ربما واحدة من أكثر الخصائص غير المألوفة التي تميز الحرب الروسية الأوكرانية هو ذلك الحديث عن مشاركة المتطوعين الأجانب في تلك الحرب. ظهر هذا الأمر مع إعلان الرئيس فولوديمير زيلينسكي إنشاء فيلق دولي من المتطوعين الأجانب للانضمام إلى جيش بلاده وصد الغزو الروسي، على حد تعبيره.

في المقابل، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنقل «المقاتلين المتطوعين» من الشرق الأوسط للقتال بجانب الجيش الروسي في أوكرانيا، والذي وصل عددهم إلى قرابة 16 ألف متطوع تقدموا بطلب التطوع للقتال مع روسيا في أوكرانيا، حسب ما ذكره وزير الدفاع الروسي.

ربما يظن البعض أن مسألة البحث عن متطوعين أجانب للمشاركة في إحدى الحروب هي أمر لم يظهر إلا مؤخرًا، لكن الحقيقة غير ذلك. فالتاريخ البشري مليء بأمثلة مختلفة لمشاركات متطوعين أجانب للقتال إلى جانب دولة ما، لدرجة تظن معها أن كل حرب من الحروب شارك فيها متطوعون أجانب بشكل من الأشكال؛ وهذه بعض الأمثلة.

حرب القرم: متطوعون يونانيون في صفوف الإمبراطورية الروسية

خلال حرب القرم (1853 – 1856)، نشأ ما يسمى «فيلق المتطوعين اليوناني»، وهو عبارة عن فيلق عسكري متطوع شكله اليونانيون ومسيحيون آخرون من منطقة البلقان، للقتال من أجل الإمبراطورية الروسية. نشبت حرب القرم بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية، حيث شاركت مصر، وتونس، وبريطانيا، وفرنسا إلى جانب العثمانيين، نتيجة للأطماع الروسية على حساب الدولة العثمانية، وخصوصًا منطقة القرم.

Embed from Getty Images

تشكل الفيلق اليوناني في إمارة الدانوب عام 1854، وشارك في الاشتباكات هناك قبل أن تتخلى القوات الروسية عن هذه الإمارة. بعد ذلك، أرسل الفيلق إلى شبه جزيرة القرم، حيث قاتل خلال ما يعرف بـ«حصار سيفاستوبول»، ليحصل الفيلق عام 1855 على لقب «فيلق الإمبراطور اليوناني نيكولاس الأول». بعد انتهاء الحصار، سرح الجزء الأكبر من الفيلق، وحل ما تبقى منه بعد نهاية الحرب في مارس (آذار) 1856، عاد معظم المتطوعين إلى أوطانهم، بينما استقر القليلون في روسيا.

يذكر أن الحرب انتهت بهزيمة الروس، وشاركت فرنسا وبريطانيا إلى جانب الدولة العثمانية في تدمير الأسطول الروسي في البحر الأسود خلال معركة سيفاستوبول التي استمرت قرابة عام.

الحرب الأهلية الأمريكية: ربع جيش الاتحاد أجنبي!

شهدت الحرب الأهلية الأمريكية (1861 – 1865)، عملية تجنيد أجنبي عكست الأهمية الدولية لهذا الصراع بسبب مكانة الولايات المتحدة كقوة ناشئة في ذلك الوقت، بالإضافة لسبب الحرب المرتبط بقضية العبودية، فجُند العديد من الرجال من خارج الولايات المتحدة وبين مجتمعات المهاجرين في الولايات المتحدة.

عندما اندلعت الأعمال العدائية لأول مرة، كان ما يقرب من 13% من الأمريكيين مولودين في الخارج، وتركزت الغالبية العظمى في المدن الشمالية التابعة للاتحاد. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة عبارة عن اتحاد من 34 ولاية، أعلنت سبع منها في الجنوب الاستقلال تحت مسمى الولايات الكونفدرالية كانت تضم الكثير من العبيد.

كان ما يقرب من ربع إلى ثلث جيش الاتحاد مولود في الخارج (بين 543 – 625 ألف من أصل مليوني جندي)، بالإضافة إلى أن 18% كان لديهم والد واحد على الأقل ولد في الخارج؛ مما يعني أن ما يقرب من نصف جيش الاتحاد الشمالي من أصول أجنبية.

Embed from Getty Images

على النقيض من ذلك، خدم عدة آلاف من الأجانب فقط مع جيش الكونفدرالية، بنسبة تقارب 5% فقط من قواتها المسلحة. أثبتت ميزة القوة البشرية الكبيرة لقوات الاتحاد أنها حاسمة في انتصارها؛ إذ ذكر بعض المؤرخين أن الشمال ما كان لينتصر لولا التجنيد الأجنبي الواسع في صفوفه وقبوله المتطوعين الأجانب.

كانت أكبر الفرق الأجنبية على كلا الجانبين من الألمان والأيرلنديين والبريطانيين (الإنجليز، والأسكتلنديين، والويلزيين)، وكان معظم المجندين الأجانب الآخرين من كندا، وبقية أوروبا، خاصة بولندا، وفرنسا، وإيطاليا، والدول الإسكندنافية. كما جاءت أعداد أقل من الصين، والمكسيك، وهاواي، ومختلف القبائل الأمريكية الأصلية، وكان العديد من القادة السياسيين والعسكريين رفيعي المستوى في كل من الاتحاد والكونفدرالية من أصول أجنبية أو مهاجرة.

قاتل الأجانب والمهاجرون في الحرب لأسباب مختلفة؛ الكثير منهم كانوا مدفوعين بمعارضة أيديولوجية للعبودية، والبعض الآخر بالولاء للوطن الجديد، والبعض الآخر سعى وراء الفرص الاقتصادية.

الحرب الأهلية الإسبانية: كتائب دولية تحارب في صف الحكومة والمعارضة!

الكتائب الدولية كانت وحدات عسكرية أنشأتها الشيوعية الدولية لمساعدة حكومة الجبهة الشعبية للجمهورية الإسبانية الثانية خلال الحرب الأهلية الإسبانية. ظلت هذه الكتائب موجودة لمدة عامين، من عام 1936 حتى عام 1938. وتشير التقديرات إلى أنه خلال الحرب بأكملها، خدم ما بين 40 و59 ألف عضو في هذه الكتائب، بينهم 15 ألف لقوا حتفهم في القتال.

في هذه الحرب الأهلية تصارع طرفان: الأول الجمهوريون الموالون للجمهورية الإسبانية الثانية ذوو الميول اليسارية والشيوعية، والثاني هم القوميون والذين كان بينهم الجنرال المعروف فرانشيسكو فرانكو، وكانوا ذوي نزعة فاشية، أي أن هذه الحرب كانت بين الشيوعية والفاشية.

Embed from Getty Images

كانت الكتائب الدولية مدعومة بقوة من قبل المنظمة الشيوعية الدولية التي تأسست عام 1919، وهو ما يعني الاتحاد السوفيتي بشكل أساسي، وفي المقابل دعمت إيطاليا الفاشية، والبرتغال الفاشية، وألمانيا النازية، القوميين المعارضين، وجاء أكبر عدد من المتطوعين في جانب الشيوعيين من فرنسا (حيث كان للحزب الشيوعي الفرنسي نفوذ جيد)، ومنفيين شيوعيين من إيطاليا وألمانيا، كان العديد من اليهود جزءًا من هذه الكتائب أيضًا، وكان عددهم بشكل خاص ضمن المتطوعين القادمين من الولايات المتحدة، وبولندا، وفرنسا، وإنجلترا، والأرجنتين.

الحرب العالمية الثانية: الأمريكان يحاربون من أجل بريطانيا

في الحرب العالمية الثانية أنشأ سلاح الجو الملكي البريطاني ثلاثة أسراب مقاتلة تابعة له تحت مسمى «سرب النسر»، تشكلت من طيارين متطوعين من الولايات المتحدة خلال الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية (حوالي عام 1940)، قبل دخول أمريكا الحرب في ديسمبر (كانون الأول) 1941.

مع بقاء الولايات المتحدة محايدة في بداية الحرب، عبر العديد من الأمريكيين الحدود ببساطة وانضموا إلى القوات الجوية الملكية الكندية لتعلم الطيران والقتال (كانت كندا جزء من التاج البريطاني)، ثم توجهوا إلى أوروبا للقتال، في البداية ذهب غالبية المجندين الأوائل إلى أوروبا للقتال من أجل فنلندا ضد الاتحاد السوفيتي فيما يسمى «حرب الشتاء» في نوفمبر (تشرين الثاني) 1939.

Embed from Getty Images

لاحقًا أقنع تشارلز سويني، وهو رجل أعمال ثري يعيش في لندن، الحكومة البريطانية بتشكيل سرب من سلاح الجو الملكي البريطاني يتألف من الأمريكيين. جرت عملية تنسيق في كندا للموافقة على 6700 طلب من الأمريكيين للانضمام إلى القوات الجوية الملكية البريطانية، أو سلاح الجو الملكي البريطاني، تحمل سويني ورفاقه الأثرياء تكلفة إرسال، وتدريب، وعلاج هؤلاء الأشخاص بقيمة وصلت أكثر من 100 ألف دولار وقتها.

«الماهال» في حرب 1948: خليط من المرتزقة والصهاينة واليهود

يقصد بالماهال تلك المجموعة من المتطوعين الأجانب الذين حاربوا إلى جانب القوات الإسرائيلية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. كان أغلب هؤلاء كانوا من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية من القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية، والذي جرى تسريحهم بعد انتهاء الحرب في أعقاب تقليص جيوش الحلفاء، لكن بعض هؤلاء لم يستطيعوا الإندماج في الخدمة المدنية، خاصة الطيارين.

جرى دعوة هؤلاء بالفعل للمشاركة، بينما سمع الآخرين عن محاولة الدولة اليهودية إنشاء دولة لها، فالدعاية اليهودية كانت قوية في تلك الأوقات، وجعلت الأمر كما لو أنه كفاح من أجل الاستقلال والبقاء. في بعض الحالات لم يكن لدى المتطوعين خبرة عسكرية سابقة، وكان هناك يهود، ومسيحيون، ومؤيدون للصهيونية، ومرتزقة.

شهدت حرب عام 1948 مشاركة ما يقرب من 4 آلاف متطوع أجنبي من 58 دولة بين القوات اليهودية، قُتل ما مجموعه 123 من هؤلاء. بعد انتهاء الحرب حلت هذه المجموعة، وعاد معظم المتطوعين إلى منازلهم، بينما فضل بعضهم البقاء في البلاد كمقيمين دائمين.

حرب استقلال كرواتيا: متطوعون ألبان مع كرواتيا وروس مع صربيا

نشبت حرب الاستقلال الكرواتية بين عامي 1991 و1995 بين القوات الموالية للحكومة الكرواتية التي أعلنت استقلالها عن يوغسلافيا، وبين الجيش الشعبي اليوغسلافي الذي يسيطر عليه الصرب، وقد جذبت هذه الحرب المرتزقة، والمغامرين، والمتطوعين، والذين انضم معظمهم إلى الجانب الكرواتي.

انضم المقاتلون الأجانب إلى «قوات الدفاع الكرواتية (HOS)»، وهو الجناح شبه العسكري لأحد الأحزاب الكرواتية، في بداية الحرب، ثم انضم العديد من المتطوعين اليمينيين المتطرفين من أوروبا الغربية، ومعظمهم من ألمانيا، إلى هذه القوات، وكان «اللواء الدولي الأول» التابع للجيش الكرواتي يتكون من 100 رجل تقريبًا، نصفهم من الأجانب من فرنسا، وكندا، وسويسرا، والمجر، والبرتغال، وبريطانيا، وأستراليا، والولايات المتحدة.

كما انضم الألبان اليوغوسلافيون إلى الجيش الكرواتي في الحرب، وتشير التقديرات أن حوالي 10 آلاف ألباني قاتلوا في الجيش الكرواتي، توفي منهم 87، في المقابل تطوع الروس بشكل أساسي في الجانب الصربي.

المصادر

تحميل المزيد