ما بين شديد الحرارة وقارس البرودة، يتفاوت الطقس في جميع أنحاء العالم، وعلى مر التاريخ، سعى الإنسان للحماية من الظروف البيئية القاسية. وبالرغم من أن ظهور المدفأة الكهربائية ومكيف الهواء حديث نسبيًا، فإن هناك العديد من التجارب التي مهدت لظهورهما. في السطور القليلة التالية نتعرف على رحلة تكييف المنازل وتدفئتها من الماضي إلى الحاضر.
من كوريا إلى روما.. أول نظام تدفئة مركزية
ظهرت أبسط طرق التدفئة منذ القدم بالالتفاف حول النار، وكان الخشب أول وقود استخدم لإشعال النيران، بينما استخدمت بعض البلدان التي تحتاج إلى تدفئة أقل الفحم المصنوع من الخشب لقلة الدخان الناتج عن احتراقه.

حرق الأخشاب للتدفئة
هناك أدلة تشير إلى استخدام الكوريين نوعًا من التدفئة الأرضية أسموها «أوندول»، واعتمدت على حرق الأخشاب أسفل أرضية حجرية تمتص الحرارة وتنقلها إلى المنزل. ولكن كان أول تواجد مؤكد لنظام التدفئة المركزية في روما القديمة، فقد ابتكر المهندسون الرومان أول نظام تدفئة مركزية في القرن الأول الميلادي، وأطلقوا عليه اسم «هيبوكوست»، وكان وجوده مقصورًا على منازل الأشراف.
تكون نظام التدفئة من أنابيب مصنوعة من التراكوتا «طين محروق»، ومدفونة في الجدران أو أسفل أرضيات الفسيفساء لتوجيه الهواء الدافئ المنبعث من مدفأة الفحم أو الحطب الموجودة في قبو المنزل أو أي موقع مركزي لجميع الغرف المراد تدفئتها، ونشره في أنحاء المنزل. اختفى نظام هيبوكوست بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، واعتمد الناس على أنظمة بدائية للتدفئة كالتجمع حول النيران، أو ارتداء ملابس ثقيلة.
في العصور الوسطى اعتمدت التدفئة على الموقد، وفتحة بسيطة في منتصف السقف والتي تطورت على مر القرون لتصبح فتحة كبيرة جدًا تعلوها غطاء هرمي ترتفع مباشرة من الموقد. حسن المهندسون التصميم تدريجيً لتجنب تسرب الكثير من الحرارة عبر الغطاء، فركبوا ألواح معدنية في الغطاء العلوي لمنع الهواء الساخن من الهروب بسهولة شديدة، ودخول الهواء البارد.
الثورة الصناعية أثرت على أنظمة التدفئة
بحلول الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، اندلعت ثورة في ميدان التدفئة المركزية في المنازل والمدارس والكنائس والمحاكم، وذلك بسبب ظهور الطاقة البخارية. استُخدم المحرك البخاري لنقل البخار الساخن عبر الأنابيب للتدفئة.
بنى المخترع الأسكتلندي «جيمس وات» أول نظام غلاية مركزية في منزله. تضمن اختراعه بخارًا عالي الضغط يُوزع عبر الأنابيب، واستخدم هذا النظام لاحقًا في مبنى صناعي في مانشستر. كان لتلك الطريقة مساوئها، فقد أدى احتكاك البخار في جدران الأنابيب إلى تآكلها، وانشار رائحة كريهة في الهواء.

نظام للتدفئة المركزية
في تلك الآونة في أمريكا، حل الهواء الدافئ محل البخار في معظم المنازل والمكاتب المبنية حديثًا، فكانت توضع مدفأة الفحم في القبو، وينتشر الهواء الساخن عبر أنابيب تصل نهايتها إلى الغرف الواسعة. في أواخر القرن التاسع عشر، استخدمت القوة البخارية بدلًا عن الهواء الساخن، فوضع على الموقد خزان مياه موصل بالأنابيب لنقل البخار الساخن إلى الغرف.
المدفأة الكهربائية وتطورها
ظهرت أول مدفأة كهربائية بعد اختراع المصباح الكهربائي بحوالي 10 سنوات، ففي عام 1892 صمم البريطاني «هربرت جون داوسينج» المدفأة الكهربائية، وكانت عبارة عن لفات من سلك عالي المقاومة حول طبق مستطيل من الحديد، وسلك متوهج في مركز معدني عاكس لعكس الأشعة الناتجة. اقتصر استخدام تلك المدافئ على المنازل الموصلة بالشبكة الكهربائية.
أدت الطفرة الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والطفرة في الاستهلاك إلى انتشار الأجهزة الكهربائية في المنزل. بدأت المدافئ الكهربائية في الظهور على نطاق واسع، وبحلول هذه المرحلة كانت النماذج المحمولة المملوءة بالزيت متاحة أيضًا. توالى ظهور نماذج أكثر تطورًا للمدافئ الكهربائية، فأصبحت تحوي على عناصر مشعة للحرارة كالنيكل والكروم، وعواكس لتوزيع الحرارة.

مدفأة تعمل بالأشعة تحت الحمراء
أثبتت ولادة العصر الرقمي أنها ثورة في مجال الأجهزة الكهربائية بجميع أنواعها، بما في ذلك أنظمة التدفئة. سمحت رقائق الكمبيوتر للأجهزة بوجود مفاتيح التبديل البسيطة، وزادت خيارات إدارة التدفئة فقد وفرت لوحات المفاتيح الرقمية وسيلة للمستخدمين لإدخال أوامر أكثر دقة وتعقيدًا.
طرق التغلب على درجات الحرارة أقدم مما نتصور
اعتاد الإنسان البدائي بناء مسكنه في الكهوف الباردة، كما بنوا جحورًا تحت الأرض للهروب من درجات الحرارة المرتفعة. وللتغلب على حرارة الجو في وادي النيل، علّق المصريون القدماء القصب المبلل في النوافذ لتبريد الهواء الداخل للمنزل.
كذلك صنع المصريون القدماء الثلج لاستخدامه في التبريد بوسائل طبيعية، فكانوا يضعون أواني فخارية مليئة بالماء على أرضية من القش، فيتبخر الماء سريعًا على الجوانب الرطبة للأواني، وعند انخفاض درجة الحرارة ليلًا يتجمد هذا البخار. غالبًا ما كان يتجمد طبقة رقيقة على سطح الماء، ولكن عند برودة الجو الشديدة وجفافه، كان يتحول الماء إلى ثلج بأكمله.
كذلك، في الهند القديمة، كان تكييف المنازل قائمًا على التبريد بالتبخير، فكانوا يعلقون حزم العشب الرطبة على الفتحات المواجهة لتيار الهواء في المنزل، ويحافظ على العشب رطبًا طوال الليل، فعند هبوب الهواء على العشب، تبخر المياه، وتبرد درجة الحرارة.
باستخدام تلك التقنية لتبريد المنازل، صمم تاجر بابلي نظام تكييف لمنزله يعتمد على رش الماء عند الغروب على الجدران والأرضيات المعرضة للهواء، فيعمل التبخير الناتج عن انخفاض درجة الحرارة ليلًا على تخزين البرودة في الأرضيات والجدران، وهو ما يلطف من حرارة الجو في اليوم التالي.
كان العامل الأساسي في تلك العملية هو جفاف الجو او انخفاض الرطوبة، وهو ما كان يسمح بالتعرق والتبرد، أما الصينيون القدماء فقد أدركوا تأثير الهواء المتحرك على خفض حرارة الجسم، فاخترعوا المروحة اليدوية الدوارة.
التجارب الحديثة تمهد لظهور مكيفات الهواء
أثار مفهوم تبريد الهواء اهتمام المخترع الأمريكي «بنجامين فرانكلين»، الذي أجرى في عام 1758 تجارب على التبخر والكحول للوصول إلى درجات حرارة متجمدة. في أربعينيات القرن التاسع عشر، اقترح الطبيب والمخترع الدكتور «جون جوري» من فلوريدا فكرة تبريد المدن لتخليص السكان من شرور ارتفاع درجات الحرارة. اعتقد جوري أن التبريد كان المفتاح لتجنب أمراض مثل الملاريا، لكن نظامه البدائي لتبريد غرف المستشفيات تطلب شحن الثلج إلى فلوريدا من البحيرات والجداول المتجمدة في شمال الولايات المتحدة.
للتغلب على هذا التحدي المكلف، بدأ جوري في تجربة التبريد الاصطناعي، فصمم آلة لصنع الجليد باستخدام ضاغط يعمل الماء أو الأشرعة التي تحركها الرياح أو البخار وحصل على براءة اختراع لها في عام 1851، ولكن وفاة أكبر داعميه الماليين حال دون ظهور هذه التقنية في السوق.
في نهاية القرن التاسع عشر، ظل تبريد الهواء مكلفًا للغاية، فعلى سبيل المثال كان تكييف مسرح «فاديسون سكوير» في نيويورك يستهلك أربعة أطنان من الثلج في الليلة الواحدة. كان الأساس للتبريد يعتمد على غمس أنابيب الهواء في خليط من الملح والجليد، وتدوير الهواء المبرد بالمراوح.
مكيفات كاريير.. الحاجة أم الاختراع
أثناء عمله في شركة «Buffalo Forge Company» ابتكر المهندس الأمريكي «ويليس كاريير» أول مكيفات هواء في عام 1902. وكان كاريير قد كُلف بتصميم وسيلة لإزالة الرطوبة من الهواء، والتي كانت تسبب تجعد صفحات المجلات في إحدى شركات الطباعة بنيويورك.

المهندس ويليس كاريير
عدل كاريير تصميم المدفأة البخارية، فأصبحت تستقبل الماء البارد والهواء المبرد المدار بالمروحة، مما أدى إلى برودة الجو وانخفاض الرطوبة، مما سمح بسرعة جفاف الحبر على الصفحات المطبوعة. في عام 1922 ركبت «Carrier Air Conditioning Company» الأمريكية أول نظام تبريد جيد التصميم للمسارح في «Metropolitan Theatre» في لوس أنجلوس، والذي يضخ الهواء البارد عبر فتحات أعلى لتحسين التحكم في الرطوبة والراحة في جميع أنحاء المبنى.

وحدة مكثف للتكييف المركزي
وفي عام 1933 طورت الشركة مكيف هواء باستخدام وحدة تكثيف ومنفاخ، وأدوات تحكم ميكانيكية، وملف مبخر، وأصبح هذا الجهاز نموذجًا في سوق الولايات المتحدة لأنظمة تبريد الهواء.