في يونيو (حزيران) الماضي، اقترحت قطر، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك OPEC»، على دول المنظمة عقد اجتماع تشاوري لتبادل وجهات النظر، على هامش منتدى الطاقة الدولي الذي كان مقررًا عقده بين 26 و28 سبتمبر (أيلول) الجاري في العاصمة الجزائرية.

وبناء على الاقتراح القطري، توجه ممثلو الطاقة لأربع عشرة دولة هم الأعضاء في أوبك، إلى الجزائر العاصمة، وعُقد اجتماع غير رسمي لطرح الآراء يوم الأربعاء الماضي الموافق 28 سبتمبر (أيلول).

قبل هذا الاجتماع بعدة أيام صرح الأمين العام لأوبك «محمد باركيندو» إن الاجتماع غير الرسمي، الذي سيعقده أعضاء المنظمة في الجزائر سيكون «تشاوريًا، ولن يؤدي إلى اتخاذ قرارات».

أوبك OPEC

جدير بالذكر إن أوبك هي منظمة حكومية دولية ودائمة، تأسست في مؤتمر بغداد في سبتمبر (أيلول) عام 1960، من قبل كل من إيران، والعراق، والكويت، والسعودية، وفنزويلا.

وعلى مدى السنوات الماضية؛ ارتفع عدد الأعضاء حتى وصل إلى 14 دولة الآن، وهم: الجزائر – قطر – العراق – الكويت – السعودية – الأمارات – ليبيا – إيران – فنزويلا – الإكوادور – الجابون – نيجيريا – أنجولا – إندونيسيا.

وتهدف أوبك إلى تنسيق وتوحيد السياسات البترولية بين الدول الأعضاء، من أجل الحصول  على أسعار عادلة ومستقرة لمنتجي النفط، وتزويد الدول المستهلكة بإمدادات منتظمة، وضمان عائد عادل على الذين يستثمرون في هذه الصناعة.

عقد الاجتماع يوم الأربعاء الماضي، ولم يكن متوقعًا اتخاذ أية إجراءات أو الاتفاق على قرار لوضع سقف للإنتاج، لطالما فشلت جهود المنظمة في اتخاذه على مدار أكثر من عامين ماضيين حيث تهاوت أسعار النفط بأكثر من 50% من أسعارها التي كانت عليها من قبل ذلك.

كانت الآمال ضئيلة في هذا الاجتماع، وسط أجواء سالفة من التوتر وإصرار العديد من الدول وخاصة إيران على رفض وضع سقف للإنتاج حتى تستعيد إنتاجها الذي قلصته لسنوات أثناء العقوبات الغربية. حيث تنتج إيران الآن حوالي 3.6  مليون برميل يوميًا، وتأمل في الوصول إلى إنتاجها السابق قبل العقوبات وهو  أربعة ملايين برميل يوميًا.

فيما كانت السعودية تشترط أن تلتزم جميع الدول بوضع سقف للإنتاج، حتى تلتزم به أيضًا.

مما أدى إلى إصابة الأسواق بتخمة في المعروض النفطي، ساعدت على انخفاض الأسعار إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل في بداية العام الجاري.

ولكن قبيل الاجتماع أتى تصريح وزير الطاقة السعودي «خالد الفالح» ليحيي الآمال هذه المرة في تحقيق اتفاق لأوبك، حيث قال يوم الثلاثاء قبل الاجتماع، إنه ينبغي السماح لإيران ونيجيريا وليبيا بالإنتاج «بالمستويات القصوى المعقولة» في إطار أي اتفاق على تحديد سقف للإنتاج.

ويعني هذا التصريح إن السعودية قد تراجعت عن تشنجها ضد إيران خصوصًا، وقررت الاعتراف أخيرًا لهذه الدول بأحقيتها في رفع إنتاجها حتى في ظل اتفاق لسقف الإنتاج بين باقي الدول ومنها السعودية نفسها.

وتأتي هذه الدول تحديدًا لكونها أُجبرت على تخفيض إنتاجها لسنوات إما بسبب عقوبات كإيران أو اضطرابات وظروف سياسية داخلية مثل ليبيا ونيجيريا. في حين كانت تتمتع باقي الدول بظروف تمكنها من الوصول لأقصى إنتاج، وخصوصًا بعد دخول النفط الصخري إلى المنافسة بقوة، مما شكل تهديدًا لحصة الدول المنتجة للنفط. حيث صرحت السعودية في أكثر من مناسبة إنها لن تخفض إنتاجها رغم تخمة المعروض النفطي.

وربما يشير هذا التراجع الإستراتيجي في الموقف السعودي، إلى تقارب إيراني سعودي محتمل في الفترة المقبلة.

اتفاق لأول مرة منذ ثماني سنوات

نجحت أوبك في اجتماع الأربعاء في العاصمة الجزائرية في تحقيق اتفاق تاريخي على تخفيض الإنتاج، في أول اتفاق من نوعه منذ العام 2008، حيث تم الاتفاق على تخفيض الإنتاج إلى مستوى يتراوح بين 32.5 و33 مليون برميل يوميًا.

قال وزير النفط الإيراني «بيجن زنغنه»: «اتخذت أوبك قرارًا استثنائيًا اليوم… فبعد سنتين ونصف السنة توصلت أوبك إلى توافق على إدارة السوق».

وأضاف: «قررنا خفض الإنتاج بنحو 700 ألف برميل يوميًا».

يُذكر إن الإنتاج الحالي لأوبك يُقدر بنحو 33.24 مليون برميل يوميًا.

وقبل عام تخلت أوبك عن سياستها في وضع سقف للإنتاج، وبهذا الاتفاق فإنها تعيد دورها التاريخي في وضع سقف للإنتاج.

وتركت أوبك تحديد مستوى الإنتاج لكل دولة خلال الاجتماع الرسمي القادم الذي سيعقد في مقر المنظمة في فيينا يوم 30 نوفمبر القادم، ومن الممكن أن يتم دعوة منتجين مستقلين للنفط مثل روسيا للمشاركة والانضمام إلى قرار تخفيض الإنتاج.

ومن المقرر أن تخفض السعودية إنتاجها إذا ما نُفذ هذا الاتفاق إلى نحو 10.2 مليون برميل يوميًا، بانخفاض حوالي نص مليون برميل يوميًا.

وسوف يتم تشكيل لجنة عليا خاصة لتحديد مستويات الإنتاج التي يمكن تطبيقها على كل بلد، وستقوم هذه اللجنة على التشاور مع الدب الروسي ثاني منتج للنفط في العالم على المشاركة في جهود إعادة التوازن لأسواق النفط العالمية بعد التدهور الأخير.

وعن التوجه الروسي حيال تخفيض الإنتاج عمومًا، فقد عبرت موسكو من قبل عن تأييدها لتجميد إنتاجها عند مستوياته القياسية التي وصل إليها في شهر سبتمبر (أيلول).

وفي غضون ذلك، نقلت وكالة تاس للأنباء عن وزير الطاقة الروسي «ألكسندر نوفاك» قوله اليوم الجمعة إن موسكو ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تجريان حوارًا نشطًا لمناقشة تثبيت إنتاج النفط.

عقب الاتفاق غير المتوقع لدول أوبك، عبر وزير الطاقة الجزائري «نورالدين بوطرفة» عن ارتياحه لهذا الاتفاق مؤكدًا إن: «أوبك اتخذت  اليوم قرارًا تاريخيًا». وأضاف إن «قرار أوبك يسمح بالمنظمة باستعادة وظيفة (المرابقة) للسوق النفطية، وهي الوظيفة التي فقدتها منذ مدة طويلة… وإن هذا القرار اتُخذ بالإجماع ومن دون تحفظ».

وعلى إثر هذا الاتفاق، قفز سعر خام برنت وهو المؤشر الرئيسي لسعر النفط، بأكثر من 5% ليصل سعر النفط إلى 49 دولارًا للبرميل.

شكوك حول تنفيذ الاتفاق

ولكن هناك بعض الشكوك حول عدم قدرة أوبك خلال الاجتماع الرسمي القادم، على إتمام هذا الاتفاق، بسبب الغموض الذي ينتاب طريقة تطبيق خطة تقليص الإنتاج على الدول.

فيقول «مايكل مكارثي» كبير محللي السوق لدى سي.إم.سي ماركتس في سيدني، في حديثه لوكالة رويترز: «المستثمرون والمتعاملون متشككون، ولسبب وجيه، المتعاملون الأميل للسخرية يتساءلون عن الغياب الكامل للتفاصيل وعن الإشكال المحتمل المتعلق بأي الدول ستخفض الإنتاج».

وبسبب هذه الشكوك، فقد انخفضت الأسعار مرة أخرى يوم بالأمس الخميس، حيث انخفض خام برنت 17 سنتًا ليسجل حوالي 48.5 دولارًا للبرميل.

ومن المتوقع أن تنجح أوبك مع روسيا، في تطبيق هذا الاتفاق، لتعزيز الأسعار، حيث إن معظم هذه الدول تعاني من عجز في موازينها العامة بسبب انخفاض الأسعار، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات العامة لهذه الدول، وهو ما سبب تحقيق هذا العجز.

وقد دفع ذلك بعض الدول مثل؛ السعودية والكويت والإمارات إلى تخفيض إنفاقها الحكومي، وفرض وزيادة معدلات الضرائب.

وبالتالي هناك رغبة حقيقية لدول أوبك وروسيا المنهكة على مدار أكثر من عامين بسبب انخفاض الأسعار الكبير، في تعزيز الاتجاه نحو أسعار أكثر عدًلا.

تهديد قد يعرقل الاتفاق

إلا إن الخطر الوحيد الذي يهدد هذا الاتفاق، لا يأتي من بين دول أوبك أو روسيا بقدر ما يأتي من ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في العالم وهي الولايات المتحدة، فالنفط الصخري للولايات المتحدة يمثل الهاجس الأكبر للدول المنتجة للنفط، حيث إن تخفيض الإنتاج من قبل هذه الدول، ربما يقابله ارتفاع في إنتاج النفط الصخري بما يؤدي إلى نتائج عكسية لدول أوبك.

حيث يتمكن النفط الصخري من الاستحواذ على الحصة المنخفضة للدول المنتجة للنفط، بالإضافة إلى العمل على فشل إستراتيجية رفع الأسعار عن طريق تخفيض الإنتاج.

فالأسعار ترتفع عند تخفيض المعروض النفطي، ولكن في حالة تعويض هذا الانخفاض بالنفط الصخري الأمريكي، فلن ترتفع الأسعار.

قال مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لشئون الطاقة «آموس هوكستاين» في مقابلة مع رويترز بالأمس الخميس أي عقب اجتماع أوبك بيوم، إنه لا يعتقد إن اتفاق أوبك سيرفع أسعار الخام العالمية لفترة طويلة بسبب طفرة أنشطة الحفر الأمريكية وتحسن كفاءة الطاقة على مستوى العالم بما يعني إن أسعار الطاقة لن تتأثر بخفض الإنتاج.

وقال: «لاأعتقد أن ذلك سيفلح». فمع مرور الوقت سيؤدي ارتفاع الأسعار الناجم عن هذه الخطة إلى زيادة كبيرة في الإنتاج الأمريكي بما يدفع الأسعار للهبوط بسبب تخمة المعروض أو يزيد حصة المنتجين الأمريكيين في السوق.

وأضاف هوكستاين: «كلا الأمرين سيأتي بنتيجة عكسية على أوبك».

الإشكالية هنا إن شركات النفط الصخري تنشط وقت ارتفاع الأسعار، حيث تنخفض تكاليف الاستخراج بسبب الاستفادة من الارتفاع في الأسعار، وعلى العكس من ذلك، فحينما تنخفض الأسعار تتوقف بعض شركات الحفر بسبب ارتفاع التكاليف.

ولكن مع مرور الوقت، زادت قدرة هذه الشركات بسبب التقدم التقني، على الاستخراج بتكاليف أقل، وهو ما يمكنها من العمل حتى في ظل أسعار متدنية للنفط.

وتأتي المملكة السعودية، أول منتج للنفط في العالم بالتناوب أحيانًا مع الدب الروسي، تأتي قي صدارة الدول التي تخشى من فقد حصصها في السوق العالمي بسبب النفط الصخري. ما دفعها إلى الوصول بالإنتاج إلى أقصاه في الصيف الماضي حيث وصل إنتاجها إلى 10.7مليون برميل يوميًا لتسجل رقمًا قياسيًا جديدًا في إنتاجها من النفط.

بينما تزيد التوترات بين السعودية والولايات المتحدة بعد تمرير الكونجرس الأمريكي قانونًا يسمح لمتضرري أحداث 11 سبتمبر من مقاضاة السعودية. وهو ما يكثف من صراع النفط أيضًا.

عرض التعليقات
تحميل المزيد