كان خالد – اسم مستعار – ملتزمًا لمدة شهور بخطة الإقلاع عن التدخين باستخدام أحد التقنيات الجديدة، ولكنه في يوم وبعد استخدام الجهاز لما يزيد عن شهر؛ شعر بضيق تنفس وألم في الحنجرة، وعندما استشار الطبيب أخبره أن «إيكوس هو السبب».
جهاز جديد صغير يشبه القلم الإلكتروني، وتصحبه سجائر قصيرة عن طول السجائر المعتادة؛ ربما تكون قد رأيت هذا المشهد من قبل في أيدي أحد معارفك الذي يحاول الإقلاع عن التدخين؛ ويستخدم هذا الجهاز لتسهيل هذا الغرض. الجهاز والسجائر الخاصة به يعتمدان على تقنية اسمها «تسخين التبغ»، وبدأ ينتشر في العديد من البلدان العربية ويشتهر باسم «إيكوس» وهي إحدى العلامات التجارية التي توزع الجهاز في مصر والدول العربية. فهل هذا الجهاز بالفعل آمن لمن يريد الإقلاع عن التدخين؟، وما هي تقنية تسخين التبغ؟ وهل هو أقل ضررًا من التدخين أم يدمر صحة الرئتين؟؛ هذا ما سنجيب عنه في هذا التقرير.
ما هو تسخين التبغ؟
تعودنا أن ما نعرفه عن السجائر هو أنها تُحرق كليًا بغرض تدخينها، ولكن مؤخرًا ظهرت تقنية جديدة تُقدم بها السجائر لمن يريدون الحفاظ على صحتهم أو الإقلاع عن التدخين، ولكن الكثير منهم لا يعرف كيفية عمل تلك التقنية.
التبغ المُسخّن هو تبغ يُسخّن تحت درجة 350 درجة مئوية داخل جهاز «إيكوس» – أو غيره من نفس النوع – حتى ينبعث منه البخار المختلط بالنيكوتين بنسبة أقل من النيكوتين المنبعث من السجائر التي يتم حرقها، وهذا من خلال نظم تسخين تعمل بالبطاريات داخل هذا الجهاز، تحول هذا التبغ المسخن إلى رذاذ يستنشقه المدخن من فوهة الجهاز عن طريق الفم، وتُسمى تلك السجائر بالإنجليزية «heat-not-burn» أي سجائر بالتسخين بدل الحرق . هكذا يتم الترويج لجهاز تسخين التبغ عربيًا.
مكونات جهاز الإيكوس
ووفقًا لما ورد في بيان مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عن التبغ المسخن، فإن منتجات التبغ المسخن تنتج انبعاثات ليست آمنة مثل الهواء النظيف، وتعرض المستخدمين والمارة لبعض نفس المواد الكيميائية الموجودة في دخان السجائر، ولكن بمستويات أقل من دخان السجائر، وتسمح إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ببيع السجائر وأجهزتها في الولايات المتحدة، لكنها أيضًا تحذر من أن ذلك لا يعني أنها منتجات آمنة أو «مصرح بها من قِبِل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية». وعلى الرغم من ذلك تقول بعض الشركات التي تروّج لهذا الجهاز عن طريق الإنترنت أنها منتجات أقل ضررًا من السجائر التقليدية.
هل هي آمنة حقًا؟
في منتصف عام 2020 منحت إدارة الأغذية والأدوية في الولايات المتحدة الترخيص لتسويق أحد منتجات التبغ المسخن، وهو نظام تسخين التبغ «IQOS» وكان هذا بموجب القانون الفيدرالي للأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل، وينص هذا القانون على ضرورة الحصول على تصريح سابق للتسويق قبل طرح منتجات التبغ الجديدة في السوق في الولايات المتحدة، وعليه أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانًا يخص هذا الجهاز.
وفي البيان الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية في منتصف العام 2020؛ أكدت أن منتجات التبغ الساخنة هي منتجات تبغ مثل أي منتجات تدخين أخرى، مما يعني أنها ينطبق عليها الأحكام والاتفاقات الخاصة بحظر «جميع أشكال الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته التي تروج لمنتج من منتجات التبغ بأي وسيلة كاذبة أو مضللة أو غيرها من الوسائل الخادعة أو التي قد تعطي انطباعًا خاطئًا عن خصائصه أو آثاره الصحية أو مخاطره أو انبعاثاته» – بحسب ما ورد حرفيًا في البيان.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن الحد من التعرض للمواد الكيميائية الضارة في منتجات التبغ المسخّن لا يجعل منها منتجات غير ضارة، ويجب أن يدرك من يدخنون التبع المسخن أن نسب بعض المواد السمية الموجودة في الرذاذ الناتج عنه أعلى من تلك الموجودة في دخان السجائر التقليدية، بالإضافة إلى أن بها مواد سمية أخرى لا توجد من الأساس في السجائر التقليدية، وحتى صدور هذا البيان كانت الآثار الصحية الناجمة عن التعرض لهذه المواد السمية الجديدة؛ غير معروفة.
وهذا معناه أن هذا الجهاز ينتج مواد سمية لم يتحدد مدى ضررها على من يدخنها؛ فكيف يمكن الترويج لتلك المنتجات على أنها «أقل ضررًا من السجائر»، وليس هناك دراسات موثقة تثبت ذلك؟ فقد أدت إدارة الغذاء الأمريكية أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم الآثار الصحية لمنتجات التبغ المسخن وانبعاثاتها. ولهذا رفضت إدارة الأغذية والأدوية في الولايات المتحدة، «الادعاءات» القائلة بأن المنتج أقل ضررًا من منتجات التبغ الأخرى أو أنه يتيح الحد الأدنى من المخاطر الصحية للتدخين.
وبعد انتشار التبغ المسخن في مصر، وغزو السجائر الأجنبية المصممة لهذا الغرض الأسواق المصرية، أصدرت وزارة الصحة المصرية قرارًا وزاريًّا برقم 365 لسنة 2021، ينص على ضرورة معاملة منتجات السجائر المسخنة مثلها مثل السجائر الأجنبية الأخرى، وهذا عن طريق وضع التحذير التالي «احترس التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة»، على أن يكون التحذير «يشغل نصف واجهتي العبوة على الأقل»؛ وفقًا لما ورد في هذا القرار.
«صورة اجتماعية مقبولة لغير المدخنين»
حذرت منظمات صحية مثل إدارة الغذاء والأدوية بأن المخاطر التي يشكلها التبغ المسخن على مدخنيه يندرج تحت بندها «إدمان النيكوتين»، ونُشرت دراسة في 13 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري 2022 تحت عنوان “Use of electronic cigarettes and heated tobacco products during the Covid-19 pandemic” أو «استخدام السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن أثناء جائحة كوفيد -19».
ووضحت الدراسة التي أجريت على مجموعة من المدخنين في إيطاليا، أن الإقبال على استخدام السجائر الالكترونية خلال فترة الجائحة قد زاد بنسبة تصل إلى 8.1% إلى 9.1% واستخدام التبغ المسخن زاد بنسبة 4.0% إلى 4.5%، والأمر المهم الذي كشفت عنه الدراسة أنه من بين غير مستخدمي السجائر الإلكترونية قبل الإغلاق، بدأ 1.8% في استخدام التبغ المسخن من غير المدخنين وهذا لأن – وفقًا للدراسة – أجهزة التبغ المسخن لها صورة اجتماعية مقبولة للمراهقين والشباب الأصغر سنًا.
ما تشير إليه هذه الدراسة، أن الترويج للتبغ المسخن على أنه «غير مضر» وأنه وسيلة آمنة للإقلاع عن التدخين، قد يدفع غير المدخنين للإقبال عليه على أنه وسيلة آمنة لتجريب التدخين للمرة الأولى، وبما أنه يعرض مدخنيه لإدمان النيكوتين مثله مثل السجائر العادية؛ فوجدت الدراسة أن طرق الترويج لتلك المنتجات قد تكون غير صادقة وخطرًا على البعض.
وفي دراسة نُشرت في منتصف العام 2021 تحت عنوان “Exposure to Heated Tobacco Products and Adverse Health Effects, a Systematic Review” أو «التعرض لمنتجات التبغ الساخن والآثار الصحية الضارة، مراجعة منهجية»؛ أكد الباحثون المؤلفون للدراسة أن منتجات التبغ المسخن قد تكون منتجات ذات مخاطر منخفضة للإصابة بالأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والسرطان مقارنةً بالتدخين التقليدي، إلا أنها قد تشكل خطرًا في حالة استخدام غير المدخنين لها. وأكدت الدراسة أن البحث في أضرار التبغ المسخن يجب أن يستمر حتى يُكشف عن جميع جوانبه.
السؤال الآخر الذي طرحه الأطباء عن هذا التبع المسخن هو مدى تأثيره في مدخنيه من أصحاب الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري وغيرها، ونشرت نتائج الدراسة في نهاية العام 2021 تحت عنوان: “Use of heated tobacco products by people with chronic diseases” أو «استخدام منتجات التبغ المسخنة من قبل الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة».
وفي نتائج تلك الدراسة أكد الباحثون أن التبغ المسخن قادر على زيادة ارتفاع ضغط الدم للمصابين به بنسبة قد تصل إلى 10.2%، وزيادة مخاطر مرض السكري بنسبة 15.9%، كما أن مخاطره تكون أكبر على المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية، إذ أثبتت الدراسة أن أصحاب هذا المرض قد تزيد خطورته على أجسادهم من تدخين التبع المسخن بنسبة تصل إلى 20%، ولمن يعانون من مرض الانسداد الرئوي المزمن قد تتفاقم أعراض مرضهم بنسبة تصل إلى 40%، أما عن مرضى السرطان فخطورة المرض تزيد بنسبة 17.5%.
الدراسات فيما يخص التبغ المسخن تعتبر أقل نسبيًا من الدراسات الخاصة بالسجائر الإلكترونية التي تعتمد على حرق التبغ أو الزيوت، وبالتالي فإن موظفي الصحة العامة عادة لا يكون لديهم علم عن أضرارها بل إنه في بعض البلاد نسبة كبيرة من موظفي الصحة العامة ليس لديهم معلومات عنه حتى، وفي دراسة نشرت في ديسمبر (كانون الأول) من العام 2021 تحت عنوان “Knowledge and self-efficacy among healthcare providers towards novel tobacco products in Japan” أو «المعرفة والكفاءة الذاتية بين مقدمي الرعاية الصحية تجاه منتجات التبغ الجديدة في اليابان»، أكدت أن نسبة 62% من مقدمي الرعاية الصحية في اليابان من ممرضين وصيادلة وأطباء ليس لديهم المعلومات الكافية عن التبغ المسخن.
ويمكن أن نختم التقرير بنصيحة وفقًا لما ورد في موقع «مايو كلينك» الطبي: إذا كنت مدخنًا، ننصحك بالإقلاع عنه. اسأل طبيبك عن الأدوية ووسائل الاستشارة المعتمدة (شخصيًا أو عبر الإنترنت أو عبر الهاتف) لمساعدتك على الإقلاع عن التدخين. إذ لم يثبت أن منتجات التبغ المُسَخَّن تساعد في الإقلاع عن التدخين».