أعلن خبر وفاة الفنان والمخرج السوري حاتم علي، اليوم 29 ديسمبر (كانون الأول) 2020، المخرج الذي أنعش الدراما التلفزيونية السورية ومن بعدها المصرية، والعربية، وأثراهما بروائع مثل: «ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»، و«التغريبة الفلسطينية» و«الزير سالم»، وغيرها من الأعمال التي أصبحت فيما بعد علامات فارقة في الدراما العربية.
وكان المخرج الراحل يستعد في الأسبوعين الماضيين لإحياء الشخصية التاريخية الشهيرة «الزير سالم»، والتي تناولها منذ 20 عامًا، في مسلسل يحمل نفس الاسم، ولكن في شكل فيلم سينمائي؛ إلا أن الموت حال دون ذلك.
وفي السطور التالية ننعى هذا المخرج الكبير، ونلقي الضوء على أبرز أعماله التي ما زالت حاضرة في مخيال المشاهد العربي.
فنان شامل.. حفر اسمه بالذهب في التاريخ
توفي حاتم علي عن عمر يناهز 58 عامًا، إثر أزمة قلبية أودت بحياته خلال تواجده في مصر. ولكن بدايته لم تكن سعيدة هي الأخرى؛ إذ ولد طفلًا في هضبة الجولان المحتل، ونزح مع عائلته إلى مخيم اليرموك في سوريا؛ ليعيش مأساة النزوح، ويعاني من الصعوبات المادية والاجتماعية. ورغم ذلك تمكن من التغلب على ظرف اللجوء ليصبح واحدًا من أهم مخرجي الدراما التلفزيونية العرب.
لم يكن حاتم علي مخرجًا فقط، بل عمل ممثلًا، وكاتبًا مسرحيًا، وقاصًا، بعدما تخرج من معهد الفنون المسرحية بدمشق عام 1986، وقدّم عدة أدوار بنفسه في الدراما التلفزيونية، مثل مسلسل «دائرة النار» عام 1988، إلى جانب مسلسل «المرايا» السوري الشهير، وغير ذلك من الأعمال الدرامية التي أدى فيها أدوارًا تاريخية، وبدوية، واجتماعية.
وبالرغم من قدراته التمثيلية، فإنه فضل الاختفاء خلف الكاميرا ليقود الأعمال الفنية من وراء الكواليس، ليبدأ في 1995 مسيرته الفنية مخرجًا واعدًا عن طريق مسلسل «فارس في المدينة».
كان حاتم فنانًا شاملًا، وهو ما لا يعرفه أغلب الناس عنه، إذ صدرت له مجموعتان قصصيتان هما: «ما حدث وما لم يحدث»، و«موت مدرس التاريخ العجوز»، كما ألف فيلم «زائر الليل» الذي أخرجه محمد بدرخان، ومسلسل «القلاع» الذي أخرجه مأمون البني. هذا بخلاف نصوصه المسرحية، والأدوار التي برع في تجسيدها، وآخرها دوره في مسلسل «التغريبة الفلسطينية»، والذي مثّل فيه وأخرجه بنفسه.
المخرج والفنان السوري حاتم علي.
وعلى الرغم من أن شهرته تنبع من الدراما التلفزيونية، إلا أن حاتم علي عمل أيضًا في السينما وكانت له تجارب ناجحة، مثل: فيلم «العشاق» من إنتاج 2005، وفيلم «سيلينا» إنتاج 2009، وقامت ببطولته الفنانة ميريام فارس، وهو إعادة إنتاج مسرحية هالة والملك للسيدة فيروز والأخوين رحباني.
وحاز حاتم علي عدة جوائز هامة، منها جائزة أفضل مخرج من مهرجان القاهرة للإعلام العربي عن مسلسل «الملك فاروق»، وأفضل مخرج عن فيلم «آخر الليل»، من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1996، وذهبية مهرجان البحرين عن مسلسل «الزير سالم» عام 2000.
وحقق علي خلال حياته نجاحات كبيرة في الدراما التلفزيونية، إلا أن شغفه بالسينما لم يتوقف لحظة واحدة، ربما لهذا قد سعى إلى إدخال عناصر سينمائية داخل التصوير التلفزيوني، لإضفاء نكهة جديدة على الدراما، ساعدت في خلق موجة جديدة من الأعمال، ويقول عن ذلك: «العمل في السينما حلم صعب المنال، إلا أن صنع أعمال تلفزيونية باستخدام التقنيات السينمائية كان تعويضًا مناسبًا».
حاتم علي.. تحويل التاريخ لفن حيّ على التلفزيون
وصفت أعمال المخرج السوري بالنضج الفني الذي أعاد للدراما العربية رونقها وجمهورها، خاصةً في مجال البحث التاريخي مثل مسلسل «سفر»، والذي تناول تاريخ بلاد الشام إبان فترة الحكم العثماني، ومسلسل «ياقوت الحموي» الذي تناول سيرة هذا الأديب التاريخية، هذا إلى جانب الأعمال الاجتماعية، مثل مسلسل «الخوالي» و«أحلام كبيرة» و«الفصول الأربعة»، وغير ذلك من الأعمال التي تميزت بجماليات الصورة والبحث وتتبع الشخصيات، ورغم ذلك كانت الأعمال التاريخية هي الأكثر قربًا من الجمهور، وهي التي حفرت اسم حاتم علي بين كبار المخرجين.
ورأى حاتم علي أن الأعمال الناجحة يجب أن تحاكي حياة المواطن العربي، ويرى فيها انعكاسه، سواء كان العمل تاريخيًا، أو معاصرًا، وربما لهذا استطاعت أعماله الدرامية الوصول إلى قلوب المشاهدين وعقولهم.
في عام 2000 خرج مسلسل «الزير سالم» إلى النور، من كتابة السيناريست الراحل ممدوح عدوان وإخراج حاتم علي. والذي تناول قصة تاريخية شهيرة عن الصراع ما بين قبيلتي «تغلب وبكر» قبل الإسلام، وهي القصة التي اشتهرت في التاريخ الجاهلي بحادثة «ناقة البسوس»، وهي امرأة تسببت في إشعالِ الحرب بين قبيلتين بعدما قتلت ناقتها على يد كليب بن ربيعة التغلبي، لتستمر تلك الحرب مدة 40 عامًا. وسعى فيها الزير سالم الشهير بطلب الثأر لشقيقه ابن ربيعة بعدما قتل من بني بكر انتقامًا لمقتل الناقة.
إعلان مسلسل الزير سالم.
كانت تلك الحرب من أشهر حروب ما قبل الإسلام، ومن هنا تنبع أهمية هذا المسلسل الذي قام فيه الممثل السوري سلوم حداد بدور «الزير سالم» وحقق نجاحًا منقطع النظير.
إلا أن زاوية التناول والمعالجة كان لها دور في هذا النجاح، إذ أبدع السيناريست ممدوح عدوان بحسب «جريدة الرأي» في تحويل النص التاريخي إلى عمل فني مليء بالدلالات والرموز، إلى جانب طريقة تناول المخرج حاتم علي لأسطورة الثأر، وإنسانية الأفراد، بعيدًا عن الأساطير وقيم الشر المطلق والخير المطلق، كما يحيل أسباب النزاع بين القبيلتين إلى طغيان كليب التغلبي، وهو سبب أكثر واقعية للنزاع من ناقة البسوس.
رأى حاتم علي أن العودة إلى التاريخ لا تعني حتمًا الهروب من الواقع، لكنها تتيح الفرصة للنظر إلى تاريخنا من خلال عدسة نقدية، تلقي الضوء على قضايا الأمس المماثلة لأحداث اليوم. ولهذا شغلت القضايا التاريخية تركيزه، وساهمت بشكلٍ كبير في تجربته الإبداعية.
«حاتم علي» و«وليد سيف».. الثنائي الذي غير شكل الدراما
«المشاهد في الوطن العربي يجب أن يرى صورته منعكسة على الشاشة»
* حاتم علي
كانت بداية التعاون ما بين حاتم علي والشاعر والباحث وليد سيف في ثلاثية الأندلس (2002 – 2005)؛ وهي الفترة التي صنعا خلالها مسلسلات مُلهمة مثل: «صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف».
وفي هذه المسلسلات تتبعا سيرة عبد الرحمن الداخل، الأمير الأموي الذي أقام دولة الأندلس، مع تتبع سيرة الدولة العامرية في الأندلس، ومن ثم سقوط العامرية وتقسيم الأندلس إلى ممالك. وهي الأعمال التي نجح فيها حاتم علي بالدخول إلى عمق التاريخ، والقصص التي تخاطب وجدان الشعوب العربية، مستخدمًا زوايا جديدة، وألوان تضفي على ذلك العصر نكهة مميزة.
لا نستطيع أن ننسى أيضًا العمل الخالد «التغريبة الفلسطينية» من إنتاج عام 2004، والذي تناول رحلة الشتات الفلسطيني، وتحول فيه المخرج حاتم علي، والباحث والشاعر وليد سيف إلى أبطال العمل الحقيقيين بعيدًا عن سطوة الممثل التي كانت مسيطرة على الأعمال الدرامية آنذاك. إذ كان هذا العمل هو التعاون الرابع بين حاتم علي ووليد سيف الذي كتب حلقاته، وذلك بعد الثلاثية الأندلسية.
إعلان مسلسل التغريبة الفلسطينية.
أعادت التغريبة الفلسطينية الاعتبار للمناضلين والثوار الفلسطينيين المجهولين الذين قضوا حياتهم في الكفاح دون أن تذكر أسماؤهم في التاريخ.
وعن ذلك يشير معتصم عوض، في مقال له، إلى ما تناوله المسلسل من مرحلة سياسية وتاريخية هامة للقضية الفلسطينية امتدت من 1932 وحتى 1967، ممثلًا واقع مأساة اللجوء والترحال والأمل في العودة مرةً ثانية، وتنبع أهمية المسلسل من محاولته لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي ساعد في نشرها الإعلام الإسرائيلي مثل بيع الفلسطينيين لأراضيهم أو أن فلسطين كانت أرض خالية من السكان حين حلّ الاحتلال، منعشين في الذاكرة العربية الرواية الفلسطينية للنكبة وأحداث القضية.
استمر التعاون بين وليد سيف والمخرج حاتم علي حتى 2012، وذلك في مسلسل «عُمر» الذي صنف باعتباره «أضخم» إنتاج تلفزيوني حتى ذلك الوقت، ويتناول قصة الخليفة عمر بن الخطاب، ولكنه بحسب آراء فنية جاء مخيبًا للتوقعات، إذ اعتمد بشكلٍ كبير على الرواية التاريخية، وهو ما خالف أعمال الثنائي الفائتة، والتي اعتمدت بشكلٍ أكبر على مفاجأة المتلقي، والنظر إلى ما هو أبعد من التاريخ المكتوب.
هذا النوع من العمل أحيل سببه للهجوم وحملات المقاطعة التي نالت المسلسل في مرحلة الصناعة، ونتج عنها حالة تهيب من صناع العمل. ويشير التقرير إلى أن ما صاحب المسلسل من حملات مقاطعة ساعد في الحد من مخيلة المخرج السوري، خشية التعرض للانتقاد، نظرًا لما يتناوله العمل من معلومات هامة عن مرحلة صدر الإسلام. وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرض لها المسلسل، إلا أنه نالَ نصيبه من الشهرة الجماهيرية أيضًا.
ويقول عنه حاتم علي: إنه مسلسل في غاية الحساسية، إذ يتناول شخصيات حرم تجسيدها في الإسلام، وقد كان هذا العمل هو الأول الذي يقترب من تلك الدائرة، وربما لهذا استعان المشروع بلجنة من علماء الدين المسلمين للتشاور معهم، مُشيرًا إلى أن المسلسل حتى وإن لم ينجح في الوصول إلى المستوى المطلوب، فقد حقق شيئًا كان من الممكن أن ننتظر 100 عام لتحقيقه.