ربما لا تصدق أن لهذه الزجاجة التي تحتوي على طبقة من الطماطم ذات قوام سميك، والتي توضع بجوار طبق البطاطس الشهية، وتوجد على 97% من الموائد الأمريكية، وفي المطاعم، وفي حفلات الشواء ونعرفها حول العالم باسم الكاتشاب، تاريخًا مثيرًا.
فمبدئيًّا، وعلى الرغم من أن الكاتشاب أصبح رمزًا للثقافة الأمريكية، لم تكن أصوله أمريكية، فكلمة كاتشاب مشتقة من الكلمة الصينية، (kê-tsiap)، وهو نوع صلصة مُصنع من السمك المخلل المتخمر، ويُعتقد أن التجار أحضروها من فيتنام إلى جنوب شرق الصين، منذ 300 عام قبل الميلاد.
بعدها انتقل من الصين إلى إنجلترا، وقد أتت الطماطم إلى إنجلترا في القرن الخامس عشر من أمريكا الجنوبية، ومع ذلك كان الكاتشاب القديم خاليًا من الطماطم، وعدَّه الناس صلصة سامة، ورفضوا أكلها.
بدأ توثيق استخدام المعاجين المصنوعة من أحشاء السمك، ومنتجات اللحوم، والفول الصويا، عندما اكتشف البحارة الإنجليز هذه التوابل، وكان يسهل تخزينها أثناء الرحلات الطويلة، فانتشرت بسبب التجارة في إندونيسيا والفلبين، ولم يكن آنذاك يتكون من الطماطم، ويستدل على أن أصول الكاتشاب آسيوية بوجود نوع من أنواع الصلصة الإندونيسية التي لا تزال رائجة حتى الآن وتسمى «كيتجاب».
ازدهار الكاتشاب
ازدهر الكاتشاب في القرن الثامن عشر، فدخل إلى كتب الطهي، وتضمن وصفات تصنيعه المحار وبلح البحر، والفطر، والجوز، والليمون، والكرفس، وأيضًا الفواكه مثل الخوخ. كانت هذه المكونات تُغلى لفترة لتكون شرابًا مركزًا مالحًا وحارًّا يستمر لفترة طويلة دون أن يفسد. لكن كيف أصبحت الطماطم مكونًا أساسيًّا في الكاتشاب؟
جلب المستوطنون الإنجليز الكاتشاب الذي يتكون من الفطر إلى أمريكا، وأطلقوا عليه اسم كيكاب، ودخلت عليه تعديلات مختلفة، منها إضافة الطماطم، والذي ظهر لأول مرة في كتاب طهي عام 1812.
وكتبها العالم جيمس ميس، حين وصف الطماطم بأنها تفاح الحب. كانت الوصفة عبارة عن عصر الطماطم، وتمليحها، وغليها، وإضافة البهارات حتى تصبح سميكة، وباردة، وتوضع في برطمانات. ويمكن أن تمكث لسنوات بسبب الملح، ومن هنا بدأت شعبية زجاجة الصلصة الحمراء الشهيرة التي نعرفها.
البداية لم تكن «هاينز»
إن بداية زجاجات الكاتشاب الذي نعرفه اليوم في الحقيقة لم يكن مع شركة «هاينز»، فأول علبة جرى بيعها وتداولها يعود الفضل فيها إلى مزارع يدعى جوناس يركيس، والذي كان يبيع الصلصة الحمراء السميكة المحلية في عام 1837.
بعدها بحوالي 40 سنة جاء هنري جون هاينز، ابن المهاجر الألماني، الذي بدأ في مطبخ والدته الألمانية، بتجريب تسويق فجل والدته المبشور في عمر الخامسة والعشرين، وعبأه في زجاجات شفافة لإبراز نقائه، واتضح فيما بعد عبقرية هاينز في التسويق، فقد أعاد ابتكار أشياء لم يلتفت إليها غيره.
إعادة اكتشاف الكاتشاب
بدأت شركة «هاينز» ببيع العجينة/ الصلصة الحمراء التي نعرفها اليوم، والمخصصة للغموس. وفي نهايات القرن التاسع عشر أصبح هو النوع الأساسي للكاتشاب في الولايات المتحدة الأمريكية.
واستخدام الطماطم غير الناضجة كانت يتطلب إضافة مادة حافظة تسمى بنزوات الصوديوم، لمنع تلف الطماطم، لكن مع أوائل القرن العشرين حظرت منظمة الغذاء والدواء استخدام بنزوات الصوديوم، وهو ما جعل شركة «هاينز» تستخدم الطماطم الناضجة، التي تحتوي على مادة حافظة طبيعية هي البكتين، كما أضيف السكر، والخل، وأصبحت الصلصة الناتجة أكثر سمكًا من ذي قبل.
تطورت الزجاجة مع مرور الزمن. وانتشر الكاتشاب الذي يتكون من الطماطم من أمريكا إلى أوروبا، وأصبحت «هاينز» علامة تجارية يباع أكثر من 650 مليون زجاجة كل عام، واتخذت شعار 57 نوعًا، الذي ما زال يستخدم حتى الآن.
ويعود نجاح هذا المنتج جزئيًّا إلى أنه يمكن الاحتفاظ به لمدة تقترب من العام، فلا يمكن تخزين الطماطم لمدة طويلة، فهي تفسد بسهولة، لذا فإن تعليب الطماطم إحدى وسائل حفظها المتداولة.
يتكون الكاتشاب الحالي بالطبع من الطماطم، ولا يمكن تخيله بدونها، وتختلف كمية الطماطم على حسب الماركة، والنوع، فتغسل الطماطم أولًا، ثم تطحن جيدًا لنحصل على قوام متناسق، ويزال الماء منها، لأنه مكون رئيسي لها، وتستخدم الطماطم في أشد حالة نضج لها، وليس الطماطم منخفضة الجودة، والمكونات الأساسية أيضًا هي الخل، والسكر، بالإضافة بعض التوابل الأخرى.
وكان دواءً!
في النصف الأول من القرن التاسع عشر جرى تسويق الصلصة الحمراء الكثيفة، بوصفها دواء؛ إذ اعتمدت الدعاية آنذاك على أن الطماطم التي جرى إضافتها للكاتشاب، تحتوي على الكثير من الفيتامينات والمعادن، ومضادات الأكسدة؛ مما يجعل هذا المنتج الأحمر مناسبًا لعلاج الإسهال وعسر الهضم والروماتيزم أيضًا، لكن ذلك لم يكن لأسباب صحية أو علاجية كما قيل آنذاك، لكن لزيادة المبيعات!
كانت المبيعات ضئيلة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، فجاء أحد المسوقين بفكرة أن الصلصة الحمراء تعمل بوصفها دواءً، وبالفعل صُنع في هيئة حبوب، وأطلق عليه مستخلص دكتور مايلز، المكون من الطماطم.
وسُوِّق هذا المستخلص على أنه قادر على علاج كل شيء، وجمعت شركة هاينز دراسات علمية تفيد بأن الكاتشاب يمتلك خصائص مضاد الأكسدة، بل يمكنه علاج السرطان، وهذه الادعاءات قد تكون صحيحة من الناحية النظرية، لكن لكي تُحدث الصلصة الحمراء السمكية هذا الأثر، فعليك تناول جالونات منها كل يوم!
ازدهار الوجبات السريعة
في خمسينيات القرن الماضي بدأ الناس في التعرف إلى الوجبات السريعة والإدمان عليها، مثل «ماكدونالدز»، و«برجر كينج»، وأصبحت هذه النوعية من الوجبات تحظى بشعبية مهولة، ما أثر بالتبعية في الكاتشاب، فلا برجر، أو بطاطس مقلية بدون كاتشاب!
وفي عام 1968 قررت شركة «هاينز» ألا يكون الكاتشاب موضوعًا في زجاجات كبيرة فقط، فاختُرعت العلب الصغيرة. لاحقا اختُرعت العديد من الصلصات الأخرى، لكن بقي الكاتشاب متفردًا، ولا غنى عنه، فهو سهل، وسريع، وقابل للتكيف مع أي سياق، وله أيضًا خصائص إدمانية مثل الوجبات السريعة.