مع بدء العديد من الدول الحاملة لسندات الخزانة الأمريكية لأخذ قرارات بعرضها للبيع، انطلقت التحليلات عن مآلات هذا القرار الذي لا يمكن نزعه من سياق الحرب الضروس الدائرة بين الصين، أكبر حائز للدين الأمريكي، وبين الولايات المتحدة في إطار المنافسة الاقتصادية بين الجانبين، خصوصًا مع التخوفات من أن تنتهي عملية البيع الجماعي لإغراق ديون أمريكا، وارتفاع الفائدة عليها.
خلال السطور التالية، تشرح “ساسة بوست” ما هي “سندات الخزانة الأمريكة”، وكيف استطاعت الصين خلال الفترة الماضية اكتناز أكبر عدد منها، ما جعلها أحد المُتحكمين في الاقتصاد العالمي، وكذلك أثر عملية البيع على خريطة المنافسة الاقتصادية العالمية.
ما هي سندات الدين الأمريكية؟
هي وسيلة التمويل الأهم للحكومة الأمريكية للحصول على رأس المال اللازم للنمو والتطوير والمنافسة، وتغطية ديونها القصيرة الأجل، وتنفيذ مشاريعها التنموية التي تُكلفها ملايين الدولارات.
تصدر الحكومة الأمريكية عددًا من السندات حسب فترة استحقاق كُل نوع منها، فهناك السندات المُستحقة خلال عام واحد من تاريخ إصدارها، وتسمى أذونات الخزينة، وإذا كانت المدة بين عام واحد إلى عشرة أعوام تسمى أوراق الخزينة، وإذا كانت مدتها أكثر من 10 سنوات فإنها تسمى سندات الخزينة. ويتم شراء السندات الحكومية مباشرة عن طريق وزارة المالية الأمريكية أو عن طريق الإنترنت دون وسيط في هذه العملية.
الصين.. أكبر حامل لسندات الخزانة الأمريكية
أصبحت الصين تستحوذ على ما قيمته 1.261 تريليون دولار من الأوراق المالية الأمريكية الحكومية، وهذا أكثر من 20% من مجموع الديون الخارجية لتصبح أكبر حامل لسندات الخزانة، والدائن رقم واحد في العالم للولايات المتحدة، بل قد يصل ما تستحوذ عليه الصين أكبر بكثير من هذه القيم المعلنة والمُسجلة، وهو ما يوضحه “مايكل كيسي” في كتابه التجارة غير العادلة Unfair Trade، حيث تقوم الصين بتحويل جانب من عملياتها في السندات الأمريكية من خلال مصارف خاصة، أو عن طريق مديري الاستثمار في لندن.
وتبلغ مجموع السندات المملوكة للحكومات الأجنبية قيمة 34% من إجمالي الدين العام الأمريكي، بقيمة 6.1 تريليون دولار، بينما يبلغ إجمالي الدين العام نحو 17.8 تريليون دولار، وهو ما يوازي تقريبًا 103% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام 2014.
حصة الصين من السندات الأمريكية.. سلاح التنين الصيني في المنافسة
ينظر إلى محتفظات الصين من السندات كأحد الخيارات المهمة للصين ضد أسواق الدين الأمريكية، في سياق الحرب الضروس الدائرة بين الصين وأمريكا على مستوى المنافسة الاقتصادية.
انخراط الصين في إجراءات بيع السندات الأمريكية والتخلص منها، يعد أحد الخيارات الفعلية أمام الصين خصوصًا بعد أن أصبح الدولار هدفًا مباشرًا لبكين كآلية لإعلان الحرب المالية ضد الولايات المتحدة، التي تتأرجح في التهديد بحيث تستطيع تفادي الخسائر الضخمة التي قد تلحقها في قيمة استثماراتها في الدين الأمريكي.
لكن تراجع احتياطي الصين من النقد الأجنبي بمقدار قياسي بلغ 94 مليار دولار في أغسطس الماضي، والذي انخفض بسبب تراجع موجودات محافظها الخاصة بالاستثمار في الدين الأمريكي، وفقا للخبراء؛ جعل مسألة بيع هذه السندات لدعم العملة الصينية “مسألة قريبة من التنفيذ” ما قد يترتب عليها إغراق نسبي للاقتصاد الأمريكي.
خلال الأسبوعين الماضيين، خفضت الصين من حيازاتها لجزء كبير مما لديها من سندات الحكومة الأمريكية، حيث باعت بكين مبلغًا توازي قيمته نحو 100 مليار دولار من السندات الأمريكية، مُعتبرة أن هذه الخطوة تأتي في سياق تدعيم عملة الصين الرسمية “اليوان” وذللك للمُساعدة في تحقيق الاستقرار المالي.
وقد تأكدت هذه الخطوات مع إعلان البنك المركزي الصيني تخفيض حيازته من النقد الأجنبي بنحو 315 مليار دولار، وقيامها في 11 أغسطس الماضي بخفض قيمة العملة الوطنية وبيع سندات الخزانة الأمريكية لدعم عملية انخفاض قيمة العملة، وتعد سياسة العملة الصينية مشكلة متصاعدة بالنسبة للولايات المتحدة. فالمبيعات الضخمة من سندات الحكومية الأمريكية يمكن أن تقلل إلى حد كبير من تحقيق عوائد من الاستثمارات التي يتم التخلص منها في الولايات المتحدة.
يتمثل تأثير هذه السندات في قدرتها على التحكم في مسار الفائدة على السندات الأمريكية. فمن خلال عمليات البيع للسندات يمكن أن ترفع معدلات العائد على السندات الأمريكية على النحو الذي يجعل من خدمة الدين أمرًا غير محتمل بالنسبة للخزانة الأمريكية، وهو ما يمكن أن يُحدِث آثارًا معاكسة على النمو، ويعقد التوقعات المتعلقة بمستقبل التوازن الاقتصادي الأمريكي.
الصين ليست وحدها التي قد تغرق أمريكا
لا تقتصر مسألة بيع سندات الخزانة الأمريكية على الصين، بل سعت روسيا كذلك للتخلص من استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، مقلصة حجمها بأكثر من 22 مليار دولار مرة واحدة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأظهرت بيانات وزارة المالية والاحتياطي الفيدرالي الأمريكيين أن استثمارات روسيا في سندات الخزانة الأمريكية بلغت نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي 86 مليار دولار، مقابل 108.1 مليار دولار في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مسجلة انخفاضًا للشهر الثالث على التوالي.
وتحتل روسيا حاليا المركز الثاني عشر عالميا في قائمة الدول المستثمرة في سندات الولايات المتحدة، وكانت قد دخلت في قائمة الدول الأساسية المستثمرة في هذه السندات في عام 2008، حين رفعت من حيازتها لها بأكثر من ثلاثة أضعافٍ ونصف مرة واحدة من 32.6 مليار دولار إلى 116.4 مليار دولار، وفي نهاية عام 2013 بلغ حجم استثمارات روسيا في السندات الأمريكية 138.6 مليار دولار، ما يشير إلى أن روسيا خلال العام الماضي 2014، تخلصت من نحو 38% من هذه السندات ما يعادل 52.6 مليار دولار.
وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن اليابان والصين يتصدران قوائم ملاك سندات الخزانة الأمريكية بواقع 1224.4 مليار دولار و1223.7 مليار دولار، يليها بنوك دول الكاريبي وبلجيكا بواقع 350.6 مليار دولار و345.3 مليار دولار.
لماذا تبيع الصين سندات الخزانة؟
تبيع الصين سندات الخزانة الأمريكية بسبب حاجتها الماسة إلى السيولة النقدية، فقد اتخذت مؤخرًا عدة خطوات لدعم أسواقها ومنع عملتها من السقوط الحر، وفي الوقت نفسه تحاول تحفيز الاقتصاد من خلال تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي واعتزامها زيادة دورها في صندوق النقد الدولي.
يوضح هذا الأمر كبير المحللين الفنيين لدى “United – ICAP” “والتر زيمرمان”: “إن تدفقات رأس المال الخارجية قد ارتفعت كما يعاني اليوان ضغوطًا بيعية، والأمر الوحيد الذي يمكنهم فعله هو بيع سندات خزانة لشراء عملتهم المحلية”.