يبدو أن العلاقات الأمريكية الروسية ستظل في أزمة طويلة بسبب ما يخص التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ العام الماضي 2016، وذلك لصالح فوز المرشح الجمهوي حينها، رجل الأعمال دونالد ترامب، بمنصب رئاسية الولايات المتحدة الأمريكية على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون.
ومع اقتراب ذكرى مرور عام كامل على فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية الرئاسية، وتحديدًا في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، فإن أزمة تجسس وتدخل روسيا في مساعدة ترامب على الفوز تتصدر الساحة السياسية الأمريكية والروسية، في ظل متابعة وترقب من مختلف الدول الأخرى.
اقرأ أيضًا: بعد اتهامه بالتعاون مع روسيا للفوز بالانتخابات.. هل ينجو ترامب من «ووترجيت» جديدة؟
ومنذ إعلان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ الحديث عن تورُّط روسيا، وتدخلها في الانتخابات الأمريكية لتساعد دونالد ترامب على الفوز، وذلك من أجل التقارب بينهما منذ أيام الحملة الرئاسية، بالإضافة إلى معاداة الحزب الديمقراطي؛ متمثلًا في باراك أوباما وهيلاري كلينتون، لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، بسبب عدة أمور أبرزها اختلاف وجهات النظر تجاه الأزمة السورية.
محاولات للتنصل من اتهامات التعاون بين ترامب وبوتين
اتهامات عديدة من الولايات المتحدة الأمريكية لدونالد ترامب، ولروسيا، ورئيسها، فلاديمير بوتين، بالتعاون من أجل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك من أجل مصالح أكبر للبلدين لدى بعضهما البعض. الاتهامات الجديدة تظهر يومًا بعد يوم، وعمل ترامب وبوتين منذ البداية على إنكارها وإخفائها حتى ينشغل الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية بموضوعٍ آخر، ثم بعد بضعة أيام أو أسابيع، تظهر اتهاماتٍ جديدة، وأيضًا يحاول ترامب ومساعدوه وبوتين أن ينكروا كل هذه الاتهامات حتى ينشغل الرأي العام بموضوعٍ آخر، وهكذا الحال منذ عام تقريبًا.
اقرأ أيضًا: ترامب في حيرة.. والمدنيون دائمًا هم الضحية
مرَّت الأيام والليالي، في ظل هذه الاتهامات المتكررة، ولكن يبدو أن الحديث اختلف قليلًا من فترة لأخرى؛ فقد
بدأ دونالد ترامب في خطوات مؤثرة معادية لروسيا، ويبدو أن هذه هي طريقته لإبعاد الشكوك عن تدخل روسيا في الانتخابات لصالحه؛ حيث حاول ترامب بقدر المستطاع مؤخرًا أن يُظهر عداءه الشديد لروسيا، من أجل أن تسقط الاتهامات الموجهة له بالتعاون معها من أجل فوزه في الانتخابات الأمريكية؛ فتارةً يصدِر ويوقِّع قرارًا تنفيذيًا بفرض عقوبات جديدة على روسيا، وتارةً أخرى ينتقد الوجود الروسي في سوريا، بعد أن كان مؤيدًا له منذ اليوم الأول، وتارةً ثالثة ينتقد بشدة التدخل الروسي في شبه جزيرة القُرم 2014.
وأخيرًا، وفي إحدى تغريداته على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارة أوباما، ووزيرة خارجيته، المرشحة السابقة هيلاري كلينتون، تورطا في الاتفاق مع روسيا على تخصيص جزء من اليورانيوم الأمريكي لصالحها؛ حيث كشفت وثائق من مكتب التحقيقات الفيدرالي، إف بي آي، أن مسؤولين روس في مجال الصناعات النووية تورطوا في رشاوى وعمولات وابتزاز وغسيل أموال في سبيل زيادة حجم تجارة الطاقة النووية الخاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل الولايات المتحدة، وذلك قبل موافقة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على اتفاق أبرم في 2010 يسمح لموسكو بالسيطرة على جزء كبير من اليورانيوم الأمريكي؛ حيث قال ترامب إن هذه القصة هي التي لا تريد الصحف الكاذبة أن تتابعها.
Uranium deal to Russia, with Clinton help and Obama Administration knowledge, is the biggest story that Fake Media doesn't want to follow!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 19, 2017
وعلى الوجه الآخر، حاولت روسيا فعل الأمر نفسه، على ما يبدو حتى تسقط أي تهم خاصة بتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 أيضًا؛ فقد قامت روسيا بطرد 755 دبلوماسيًا أمريكيًا من البعثة الدبلوماسية الأمريكية الموجودة في روسيا، والتي يزيد عددها عن 1150 فردًا، ليُبقي فقط على حوالي 400 موظف، وذلك ردًا على العقوبات الأخيرة المفروضة على روسيا، وذلك في ظل انتشار مصطلحات، وتصريحات، واتهامات متبادلة بين الطرفين على المستوى الدبلوماسي مثل الحرب تجارية.
اقرأ أيضًا: حربٌ تجارية ضد روسيا وإقالات في البيت الأبيض: هل كُشف سر ترامب؟
فيسبوك يعترف باستخدام روسيا له للتأثير في الانتخابات الأمريكية
يبدو أن أزمة التجسس والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية اقتربت من الوضوح؛ حيث كثرت الأسماء المتورطة في الأزمة حتى الآن، ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وعلى رأسها الموقع الأكبر والأشهر على مستوى العالم، فيسبوك، وإلى جانبه موقع التغريدات الأشهر، تويتر، كانا وسيلتين رئيسيتين للروس من أجل مساعدة ترامب عبرهما.

بالنسبة لفيسبوك، يسعى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من أجل وضع قانون من أجل تحقيق الشفافية في الإعلانات المنشورة على موقع التواصل الاجتماعي الأكبر، وذلك بعد اتهامات كبيرة بتورطه واعتباره أداة ساعدت في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016؛ حيث وُجدت عدد من الحسابات الناشئة على فيسبوك، والتي تعمل لصالح روسيا ومرتبطة بها، قد استخدمت فيسبوك، وأدواته، بما فيها الإعلانات، وتطبيق الرسائل (فيسبوك ماسنجر)، والمنشورات المدفوعة، وغير المدفوعة، والأحداث، وذلك من أجل التأثير على الناخبين الأمريكيين، ورأيهم حول المرشح الذين ينوون انتخابه في الانتخابات، وتضخيم التوتر حول موضوعات شائكة على ساحة الانتخابات الأمريكية مثل أزمة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي كانت عمودًا رئيسيًا في البرنامج الانتخابي للمرشح الجمهوري حينها، دونالد ترامب.
اقرأ أيضًا: «فوربس»: كيف كان «فيسبوك ماسنجر» طرفًا في الاختراق الروسي للانتخابات الأمريكية؟
وأكد فيسبوك، على لسان ديفيد ماركوس، نائب رئيس شركة فيسبوك لمنتجات المراسلة، أن إدارة الموقع، إلى جانب فريق من المحققين الفيدراليين الأمريكيين، لموقع فوربس الأمريكي، أنهم يعملوان حاليًا من أجل كشف كيف تم استغلال الموقع لمثل هذا الأمر، مؤكدًا أنه واثق أن إدارة الموقع قادرة على كشف ذلك، ومعالجة الأمر، ومشيرًا إلى أن المتابعين وأعضاء الموقع لم يشكوا مطلقًا مما حدث، بل إن متابعي هذه الحسابات والصفحات الروسية وصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون ونصف متابع.
وبالرغم من وجود آلاف المشرفين على الإعلانات المختلفة على موقع فيسبوك، إلا أنهم أغفلوا وجود حسابات وإعلانات تابعة لروسيا، وهي التي تورطت في أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016؛ حيث اعترفت إدارة فيسبوك أن عددًا من الحسابات المرتبطة بروسيا قامت بشراء إعلانات سياسية في الفترة من يونيو (تمّوز) 2015، وحتى مايو (آيار) 2017، بمبالغ وصلت إلى 150 ألف دولار، وعن ذلك، قال ماركوس إنه ينبغي التفكير في كيفية استخدام فيسبوك بطرق لم يتم تصميمه من أجلها، مؤكدًا أنه لا يمكن التسامح في مثل هذه الأمور.
جوجل وتويتر متورطان أيضًا
كشفت التقارير أيضًا أن مواقع أخرى مثل موقع التغريدات الأشهر، تويتر، ومحرك البحث العالمي، جوجل، تورطا في أزمة تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016.
حيث سلمت إدارة موقع تويتر إلى المحققين الأمريكيين في منتصف الشهر الجاري، بيانات شخصية لـ201 حساب، يشتبه في تورطهم بمحاولات التأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، والتي فاز بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى أن الشركة حذفت تغريدات تهم المحققين الأمريكيين، بناءً على سياسة الخصوصية المتبعة في الشركة، ولم تعلق الشركة على الأمر، وهو ما كشفت عنه وكالة أسوشيتد برس؛ حيث إن سياسة الشركة تنص على حذف التغريدات بعد إزالتها على يد المستخدم، إلا أن السياسة تنص على إعفاء بعض التغريدات من الحذف، مثل التغريدات المعاد نشرها، والتي تم التعليق عليها، كما أن الشركة لا تستطيع حذف التغريدات المحفوظة بشكل دائم أو مؤقت.

الجدير بالذكر أن الحسابات الروسية على موقع تويتر أنفقت أكثر من 100 ألف دولار أمريكي من الإعلانات العام الماضي من أجل مساعدة دونالد ترامب للفوز في الانتخابات الأمريكية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه إدارتي موقع تويتر، وموقع فيسبوك، نيتهم التعاون الكامل مع الكونجرس، والشرطة الفيدرالية، وذلك من أجل فهم كيف اخترقت روسيا بعض الحسابات، وكيف تدخلت للتأثير على آراء الناخبين الأمريكيين، مستغلة هذه المواقع، وشهرتها، وأدواتها السهلة في التوصل بين الناس.
اقرأ أيضًا: «مرتضى منصور أمريكا».. ترامب أقال 9 مساعدين منذ بداية موسم رئاسته
كما أعلنا نيتهم عقد مؤتمر صحفي في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم لشرح ما توصلوا إليه، وهو اليوم نفسه الذي يمثل فيه إدارات الموقعين أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في جلسة علنية بخصوص الأمر.
بوكيمون جو.. حتى الألعاب لم تنج من استغلال روسيا
الألعاب الأشهر المسيطرة والمنتشرة على مستوى العالم أيضًا تم استخدامها عن طريق المخترقين الروس من أجل التدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016؛ حيث نشر موقع سي إن إن عن وجود حسابات مرتبطة بروسيا على اللعبة، والتي استخدمت اللعبة الشعبية من أجل لفت الانتباه إلى وحشية الشرطة الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كما أنها عملت على نشر الخلاف والانقسام في المجتمع الأمريكي خلال فترة الانتخابات الأمريكية وقبلها.

وعملت هذه الحسابات على التأكيد على ألا يذهب أي من أصحاب البشرة السمراء الأمريكيين (الأمريكيين الأفارقة) بجانب أي مواقع للشرطة الأمريكية من أجل الحصول على البوكيمون، وذلك بسبب ارتكاب الشرطة لجرائم عديدة عنصرية ضد المواطنين الأمريكيين ذوي الأصل الأفريقي، وبحسب سي إن إن، فإن حركة Do not Shoot Us المنسوبة للأمريكيين الأفارقة، والتي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي هي في الحقيقة تابعة لروسيا.
كما أكد الموقع أن هذه الحركة وحسابها على يوتيوب قام بنشر قرابة 200 فيديو ذات محتويات تحريضية على الشرطة الأمريكية، ثم بعد ذلك قامت هذه الحركة على حسابها على منصة Tumblr مناصريها من السود الأمريكيين لحركة Black Lives Matter بدعوتهم للمشاركة في لعبة Pokémon Go بالقرب من المناطق حيث جرت مواجهات عنيفة بين الشرطة الأمريكية والمتظاهرين، كما دعت الحملة لتغير أسماء البوكيمونات في هذه اللعبة بأسماء الضحايا الذين سقطوا في مواجهات مع الشرطة، وخصصت جوائز للفائزين وهي عبارة عن بطائق هدايا من أمازون.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن أن تتسبب لعبة بوكيمون جو في تغيير العالم؟
من جانبها، قالت الشركة المنتجة للعبة بوكيمون جو، شركة نيانتك، في بيانٍ لها، أن اللعبة تم استخدامها عن طريق أطراف ثالثة بطريقة مسيئة، ودون إذن،وأنها ستحقق في هذا الأمر.
كيف علق الطرفان على الأمر وهل يُعزل ترامب؟
لم يُعلِّق ترامب على الاتهامات هذه المرة، وإنما قالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، الخميس، إن روسيا تستخدم التدخل الانتخابي كسلاحها المفضل، داعية إلى محاسبتها على هذا النوع من الحرب، وأضافت خلال ندوة في نيويورك أنه عندما يكون باستطاعة أي بلد أن يتدخل في انتخابات بلد آخر، فهو بمثابة الحرب، مبررة بذلك أن روسيا عملت على تغيير مسار الديموقراطية عما يرغب فيه الناس، مؤكدةً أنه لم يحدث شيء كهذا من قبل.
من جانبها، ردت السفارة الروسية في واشنطن على الاتهامات الموجهة لها، وعلى تصريحات السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة قائلة إن روسيا لم تتدخل قط في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، ولا تزال مستعدة لتطبيع العلاقات الثنائية، وأوصت واشنطن بالبحث عن الذين تدخلوا في انتخاباتهم بين الحلفاء والأصدقاء.

(سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة)
وختمت السفارة تعليقها بالتأكيد على أنه بالرغم من كل التحركات غير الودية، دأبت روسيا خلال كل هذه السنوات للعودة إلى العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة، ونحن على استعداد لبنائها على أساس من المساواة والاحترام المتبادل. ومنفتحون لأي حوار صريح مع الولايات المتحدة على أي أجندة ثنائية ودولية لإيجاد نهج مشترك لحل المشاكل المشتركة، بحد تعبيرها.
ونفت روسيا أكثر من مرة اتهامات الاستخبارات الأمريكية بمحاولة التأثير على حملة الانتخابات في الولايات المتحدة، وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد وصف هذه الاتهامات بأنها لا أساس لها على الإطلاق، في الوقت الذي قال فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن المخابرات الأمريكية تستطيع بسهولة تلفيق أدلة زائفة عن اختراق إلكتروني روسي، بالإضافة إلى تأكيده على أن المخترقين الذين تدخلوا في الانتخابات الأمريكية، والذين اعتبرت الولايات المتحدة أنهم من روسيا، يمكن أن يكونوا من أي مكان في الحقيقة، وحتى من الولايات المتحدة ذاتها.

وينظر الكونجرس الأمريكي في تدخل روسي محتمل في انتخابات عام 2016 الرئاسية، وتم تشكيل لجنة خاصة برئاسة روبرت مولر للإشراف على تحقيق فيدرالي في الأمر.
وبموجب القانون الفيدرالى، يحظر على الحكومات الأجنبية والرعايا الأجانب تقديم مساهمات أو إنفاق أموال للتأثير على انتخابات اتحادية أو أمريكية أو محلية فى الولايات المتحدة؛ حيث إن المادة 25 من الدستور الأمريكي هي الأنسب للموقف الحالي؛ فهي تنص على إمكانية عزل الرئيس في حالة تعريض الأمن القومي الأمريكي للخطر شريطة موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس، بحيث يتم عزل الرئيس وتنصيب نائبه رئيسًا للولايات المتحدة، وهذا الإجراء يتم إذا اتفقت نصف الحكومة والنائب أن الرئيس لا يصلح للإدارة وغير قادر على القيام بمهام منصبه، مع الحصول على موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس، وهو الأمر الذى لن يواجه تحقيقه صعوبة أو تململ من قبل نواب الكونجرس الجمهوريين، نظرًا لأن نصف الحكومة الجمهورية ترى أن الرئيس غير صالح.