قديمًا، قبل اختراع الثلاجات والتوصل إلى حفظ الطعام من خلال التبريد والتجميد، كان القدماء أيضًا يحتاجون إلى حفظ أطعمتهم، خاصةً الأطعمة التي كانت توجد فقط في مواسم معينة، بالإضافة إلى احتياجهم لحفظ اللحوم والأسماك دون أن تتعرض للتلف لتناولها في فصل الشتاء عندما يتعذر الخروج للحصول على الطعام أو أثناء سفر المسافات الطويلة.

وعليه، جرى استخدام عدد من تقنيات حفظ الطعام لزيادة العمر الافتراضي للأطعمة. والمقصود بعملية حفظ الطعام هو إجراء عملية معالجة للأطعمة بطريقة تمنع التلف الذي تُسببه الكائنات الدقيقة، جدير بالذكر أن بعض تقنيات حفظ الطعام لم تكن تحافظ على الأطعمة من الفساد فقط، بل كانت تعمل على تعزيز النكهة أيضًا. وفي السطور التالية نتعرف على بعض هذه الطرق.

1- التجفيف: أقدم طرق حفظ الطعام التي عرفها الإنسان

يُعدّ تجفيف الطعام من أقدم طرق حفظ الطعام، عن طريق خفض أو سحب الرطوبة من الأطعمة، مما يجعلها خفيفة الوزن وسهلة التخزين والأهم من ذلك؛ صالحة للاستخدام لفترة أطول. ويؤدي التجفيف بشكل أساسي إلى سحب الرطوبة من الطعام، ما يعمل على إزالة الوسط الملائم الذي تنمو فيه البكتيريا والعفن والخميرة، فيمنع فساد الطعام.

تُشير الدلائل إلى أن الشرق الأوسط والثقافات الشرقية جففت الأطعمة منذ 12 ألف عام قبل الميلاد. ثم انتقل إلى الثقافات اللاحقة، حتى أصبح لكل منها أطعمة خاصة تهتم بحفظها عن طريق التجفيف.

Embed from Getty Images

وجميع الطرق المختلفة لحفظ الطعام من التلف تعتمد بشكل أساسي على إبطاء نمو الميكروبات، ويفعل التجفيف ذلك بشكل أفضل، إذ تحتاج الكائنات الحية الدقيقة إلى قدر معين من الرطوبة لنقل العناصر الغذائية والفضلات من وإلى خلاياها. فبدون ماء، تذبل الميكروبات وتموت، أو على الأقل يهدأ نشاطها بدرجة كبيرة، كذلك يمنع التجفيف نشاط الأكسدة والإنزيمات، وهو أحد التفاعلات الطبيعية للهواء وجزيئات الطعام التي تسبب تغيرات في النكهة واللون.

الآن، ما زال يمكننا استخدام التجفيف جنبًا إلى جنب مع تقنيات حفظ الطعام الأخرى مثل التجميد أو التعليب، مما يجعل عملية حفظ الطعام أفضل. لكن قديمًا، كان تجفيف الطعام واحدة من الطرق الأساسية لحفظ الطعام قبل اختراع الثلاجات. فقد مارس المستوطنون الأمريكيون الأوائل تجفيف الطعام باستخدام القوى الطبيعية للشمس والرياح، وتُعد الأطعمة المُجففة مصادر جيدة للطاقة السريعة والتغذية الصحية، لأن الشيء الوحيد الذي يُفقد أثناء طريقة الحفظ هذه هو الرطوبة.

2- التمليح: وسيلة حفظ اللحوم والخضروات والموتى أيضًا

يُعدّ حفظ الطعام بالملح ممارسة بشرية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل السجلات المكتوبة. فكان لحم البقر المقدد والمخللات والسلمون المدخن أمثلة للأطعمة الشائعة التي جرى حفظها باستخدام الملح. تُشير بعض التقارير إلى أن المصريين القدماء كانوا أول من أدرك قدرة الملح على حفظ الطعام من التلف، حيث يسحب الصوديوم الرطوبة المُسببة للبكتيريا من الأطعمة ويُجففها ويسمح بتخزين اللحوم وحفظها دون الاحتياج للتبريد لفترات طويلة من الزمن.

ولأن كل الكائنات الحية تحتاج إلى الماء ولا يمكنها النمو في غيابه، بما في ذلك البكتيريا التي يمكن أن تسبب تلف الأطعمة؛ يُستخدم الملح للحفاظ على لحم البقر المقدد من خلال إبقائه جافًا، كما أنه يمنع الزبدة من التلف بسحب الماء منها، تاركًا الدهون فقط.

في المحاليل عالية الملح، تتمزق العديد من الميكروبات بسبب اختلاف الضغط بين خارج الكائن الحي وداخله، ويمكن أن يكون الملح المرتفع سامًا أيضًا للعمليات الداخلية للميكروبات، مما يؤثر في الحمض النووي والإنزيمات. تم استخدام الملح مقترنًا مع طرق أخرى للحفظ، مثل التجفيف والتدخين. وفي الماضي، لم يقتصر التمليح على حفظ اللحوم فقط، فالمومياوات كانت مليئة بالملح أيضًا.

Embed from Getty Images

تضمنت إحدى طرق تمليح اللحوم ضغط الملح الجاف في قطع من اللحم، ثم وضع طبقات منه في وعاء (مثل البرميل) مع ملح جاف يحيط بكل قطعة بشكل كامل، وإذا جرى حفظ اللحوم بهذه الطريقة في الطقس البارد، سيؤدي هذا إلى إبطاء التحلل، وقد يستمر الطعام محفوظًا بهذا الشكل لسنوات. كما تم الحفاظ على الخضراوات من التلف عن طريق وضعها في طبقات من الملح ووضعها في وعاء قابل للغلق مثل الفخار الخزفي.

3- التدخين: طريقة لحفظ الطعام وإضافة نكهات مميزة أيضًا

يُعدّ التدخين أحد أقدم طرق حفظ الطعام، رُبما نشأت هذه الطريقة بعد فترة وجيزة من تطور الطهي بالنار. وقد استُخدمت طريقة التدخين لحفظ الطعام، نظرًا لأن الدخان يعمل مضادًّا للميكروبات ومضادًّا للأكسدة. حققت طريقة حفظ الطعام بالتدخين تطورًا في العديد من الثقافات، خاصةً تدخين الأسماك في الدول الإسكندنافية وشمال غرب أمريكا الشمالية. وخلال منتصف القرن العشرين، انخفض الاهتمام بتدخين اللحوم، بسبب انتشار المواد الحافظة الكيميائية، ثم انتعشت طريقة التدخين مرة أخرى في أواخر القرن بسبب رواج حركة الغذاء الطبيعي أو الصحي.

لم يكن التدخين طريقة القدماء لحفظ الطعام فحسب، بل كان أيضًا طريقة لزيادة استساغة الأطعمة من خلال إضافة نكهة، خاصة الأسماك ولحم البقر والخنزير. خلال هذه الطريقة، يتم تقطيع اللحم إلى شرائح رقيقة نسبيًا، ثم يتم غمرها لفترة وجيزة في محلول ملحي وتعليقها فوق نار كي تمتص نكهة الدخان أثناء تجفيفها. أحيانًا، كان يتم تدخين اللحوم بدون محلول ملح، خاصة إذا كان نوع الخشب المحروق له نكهة مميزة خاصة به، فخلال عملية تدخين الطعام من الضروري استخدام حريق من الخشب الصلب.

4- التخليل: طريقة حفظ الطعام التي تعود إلى عام 2400 قبل الميلاد

التخليل هو عملية حفظ المنتجات الصالحة للأكل في محلول حمضي، عادةً يكون من الخل، أو الملح. في الحالة الأخيرة، عادة، تُشير المخللات إلى المنتجات النباتية، لكن في بعض الأحيان يمكن تخليل الأسماك أو البيض أو اللحوم.

يُعتبر التخليل من ممارسات حفظ الطعام القديمة أيضًا، فيعتقد علماء الآثار أن سكان بلاد ما بين النهرين القدماء كانوا يخللون الطعام منذ عام 2400 قبل الميلاد، وفقًا لموقع متحف نيويورك للأغذية. بعد عدّة قرون من هذا التاريخ، بدأ تخليل الخيار في الهند للحفاظ عليه من الفساد لفترة طويلة وحمله على متن السفن خلال الرحلات.

خلال هذه الطريقة كان يتم غمر الخضراوات الطازجة والأطعمة الأخرى في محلول ملحي، وكانت هذه الممارسة شائعة إلى حد ما في أوروبا خلال العصور الوسطى وأن عمر تقنية التخليل أكثر من 4000 عام.

طعام

منذ سنة واحدة
تناولته كليوباترا للحفاظ على جمالها! تاريخ «المخلل» الذي بدأ قبل 4000 عام

تُصبح الفواكه والخضروات الطازجة طرية بعد 24 ساعة من تركها في محلول مائي وتبدأ عملية التخمير التي تحدث ببطء، عند إضافة الملح خلال هذه العملية يتم منع حدوث النشاط الجرثومي غير المرغوب فيه، مما يخلق بيئة ملائمة للتخمير المطلوب. بالإضافة إلى قدرة هذه الطريقة على حفظ الطعام الطازج لأشهر، فإنها أيضًا تضفي على الأطعمة نكهات قوية.

كانت طريقة حفظ الطعام بتخليله تتم من خلال غلي الأطعمة في خليط الملح، وكان يمكن أيضًا ترك المواد الغذائية في وعاء مفتوح أو حوض به محلول ملحي مُضافًا إليه النكهات المرغوبة لساعات وأحيانًا لأيام. في الخطوة التالية يتم وضع الطعام المخلل في مرطبان أو فخار أو أي حاوية أخرى محكمة الإغلاق.

5- حفظ الطعام بالعسل: السكر حصريًّا للأغنياء والعسل للجميع

لحفظ الفاكهة قديمًا، غالبًا ما كانت تُجفف، لكن الطريقة التي كانت تتمتع بمذاق أفضل، وفي الوقت ذاته تُحافظ على الفاكهة بعد انتهاء موسمها، كانت وضع الفاكهة في العسل. في بعض الأحيان، كان يتم غلي الفاكهة في خليط من السكر، لكن السكر كان مكلفًا، لذلك كان يستخدمه طهاة العائلات الأكثر ثراءً فقط. ولأن المحاليل التي تحتوي على نسبة عالية من السكر لها نفس تأثير المحاليل الملحية على الميكروبات، فأصبحت تُستخدم مادة حافظة للأطعمة، مثل المربى. وجرى استخدام العسل باعتباره مادة حافظة لآلاف السنين، ولم تقتصر هذه الطريقة على حفظ الفاكهة فقط؛ بل تم تخزين اللحوم في العسل في المناسبات أيضًا.

ويعود تاريخ استخدام العسل في حفظ الفاكهة إلى اليونان القديمة حيث كان السفرجل يُخلط بالعسل، ويجفف إلى درجة ما ثم يوضع بإحكام في الجرار، ثم قام الرومان بتحسين الطريقة عن طريق طهي السفرجل والعسل لإنتاج نسيج صلب.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد