توزيع وجودها في أكثر من دولة، يقول أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأمّة بغزّة «حسام الدجني» لـ«المونيتور»: «من الواضح أنّ أزمة الخليج ساعدت على تقارب حماس وحزب الله، رغم أنّ التقارب كان سابقًا للأزمة، ولكن ما قد يساعد على تقاربهما أكثر إمكانيّة أن تذهب كوادر حماس التي قد تخرج من قطر بفعل الضغوط الممارسة عليها إلى لبنان، حيث تواترت الأنباء أوائل يونيو (حزيران) عن خروج بعض كوادرها من قطر».
اقرأ أيضًا: زلزال سياسي يضرب الخليج العربي.. ملف «ساسة بوست» عن أزمة الخليج
إيران و«حزب الله» وسيطان يبغيان إكمال «محور الممانعة» من جديد
«العلاقة مع طهران أصبحت ممتازة جدًا، وترجع لسابق عهدها بعدما اعتراها تأزم، خصوصًا بعد زيارة وفد حماس الأخيرة لإيران»، خرج هذا التأكيد على لسان «السنوار» مؤكدًا على أن الدعم الإيراني للجناح العسكري لحماس أصبح استراتيجيًا.
إيرانيون يرفعون علم إيران وراية «حزب الله»
ويقرأ الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي المقرب من حماس، فايز أبو شمالة أن إشادة حماس على لسان مسئولها الأول في غزة «السنوار» بالعلاقة مع إيران وبشكل علني تحمل معان كثير، تتمثل بالحفاظ على علاقة متوازنة بين حماس والمنظمة العربية والإسلامية، ويوضح لـ«ساسة بوست»: «لما كانت سوريا جزء من تحالف إيران وحزب الله فإن علاقة حماس مع سوريا ستتطور ضمنا بعد تدخل كل من (حزب الله) وإيران لصالح هذه العلاقة»، ويضيف «أبو شمالة» : «إنها بداية مرحلة جديدة من التحالفات ولا سيما أن حماس قد أدركت أن البلد الوحيد الذي يقدم لها المال والسلاح هي إيران، فكيف لا تنسج تحالفات مع أصدقاء إيران ومنهم سوريا».
فبعدما وصلت العلاقات الإيرانية مع حماس لمستوى مرضي لكلا الطرفين، انتقل النظام الإيراني للعمل على إعادة العلاقات بين النظام السوري والحركة، فهي معنية بعودة حماس إلى «محور الممانعة» إذ لم تكن الزيارة التي قام بها قادة من حركة حماس لإيران في أغسطس (آب) الماضي بغية المشاركة في تنصيب الرئيس الإيرانيّ «حسن روحاني» لولاية رئاسيّة ثانية إلا فرصة للإيرانيين للحديث عن إمكانية التوسط بين حماس والنظام السوري لعودة العلاقات، إذ أكدت مصادر لموقع «المونيتور» أن: «المسؤولين الإيرانيّين أكّدوا لقيادة حماس أنّه باستطاعتهم إزالة حالة الاحتقان والتوتر المتواجدة عند النظام السوريّ تجاه حركة حماس، الأمر الذي رحّب به وفد حماس وطلب نقل المقترح إلى قيادة حركته لتدرسه والردّ عليه».
ويقول مدير مركز «ميسان للدراسات العربية والإيرانية»، محمد المذحجي أن إيران تحاول أن تبقى حاضرة في الملف الفلسطيني لإزعاج طفل الغرب المدلل أي إسرائيل، ومنع أي حل للقضية الفلسطيني، بهدف مقايضة الدول الغربية في ملفات أخرى على حساب الشعب الفلسطيني، مضيفًا : «من زاوية أخرى، لا تريد طهران أي حل للقضية الفلسطينية حتى تتمكن من تمرير مشروعها التوسعي تحت غطاء دعم القضية الفلسطينية، وفعلًا استطاعت أن تخرق النسيج الاجتماعي والنخب السياسية والثقافية في دول عربية عدة تحت غطاء نصرة فلسطين».

القيادي في حماس خالد مشعل مع حسن نصرالله
ويعتقد الباحث السياسي الإيراني «حسين رويوران» أنّ: «إيران تستطيع أن تؤثر بشكل كبير على النظام السوري لعودة العلاقات مع حركة (حماس)، رغم الموقف المسبق للنظام والحكومة السورية من الحركة، فالقضية تكمن في مدى نجاح المسعى الإيراني في تحقيق كل ما يريد من تلك الوساطة».
وكما أوضحنا لا تعمل إيران وحدها، إذ يعمل أيضًا «حزب الله» اللبناني نحو إعادة بناء التحالف القديم في المنطقة، خاصة بعد أن انتخبت الحركة قيادة جديدة، فحسب ما جاء في تقرير صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: «تعمل إيران مع حزب الله على التوسط بين النظام السوري وحركة حماس لإحياء العلاقات بينهما وعودتها إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية في مارس 2011»، ويضيف تقرير الصحيفة: «أن طهران وحليفها في لبنان يحاولان بهدوء التوسط في المصالحة بين دمشق وحماس، وإذا نجحا فإن ذلك سيعزز حلقة ضعيفة في تحالفاتهما، في الوقت الذي عززت فيه إيران علاقاتها مع دمشق وبغداد، وأقامت كتلة دعم في المنطقة لمواجهة إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة».
النفوذ الروسي يدفع نحو إعادة علاقة حماس بالنظام السوري
«المنظمة ليست إرهابية، بل حركة تحرر وطني وإحدى القوى السياسية الأساسية التي تمثل الفلسطينيين» هكذا وصف السفير الروسي في طهران، لوان ياغاريان، حركة حماس بداية شهر أغسطس الماضي. لم يكن التصريح «اللطيف» السابق هو أول خطوة في التقارب الروسي الحمساوي، فروسيا منذ فوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 لم تصنف الحركة على قوائم الإرهاب، وكانت العلاقات منفتحة مع حماس، وعجلت روسيا بتهنئة حماس رسميًا بانتخاب «إسماعيل هنية» رئيسًا للحركة، ثم قامت وزارة الخارجية الروسية بنشر بيان ردًا على إصدار الوثيقة السياسية الجديدة للحركة، جاء فيه أن: «عددًا من المبادئ التوجيهية التي تتضمنها وثيقة حركة حماس السياسية الجديدة بما فيها القبول بدولة فلسطينية بحدود 1967، تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح.

وفد من حماس في زيارة موسكو الأسبوع الماضي (شهاب)
ومع وضوح هدف روسيا بفرض نفسها على الساحة السياسية و إيجاد دور لها في القضية الفلسطينية، يتضح رغبتها في ضم حماس التي أعلنت قبل أيام عن وجود ممثل لها في روسيا إلى «المحور الممانعة» الذي تتزعمه طهران، الحليف الأول للنظام السوري، وترتبط موسكو، عبر البوابة الإيرانية، بعلاقات غير مباشرة مع حزب الله اللبناني، فروسيا وفي إطار عملها على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط من المحتمل أن يكون دورها القادم هو العمل على إعادة علاقة حركة حماس بالنظام السوري.
اقرأ أيضًا: «حماس».. هل تكون بوابة عبور جديدة لروسيا لتوسعة نفوذها بالشرق الأوسط؟
يقول محلل الشؤون العربية في صحيفة (هآرتس) العبرية «تسفي برئيل»: «روسيا التي أحدثت ثورة عسكرية في مكانة النظام السوري وفي مساحة المناطق التي يسيطر عليها، تستثمر الآن معظم جهودها في الدبلوماسية التي من شأنها أن تمنح الأسد الشرعية العربية والدولية، ومن هنا أهمية الخطوات الدبلوماسية للافروف في الشرق الأوسط»، ويضيف: «من هنا تأتي الأهمية التي توليها روسيا للمصالحة الداخلية الفلسطينية، والتي ستوقف التقارب المجدد لحماس مع إيران، الذي سيرضي طموحات السعودية ودولة الإمارات ومصر، الأمر الذي سيجعلها تدعم شرعية الأسد».