«العمى يعزلنا عن الأشياء، لكن الصمم وضعف السمع يعزلنا عن الناس» *هيلين كيلر

تفتح لنا حاسة السمع بوابة سحرية لفهم العالم من حولنا، فمن خلالها حاكى الإنسان الأول أصوات الطبيعة، واكتشف دلالتها، وحدد موقعها، فتجنب الخطر وعرف أماكن الصيد والماء، وعندما أدرك طبيعة الأصوات تعلم الكلام واخترع اللغة وأصبح كائنًا اجتماعيًّا، وساعده في ذلك القدرة المذهلة للاُذُن في التقاط الإشارات الصوتية وترجمتها في المخ إلى دلالات ذات معنى.

تلتقط الاُذُن الأصوات الخارجية من البيئة المحيطة ثم تنقلها إلى الأُذُن الوسطى التي تحول الموجات الصوتية إلى موجات ميكانيكية ثم تنقلها بدورها إلى الأُذُن الداخلية والتي تحولها إلى إشارات يترجمها المخ إلى دلالات ومعاني، فينشأ إدراكنا للبيئة الصوتية من حولنا، إلا أنه مع التقدم في العمر يبدأ الإنسان في فقدان قدرته على السمع تدريجيًّا بوصفه عاملًا طبيعيًّا من عوامل تقدم السن والشيخوخة، وعلى الرغم من شيوع ضعف السمع المرتبط بالتقدم في العمر إلا أنه قد يكون مؤشرًا خطيرًا للإصابة بمرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.. فما العلاقة؟

أنت مهدد بالخرف! هذا ما يحدث عندما تخفت الأصوات

تشير  بعض الأبحاث إلى أن هناك ارتباط بين فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة والتدهور في وظائف المخ المعرفية من «إدراك وانتباه وتذكر وتفكير منطقي»؛ إذ أظهرت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين بجامعة أكسفورد على أكثر من 82 ألف مشارك تتراوح أعمارهم بين 60 عام أو أكثر، أن ضعف السمع يرتبط بتدهور الوظائف المعرفية في المخ ويزيد من خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 91%.

Embed from Getty Images

وتوضح دكتور كاتي ستابس، الباحثة في مركز أبحاث الزهايمر بالمملكة المتحدة وإحدى المشاركات في الدراسة، أن ضعف السمع المرتبط بالتقدم في العمر ليس عرضًا من أعراض الإصابة بالخرف، لكنه هو أحد عوامل الإصابة بالخرف وتدهور الإدراك.

ما العلاقة بين ضعف السمع والإصابة بالخرف؟

يعرف الإدراك بأنه القدرة العقلية على اكتساب المعرفة والفهم من خلال الخبرات المكتسبة والأفكار والحواس المختلفة، وبحسب موقع «هيلث إن» الطبي فإن الخرف متلازمة تؤثر في المهارات الادراكية العقلية المختلفة من انتباه وذاكرة وتفكير منطقي، ويُعد الزهايمر هو أكثر أنواع الخرف شيوعًا؛ وقد أشارت دراسة نَشرت نتائجها جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى أن العلاقة بين فقدان السمع والخرف علاقة طردية؛ فكلما زاد فقدان السمع، زاد خطر الإصابة بالزهايمر أو أي نوع أخر من أنواع الخرف.

ولماذا يحدث ذلك؟

تعتمد القدرة السمعية للإنسان على سلامة الإشارات السمعية التي تُمرر إلى الدماغ، إلا أنه في حالات فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة تتضرر الخلايا الحسية المختلفة المسؤولة عن نقل الإشارات الصوتية إلى الدماغ، مما يتسبب في إرسال إشارات سمعية مشوهة إلى الدماغ، فتتدهور المهارات المعرفية المختلفة و يصاب بالخرف، وفيما يلي بعض الأسباب:

1- خلل في الفص الصدغي بالدماغ

يوضح تقرير منشور على موقع «ويب ميد» الطبي أن أحد العوامل التي يمكن أن تفسر الرابط بين فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة والتدهور المعرفي بالدماغ هو أن المعالجة الصوتية والمعالجة المعرفية للمهارات المعرفية، والعقلية المختلفة تحدث في المنطقة نفسها بالدماغ، وتحديدًا بالفص الصدغي بالدماغ الذي يُعد المنطقة الأولى التي تتأثر بالزهايمر، والتي يتم فيها معالجة المعلومات السمعية وتخزين المعلومات الخاصة بالذاكرة قصيرة المدى، لذا فإن فقدان السمع يؤدي إلى تدهور تدريجي في هذه المنطقة ويزيد من خطر الإصابة بالزهايمر.

Embed from Getty Images

2- الحرمان الحسي يغير بنية الدماغ

يؤدي نقص المدخلات الحسية (الصوت) إلى الدماغ إلى نقص تحفيز الخلايا المسؤولة عن الإدراك السمعي، وبحسب دراسة منشورة على موقع «فرونتيرز» المعني بأمراض الشيخوخة، فإن بنية الدماغ تتغير للأبد، فتقل كثافة المادة الرمادية في الدماغ وتنكمش المناطق المسئولة عن معالجة الصوت، وتعد المناطق الأكثر تضررًا هي المناطق المسئولة عن الذاكرة وفهم الكلام ومعالجة المهارات المعرفية المختلفة، مما يزيد من الرابط بين فقدان السمع والزهايمر.

3- ضعف السمع يزيد من إجهاد الدماغ

يُشير دانيل س. باول الباحث في كلية «جونز هوبكنز بلومبرج» للصحة العامة، بالولايات المتحدة والباحث الأول في الدراسة السابقة إلى أنه عندما يصعب تفسير الأصوات التي تصل إلى الدماغ، يقوم الدماغ بعمل بعض المعالجات الإضافية لتعويض ضعف الإدراك السمعي، فيستهلك الدماغ مزيدًا من المهارات المعرفية المختلفة، فيجهد المناطق المسؤولة عن الإدراك والانتباه والتذكر ويضعف من قدرتها على العمل، وتزيد احتمالية الخرف والزهايمر والاضطرابات المعرفية الأخرى.

4- العزلة الاجتماعية

يُعد الأشخاص المصابين بفقدان السمع المرتبط بالعمر هم أكثر عرضة للإصابة بالوحدة والقلق والاكتئاب والبارانويا، وهم أقل عرضةً للتفاعل مع الآخرين مما يزيد من خطر إصابتهم بالحرمان الحسي، وعدم تنشيط المناطق السمعية بالمخ التي تضمر على المدى البعيد ويصبح الإنسان مهددًا بالإصابة بالخرف.

وما هي أعراض فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة؟

لا يدرك الكثير من الأشخاص أنهم معرضون لفقدان السمع المرتبط بالشيخوخة نظرًا لحدوث ضعف السمع بمعدل تدريجي كلما تقدموا في العمر، ووفقًا لموقع «هيلث إن» الطبي، فإذا كنت أكبر سنًا وتعاني من مشكلات في السمع، فإليك بعض الأعراض التي تشير إلى احتمالية إصابتك بفقدان السمع المرتبط بالشيخوخة:

علوم

منذ 4 سنوات
الآن.. ربما اكتشفنا أخيرًا سبب الزهايمر وكيفية إيقافه
  • لا تستطيع أن تسمع المحادثات التي تجرى معك خاصةً في وجود ضوضاء في الخلفية.
  • تصبح قدرتك على فهم ما يقوله الآخرون صعبة، فأنت تسمعهم ولا تفهمهم بسبب عدم قدرتك على سماع أصوات بعض الحروف فيبدو، وكأنهم يتمتمون أو يتلعثمون في كلامهم.
  • تُشكل الأصوات المرتفعة مصدر إزعاج و توتر بالنسبة لك.
  • لا تستطيع أن تسمع الأصوات ذات الترددات المرتفعة مثل رنين الهاتف أو صوت الجرس.
  • تجد صعوبة في فهم وتفسير أصوات النساء والأطفال.
  • تعاني من صوت «أزيز» مستمر في أذنك أو ما يعرف باسم طنين الأذن.

ماذا تفعل إذا كنت تعانى من فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة؟

يمكن أن تزداد مشكلات السمع إذا تم تجاهلها أو عدم علاجها سريعًا، فإذا كنت تعاني من مشكلات في السمع، فإليك مجموعة من النصائح التي قدمها المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة، والتي قد تساعدك في مواجهة فقدان السمع:

  • الوقاية خير من العلاج، فقدان السمع المرتبط بالشيخوخة لا يمكن تجنبه فهو عرض مرتبط بطبيعة السن والمرحلة العمرية؛ لكن يمكنك منع تفاقم الأمور؛ حتى لا تفقد سمعك نهائيًّا، بسبب موت بعض الخلايا التي لا يمكن تجديدها مرة أخرى، فتجنب ارتفاع نسبة السكر بالدم وارتفاع الضغط وتجنب التعرض للأصوات المرتفعة بشكلٍ متكررٍ.

Embed from Getty Images

  • استشر طبيب الأنف والأذن والحنجرة، فقد تحتاج إلى بعض الأدوية أو الاستعانة بالمعينات السمعية والتدريب الخاص على استخدامها.
  • أخبر الآخرين أنك تعانى من ضعف في السمع واطلب منهم أن يتحدثوا معك ببطء ووضوح.
  • انتبه إلى تعبيرات الوجه ولغة الشفاه.
  • تجنب الضوضاء.
  • تجنب العزلة الاجتماعية حتى لا تفقد مهاراتك في التواصل.
  • استشر مختص السمع، واختبر سمعك واهتم بقياس سمعك بشكل منتظم؛ خاصة وإن كنت تعمل في بيئات صاخبة، وتذكر دائمًا أن سلامة قواك العقلية مرتبطة بسلامة سمعك.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد