انخفاض الإمدادات النفطية الكندية بسبب الحرائق، وتعثر الإنتاج في ليبيا ونيجيريا وفنزويلا بسبب الاضطرابات، وانخفاض مخزونات النفط الأميركي؛ أسباب رئيسية أدت إلى وصول سعر البرميل الواحد من النفط إلى 50 دولارًا قبل نحو أسبوع، وذلك لأول مرة منذ شهور.
التفاؤل الحذر كما يوصف، ألقى بظلاله على الدول المنتجة والمستهلكة، فرغم تراجع الأسعار لبضع دولارات في البرميل لاحقًا، إلا أن توقعات ارتفاع سوق النفط ومن ثم استقراره عند مستوى 60 دولارًا للبرميل، من شأنه أن يلقي بظلال إيجابية على دول الخليج ودول منظمة أوبك، بينما يلقي بظلال سلبية على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي ضرب إنتاجه في السوق السوداء.
منظمة أوبك والخليج وانخفاض حدة الخلاف
سرعان ما أظهر ارتفاع سعر النفط تفاؤل مسؤولي «أوبك» بشأن سوق النفط، فدول المنظمة التي من غير المرجح أن تغير سياسة الإنتاج في اجتماع ثانٍ لها، في يونيو (حزيران) المقبل، وضعت ميزانياتها على أساس سعر للنفط أقل من 50 دولارًا.
لذلك يقضي استقرار سعر البرميل عند 50 دولارًا، بانعكاسات إيجابية على المنتجين والمصدرين على السواء، فهذا السعر ورغم أنه لن يعيد تلك الدول إلى الادخار، أو يخفف من سياساتها التقشفية المتخذة، إلا أنه سوف يوقف نزيف الخسائر لها، فعلى سبيل المثال يسبب توقف سعر البرميل عند 30 دولارًا خسائر لها تقدر بنحو 30% أو أكثر خلال العام الواحد.
يقول الخبير النفطي أنس الحجي، إن الأثر الأساس لارتفاع أسعار النفط على دول أوبك والخليج، «يتمثل في أن حدّة الخلاف بين هذه الدول ستنخفض»، لكنه يستدرك: «المشكلة أن الأثر السلبي لانخفاض الأسعار في دول الخليج أكبر بكثير مما يمكن تعويضه بسعر 50 دولارًا للبرميل، لذلك فإنه يتوقع أن يستمر العجز في الموازنات، وأن تستمر عمليات التقشف وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي».
وأشار أنس حجي في حديثه لـ«ساسة بوست»، أن هذه الدول ستستمر بالسحب من الاحتياطيات النقدية والاستدانة، مُضيفًا: «يبدو أن هذه الدول لن تتوقف عن السحب من الاحتياطيات النقدية والاستدانة إلا عند بلوغ أسعار النفط مستوى 75 دولارًا للبرميل أو أكثر».
ارتفاع الأسعار يزيد من التضييق على إنتاج «الدولة الإسلامية»
من المعروف أن «تنظيم الدولة» بدأ بالتزامن مع سيطرته على المدينتين السوريتين الرقة ودير الزور، بتجارة النفط في حقول هذه المناطق، كان ذلك بداية العام 2013، ليصبح الآن بحسب المنتدى الاقتصادي السوري، مُسيطرًا على 80% من الحقول، إذ يسيطر التنظيم على 60 حقلًا نفطيًا من أصل 67».
اقرأ أيضًا: من يشتري نفط «الدولة الإسلامية»؟
مصادر عدة تؤكد تراجع قدرة التنظيم على الاستفادة من الثروة النفطية التي وقعت تحت يده، إذ لاقت جهود إضعاف منظومته النفطية نجاحًا في الأشهر الماضية، فاستهداف التحالف الدولي للمصافي النفطية والشاحنات التي تنقل النفط، وعجْز التنظيم عن إصلاح الأعطال، والاستعانة بالخبراء؛ أدت إلى تراجع إنتاج النفط الذي قدرت أمواله في خزينة التنظيم بنحو 500 مليون دولار، لذلك يُتوقع ألا يؤثر ارتفاع أسعار النفط على التنظيم؛ لأنه أصبح ينتج كميات قليلة تباع بأسعار منخفضة جدًا.
يؤكد الخبير النفطي رمضان أبو العلا لـ«ساسة بوست»، أن أحد مؤشرات ارتفاع أسعار النفط، هو تضييق الخناق على إمدادات النفط التي تأتي عن طريق السوق السوداء ومافيا البترول. وأضاف: «ارتفاع مؤشرات أسعار النفط يأتي بالتضييق على الكميات التي كانت تبيعها داعش في السوق السوداء».
يؤكد رمضان، الذي أبدى تخوفه من استمرار ارتفاع أسعار النفط، لأسباب سياسية وليست اقتصادية، على إيجابية ارتفاع الأسعار بعد انهيارها العام الماضي وبداية هذا العام، مُوضحًا: «هناك ميزانيات بنيت على أساس أن سعر برميل 40 دولارًا، وقفزه إلى 50 دولارًا يعني تزايد التداعيات الإيجابية على ميزانية هذه الدول».
إيران لن تثبت الإنتاج.. وروسيا تحقق التوازن
بسبب إصرار إيران على عدم تثبيت إنتاج النفط الخام، سرعان ما أطيح بارتفاع أسعار النفط إلى أقل من 50 دولارًا، إذ إن تخمة المعروض في الأسواق العالمية تسببت في هذا التراجع، فقد بلغت صادرات إيران من النفط – باستثناء مكثفات الغاز – مليوني برميل يوميًا، مع التوقع بأن تصل إلى 2.2 مليون برميل يوميًا بحلول منتصف هذا الصيف.
وتعمل إيران بكل طاقتها من أجل زيادة المعروض من النفط، وذلك بالتغلب على ما تسببت به العقوبات الدولية في الحد من إنتاجها النفط، فقد أعلن نائب وزير النفط الإيراني ركن الدين جوادي، لوكالة مهر للأنباء أن «بلاده لا تخطط لوقف زيادة إنتاج الخام وصادراته». وهو ما يعني تلاشي الأمل باتخاذ قرار مشترك بتثبيت إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من الخام خلال اجتماع للمنظمة في فيينا في الثاني من يونيو (حزيران) المقبل، واستمرار معركة تكسير عظام بين إيران ودول الخليج. لذلك فمع أن زيادة لها في الصادرات النفطية هي مكسب لها، وأي زيادة بالسعر هي مكسب لها أيضًا، إلا أن مشاكل إيران أكبر من أن يحلها ارتفاع أسعار النفطـ بسبب عدم التزامها بتثبيت الإنتاج لأسباب سياسية في المقام الأول.
وفيما يتعلق بروسيا التي توقعت أن يتراوح سعر النفط بين 45 و50 دولارًا للبرميل، سيُمكنها وصول النفط إلى ما فوق 45 دولارًا من تحقيق توازن في سوق النفط العالمية، إذ إن انخفاض أسعار النفط العالمية إلى أقل من 40 دولارًا للبرميل مقارنة بمستوياتها فوق 115 دولارًا في حزيران (يونيو) 2014، عَرَّض موازنة روسيا العامة للخطر.
وتستبشر روسيا بأن يؤدي اجتماع كبار المنتجين في الدوحة، إلى تثبيت إنتاج النفط، ومن ثم تسريع وتيرة استعادة التوازن بين العرض والطلب على الخام؛ ليتحقق التوازن قبل نحو نصف عام من الموعد المتوقع. إذ سجل إنتاج روسيا الشهر الماضي أعلى مستوى له في 30 عامًا فبلغ 10.91 مليون برميل يوميًا. وتسعى روسيا إلى تنفيذ المزيد من المشاريع لتنظيم الإنتاج، خاصة أنها أصبحت أكبر مورد للنفط الخام للصين للشهر الثاني في العام الحالي، وسجلت مستوى قياسيًا مع استمرار الطلب القوي من المصافي المستقلة.
إنتاج النفط الصخري يتعافى
واحد من أبرز الأسباب التي عُدَّت محركًا مباشرًا إلى تجاوز سعر النفط 50 دولارًا للبرميل الواحد لأول مرة منذ سبعة أشهر، هو انخفاض مخزونات النفط الأمريكي إلى أقل من المتوقع. فحسب وزارة الطاقة الأمريكية انخفضت مخزونات الولايات المتحدة التجارية من النفط الخام بمقدار 4,2 مليون برميل في الأسبوع حتى 20 مايو (أيار).
فما أن أُعلن عن وصول سعر برميل النفط إلى 50 دولارًا، حتى ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنحو 90 بالمئة، فصعود الأسعار حفز المنتجين لاستئناف عمليات تم وقفها لا سيما شركات النفط الصخري بالولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يضخم الإمدادات من النفط الصخري ويفضي إلى تراجع كبير في سعر النفط، لأن ارتفاع الأسعار يقضي بتعافي إنتاج النفط الصخري.
يذكر أن «جولدمان ساكس» توقعَ تداول أسعار النفط عند مستوى يتراوح بين 50 إلى 60 دولارًا للبرميل خلال الفترة حتى عام 2020، بسبب تحسن إنتاجية النفط الصخري، وتواصل قوة المعروض من قبل منظمة «أوبك»، كما أن البنك الأمريكي أشار في مذكرة بحثية إلى أنه لا يزال يمتلك توقعات انكماشية لأسعار النفط على المدى البعيد، بفعل رفع تقديرات إمدادات دول «أوبك»، وإنتاجية النفط الصخري.