نقل الكاتب نيك وتني – في مقال له بموقع العالم الأوروبي – تصريحات كان قد أدلى بها وزير الدفاع البريطاني خلال قمة الاتحاد الأوروبي لوزراء الدفاع والتي عقدت في شهر ديسمبر من العام الماضي وكشفت عن انتقادات واسعة لسياسات الحكومة البريطانية في التعاطي مع ميزانية وزارة الدفاع في بريطانيا التي – رغم أنه قد جرى تخفيضها – يتم توجيه الجزء الأكبر منها نحو شراء معدات فائقة الصنع في حين يتم إنفاق القليل منها على الأفراد، ما يشي بأن ميزانية الدفاع البريطانية يتم استخدامها بشكل لا يتوافق مع دعم الصناعات الحربية في بريطانيا وهو الأمر الذي يختلف عن السياسات والبرامج التي تنتهجها بعض البلدان الأوروبية الأخرى مثل إسبانيا وإيطاليا واللتان قامتا بدورهما بدعم البرامج الدفاعية من خلال وزارتي الصناعة والتكنولوجيا في كلا البلدين.
كما أشار وتني إلى تحذيرات الجنرال البريطاني حيال ما أسماها سياسة “النفور من المخاطرة” التي قد تؤثر بدورها على القوات المسلحة البريطانية في إشارة إلى رفض البرلمان البريطاني وتصويته ضد خطة الحكومة لتوجية ضربات ضد نظام الأسد في سوريا في وقت تقوم فيه الحكومة الفرنسية بإرسال وحداتها العسكرية إلى مالي أولاً ثم إلى جمهورية إفريقيا الوسطي، بينما يلتزم الجنود البريطانيون بالجلوس في منازلهم وهو ما يؤشر بدوره إلى أنّ الحكومة البريطانية تسعى إلى أن تنأى بنفسها بعيدًا عن العمليات العسكرية التي تتم تحت إشراف الإتحاد الأوروبي.
وألمح الكاتب إلى أن الحكومة البريطانية بذلك النهج تكون قد ضلت طريقها فيما يتعلق بتعاطيها مع ميزانيات الدفاع, مشيرًا إلى أن إستراتيجية الأمن الأوروبي التي كان قد وضعها الاتحاد الأوروبي عام 2003 والتي تم الانتقال بموجبها من سياسة حصر الاتحاد السوفييتي في الخليج إلى المساهمة في الأمن العالمي والتصدي للأخطار الجديدة لم تعد كافية خاصة وأن إعادة تسليح القوات الروسية لم يوفر البديل الكافي.
وأضاف الكاتب بأنه وبعيدًا عن إدراج قضية الدفاع لأول مرة منذ خمس سنوات في اجتماع المجلس الأوروبي في ديسمبر من العام الماضي والإشارات المبدئية للزعماء الأوروبيين لأمن المواطنين الأوروبيين وحاجة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للاضطلاع بمسئوليات أكبر, تظل هناك حاجة ماسة نحو المساهمة في الحفاظ على الأمن والسلام بالرغم من أن الدلالات المتاحة لا تؤشر على الرغبة الحثيثة لدى الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نحو المساهمة من جانبهم في حفظ السلم والأمن أو حتى الحفاظ على فاعلية القوات المسلحة لديها خاصة في ظل المجموعات القتالية التي لا يتم توظيفها أو الثغرات التي لا يتم معالجتها وهو ما يعكس اتجاه الدول الأوروبية نحو استخدام ميزانيات الدفاع لديها لدعم الوظائف الصناعية أو الأهداف الإقليمية والسياسية بدرجة أكبر من استخدامها في دعم الأهداف العسكرية.
واستطرد الكاتب في عرض الآثار السلبية الخاصة بالتوظيف الخاطئ لميزانيات الدفاع من قبل الدول الأوروبية بقوله إن التعاطي السلبي مع ميزانيات الدفاع بهذه الكيفية ربما يكون مفهومًا لدينا خاصة في ظل حالة الركود التي يعانيها الاقتصاد الدولي والاقتصاديات الغربية, بيد أنه عاد ليؤكد على عدم صحة التأكيد على مفهوم ما أو معيار معين وتطبيق معايير أخرى خاصة في ظل الديمقراطيات التي نحيا فيها, كما أن اتباع أساليب خاطئة في تمويل الأهداف الاقتصادية لن يفضي بنا إلى نتائج فعاله خاصة وأن الضعف الذي يعتري التعاطي الأوروبي مع قضية الدفاع يلقي بظلال من القلق حول التهديدات العسكرية في القريب العاجل التي قد لا يكون قد تم الالتفات إليها من قبل الحكومات الأوروبية التي ربما افترضت مسبقًا أن القوات المسلحة الفاعلة لن يكون لها دور قائم في تدعيم النفوذ الأوروبي في العصر الحديث.
وفي هذا الإطار؛ حذر الكاتب من مغبة الاستمرار في هذ النهج من قبل الدول الأوروبية التي ربما وجدت نفسها فجأة أمام ثورات الربيع العربي التي أثبتت أن المستقبل القريب قد يتحقق خلال بضعة أيام فقط وهو ما يؤكد عدم صحة المبدأ القائل بأنه لا حاجة للدفاع ما لم يكن هناك تهديدات, مشيرًا إلى أن التهديدات لا يمكن التعامل معها كما نتعامل مع الظروف المناخية والجوية التي يتم معالجتها من خلال الحسابات البشرية.
وفيما يتعلق بالطموحات الأوروبية لتصدر المشهد الدولي بغية تعزيز القيم المصالح الأوروبية, أكد الكاتب على أن الازدهار في أوروبا يعتمد بالأساس على المطالبات المستمرة بتفعيل مبادئ التجارة الحرة والعادلة مع ضمان الحصول على المواد الخام والإصرار على تحقيق الحد الأدنى من المعايير البيئية والاجتماعية في النشاط الاقتصادي العالمي.
كما أوضح الكاتب أيضًا أن السلطة والنفوذ بمعناها الأشمل يعتبر أمرًا حيويًّا لحماية تعزيز القيم والمصالح الأوروبية في الوقت الراهن الذي تبدي فيه معظم الدول شغفها حيال دولة الصين كنموذج للدولة الرأسمالية السلطوية بدرجة أكبر مما تبديه من اهتمام لأي نهج غربي, مضيفًا بأنه في الوقت الذي تبدي فيه الديمقراطيات في القوى العالمية الناشئة قلقًا حيال حقوق الإنسان, فإن البرازيل والهند يبديان اهتمامًا بالسيادة الوطنية وعدم التدخل في شئون الغير.
وأكد الكاتب أن الأمر لا يعني بالقطع إرسال السفن الحربية أو تبني القول المأثور لفريدريك الكبير بأن الدبلوماسية دون سلاح مثل الموسيقى دون أدوات وإنما ينبني في جوهره على الإدراك الكامل بأن القوات المسلحة الفاعلة ينبغي أن تلعب دورًا هامًّا ليس فقط في مجابهة التهديدات وإنما باعتبارها ضمن الأدوات الفاعلة للدولة, منتقدًا نهج القادة الأوروبيين الذين وضعوا رؤوسهم في الرمال حسب وصفه أمام هذه الحقائق لمدة طويلة متكئين على إستراتيجية الأمن الأوروبي التي تم إقرارها عام 2003, مطالبًا بضرورة إعادة تقييم الأوضاع من قبل الحكومات الأوربية بما يتواءم مع التغيير الذي شهدة العالم وما سوف يشهده والتخلي عن الافتراضات المسبقة التي تحيط بتوجهات السياسة الخارجية الأوروبية بغية الحفاظ على دور فعال للقوات المسلحة والمصالح والقيم الأوروبية.