صرحت وزيرة الثقافة الجزائرية الأسبوع الماضي، خلال مهرجان أيام الكسكس، أن المرأة التي لا تتقن طهي هذا الصنف من الطعام، تمثل تهديدًا لعائلتها! وعلى الرغم من أن التصريح قوبل بالاستهجان والهجوم، إلا أنه يسلط الضوء على مكانة هذا الطبق في دول المغرب العربي.
والكسكس عبارة عن طبق من حبوب القمح الصلب، يُسلق أو يطهى على البخار، ويشكل جزءًا أساسيًا من مطبخ شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط، ومؤخرًا أصبح شائعًا في كل أنحاء العالم، وتوجد أنواع من الكسكس في مصر، وفي دولة مالي أيضًا.
يحتوي هذا الصنف الشهي على الكربوهيدرات، لأنه يتكون من السميد، ويحتوي على البروتين، والألياف، والدهون، كما يحتوي على الكالسيوم، والماغنسيوم، والحديد، والزنك، وفيتامينات ب، هـ. ويقدم مع اللحوم، والأسماك، والخضروات، وطبق الكسكس له تاريخ طويل، نتعرف إليه في التقرير التالي.
من أين جاء الكسكس؟
يُعتقد أن أصله يعود إلى البربر، وأن أول إشارة مكتوبة عنه موجودة في كتاب طبخ شمال أفريقي. وفي القرن السادس عشر دخل إلى تركيا، كما أن هناك دلائل على أدوات للطبخ كانت تُستخدم في صناعته وترجع إلى القرن العاشر.
وقد ذكره الرحالة العربي الشهير «ليون الأفريقي» في كتابه «وصف أفريقيا»، وتوجد وصفة لطهيه في كتاب طبخ إسباني إسلامي، يُعتقد أنه يرجع للقرن الحادي أو الثالث عشر. كما أن وصفات الكسكس في القرنين السادس والسابع عشر لا تختلف عن الموجودة اليوم.
في القرن الثاني عشر وصل إلى تونس!
يُعتقد أنه دخل تونس في وقت ما في القرن الثاني عشر، وذُكر فيما يتعلق بالقديسين، في العصر الصفوي، وقد وصف ابن ناجي طبق «البركوكي» بأنه حبيبات كسكس كبيرة، مع لحم. كما كتب ابن فضل الله عن إعجابه بالكسكس الذي صنعه حجاج تونس في مكة، الذين صنعوا طبقًا منه باللحم والملفوف.
لكن.. هل جاءنا من إسبانيا حقًا؟
يُصنع الكسكس من القمح الصلب، وربما عرف البربر القمح الصلب في القرن الحادي عشر، أو الثاني عشر ميلادي، أما القول بأن أصله إسباني، فيستند إلى أن أول وصفة مكتوبة عنه، وُجِدت في مخطوطة إسبانية إسلامية، لكنه ليس دليلًا مقنعا للكثيرين. ويُحتمل أن تكون عملية طهي الكسكس، وتبخير الحبوب فوق مرق في قدر خاص قد نشأت قبل القرن العاشر في منطقة غرب أفريقيا، حيث ازدهرت المملكة السودانية، في العصور الوسطى.
متى ظهر في أوروبا؟
هناك مراجع تعود إلى القرن الرابع عشر تشير إلى هذا الطعام الشهي، في مذكرات بيدرو دي ألكالا، التي نشرت في غرناطة عام 1505، وكتب عنه المقري، وذكره الرحالة الشهير ابن بطوطة.
كان أول ظهور له في شمال أوروبا في بروتاني، عندما صرح المفوض البحري تشارلز دي كلاير إمبولت، أن السفير المغربي وحزبه أحضروا الدقيق، وصنعوا كسكس بالتمر، وأعدوه لشهر رمضان. وقد كتب الرحالة جان جاك بوشار عام 1630 عن تناول نوع معين من المعكرونة المصنوعة من الحبوب الصغيرة مثل الأرز، وتسمى «كورسكو».
طبق واحد شهي وأسماء كثيرة!
يُنسب الكسكس إلى البربر ويطلقون عليهم سيكرو، أو سيكسو، وكذلك المغاربة، كما يُعرف بالمفتول، أو المغربية في بلاد شرق البحر المتوسط، والسكسانية في بلاد السودان، فيما تطلق القبائل المغربية البربرية عليه أسماءً مختلفة، وفي الجزائر يطلق عليه اسم كيسكسو، وفي تونس يطلق عليه كيسكسي.
ويُطلق على الحبوب الكبيرة جدًا منه اسم محمص، بينما تسمى الحبوب الدقيقة جدًا التي تستخدم للصنف الحلو بالمصفوف. وهناك أسماء محلية أيضًا لأنواع معينة منه، مثل البرزقان في باجة بتونس، حيث يُخلط الكسكس الناعم، بالزبدة ولحم الضأن والزعفران والحمص، ويسكب عليه حليب ساخن، ويرش عليه الزبيب واللوز. أما الملثوث فهو المصنوع من الشعير، ويصنعه الفقراء، ويُفرز، ويُنظف بعناية في نوع من الأطباق يُسمى «الغناجة».
النساء السود طباخات الكسكس.. ماذا يعني ذلك؟
عملت النساء الأفريقيات السود طباخات للكسكس، وهي ظاهرة يستدل بها البعض على كون هذا الطعام الشهي ذي أصول أفريقية، فحتى الآن تقوم الخادمات السود في المغرب بإعداد هذا الصنف من الطعام.
أما الطوارق، القبيلة المسلمة الأمازيغية، في الصحراء، فتوظف الخادمات السود من أجل صناعته وإعداده. وتشير بعض المراجع إلى أن سبب انتشاره في أنحاء كثيرة من العالم يعود إلى أن العبيد السود برزوا في مهنة الطهي، سواء في مصر أو إسبانيا المسلمة، حيث كان العبيد السود يعدون وجبات الطعام في المنازل الأستقراطية.
جدير بالذكر أن منظمة اليونسكو قد أدرجته ضمن التراث العالمي غير المادي، بطلب مشترك من الجزائر، والمغرب، وتونس، وموريتانيا.