“لو لم تكن حكومة حماس المرتدة وجيشها القسام في غزة، لانتصر المسلمون على اليهود لكن النصر لن يأتي للمرتدين” ربما يلخص هذا القول “الداعشي” موقف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
فالخلافات الأيدلوجية بين حماس والسلفية الجهادية تطورت لتصبح المعركة الآن شرسة في مخيم اليرموك على وجه التحديد، فعلاقة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” المحسوبة على التيار الإسلامي الوسطي “جماعة الإخوان المسلمين” واحدة من أولى التيارات الإسلامية التي ظهر خلافها مع السلفيين مبكرًا عن غيرها، وهو خلاف يعود إلى الخصومة الفكرية والسياسية تبعا لانتماء الحركة إلى عموم الإخوان.
أما مع السلفية التقليدية فتشهد علاقة حماس بها حالة من الشدّ والجذب وعدم الاستقرار بعد أن غلب عليها طابع المواجهة بينهما، حيث باءت محاولة مصالحة بينهما في عام 2013 عبر وساطة قام بها علماء دين من الكويت وقطر رافقوا لحلّ خلافات الجانبَين بالفشل.
ثلاث محطات بارزة في علاقة حماس مع السلفيين
بقيت السلفية الجهادية التقليدية تنتقد “حماس” وتنسجم مع خط الأنظمة الرسمية العربية “واجبة الطاعة”، وبقيت هذه الحالة قائمة حتى مطلع 2006 عندما قررت حركة حماس خوض الانتخابات. هنا بدا الموقف أكثر حسما من طرف السلفية الجهادية، تبنى أنصار السلفية الجهادية استخدام السلاح في عمليات عنف داخلي، إلى جانب استمرار التنديد بمواقف حماس، بخاصة من تطبيق الشريعة.
بعد تولي حماس حكم غزة بثلاث أعوام، جاء إعلان الشيخ عبد اللطيف موسى الملقب بأبي النور المقدسي، أمير جماعة “التوحيد والجهاد”، عن إقامة إمارة إسلامية في مدينة رفح – منتصف أغسطس/آب 2009 – فردت حماس العمل بشكل قاسٍ، ثم محاصرة موسى ومرافقيه في مسجد ابن تيمية ودمر المسجد إثر اشتباكات واسعة استمرت ساعات عدة وأدت إلى مقتل أربعة وعشرين شخصًا بينهم موسى نفسه، إضافة إلى إصابة عشرات آخرين.
هذا الحادث دفع حماس للقيام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف السلفيين، حتى الدعويين منهم، والتضييق على حركتهم ومساجدهم وأماكن تجمعاتهم بالتوازي مع حملات دعوية مكثفة لإقناعهم بالتخلي عن الفكر التكفيري الضار والمدمر.
في المقابل، رد السلفيون بعمليات حرق وتدمير لبعض محلات الكمبيوتر والصالونات النسائية، وحتى بعض المرافق الأجنبية مثل المدرسة الأمريكية أو حتى المعسكرات الصيفية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، وتعاملت حماس مع الأمر على أنه عمل أفراد وجماعات هامشية وضعيفة تفتقد إلى الترابط التنظيمي والمؤسساتي ولم تتعامل معهم من الزاوية الأمنية مفضلة الأساليب الفكرية والدعوية.
وتمثلت المحطة الثانية في العلاقة بين حماس والسلفية الجهادية باختطاف ثم إعدام فيتوريو أريغوني الناشط الإيطالي المتعاطف مع القضية الفلسطينية – إبريل/نيسان2010 – على أيدي أفراد سلفيين بعضهم كان منتميًا لحماس في السابق، ورغم نأي السلفية الجهادية بنفسها عن الجريمة إلا أن البيان الذي أصدرته آنذاك حمل في طياته تهديدًا واضحًا لحماس وتحذيرًا من المضي قدمًا في ملاحقة السلفيين والتضييق عليهم.
بعد حادثة أريغوني شهدت العلاقة بين حماس والسلفية الجهادية شدًا وجذبًا، مع استمرار الملاحقات والاعتقالات بحقهم بين صعود وهبوط ما دفع هذه الأخيرة إلى تغيير تكتيكاتها والانخراط في المقاومة ضد إسرائيل عبر إطلاق الصواريخ ضد المستوطنات المحيطة بغزة لتحسين شعبيتها وسط الجمهور الفلسطيني، والأهم إحراج حماس وإظهارها بمظهر المهادن مع الاحتلال.
وربما تعد المرحلة الثالثة هي مرحلة حدوث التغيرات في مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث نسج السلفيون بغزة علاقات جيدة مع نظرائهم في سيناء – أنصار بيت المقدس في سيناء – وشرعوا في تنفيذ العمليات بشكل مشترك عبر إطلاق الصواريخ أو من خلال تنفيذ عمليات على الحدود المصرية الفلسطينية.
أسباب ظهور جماعة السلفية الجهادية بغزة
تعد السلفية الجهادية حديثة العهد بفلسطين، وهي تتركز بالكامل في قطاع غزة ولا يكاد يكون لها وجود في الضفة الغربية ومن أبرز تنظيماتها جيش الإسلام، وجيش الأمة، وجماعة التوحيد، والجهاد، وأنصار الله. علمًا بأن هذه الجماعات توحدت منذ عام تقريبًا في إطار فضفاض سُمي مجلس شورى المجاهدين في بيت المقدس.
يمكن الإشارة إلى عدة أسباب رئيسية ساعدت على ظهور السلفية الجهادية في غزة كما يراها الباحث ماجد عزام:
- مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية وسعيها للانخراط في المنظومة السياسية الفلسطينية، بما في ذلك منظمة التحرير ما اعتُبر برأي السلفيين اتباعًا لوسائل علمانية، وتبنيًا للأسلوب الديموقراطي في الوصول للسلطة ما يتعارض مع الأسس الشرعية والفكرية التي تستند إليها السلفية الجهادية.
- التهدئة التي سادت قطاع غزة بشكل شبه متواصل – مع فترات تصعيد متقطعة – منذ وصول حماس إلى السلطة في يناير/كانون الثاني 2006، وهو ما وضعه السلفيون الجهاديون في سياق تخلي حماس عن خيار المقاومة وتكرارها لتجربة حركة فتح.
- اعتبار الانقسام الفلسطيني أحد أسباب نمو الحركات السلفية الجهادية، خاصة أن البعض وضعه في سياق الصراع على السلطة، والذي أدى إلى تفشي التطرف في صفوف فئة من الشباب شعرت بالغبن والظلم وهو ما يفسر وجود أعضاء سابقين من حماس وفتح في صفوف الجماعات السلفية الجهادية المختلفة.
- صعود تنظيم القاعدة في السنوات العشر الماضية وانتشار أفكاره ولو بشكل متفاوت في العالم العربي، وميل شريحة – ولو محدودة – من الشباب لأسلوب القاعدة بوصفه النموذج المناسب لمواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية والإسرائيلية على المنطقة.
“داعش” في غزة
https://www.youtube.com/watch?v=J1KsFjm5FNw
ذاك السؤال الذي تكرر كثير في الأوان الأخيرة: هل داعش في غزة؟ لقد ذكر أكثر من مصدر أن هناك وجود لجماعة داعش في القطاع، وأكدوا أنها جماعة شكلت من أشخاص ينتمون إلى مجموعات عسكرية متعددة لكن أغلبها جاء من الجماعات السلفية الجهادية ولجان المقاومة الشعبية ومنهم من عاد إلى غزة بعد اشتراكه بالقتال في سوريا التي يصلها مقاتلو غزة عن طريق تركيا مستغلين عدم معرفة الجهات الأمنية المصرية أو التركية لهويتهم أو انتمائهم.
لكن هذه المجموعة لا تختلف فقط مع حماس بل أيضا مع السلفية التقليدية الفلسطينية فطعنوا في مواقفها المستنكرة لفكر داعش المتطرف التكفيري، وأصبح أنصار تنظيم داعش في غزة يهددون على سبيل المثال الدعاة في جمعية ابن باز “راعية العمل السلفي بغزة” لمخالفتهم لتنظيمهم، عبر حملات من الطعن والتهديد المعلن.
وبعد تدهور الأوضاع في الوطن العربي وسيطرة داعش على الكثير من المناطق، بدأت حماس بالتحرك ضد مؤيدي داعش في غزة الذين قاموا بتنفيذ عدة تفجيرات في الأشهر الأخيرة تستهدف مراكز ثقافية دولية، استهدفهم بأكثر من حملة اعتقالات خاصة قادتهم الذين يعتقد أنهم بايعوا داعش، وجاء في بيان “تجمع أهالي المعتقلين السلفيين في سجون حكومة حماس” أن حكومة حماس مازالت تشن حملات اعتقال بحق أبنائنا وإخواننا من طلبة العلم والمجاهدين السلفيين في غزة المنكوبة”. ويحذر البيان من أن استمرار حكومة حماس وجهازها في ممارساته سيدفع بالأحداث نحو التصعيد الذي لا يريده أحد.
يقول الدكتور عدنان أبو عامر الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن هذه التنظيمات الجهادية لا تمتلك تشكيلة هرمية عنقودية متعارف عليها مثل باقي الفصائل باعتبارها إحدى تفريعات تنظيم القاعدة الذي ترتبط به بعلاقات فكرية وأيديولوجية فقط بعيدا عن ارتباط تنظيمي مباشر مثلما جرى في بلاد متعددة، مشيرا إلى عدم قدرة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية على السيطرة الأمنية وضبط الأوضاع بشكل مُحكم، وقال أن هذا يعود إلى غياب التوافق بين السلطة في رام الله مع حركة حماس في غزة.
وتنفي وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة، أي وجود لتنظيم “داعش” في القطاع، مؤكدة أن التهويل الذي مارسته بعض وسائل الإعلام بهذا الخصوص “لا أساس له من الصحة”.
مخيم اليرموك بين حماس وداعش
بما أن “داعش” التي تنتمي إلى السلفية الجهادية تؤمن أن حركة حماس لا تحتكم إلى الشريعة الإسلامية التي تم استبدالها بقوانين وضعية مختلطة فهي لم تفاجئ أحدًا عندما أعلنت عداءها لحركة حماس، بل إعدامها لمسلحين موالين لها في مخيم اليرموك وقطع رؤوسهم بمجرد سيطرتها على المخيم.
قبل سقوط مخيم اليرموك بيد داعش، كان الفصيل الفلسطيني الأقوى في مخيم اليرموك هو كتائب “أكناف بيت المقدس” المحسوب على حركة حماس، لذا اعتبرت “داعش” أن مواجهة هذا التنظيم هو الصفعة السياسية والميدانية التي ستوجهها لحركة “حماس”، نتيجة لموقفها السياسي من الأزمة السورية عمومًا.
الآن يقاتل تنظيم أكناف بيت المقدس وحده تنظيم داعش في مخيم اليرموك بعد أن قررت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تحييد المخيم.