يمكن أن يستغرق الطريق إلى الشفاء والتعافي خلال رحلة العلاج من الإدمان سنوات طويلة، لا يقتصر إجهاد هذا الطريق وصعوباته على الشخص المدمن فقط، لكنه يشمل أيضًا شريكه وعائلته وأصدقاءه. عند دعمك شريك عاطفي أو أحد أفراد الأسرة ممن يُعانون من إدمان الكحول أو غيره من المخدرات، من المهم جدًا أن تتعرف إلى بعض المعايير في التعامل مع هذا الأمر، أولها وأهمها أن تحرص على سلامتك.
الحرص على سلامتك يتم من خلال إجراء متوازن يتمثل في تقديم الدعم لشريكك في التنقل بين خيارات العلاج والوصول إلى الشفاء والتعافي، دون أن تغفل ما تحتاج إليه في الوقت نفسه لكي تكون سعيدًا وسويًّا.
لذلك يجب التعرف إلى الطرق الصحية والسلوكيات الصحيحة عند التعامل مع شريكك المدمن، وهذا ما نستعرضه في السطور التالية.
دليلك الشامل للتعامل مع الشريك المدمن
هناك بعض النصائح التي يُمكنك اتباعها من تقديم الدعم لشريكك، دون أن تُهمل صحتك النفسية، ودون أن تدخل أيضًا في دائرة من المُعاناة بسبب هذه العلاقة، ومنها:
-
أنت تتعامل مع شخصٍ لا تعرفه
عندما يدمن شريكك، يختفي الشخص الذي تحبه، على الأقل حتى يُشفى من سيطرة الإدمان عليه. لذا يجب أن تدرك أن الشخص الذي تحبه ما زال موجودًا في مكان ما، لكن هذا ليس هو الشخص الذي تتعامل معه الآن.
الشخص الذي كنت تتعامل معه قبل أزمة الإدمان ربما كان دافئًا ومُضحكًا وسخيًا وحكيمًا وقويًّا، لكن الإدمان يغير الناس. هذا ما يجعل من السهل الوقوع فريسة سهلة للتلاعب والأكاذيب والخيانة مرارًا وتكرارًا، أنت تتعامل مع الشخص الذي كان، ولكن من أمامك الآن ليس هذا الشخص، كلما تمكنت من قبول هذا، بدأت في العمل من أجل مُساعدة الشخص الذي تحبه.
-
ضع حدودًا ولا تسمح بتجاوزها
من المهم وضع قواعد أساسية لعلاقتك، هذا في العموم وهو أمر صحي في العلاقات، لكن يكون للأمر أهمية خاصة عندما يكون شريكك يعاني فعليًّا من اضطراب تعاطي المخدرات.
يجب تحديد الحدود بوضوح، مثل تحديد التوقعات التي تنتظرها، والقواعد التي تسير على أساسها في العلاقة، بحيث يعرف كلا الطرفين السلوكيات المقبولة وغير المقبولة.
هذا الأمر بإمكانه أن يساعدك على تجنب الشعور بالإحباط، أو الغضب باستمرار من سلوك شريكك، أو الغضب من استغلالك ماليًّا، أو التلاعب بك عاطفيًّا، عدم وضع القواعد والحدود يتركك فريسة للغضب والتلاعب العاطفي، مما يجعلك عاجزًا في النهاية عن مواجهة اضطراب تعاطي المخدرات الذي يمر به شريكك.
وضع الحدود يحمي صحتك الشخصية، ومن المرجح أن يساعدك على ضمان رضائك عن العلاقة أيضًا، بعض الأمثلة على الحدود التي يمكن الاتفاق عليها مُقدمًا من خلال المناقشة مع شريكك المدمن تشمل:
- لا الكحول ولا المخدرات مسموح بها في المنزل.
- لا يُسمح بتواجد الشريك في المنزل عندما يكون تحت تأثير المخدر.
- لا يُسمح باستقبال الأصدقاء الآخرين الذين يتعاطون المخدرات معه في المنزل.
- عدم اقتراض الأشياء، مثل المال سواء للطعام، أو الإيجار، أو الكفالة، أو أتعاب المحاماة.
-
اعتنِ بنفسك كي تستطيع العناية بشريكك
يجب الاعتناء بنفسك أولًا قبل مساعدة الآخرين، لن تتمكن من مساعدة شريكك المدمن إذا لم تتمكن من مساعدة نفسك، حاول المواظبة على إجراءات الرعاية الذاتية الخاصة بك قدر الإمكان، مثل القيام بالأنشطة والهوايات التي تُفضلها، رؤية المُقربين منك والتواصل معهم والحديث إليهم، القيام بأنشطة جديدة ومُختلفة عمّا اعتدت عليه لتجديد النشاط والطاقة، تلبية الاحتياجات الأساسية مثل اتباع نظام غذائي صحي والحصول على قسط كافٍ من النوم.
-
علم نفسك
خطوة أولى مهمة في مساعدة شريكك هي فهم تعاطي المخدرات، وما الذي يعنيه؟ وكيف يُصبح الشخص الذي يقوم بالتعاطي هكذا؟ كما يجب التعرف إلى طريق الشفاء والتعافي من هذه الأزمة.
تثقيف نفسك يُمكنك من اتخاذ قرارات مستنيرة وحكيمة، ويجعلك أيضًا مستعدًا ومُجهزًا بالمعلومات عندما يُقرر شريكك أنه مستعد لطلب المساعدة.
من الأشياء الأساسية التي يجب أن تتعلمها:
- التعرف إلى علامات الجرعة الزائدة.
- التعرّف إلى التأثيرات البيولوجية، والتأثيرات التي تُحدثها المواد المُخدرة في المخ.
- التعرّف إلى التأثيرات البيئية في حالة شريكك، مثل مُثيرات التعاطي، والأصدقاء من المدمنين، ومدى توافر المواد المُخدرة.
- التعرّف إلى مسارات العلاج المُختلفة والمُتنوعة، ومتابعة آخر الأبحاث في علاج الإدمان، ومساعدة الناس على التعافي.
- التعرّف إلى المصطلحات واللغة المناسبة للتواصل مع شريكك، والتي تتجنب الوصم، لتحسين التواصل ومعالجة حالة شريكك المدمن بطريقة موضوعية وبناءة.
-
طلب المُساعدة والمشورة المُتخصصة
مع الخجل والوصمة الاجتماعية التي ترافق الإدمان، يُفضل شريكك المدمن ألا يعرف أمره أحد، ويُفضل أن يكون سريًّا ومعزولًا بشكل مُتزايد.
وهنا يأتي دورك في طلب المساعدة والمشورة الخارجية في وقت مبكر، يُمكنك التحدث مع أشخاص آخرين مرّوا بهذه الأزمة وتعافوا منها، مرورهم بالتجربة يجعلهم مُتفهمين لما تُعانيه، يمكن أيضًا طلب المساعدة من متخصصي علاج الإدمان، عند طلب المساعدة، فهناك العديد من الخيارات المُختلفة المُتاحة، مثل:
- دعم الأقران: مجموعات دعم الأقران هي علاقات منظمة تعمل على إشراك وتثقيف ودعم الأسرة والأصدقاء الذين تأثروا من تعاطي أحد أفراد أسرهم، يمكن أن تكون مجموعات دعم الأقران موردًا مهمًا لتجنب مشاعر العزلة لدى الشخص المدمن، كما أنه يوفر لشريكه أشخاصًأ آخرين يرتبطون بواقعه، ويمكن من خلال هذه المجموعات مُشاركة القصص الشخصية، والتواصل، والحصول على الإرشاد والدعم.
- المساعدة الاحترافية: وهي التي تتم من خلال المهنيين المُدربين في مجال الإدمان، والذين يكونون على خبرة ودراية بالطرق المُجربة لمساعدتك على التعامل مع الأمر، كما يمكنك تجربة العلاج الأسري، أو علاج الزوجين السلوكي، ولكن ضع في اعتبارك أن شريك حياتك قد لا يكون مستعدًا للذهاب، إذا حدث ورفض الذهاب، فلا تتردد في البحث عن خدمات المُعالجين لنفسك، مثل الحصول على استشارة نفسية، فيمكن أن تكون هذه طريقة مُفيدة للتخلص من التوتر، والتحدث إلى شخص يمكنه مساعدتك على التعامل بشكل أفضل في علاقتك.
- التدخل التكنولوجي: هناك نمو سريع في الخدمات عبر الإنترنت، ومنها خدمات دعم التعافي من الإدمان، يمكنك حضور اجتماعات دعم الأقران عبر الإنترنت، وطرح الأسئلة في منتديات مجانية على الإنترنت مثل «Allies in Recovery»، كما يُمكنك تنزيل تطبيقات الهاتف التي تُقدم خدمات يمكنك من خلالها التحدث إلى المحترفين المُرخصين.
-
راقب الاضطرابات الأخرى التي قد يعاني منها شريكك
الاعتلال المُشترك هو حدوث اثنين أو أكثر من الاضطرابات أو الأمراض للشخص نفسه، ووفقًا لـ«المعهد الوطني لتعاطي المخدرات (NIDA)»، فإن احتمال تشخيص المرض العقلي يتضاعف بالنسبة للأفراد الذين يُعانون من اضطراب تعاطي المخدرات.
قد يكون شريكك أكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق، وقد يكون مُستعدًا للتحدث معك، أو مع مختص عن شعوره بالاكتئاب والقلق، أكثر من استعداده للتحدث عن الإدمان والتعاطي، يمكن أن تكون هذه فرصة مُناسبة لمُساعدته، وحصوله على نوع من المساعدة التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تغييرات إيجابية في الأزمة الأساسية، وهي تعاطي الكحول، أو المخدرات.
-
جرّب المكافآت الفورية
تؤثر اضطرابات استخدام المواد المخدرة في الأداء البيولوجي، وتهيمن على نظام المكافآت في الدماغ، وتؤثر في التنظيم العاطفي، والتحفيز، والتحكم في الدافع، إذ يعتمد الدماغ والجسم على مادة خارجية لخلق مشاعر السعادة والرفاهية، لذلك خلال طريق العلاج يكون من المُرجح ظهور السلوكيات القهرية والحاجة إلى المكافأة السريعة.
تُشير الأبحاث إلى أنه نتيجة لهذه التغييرات في الدماغ، قد تكون المكافآت الفورية وسيلة أكثر فاعلية للتعامل مع شريك حياتك في مراحل العلاج، فبدلًا من التخطيط للحوافز طويلة الأجل مثل العطلة في العام التالي، حاول التخطيط لمكافآت فورية صغيرة كل يوم، فلقد ثبت أن سرعة واتساق المكافآت الإيجابية لأي حركة في اتجاه صحي، مثل المواظبة على العلاج وحضور جلسات الدعم وغيرها، من المُمكن أن تُشكل داعمًا للسلوك الإيجابي لدى الأفراد المدمنين؛ مما يُزيد من احتمالات الشفاء.
-
كن صبورًا
توقع الشفاء، لكن كن مستعدًا لحدوث الانتكاس، على الرغم من تحقيق البعض للشفاء على المدى الطويل في محاولتهم الأولى، إلا أن البعض الآخر قد يستغرق عدّة محاولات على مدى عدّة سنوات. هنا يجب المُحافظة على الأمل والإصرار على تحقيق الهدف، وإدراك أنه في النهاية فاضطراب تعاطي المُخدرات هو اضطراب يمكن لغالبية الناس الشفاء والتعافي منه.
كيف يمكن للحب والرحمة أن يساعدا في دعم الشريك المدمن؟
قد يُقال إن البقاء مع الشريك المدمن قد يساعده على الاستمرار في سلوكه المُدمر، وأن أفضل شيء يمكن فعله هو الابتعاد عن العلاقة تمامًا، أو ممارسة الحب القاسي، والذي يجعلك تسمح لنفسك بتعنيف وإهانة الشخص الآخر لأنك تريد صالحه.
قد يشعر الشركاء وأفراد الأسرة بالقلق حيال فعل أي شيء لطيف مع أحبائهم الذين يُعانون من الإدمان؛ خشية تشجيعهم على سلوكهم المُدمر، ولكن على النقيض من هذا أظهرت الأبحاث أن وجود الشركاء واستمرارهم في العلاقة وعدم الانفصال يمكن أن يلعب بالفعل دورًا مهمًا في مساعدة شريكهم على التغيير.
يوصي العديد من الخبراء اليوم بمشاركة الشركاء والأسر في عملية العلاج، كما يتم الآن تشجيع العائلات والشركاء على فعل ما في وسعهم لمساعدة شريكهم في الوصول إلى طلب المساعدة، حتى وإن لم يرغب الشريك في هذا.
تقول ديبرا جاي، خبيرة التدخل في علاج الإدمان، ومؤلفة كتاب «الحب أولًا: دليل الأسرة للتدخل»، أن الفكرة السائدة بأنه لا يمكنك مساعدة مدمن حتى يريد هو المساعدة، تجعل الإدمان يتحكم فيه ويُسيطر عليه أكثر، فإذا لم تقوم بدورك في إقناع المدمن بطلب المساعدة، فما الذي سيجعله يريد المساعدة من الأساس؟
تُضيف ديبرا جاي أنه وعلى الرغم من كون الأحباء لا يمكنهم تغيير شريكهم المدمن، إلا أن هناك أشياء يمكنهم تغييرها في أنفسهم، والتي ستعود بالفائدة علىهم وعلى الشريك وعلى العلاقة بينهما، مثل أن تصبح أكثر تعاطفًا مع من تحب، فالتعاطف هو مفتاح مساعدة شخص يُعاني من مشكلة الإدمان، والأهم من ذلك، هو أن تتعلم كيف تعتني بأحبائك دون التغاضي أو دعم السلوك الذي لا تريده.
وبسؤال رضوى سليم، إخصائية الصحة النفسية عما قد يعنيه الدعم للشريك المدمن، قالت لـ«ساسة بوست»: «أن تستمر مع شريك حياة مُدمن هو قرار ليس بالسهل أبدًا على أي حال، ومن يُقرر أنه لن يستطيع الاستمرار مع هذا الشخص الذي يُعاني من هذه الأزمة لا يجب لومه، أو تحميله أزيد مما يحتمل، هذا القرار بالاستمرار أو عدمه من الأساس يحتاج إلى الكثير من الصدق مع النفس، يحتاج إلى أن تعترف بقدراتك ومدى صبرك».
تُضيف رضوى: «عليك أيضًا ألا تُبالغ أو تُقرر العيش في دور التضحية والبطولة، لأنك في النهاية ستعيش حياة كاملة بها الكثير من التفاصيل، وعليك أن تتحلى خلالها بالكثير والكثير من الصبر وقوة التحمل، وإذا كان كل ما يُحركك هو الرغبة في البطولة فلن يكون هذا وقودًا كافيًا أبدًا ليجعلك تمضي في هذه الرحلة، وتخرج منها مُنتصرًا أنت وشريكك، هذا وقود بالكاد يكفيك للسير قليلًا، ثم ستقع بعدها، لذا يلزمنا الكثير من الصدق، وتقييم قُدراتنا بإنصاف، ودون مُبالغة، قبل أخذ هذا القرار الصعب».
إلى جانب الصدق مع النفس وفي تقييم القدرات يقول عادل لبيب، إخصائي الصحة النفسية لـ«ساسة بوست»: «الاستمرار في هذا النوع من العلاقات يحتاج إلى ثلاثة أمور: أولها هو أن يكون هناك رصيد كبير من الحب، ثانيًا أن يكون هناك رصيد كبير أيضًا من الأحداث الطيبة والمواقف الجيدة التي مرّ بها الشريكان قبل هذه الأزمة، وأخيرًا أن يكون هناك رغبة لدى الشريك أن يُكمل حياته مع هذا الشخص الذي يُعاني من أزمة الإدمان، ويرى مُستقبلهما مُشرقًا وباسمًا بعد تخطيهما لهذه الأزمة سويًا.
ويضيف لبيب: «ثلاثة أنواع من المشاعر يجب توافرها، واحد مُتعلق بالماضي الطيب والذكريات الجميلة، والثاني مُتعلق بالأمل في المستقبل والتفاؤل به مع هذا الشخص، والثالث هو شعور حالي، يعطيك القوة والصبر لتحتمل اللحظات الصعبة التي ستمر عليكما».
ويُضيف لبيب قائلًا: «هذه هي المشاعر التي تعطي القوة والصبر للخوض في هذه الرحلة الصعبة، وعند خوضها يجب أن يكون الشخص مُتسلحًا بالصبر تحسبًا لحدوث الانتكاسات، والحزم لأن هناك قرارات يجب أن يكون حازمًا فيها لأقصى حد، ويستطيع الوقوف في وجه الاستمالات العاطفية التي قد يستخدمها الشريك المدمن، والذي يجب استيعاب أنه ليس في حالته الطبيعية، وأن يكون العطف مُستخدمًا في محله، ولا يكون عاملًا لازدياد الأوضاع سوءًا، كل هذا يحتاج إلى الكثير من الوعي والدراسة والمعرفة للتعامل مع الوضع بكفاءة».