الأنهار الجليدية تذوب، والجليد القطبي يختفي. الأنظمة البيئية تختل، والفيضانات تزداد. أمواج الحرارة المميتة تضرب بقوة، وحرائق الغابات تشتعل. الأوبئة تنتشر، والإنتاج الزراعي يتدهور. ويشهد العالم أزمة لاجئين جديدة، يطلق على أصحابها «لاجئو المناخ». إنها الآثار الناجمة عن تفاقم معضلة الاحتباس الحراري، التي سوف تتسبب في إحداث الفوضى والآثار المدمرة على الصعيد الدولي.
وفي الوقت الذي تواجه فيه معظم بلدان العالم أضرارًا اقتصادية وسياسية هائلة، من المحتمل أن تكون روسيا في معزل عن تلك الآثار المدمرة حينها. فكيف يمكن أن تستفيد روسيا من ارتفاع درجات حرارة العالم؟، وهل يمكن أن تجني العديد من المزايا من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الناجم عن تغير المناخ، ويصيح ذلك بوابة هيمنة النشاط الروسي على العالم؟ هذا ما نتناوله في السطور التالية.
«إذا لم تستطع هزيمة التغير المناخي انضم إليه»
وفقًا لوكالة «Rosgidromet»، دائرة الأرصاد الجوية الوطنية الروسية، كانت درجات الحرارة في جميع أنحاء البلاد أعلى من المعدل الطبيعي بمقدار درجة إلى اثنتين في عام 2018. وفي المنطقة القطبية كانت درجات الحرارة أعلى من ذلك بحوالي درجتين إلى أربع درجات فوق المعدل الطبيعي. وفي الوقت نفسه انخفض حجم أقدم وأسمك جليد في القطب الشمالي بنسبة مهولة بلغت 95% على مدار العقود الثلاثة الماضية، وفقًا لتقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة.
وتأتي التوقعات بالنسبة لبقية بلدان العالم على نفس القدر من السوء؛ إذ يتصور الفريق الدولي المعني بدراسة آثار تغير المناخ في تقريره الأخير، عالمًا من الحرائق، والفيضانات، ونقص الغذاء، والعواصف الكبرى ذات الكثافة المتزايدة، وارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040.
وبطبيعة الحال تعمل روسيا على دراسة مستقبل ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء القطب الشمالي ومنطقة سيبيريا. ولكن على الجانب الآخر يحاول الكرملين (مقر مجلس الشيوخ الروسي) تبني مقاربة جديدة تختلف عن بقية ما تخطط له حكومات العالم، وتنتهج باختصار «إذا لم تتمكن من هزيمة التغير المناخي فانضم إليه».
تشير التقارير الأخيرة في وسائل الإعلام الروسية، فضلًا عن الدراسات والوثائق العامة التي نشرتها الوزارات الحكومية والخدمات العلمية إلى أن موسكو لا تبحث فقط عن طرق للتكيف مع عواقب الاحتباس الحراري، بل تسعى إلى التربح منها، بدلًا عن تبني سياسة استخدام الطاقات البديلة، أو العمل على خفض انبعاثات الكربون.
رحلة في دماغ بوتين: التغير المناخي سيعود بالنفع على الاقتصاد الروسي
لطالما شكك فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، في أن البشر هم من يقع على عاتقهم مسؤولية تغير المناخ، وقد صرح في تعليقات أذيعت من منتدى القطب الشمالي الذي عقد في مدينة أرخانجيلسك بشمال روسيا عام 2017 أن الجبال الجليدية تتعرض للذوبان منذ عقود من الزمن، ولم تتواجد حينها العوامل الأنثروبولوجية، مثل انبعاثات الغازات الدفيئة، وغيرها من العوامل المُلامة؛ وعليه يرى بوتين أن الاحترار العالمي ليس خطأ البشرية.
وعلى الجانب الآخر يرى بوتين أن الاحتباس الحراري جزء من دورة طبيعية من شأنها أن تعود بالنفع على الاقتصاد الروسي. ويقول: «المسألة ليست في إيقافه لأن ذلك مستحيل؛ إذ يمكن ربطه ببعض الدورات العالمية على الأرض… وإنما هي مسألة التكيف بطريقة أو بأخرى مع الأمر».
وفي الوقت الذي يصف فيه غالبية زعماء العالم التغير المناخي بأنه «تهديد خطير» للقطب الشمالي، يرى بوتين أنه سوف يخلق ظروفًا تجعل المنطقة أكثر ملاءمة لاستخدامها في أغراض اقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك أعلن ذات مرة أن التغير المناخي سيوفر على الروس إنفاق الأموال على شراء معاطف الفرو، ويعزز من حصاد القمح في سيبيريا، وقد أدى هذا التصريح الذي أدلى به في عام 2003 إلى حدوث طفرة استثمارية في الأراضي الزراعية الروسية، بعد أن وضعت الطبقة المالية في موسكو رهاناتها على ذوبان التربة دائمة التجمد، والتي ستسفر عن الأراضي الصالحة للزراعة.
ولكن البيانات تشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في روسيا يُعادل ضعف معدل بقية العالم، ويشير العلماء ومسؤولي الطوارئ إلى أن الكوارث البيئية مثل الفيضانات المدمرة وحرائق الغابات تتأثر بتغير المناخ. وعن آراء بوتين المثيرة للجدل يُعلق ستانيسلاف بيلكوفسكي، المحلل السياسي والناقد لبوتين، قائلًا: «يعتقد الرئيس أنه لا يوجد احترار عالمي، وأن هذا محض خداع لكبح جماح التنمية الصناعية في العديد من البلدان، بما فيها روسيا. وهذا هو السبب في جعل هذا الموضوع ليس موضوعيًا بالنسبة لغالبية وسائل الإعلام الروسية، والمجتمع بشكل عام».
وفي السياق ذاته، وصفت ماريانا بوبيرزكايا، الباحثة في شؤون وسائل الإعلام والسلطة والسياسة في المجتمع الروسي، التغطية الإعلامية في روسيا بأنها «صمت مناخي»، لا يكسره سوى بث الشكوك الرسمية حول أي تأثير بشري على درجات الحرارة العالمية.
احتياطات النفط والغاز القابعة في فناء بوتين الخلفي
في الوقت الذي ستواجه فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها أضرارًا اقتصادية وسياسية هائلة، قد يكون معظم الروس في أمان من الآثار المدمرة لتغير المناخ بسبب الطبيعة الجغرافية للبلاد، حيث توجد العديد من المراكز الحضرية الرئيسية في روسيا في الداخل؛ مما يقلل من تعرضها للفيضانات الساحلية، في حين ستصبح القوى العظمى الأخرى في العالم معرضة لمخاطر أكثر بكثير.
وتعد الدول الأكثر عرضة للخطر: الجزر، والدول المنخفضة في جنوب شرق آسيا، كذلك سوف تتعرض المناطق الساحلية في أوروبا وأمريكا الشمالية لأضرار شديدة أيضًا. يُقدر أن ارتفاعًا متواضعًا يبلغ 18 بوصة من ارتفاع مستوى سطح البحر؛ سيؤدي إلى تشريد 14.2 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، أي أكثر من 4% من سكان الولايات المتحدة الحاليين. ومن ناحية أخرى من المتوقع فقط نزوح 1.86 مليون روسي في ظل نفس الظروف، أي أقل من 1.3% من سكان البلد.
قد يعتقد البعض أن قوة الاقتصاد الأمريكي سوف تسمح لواشنطن بالتصدي للكوارث المناخية بشكل أفضل من موسكو التي من المحتمل أن تكون استجابتها أضعف مقارنة بمواردها الأصغر بكثير من واشنطن. صحيح، ولكن ربما تمتلك روسيا قريبًا الكثير من الموارد لاستخدامها؛ مستفيدة من ذوبان الجليد بفعل الاحتباس الحراري، وهو ما يعمل عليه الكرملين بالفعل من أجل عودة النشاط الروسي للهيمنة على العالم.
يمكن لذوبان بحر القطب الشمالي أن يخلق فوائد هائلة للكرملين، وهو ما قدرته دراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أفادت بأن 30% من الغاز الطبيعي و13% من احتياطيات النفط غير المستغلة في العالم محاصرة في القطب الشمالي، مباشرة في الفناء الخلفي لبوتين. ومع استمرار ذوبان الجليد، والبحث والتطوير فإن التكلفة اللازمة لاستخراج هذه المواد ستقل كثيرًا، وتوفر طفرة اقتصادية محتملة لروسيا.
علاوة على ذلك سيتبع ذوبان الجليد في بحر القطب الشمالي تطوير طريق شحن من الساحل الشمالي لروسيا إلى شرق آسيا. وسوف ينقل هذا الطريق التجاري العالمي الجديد الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر روسيا؛ مما يمنح موسكو منذ الآن نفوذًا اقتصاديًا هائلًا على خصومها في حلف «الناتو» بأوروبا الشرقية والغربية. وقد يكون الطريق الجديد أيضًا أداة مركزية لروسيا تحاول من خلالها تنويع اقتصادها المتعثر، الذي كافح من أجل الانتقال من الاعتماد على النفط والأسلحة.
تحول طريق البحر الشمالي إلى منافس قطبي لقناة السويس
في حديثه بمنتدى القطب الشمالي، في مدينة أرخانجيلسك بشمال روسيا، صرح بوتين أن ظاهرة الاحتباس الحراري، وذوبان الجليد في القطب الشمالي، مفيدة لاستخدام المنطقة لأغراض اقتصادية، وأضاف أيضًا أن مشروعات الشحن والطاقة في روسيا في القطب الشمالي ستحرص على ألا تلحق الضرر بالبيئة. كذلك جرى عرض ناقلة محطمة للثلج ترسو لأول مرة في ميناء سابيتا بالقطب الشمالي الروسي لاختبار طريق جديد يمكن أن يفتح المحيط المتجمد الشمالي أمام السفن التي تحمل النفط والغاز المسال.
وتترقب شركات الطاقة التي ترغب في تطوير الموارد في منطقة القطب الشمالي، ولكنها تواجه عقبات في نقل النفط والغاز من الحقول النائية والمتجمدة إلى الأسواق العالمية بشغف، هذا الطريق الذي تشرف عليه الآن روساتوم، شركة الطاقة النووية الروسية. فضلًا عن ذلك، يمهد طريق البحر الشمالي الذي يبلغ طوله 6 آلاف كيلومتر، لإقامة موانئ شمالية بعيدة، وبنى تحتية رئيسية أخرى على ظهر أسطول موسع من سفن كسر الجليد، التي تعمل بالطاقة النووية.
وفي العام الماضي،أصدر بوتين طلبًا بأن تصل كمية المرور التي تتدفق عبر طريق البحر الشمالي إلى 80 مليون طن سنويًا بحلول عام 2024، وهو الرقم الذي كان يتجاوز أكثر التوقعات طموحًا في وزارات حكومته؛ إذ كانت تبلغ حركة الشحن عبر وداخل الطريق البحري الشمالي حوالي 10 ملايين طن فقط في العام؛ ما يعني أنه دعى إلى زيادة الشحن ثمانية أضعاف خلال ست سنوات فقط.
ومع ذلك قطعت الحكومة شوطًا كبيرًا في طريق تحقيق ذلك، في محاولة لتحويل طريق البحر الشمالي إلى منافس قطبي لقناة السويس. وقد بدأ الشاحنون الدوليون في اختبار المياه، وبالفعل أرسل الشاحن الدنماركي ميرسك في الصيف الماضي سفينة حاويات من بوسان في كوريا إلى سانت بطرسبرج عن طريق القطب الشمالي.
ولا يقتصر الأمر على الشحن، بل تتبع الصناعة الروسية صدارة استغلال الاستثمار في آثار التغير المناخي؛ فقد وصل مشروع «يامال» للغاز الطبيعي المسال المقام في شبه جزيرة يامال فوق الدائرة القطبية الشمالية، إلى كامل طاقته في نهاية العام الماضي، ويتشارك في هذا الجهد الضخم، الذي تبلغ تكلفته 27 مليار دولار، شركة الطاقة الروسية نوفاتيك، التي تملك ما يزيد قليلًا عن نصف المشروع، وتوزع البقية بين شركة توتال الفرنسية، ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، وشركة سيلك رود الصينية.
ويعد هذا المشروع أحد أوائل مشاريع الطاقة الكبرى في العالم، الذي أسس قواعده على حساب ذوبان الجليد في القطب الشمالي بسبب الاحتباس الحراري، وعلى الجانب الآخر يخشى نشطاء البيئة من أن يحول الشحن التجاري في القطب الشمالي – الذي بات ممكنًا الآن لأن تغير المناخ قد خفف الجليد – من منطقة برية إلى منطقة صناعية.
أزمة المناخ قد تحول روسيا إلى قوة زراعية عظمى
يعتمد الاقتصاد الروسي اعتمادًا كبيرًا على مبيعات الغاز والنفط، ويجعل هذا البلاد عرضة لأي تحولات في سعر النفط الخام، والذي شهد انخفاضًا في السنوات الأخيرة، إلى جانب الروبل الروسي (العملة الوطنية). وبخلاف الأسلحة، تصدر روسيا القليل من البضائع الجاهزة، بالإضافة إلى صادراتها الزراعية التي تمثل 4% من الناتج المحلي الإجمالي.
تعد موسكو الآن أكبر مصدر للقمح في العالم، تليها الولايات المتحدة. ولكن إنتاجها من القمح قد يشهد تغييرًا ملحوظًا، بفضل الزيادة في درجة الحرارة إلى جانب عدد من العوامل الأخرى، التي ستساهم في تسجيل مستويات قياسية من صادرات القمح. تشير التقديرات أن الاحتباس الحراري، الذي يتحرك أكثر إلى الشمال في اتجاه الأراضي الصالحة للزراعة، سيرفع درجات الحرارة التي يجري فيها إنتاج القمح في أوروبا وآسيا بمقدار 1.8 درجة بحلول عام 2020، وبنسبة 3.9 درجة بحلول عام 2050؛ وسوف يخلق هذا جنبًا إلى جنب مع التطور التكنولوجي 140 مليون فدان إضافية من الأراضي الصالحة للزراعة.
وفي الوقت الذي سيحابي فيه التغير المناخي الروس على منافسيهم الأمريكيين والأستراليين، الذين سوف يعانون من الجفاف؛ ستطمح روسيا للسيطرة على الأسواق العالمية، ويغمر قمحها نيجيريا، وبنجلاديش، وإندونيسيا، ومصر التي خسرتها أمريكا بعد أن كانت المستورد الأكبر للقمح منها، بعد أن اتجهت إلى استيراده من روسيا. ويدعم ذلك أيضًا قدرة روسيا على عرض القمح بأسعار منخفضة مقارنةً بمنافسيها مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، الذين أجبروا على رفع أسعارهم لتمويل الاستثمارات في الجودة وعرض المنتجات.
كذلك، يمكن لروسيا بيع قمحها بسعر أقل، لأن لديها تكاليف إنتاجه أقل، ويعزى ذلك أيضًا إلى انخفاض قيمة الروبل الروسي، نتيجة انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية. ومع تحول مساحات شاسعة من الأراضي الروسية المجمدة في منطقة التندرا إلى أراضي خصبة، وقدرة روسيا على بيع منتجاتها بأسعار أقل من منافسيها؛ فإن تغير المناخ لديه القدرة على تحويل روسيا إلى «قوة زراعية عظمى». وربما يومًا ما، تتحقق نبوءة وزير الزراعة ألكسندر تكاسيف، بأن يحل القمح محل الهيدروكربونات، كمصدر رئيس للدخل في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك وجد باحثون بمركز كراسنويارسك الفيدرالي للبحوث بروسيا، والمعهد الوطني للفضاء بالولايات المتحدة الأمريكية، أنه بحلول عام 2080 من القرن العشرين سوف تشهد روسيا الآسيوية مناخًا أكثر اعتدالًا، حيث تقل تغطية التربة المتجمدة من 65% إلى 40% من مساحتها؛ الأمر الذي سيحسن الاستدامة الشجرية في أكثر من 15% من المنطقة؛ مما قد يسمح بزيادة قدرها خمسة أضعاف في قدرة الإقليم على الاستمرار، وجذب السكان.
وفي ظل مناخ أكثر دفئًا في المستقبل فمن المرجح أن يصبح الأمن الغذائي من حيث توزيع المحاصيل، والقدرة على الإنتاج أكثر ملاءمة للسكان، ودعم المستوطنات. كذلك قد يجعل هذا روسيا ملاذًا للمهاجرين، ومقصدًا سياحيًا أكثر جاذبية؛ ما يساعد الكرملين في سعيه لتنويع الاقتصاد المحلي.
فقراء الجنوب يزدادون فقرًا
يضر ارتفاع درجات الحرارة بالنشاط الاقتصادي في البلدان الحارة؛ إذ إنه يخفض الإنتاج الزراعي، ويقلل من إنتاجية العمال المعرضين للحرارة، ويبطئ عجلة الاستثمار، ويضر بالصحة. ومع الأسف فإن كثيرًا من البلدان في المنطقة الأكثر تأثرًا منخفضة الدخل؛ ما يجعل من الصعب عليها التكيف مع آثار تغير المناخ. ونتيجة لذلك فإن البلدان النامية هي التي ستتحمل أغلبية التأثيرات السلبية، وسيقع التأثير الكبير على كاهل الدول الأفقر والأقل قدرة على حماية نفسها من ارتفاع مستويات البحر، وانتشار الأوبئة، وتدهور الإنتاج الزراعي، كما هو الحال في البلدان النامية في أفريقيا، وآسيا، والمحيط الهادئ.
ومن المتوقع أن تكون أفريقيا الأكثر تضررًا، ومن المتوقع أيضًا انخفاض الإنتاج في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وشبه القارة الهندية، وجنوب شرق آسيا، وأستراليا؛ ما يعني أن معظم بلدان العالم سوف يتأثر الغالبية العظمى من سكانها سلبًا. ومع ذلك فإن سياسات روسيا تجاه أخطار تغير المناخ لا تُلقي بالًا لذلك، ولا يبدو أنها ستعود بالنفع على أحد غيرها.
تقف روسيا على قلب رجل واحد مع غيرها من الدول مثل الولايات المتحدة، وبولندا، والمملكة العربية السعودية، في صف الدول المتشككة في تغير المناخ. ووفقًا لدراسة نشرتها مجلة «نيتشر» العلمية، يمكن أن يتسبب إحجام موسكو عن مواجهة تغير المناخ في نتائج كارثية؛ إذ سترفع سياسات المناخ الحالية في روسيا درجات الحرارة العالمية بأكثر من خمس درجات مئوية، أي أعلى بثلاث درجات على الأقل من الحد الذي يهدف إليه علماء المناخ.
وعلى الجانب الآخر فإن تجاهل التغير المناخي لصالح جني المزيد من القمح، وتحويل المنطقة القطبية الشمالية إلى طريق شحن سريع، سيكون له عواقب وخيمة على الصعيد المحلي في روسيا. في الصيف الماضي كانت حرائق الغابات التي اجتاحت سيبيريا هي الأضخم منذ عام 2008، وقد وصل دخانها إلى المحيط الهادئ.
فضلًا عن ذلك اجتاحت الفيضانات المدمرة منطقة كراسنودار الجنوبية، التي استضافت الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014، بعد أن تسببت عواصف أكتوبر (تشرين الأول) في هطول أمطار لعدة أشهر. وفي مارس (آذار)، جرى إجلاء الآلاف من الأشخاص في منطقة التاي في سيبيريا بعد ذوبان الثلوج التي تغطي الجبال، والتي كانت عادةً ما لا تذوب. وفي حين أن المصرفيين في موسكو ربما يراهنون على زيادة الأراضي الزراعية في المستقبل مع ذوبان التندرا، فإن الأراضي الزراعية الحالية في البلاد تتعرض لضربات الجفاف.