فجر السبت، الرابع عشر من أبريل (نيسان) الحالي، كان رئيس النظام السوري بشار الأسد في انتظار الردّ المتوقع على استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما قبل أسبوع، كان وقتها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جالسًا على أريكته مغردًا عبر حسابه على تويتر بأنه قد حان وقت الردّ، ليعطي تعليماته بتوجيه ضرباتٍ إلى أهدافٍ تحوي أسلحة كيميائية في سوريا، بمشاركة حليفتيه: فرنسا وبريطانيا.

لم تنتظر القوات الأمريكية ومعها حليفتاها البريطانية والفرنسية كثيرًا حتى حوّلوا فجر دمشقٍ المظلم إلى نهارٍ ساطعٍ بإطلاقها من 100 إلى 120 صاروخًا على ثلاثة مواقع للنظام السوري يشتبه في تخزينه موادًا كيميائية بها. حسب وزارة الدفاع الروسية، فقد استطاعت أنظمة الدفاع الجوي السوري إسقاط أكثر من 70 صاروخًا، ليضع تصدِّي أنظمة النظام السوري الدفاعية لهذه الضربة العسكرية –إن صحّت الرواية الروسية، ولم يكن نجاح الضربة كبيرًا حسب الرواية الأمريكية– بشار الأسد في سلك المستفيدين منها هو الآخر؛ وما عزز الموقف هو ظهوره صباحًا بعد نهاية الضربة العسكرية وهو يلج مكتبه برئاسة الجمهورية السورية في مشهدٍ قُصد به الإيحاء بأنّ الأسد لا يشعر بقلقٍ إزاء ما حدث، في الأسطر التالية نجمع لك أبرز المواقف التي جعلت من بشار الأسد أيضًا مستفيدًا من الضربة التي تلقاها نظامه.

اقرأ أيضًا: الأطفال يستنشقون الموت في دوما.. الأسد تحدى العالم وقصف بالكيماوي مجددًا

الأسد.. من قاتلٍ سفّاح إلى «مقاوم»

في أوّل تعليقٍ له على الضربة العسكرية اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد أنّ الضربات الغربية التي شنَّتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا ضد مراكز ومقرَّات عسكرية فجر السبت ستزيد تصميم بلاده على «محاربة الإرهاب»، وقال الأسد: «هذا العدوان لن يزيد سوريا والشعب السوري إلا تصميمًا على الاستمرار في محاربة الإرهاب وسحقه في كل شبرٍ من تراب الوطن». من جانبه أكّد مندوب سوريا الدائم في مجلس الأمن بشار الجعفري في ختام جلسة مجلس الأمن مساء السبت المخصصة لمناقشة المشروع الروسي لإدانة الضربة العسكرية على سوريا أنّ بلاده وحلفاءها الكثر سيتكفَّلون بالردّ على العدوان الثلاثي على سوريا.

ماي وترامب وماكرون

وفور إعلان ترامب انتهاء الضربة العسكرية التأديبية لنظام الأسد التي استمرَّت ساعةً كاملةً، تجمّع السوريون المؤيّدون للأسد مع جنود النظام السوري في ساحة الأمويين بالعاصمة دمشق قبل شروق الشمس؛ لإظهار ما سمّوه بـ«التحدي للضربة الأمريكية الفرنسية البريطانية»، ملوّحين بالأعلام السورية والروسية والإيرانية، فيما اختار البعض الآخر من المحتفين بنهاية الضربة العسكرية الرقص والغناء والهتاف بحياة الأسد، كانت مظاهر الفرح التي عمّت بعض ميادين دمشق تعبيرًا عن رضا المحتفلين بأداء «الجيش السوري»، الذي استطاعت دفاعاته الجوية –وفقًا لرواية النظام وروسيا– إسقاط أغلب الصواريخ أو حرفها عن أهدافها، في صورٍ علّق عليها رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض بالقول: إنّ نظام بشار الأسد استفاد من هذه الضربة بشكلٍ أكبر على الصعيد الشعبي، من خلال كسب تأييد أكبر من الشارع.

صورة مظاهرة مؤيدة للأسد في دمشق بعد الضربة العسكرية، بثتها الوكالة الرسمية الصورية (سانا)

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أنَّ مواقع عسكرية ومدنيَّة في سوريا تعرَّضت لأكثر من 100 صاروخ مجنح بينها صواريخ (جو- أرض) أطلقتها القوات الجوية والبحرية، الأمريكية والبريطانية والفرنسية، تمكنت الدفاعات السورية، حسب بيانٍ لوزارة الدفاع الروسية من إسقاط وحرف مسار أغلبيها في مشهدٍ أعاد من خلاله النظام السوري سرديته المقاومة، بعد أن تمكنت منظومات إس-125 وإس-200 وبوك وكفادرات، التي صُنعت في الاتحاد السوفيتي قبل أكثر من 30 سنة من التصدي إلى حدٍّ كبيرٍ لهذه الضربة، وأضاف بيان وزارة الدفاع الروسية أن مطار الضمير العسكري شرقي دمشق، تعرض لهجوم بـ12 صاروخًا مجنحًا تمكنت الدفاعات الجوية السورية من اعتراضها جميعًا.

أداء الدفاعات الجوية السورية في صدّها للضربة الغربية أعاد إلى الأذهان صور طائرة إف-16 الإسرائيلية التي أسقاطها النظام السوري في شمال إسرائيل شهر فبراير (شباط) الماضي، وهي الحادثة التي أعادت مصطلح «المقاومة» ليطلّ من جديد، خصوصًا أنّ حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية رافقه بعض التعاطف مع سوريا.

اقرأ أيضًا: «كلاكيت ثاني مرة»..الغرب يضرب النظام السوري «ذرًا للرماد في العيون» والأسد باق

روسيا في طريقها لتزويد الأسد بمنظومة (إس-300) الدفاعية

كانت روسيا أكبر داعمي نظام الأسد في محنته الممتدة أكثر من سبع سنوات، وكانت أيضًا من بين أشدّ المعارضين للضربة الغربية على سوريا؛ وصل حد الاعتراض إلى تهديد القوى المستهدفة لسوريا باستهدافها، ربما هذا ما جعل ترامب يتأخَّر في قرار تنفيذه للضربة العسكرية التأديبية لنظام الأسد على استخدامه للسلاح الكيماوي في دوما لأيّام. عمل وزير الدفاع «جيمس ماتيس» على إخماد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضربة عسكرية في سوريا؛ خشية اندلاع مواجهة مباشرةٍ مع روسيا بعد تهديد بوتين بإسقاط أي صاروخ أمريكي يحلق في الأجواء السورية.

ومع تنفيذ ترامب صحبة كلٍّ من ماكرون وماي تهديداتهم، وقصفهم مواقع قوات الأسد ومقراتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية السبت، إنّ موسكو ستعيد بحث مسألة تسليم النظام السوري منظومة صواريخ دفاع جوي إس-300 بعد الضربة الغربية. وقال رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان الروسية «سيرغي رودسكوي»: إن روسيا «طورت منظومة الدفاع الجوية للنظام، وستعود لتطويرها بشكل أفضل».

منظومات دفاع جوي روسية متطوّرة في سوريا

ويستطيع نظام الدفاع الجوّي الروسي إس-300 الُمزمع تسليمه لسوريا ضرب وإصابة 24 طائرةً معادية بما فيها طائرات الشبح التي تتميّز بالقدرة على التخفي عن الرادار، من على بعدٍ يصل إلى 400 كيلومتر في لحظةٍ واحدةٍ، أو إسقاط 16 صاروخًا بالستيًّا تحلق بسرعة تصل إلى 4500 متر في الثانية (وفقًا لما نشرته سبوتنك المحسوبة على روسيا بالطبع)، وبإمكان نظام الأسد حال تسلُّمه المنظومة الدفاعية الروسية مضاعفة قوته، والحد من الاختراقات الجوية والغارات الغربية التي تستهدف مقراته.

وتعمل موسكو منذ تدخلها في سوريا إلى جانب الأسد على تحديث الأنظمة الدفاعية لنظامه، من خلال تزويده بمنظومة الدفاع الجوي إس-200 التي أبلت بلاءً حسنًا، حسب وزارة الدفاع الروسية، بإعلان نجاحها في التصدي لـ70 صاروخًا من أصل أكثر من 100 صاروخٍ أُطلق في الضربة الغربية على سوريا فجر السبت.

اقرأ أيضًا: «بلومبرج»: حتى السعوديين يلجأون لروسيا.. هل تبخرت أحلام الإطاحة بالأسد؟

حلفاء الأسد يجدِّدون «البيعة» له

كان حلفاء النظام السوري في محور المقاومة من أشدّ المتضامنين مع الأسد بعد الضربة العسكرية الغربية له، فبعد انتهاء الضربة الغربية الثلاثية على سوريا، تلقَّى بشار الأسد اتصالًا هاتفيًّا من الرئيس الإيراني حسن روحاني، عبَّر فيه روحاني عن إدانته الشديدة للضربة الثلاثية الأمريكية البريطانية الفرنسية على سوريا، مؤكدًا استمرار وقوف إيران إلى جانب سوريا، ومعربًا عن ثقته بأن هذه الضربة لن تضعف عزيمة الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب.

من جهته استنكر حزب الله اللبناني، الضربة الغربية على سوريا، معتبرًا أنَّ ذرائعها استندت إلى «مسرحيات هزليةٍ فاشلة»، وأدان حزب الله، في بيانٍ له،بأقصى شدَّة ما وصفه بـ«العدوان الثلاثي الأمريكي- البريطاني-الفرنسي الغادر على سوريا الشقيقة»، وختم حزب الله اللبناني بيانه بتأكيد «استمرار وقوفه إلى جانب الأسد في حربه، مؤكدًا أن الحرب التي تخوضها أمريكا ضد سوريا، سوف تجعل محور المقاومة أكثر قوةً وعزيمةً وإيمانًا وإصرارًا على المواجهة والانتصار»، كما طالب الحشد الشعبي العراقي بمقاومة الأمريكان في حال قرروا «احتلال» سوريا.

كما عادت حركة حماس إلى مواقفها السابقة المتضامنة مع الأسد لتدين الضربة الغربية على سوريا، وتعتبرها عدوانًا سافرًا على الأمة، وقال المتحدث باسم الحركة «فوزي برهوم»، في تصريحٍ صحافي، يوم السبت: إنَّ العدوان يهدف إلى استباحة أراضيها وتدمير مقدّراتها؛ حفاظًا على وجود الكيان الصهيوني وتمرير مخططاته، واستهجن برهوم الادعاءات الأمريكية بحماية المدنيين، بينما تؤيد وتدعم بقوة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وقتل المدنيين الفلسطينيين العزل.

وسارت حركة فتح الفلسطينية على نهج حركة حماس، معلنةً وقوفها بلا تحفُّظ مع وحدة الأراضي السورية ورفضها المساعي الهادفة إلى تفتيتها أو المسّ بوحدتها وسيادتها، وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي: «ندين بشدة العدوان على الأراضي السورية، مؤكدًا أن أيّ عدوان خارجي على أي بلد عربي هو اعتداء على كل الأمة العربية». وأدانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الضربة العسكرية على سوريا، وأعربت حركة الجهاد في بيان صحافي عن تضامنها ووقوفها بجانب سوريا وشعبها.

وأدانت بدورها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشدة الضربة الصاروخية الغربية على سوريا، وقالت الجبهة في بيانٍ لها: «إن هذا العدوان يميط اللثام مجددًا عن وجه هذه الدول الاستعمارية الإمبريالية التي تتشدق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، حيث جاء عدوانها، ضد دولة عربية لها سيادتها، وشخصها الدولي في مؤسسات الأمم المتحدة، ومخالفًا للأعراف والمواثيق والمعايير الدولية، بما يؤكد عدم احترام والتزام دول العدوان بالأمم المتحدة، وما يصدر عن مؤسساتها».

وأدانت جماعة الحوثي في اليمن القصف الأمريكي الذي استهدف نظام الأسد، معتبرةً إياه انتهاكًا واختراقًا للقانون الدولي، وقال رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن، محمد علي الحوثي: إن «أفضل رد على العدوان الثلاثي على سوريا هو قصف السعودية الممولة وإسرائيل المشاركة».

كما أعربت كوبا عن إدانتها الشديدة للضربة، وجاء في بيانٍ صدر عن الخارجية الكوبية أن «هذا الإجراء أحادي الجانب، والذي تم خارج مجلس الأمن الدولي يشكل انتهاكًا سافرًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في دولة ذات سيادة»، محذرةً من أن هذا العدوان يؤدي إلى تفاقم الأزمة في سوريا، وإلى تداعيات خطيرة في المنطقة بأكملها.

بقايا المضدات الأرضية السورية المستعملة في صدّ الضربة العسكرية- مصدر الصورة (سانا)

وواصلت روسيا مسلسل دفاعها المستميت عن نظام الأسد، بطلبها انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الضربة العسكرية على سوريا، ووزعت البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة على أعضاء مجلس الأمن الدولي مشروع قرار بشأن الضربات التي استهدفت النظام السوري، ويدين مشروع قرار العمل العسكري، وطالبت روسيا بالتصويت على مشروع القرار في نهاية الاجتماع الطارئ، وهو المشروع الذي أجهض بعد أن رفض من طرف ثماني دولٍ، ووافق عليه ثلاث دولٍ فقط؛ بينما امتنعت الدول الأربع الباقية عن التصويت.

اقرأ أيضًا: «حلب الثانية».. قصة هجوم الأسد الكاملة على الغوطة الشرقية

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد