سواء كنا صغارًا أم كبارًا في السن، من منا لم يسمع أو يقرأ أو يشاهد أولئك الموتى الأحياء الذين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من ثقافة البشرية وسط كل هذه التكنولوجيا المذهلة التي تحيط بنا في القرن الحادي والعشرين؟ أصبح الموتى الأحياء جزءًا أساسيًّا الآن من منتجاتنا الأدبية والفنية، وتحولوا إلى مادة خصبة للعديد من المسلسلات والأفلام السينمائية.
بعضنا بدأ يتعامل مع فكرة الزومبي كواقع -في الأعمال الفنية والأدبية بالطبع- دون أن يعرف كيف وأين بدأ هذا المصطلح، وكيف وصل إلى الخيال البشري، لينتشر بهذه السرعة داخل ثقافتنا ولغتنا اليومية.
مصطلح الزومبي.. كيف بدأ؟
يشير لقب «زومبي» إلى كائن خيالي نصف ميت جرى صُنعه من خلال عملية إعادة جثة الإنسان للحركة دون وجود وعي كامل في الدماغ. الزومبي هي الشخصية الأكثر شيوعًا في أعمال الرعب والخيال العلمي الآن، حيث يتم ربطهم بتلك السيناريوهات التي تتصور حدوث مشاكل أو تجارب لفيروسات وأمراض وأسلحة إشعاعية وغيرها.
استخدم الكلمة الإنجليزية «زومبي» الشاعر روبرت سوثي في تاريخ البرازيل، عام 1819، وكانت الكلمة على شكل «zombie»، والتي أشارت إلى زعيم المتمردين الأفارقة البرازيليين المسمى «زومبي»، وهو تحريف لاسمه الأصلي «nzambi».
Embed from Getty Images
الموتى الأحياء هم الأكثر انتشارًا في أفلام الرعب الآن.
قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية يعيد أصل الكلمة إلى غرب أفريقيا، ويقارن بينها وبين كلمات «nzambi» التي تعني الإله، و«zumbi» والتي تعني الصنم، أو الشخص القادر على تحريك أو التحكم في الآخرين.
في الفلكلور الهايتي، فإن الزومبي (zombi or zonbi) هو جثة متحركة تثيرها وتحركها بعض الوسائل المختلفة مثل السحر وغيره. وقد ارتبط هذا المفهوم شعبيًّا بدين «الفودو»، ولكنه لا يلعب دورًا في ممارسات الإيمان الرسمية.
الثقافة الهايتية.. بداية المعرفة العالمية للزومبي
يُعرف الزومبي على نطاق واسع في الفلكلور الريفي الهايتي بأنهم أشخاص ميتون أعيد إحياؤهم فعليًّا من خلال ممارسة عمليات استحضار الأرواح، أو من قبل سحرة أو مشعوذين. ويعارض كهنة وكاهنات دين الفودو عمليات استحضار الأرواح بشكل قاطع. ويظل الزومبي تحت سيطرة المستحضر كعبد له، دون وجود إرادة خاصة به.
ويشمل التقليد الهايتي أيضًا نوعًا غير طبيعي من الزومبي يسمى «الزومبي النجمي» أو zombie astral، الذي يعد جزءًا من الروح البشرية وليس شخصًا كاملًا. ويمكن لمستحضر الأرواح الإمساك بالزومبي النجمي لتعزيز قوته الروحية. ويمكن أيضًا أن يحبس الزومبي النجمي داخل زجاجة مصنعة خصيصًا لهذا الغرض من قبل مستحضر الأرواح، ثم بيعها إلى العميل لجلب الحظ، أو الشفاء من الأمراض، أو نجاح الأعمال. ويُعتقد أن الإله في نهاية المطاف سوف يستعيد الزومبي النجمي، وبالتالي فهو كيان روحاني مؤقت.
ويعتقد أن هذين النوعين من الزومبي (العادي والنجمي) يعكسان «الروح الثنائية»، وهو اعتقاد في دين الفودو في هايتي. وبالتالي فإن كل نوع من الزومبي يفتقد نصفه الآخر، وبعبارة أخرى فإن الزومبي يمثل الجسد؛ بينما يمثل الزومبي النجمي الروح.
فكرة الاعتقاد بالزومبي ضربت بجذورها في التراث والتقاليد في هايتي من خلال الأفكار التي أحضرها الأفارقة المستعبدون، وتجاربهم اللاحقة في العالم الجديد. كان الأفارقة -خصوصًا في ظل العبودية التي كانوا يعيشون فيها- يعتقدون أن «بارون سامدي- Baron Samedi»، وهو أحد آلهة دين الفودو، سيجمعهم من قبورهم لإحضارهم إلى الحياة الآخرة السماوية في أفريقيا، وتحديدًا في منطقة غينيا الآن، إلا إذا كانوا قد أساءوا إليه بطريقة ما، وفي هذه الحالة سيكونون إلى الأبد عبيدًا بعد الموت مثل الزومبي بالضبط. ويمكن أيضًا أن يتم إنقاذ الزومبي عبر إطعامهم الملح. وقد أشار عدد من العلماء إلى أهمية شخصية الزومبي باعتبارها استعارة لتاريخ العبودية في هايتي.
وفي حين أن معظم العلماء ربطوا زومبي هايتي مع الثقافات الأفريقية، فقد اقترحوا أيضًا وجود روابط مع شعب «تاينو»، وهم السكان الأصليون لجزيرة هايتي، وهذه الرابطة تستند جزئيًّا إلى الممارسات الشامانية الأصلية التي ذكرها الراهب هيرونميت رامون بانيه، وهو رفيق المستكشف الشهير كريستوفر كولومبوس. والشامانية تمثل تقاليد قديمة للعلاج، والتي تطورت لتصبح أسلوب حياة ووسيلة للتواصل مع الطبيعة، والتي مارسها السكان الأصليون في الأمريكتين.
جذبت ظاهرة زومبي هايتي الاهتمام الدولي لأول مرة على نطاق واسع خلال احتلال الولايات المتحدة لهايتي (1915- 1934)، عندما بدأ ظهور عدد من الأدعياء الذي قالوا إنهم زومبي. وكان أول كتاب شعبي يغطي هذا الموضوع هو ما كتبه ويليام سيبروق بعنوان The Magic Island، أو جزيرة السحر (1929). واستشهد سيبروك بالمادة 246 من القانون الجنائي الهايتي الذي صدر في عام 1864، مؤكدًا أنه اعتراف رسمي بالزومبي. وجرى استخدام هذا المقطع لاحقًا في المواد الترويجية لفيلم «White Zombie» عام 1932.
وكان القانون الجنائي قد ذكر «كما يجب أن يعتبر محاولة قتل أي فعل يمكن أن يقوم به أي شخص يستخدم مواد معينة دون التسبب في الوفاة الفعلية، والتي ينتج منها غيبوبة سباتية طويلة. وإذا كان الشخص قد دفن بعد تناول تلك المواد، يعتبر الفعل جريمة قتل أيًّا كانت النتيجة التي تليها». وذلك في إشارة للمواد التي يستخدمها السحرة ومستحضرو الأرواح.
في عام 1937، أثناء البحث في الفلكلور الهايتي، واجهت زورا نيل هيرستون، الباحثة في الفلكلور وعالمة الأنثروبولوجيا والروائية الأمريكية، حالة لامرأة في إحدى القرى، وقد ادعت عائلة أن هذه المرأة هي فيليشيا فيليكس- منتور، وهي قريبة لهم توفيت ودفنت في عام 1907 في سن التاسعة والعشرين. وأشارت الأشعة السينية إلى أنه لم يكن لديها تلك الكسور في الساق التي كان من المعروف أن فيليكس- منتور تملكها قبل الوفاة.
وتتبعت هيرستون بعض الشائعات التي تقول إنه جرى إعطاء بعض الأشخاص عقاقير ذات تأثير نفسي قوي، لكنها لم تتمكن من تحديد الأفراد الراغبين في تقديم الكثير من المعلومات. وكتبت: «ما هو أكثر من ذلك، إذا وصل العلم إلى قاع الفودو في هايتي وأفريقيا، فسوف نجد أن بعض الأسرار الطبية المهمة، التي لا تزال غير معروفة للعلوم الطبية، تعطي قوتها، وليس مجرد طقوس غير طبيعية».
أفريقيا.. الأساطير المرتبطة بالزومبي
جرى افتراض أن أصل الزومبي في الثقافة الهايتية يعود إلى وسط إفريقيا أو غربها، وذلك طبقًا إلى مصطلحين لغويين أساسيين في لغة الكونغو، وهما: «nzambi» أو الإله، و«zumbi» أو الوثن. هذا الجذر يساعد على تشكيل أسماء العديد من الآلهة، بما في ذلك الإله الخالق للكونغو -طبقًا لمعتقداتهم- نزامبي مبونغو «Nzambi a Mpungu» والإله «Li Grand Zombi»، ويمثل الأخير النسخة المحلية من الإله دامبالا في هايتي، لكن المصطلحين أيضًا -في الواقع- يمثلان كلمة عامة للروح الإلهية.
المفهوم الأفريقي المشترك للكائنات تحت هذه الأسماء هو أكثر مماثلة لفكرة الزومبي، والزومبي النجمي في الثقافة الهايتية.
وهناك علاقة ذات صلة، أن فكرة الموتى الأحياء تعود إلى بعض جزر الكاريبي الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي تحتوي على نفس الكلمة الأصلية. كما ظهرت الكلمة أيضًا في جزر الهند الغربية الفرنسية، حيث جرى التعرف إلى بعض أنواع الزومبي المحليين، لكن الكلمة تحمل معنى روحيًّا أكثر من كونه ماديًّا، وبالتالي فإن الزومبي الذين عثروا عليهم لم يكونوا بالمعنى العادي للموتى الأحياء.
فكرة مخلوقات الزومبي المادية موجودة كذلك في بعض الثقافات في جنوب أفريقيا، حيث يطلق عليهم ألقاب xidachane و maduxwane، حسب المنطقة. في بعض المجتمعات، يعتقد أن شخصًا ميتًا يمكن أن يتحول إلى زومبي من خلال طفل صغير يدخل فيه. ويعتقد أيضًا أنه في بعض المناطق في جنوب أفريقيا يمكن للسحرة أن يحولوا شخصًا إلى زومبي، عن طريق قتل وحيازة جثة الضحية من أجل إرغامها على العمل مثل العبيد.
وبعد بناء خطوط السكك الحديدية لنقل العمال المهاجرين، ظهرت قصص عن «قطارات ساحرة». هذه القطارات ظهرت عادية، ولكن كان يعمل بها العمال المتحولون لزومبي الذين تسيطر عليهم ساحرة. ويمكن لهذه القطارات اختطاف أي شخص يصعد إليها في الليل، وبعد ذلك إما أن يتحول الشخص إلى عامل زومبي، أو يتم ضربه وإلقاؤه من القطار على مسافة بعيدة عن الموقع الأصلي.
الزومبي في الأدب والأفلام.. البداية من رواية فرانكشتاين
تتبع بعض الباحثين فكرة الزومبي أو الموتى الأحياء نفسها إلى بلاد ما بين النهرين، وتحديدًا إلى الإلهة عشتار التي هددت قائلة: «إذا لم تفتح البوابة كي آتي فسوف أحطم الباب وأكسر القفل، سأرفع الموتى وأجعلهم يأكلون الأحياء، وسيكون عدد الموتى أكثر من الأحياء». وتكرر هذا التهديد نفسه -لكن بطريقة معدلة- في ملحمة جلجاميش.
رواية «فرانكنشتاين» التي كتبتها ماري شيلي عام 1818، ورغم أنها ليست رواية للزومبي، إلا أنها تصور العديد من الأفكار المنتشرة الآن عن أن الموتى يعودون إلى الحياة بطريقة علمية، وليس بطريقة سحرية أو أسطورية، وأن القتلى بعدما يعودون إلى الحياة يكونون أكثر عنفًا.
في عشرينات القرن العشرين وأوائل الثلاثينات، كتب كاتب الرعب الأمريكي لوفكرافت العديد من الروايات التي استكشفت موضوع الموتى الأحياء. ولكن إحدى رواياته عام 1921، Herbert West–Reanimator أو هربرت ويست المعيد إلى الحياة، ساعدت على تحديد مفهوم الزومبي في الثقافة الشعبية. هذه السلسلة من القصص القصيرة أظهرت عالمًا مجنونًا يحاول إحياء الجثث البشرية مع نتائج مختلطة. والقتلى الذين تم إحياؤهم لا يمكن السيطرة عليهم، ومعظمهم من البكم البدائيين والعنيفين للغاية، وعلى الرغم من أنه لم تتم الإشارة لهم بأنهم «زومبي» صراحة، لكن المفهوم والفكرة كانت هي ذاتها.
ظهرت فكرة الزومبي المنتقمين بصورة بارزة في أوائل خمسينيات القرن العشرين، في قصص جورج روميرو المصورة. ربما كانت البداية نظريًّا على يد رواية ريتشارد ماثيسون في عام 1954 بعنوان «I Am Legend» أو أنا أسطورة، وعلى الرغم من تصنيفها على أنها قصة مصاص دماء، لكن كان لها تأثير في قصص روميرو المصورة اللاحقة. هذه الرواية ثم الفيلم المقتبس عنها The Last Man on Earth أو الرجل الأخير على سطح الأرض، الصادر عام 1964، والذي يحكي قصة الناجي البشري الوحيد الذي يشن حربًا ضد عالم من مصاصي الدماء، كان له تأثير لاحق قوي في فيلم روميرو عام 1968 بعنوان Night of the Living Dead أو ليلة الموتى الأحياء، وهو العمل الذي كان من شأنه أن يثبت أنه أكثر تأثيرًا على مفهوم الزومبي أكثر من أي عمل أدبي أو سينمائي قبله.
واليوم، يتم إطلاق الكثير من أفلام الزومبي لدرجة صدور ما لا يقل عن 55 فيلمًا في عام 2014 وحده، حتى أصبح ينظر إلى هذه الأفلام على أنها فئة فرعية منفصلة من أفلام الرعب.