قد يعتقد بعض مشجعي نادي برشلونة من صغار السن أن جوارديولا ربما يكون أسطورة النادي الأبرز لاعبًا ومدربًا، لكن يخبرنا تاريخ كرة القدم أن نادِيًا عريقًا مثل برشلونة، ومنذ تأسيسه على يد لاعب كرة القدم الإسباني خوان غامبر عام 1899؛ ظلّ أكثر من 90 عامًا دون أن يفوز بأعرق البطولات الأوروبية على مستوى الأندية؛ دوري أبطال أوروبا، إلى أن جاء يوم تجرأ فيه طفل هولندي صغير يعمل والده في محل للبقالة على تسلق سور النادي المجاور لمنزلهم لمشاهدة فريق أحلامه «أياكس» وهو يتمرن.
بعد 18 عامًا من هذه الواقعة انتقل الشاب إلى برشلونة، وبعد 37 عامًا من تسلقه جدران نادي طفولته، عبَر بوابة الأمجاد وجلب أول دوري أبطال في تاريخ برشلونة بفريق صنعه بنفسه وأشرف عليه حتى استحوذ على أوروبا بأسرها، ليطلق عليه الجميع حينها «فريق الأحلام».
هذا الطفل هو يوهان كرويف، الأب الروحي الملهم لعضو فرقة الأحلام تلك: بيب جوارديولا الذي غيّر كرويف حياته، فقام هو في المقابل بتغيير وجه كرة القدم.
لم آتِ هنا لكي أصنع التاريخ؛ لكن لكي أصنع تاريخي. *بيب جوارديولا عن برشلونة.
ما يجهله الكثيرون، هو أن جوارديولا المولود عام 1971 في كتالونيا، كان أحد أبرز الأعمدة لـ«الفريق الحُلم» لبرشلونة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي مع المدرب يوهان كرويف، والذي فاز بأربع بطولات دوري متتالية وبدوري أبطال أوروبا عام 1992.
لعب بيب في مركز متوسط الميدان المدافع، وهو المركز المحوريّ في كرة القدم الشاملة التي طوّرها كرويف، وتعتمد على فلسفة أن الفريق ككل لابد أن يهاجم كلاعب واحد، وعند ارتداد الكرة عليهم فإنه يدافع كلاعب واحد أيضًا. فلسفة استوعبها جيدًا جوارديولا واحتفظ بها في عقله إلى أن جاء عام 2009 ليُخرِج تلك الفلسفة مرة أخرى إلى النور بعد أن طوّرها وزاد عليها، ليقود بها فريقًا يراه عدد لا يمكن تجاهله من محللي ومشجعي كرة القدم بأنه أفضل فريق في تاريخ كرة القدم إلى جانب ميلان ساكي.
لأن الفلسفة وعلم النفس قد يغيران حياتك
مساء الأربعاء، السابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي فاز مانشستر سيتي على نيوكاسل يونايتد بهدف نظيف أحرزه رحيم ستيرلنغ، ليصبح جوارديولا المدرب الوحيد الذي يحقق +18 فوزًا متتاليًا في البريميرليغ على مدار تاريخه، وينافس نفسه على تحطيم رقمه السابق في بايرن ميونخ بـ19 فوزًا متتاليًا، أكبر نسبة في الدوريات الخمس الكبرى. إلا أن هذا الرقم لم ينكسر بعد، إذ تعادل السيتي سلبيًا في الجولة التي تلتها مع كريستال بالاس.
حقق جوارديولا طيلة مسيرته التدريبية 20 لقبًا، متفوقًا على مدربين كبار لم يصلوا لهذا الرقم طوال تاريخهم، وفي 10 سنوات فقط خاض الفيلسوف كما يناديه محبوه 400 مباراة، أي أن معدل فوزه يبلغ بطولة واحدة كل 20 مباراة فقط!
بالإضافة إلى هذا، فإن جوارديولا هو أصغر مدرب يحقق لقب دوري أبطال أوروبا عبر تاريخها (38 عامًا).
ربما تكفي الأرقام السابقة لوضع جوارديولا في مصاف مدربي كرة القدم العالمية، لكن السؤال الذي يبرز بقوة هو: ما السرّ الحقيقي وراء هذا النجاح في مسيرة جوارديولا؟
جوارديولا هددنا بمحو ذكورتنا إذا خسرنا أمام يوفنتوس. *توماس مولر لاعب بايرن ميونخ.
قبل الخوض في الجانب الفنيّ من عقل جوارديولا؛ ينبغي التركيز بشدة على تعامله النفسي مع اللاعبين، فما يميز جوارديولا أنه لا يتخذ نمطًا واحدًا في التعامل مع لاعبيه على عكس تعامله مع أفكاره التكتيكية، والتي لا يستطيع تغييرها أبدًا.
تارة يقوم جوارديولا بمنع البيتزا عن معسكر مانشستر سيتي، وتارة أخرى يقوم بتشغيل فيلم «Gladiator» للاعبي برشلونة ليلة نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2009 لتحفيزهم على الفوز، كما لا ينتقد بيب لاعبي فريقه علنًا حتى بعد الهزيمة، ويتبع في هذا فلسفة خاصة تعلمها من كرويف إذ يتحدث عنها فيقول: «هذا ما كان يفعله معنا كرويف، كان يطلب منا الكثير والكثير، ولكن عندما تكون هناك وتصبح واحدًا من فريقه، يتحول إلى حامٍ وراعٍ كبير لك، كان ليدفعك ويحثك على التدريب والعمل، وفي نفس الوقت يقوم بحمايتك إذا أخطأت، لقد كان أستاذًا في التعامل مع اللاعبين، كان يعلم متى يعنفك ومتى يقوم بحمايتك».
الجدير بالذكر أن المدرب الإسباني يتقن ستّ لغات، وقد أمضى أربع ساعات يوميًا يتعلم اللغة الألمانية قبل مجيئه إلى ألمانيا، وبعد اختياره من جانب إدارة النادي، رغم أنها كانت ستوفر له مترجمًا؛ إلا أنه أراد التواصل المباشر مع اللاعبين.
وفي المؤتمر الصحفي لتقديمه فاجأ الجميع بالتحدث باللغة الألمانية.
في عامه الأول مدربًا لبرشلونة؛ تخلص جوارديولا من نجوم كبار لم يكن أحد ليجرؤ على الاقتراب من مكانتهم في التشكيل الأساسي، فكيف بطردهم نهائيًا من النادي؟
رونالدينهو أفضل لاعب في العالم لعامي 2004 و2005 وأحد أمتع من لمس كرة القدم عبر التاريخ من وجهة نظر الكثيرين، وديكو متوسط الميدان البرتغالي وصاحب الدور المحوريّ في فريق برشلونة الفائز بدوري أبطال أوروبا عام 2006، وصامويل إيتو الهداف الخطير والذي كان على وشك الخروج مع زميليه السابقين، إلا أنه أمضى موسمًا آخر مع جوارديولا بعد تفانيه في التدريبات.
لم يتفاءل جمهور برشلونة كثيرًا بالمدرب الجديد، كيف وقد أقصى محبوبهم «راقص السامبا» من الفريق نهائيًا، وهو القادم لتوّه من فريق برشلونة (ب) بدون أي خبرات تدريبية سابقة في الدوريات الكُبرى، إلا أن «الفيلسوف» كما يُلقبه محبوه أخرج كل ما في عقله من أفكار كرويف بعد أن طوّرها وحسّنها؛ ليأتي بفريق أحلام من نوع خاص حقق السداسية التاريخية وسيطر على أوروبا بالكامل، ومع ذلك لم يتشبع ويكتف بهذه السنة، بل عاد وحقق 14 بطولة مع برشلونة من أصل 19 بطولة ممكنة. جوارديولا يعرف دائمًا كيف يحفز لاعبيه للبطولات.
في فريقي سأقتل من يشعرون بالرضا. *بيب متحدثا عن لاعبي مانشستر سيتي بعد 15 فوزًا متتاليًا في البريمرليغ.
أكذوبة «التيكي تاكا» وفلسفة بيب الخاصة
عام 2014 أصدر الصحفي الإسباني مارتي بيرارناو كتابًا عن بيب جوارديولا وعامه الأول مع بايرن ميونخ، في الكتاب أوضح المؤلف الذي رافق بيب في أوقات كثيرة طوال العام كيف يؤمن جوارديولا بفلسفته لأبعد مدى، وكيف يقوم بتطبيقها على اللاعبين.
لا يؤمن جوارديولا أنه اخترع أسلوبًا جديدًا في كرة القدم، رفض قبل ذلك تسمية ما يقدمه بأنها كرة القدم الخاصة به، أو أنها أفضل مما يقدمه سائر المدربين، تواضع كبير يظهره المدرب الإسباني الذي صال وجال في أرجاء أوروبا بأسلوب لعب عُرف لاحقًا بـ«التيكي تاكا»؛ فما هي

مصدر الصورة: Tiki Taka
تنقسم خطوط ملعب كرة القدم إلى ثلاثة أقسام: دفاع وخط وسط وهجوم، بالإضافة لحارس المرمى، مع جوارديولا ينكمش هذا المفهوم قليلًا ليصبح الفريق كله في حالة هجوم إذا امتلك الكرة، والفريق كله أيضًا في حالة دفاع إذا ارتدت عليه.
«تكمن الفكرة كلها في تمرير الكرة لأكبر عدد من المرات، بُغية توصيلها لمرمى الخصم، السرّ هو زيادة الحِمل على الفريق المنافس من خلال سحبه إلى جانب من الملعب، ومن ثم سيتركون نقطة ضعف في الجانب الآخر ومنها سنخترقه ونسجل هدفًا».
إذًا يرى جوارديولا أن أنسب طريقة للعب كرة القدم هي الاستحواذ الشامل عليها، من خلال التمريرات القصيرة – كما في الصورة – حتى مرمى الخصم، وبالتالي لا ينقسم الفريق إلى نصف مدافع ونصف مهاجم؛ بل يشارك الكُل في بناء الهجمة بدءًا من حارس المرمى وانتهاءً بالكرة في مرمى الخصم.
لذلك جلب جوارديولا أغلى حارس مرمى في التاريخ: البرازيلي إيدرسون لمستواه المتميز ولقدرته على اللعب بكلتا قدميه، وبناء الهجمة من الخلف وفقًا لأفكار جوارديولا بدلًا من إضاعة الكرة في الهواء.
«لم يلعب برشلونة التيكي تاكا، إنها فكرة مختلفة، لا تصدقوا هذا الأمر، الناس يظنون أن الفِرق التي تستحوذ على الكرة تفعل ذلك لغرض المتعة، غير صحيح، أنا أملك الكرة لكي أخلق عددًا كبيرًا من الفرص وأتلقى هجمات أقل».
لا يلعب جوارديولا بأسلوب الاستحواذ الشامل على الكرة لغرض المتعة ذاتها، أو إذلال الخصم أو حتى الظهور بمظهر جيد في الملعب، بل يلعبه ببساطة؛ لأنه الأسلوب الذي يؤمن به.
«لو كنت أملك اليقين بأنني إذا دافعت بمنطقتي طوال المباراة بعشرة لاعبين فسوف يحقق لي الفوز بجميع المباريات، كنت لأفعل ذلك دون أدنى شك، صدقني كنت لأفعل ذلك، لكني لا أثق في ذلك».
لا يعيب جوارديولا على غيره من المدربين الذين يفعلون ذلك، لا يراها كرة قدم قبيحة، ويعترف أنها لو كانت تضمن له الفوز لفعلها، وهذا سرّ آخر من فلسفة جوارديولا: العبْ بالطريقة التي تفوز بها.
جوارديولا والسيتي.. إخفاق ثم إبهار
لا يمكن النظر للنجاح الذي يحققه فريق مانشستر سيتي هذا الموسم وابتعاده بفارق كبير في القمة، دون النظر إلى الموسم السابق الذي شهد تولي جوارديولا مسؤولية تدريب الفريق، خلفًا للمدرب التشيلي مانويل بيليجريني، والذي حقق في ثلاث سنوات بطولة واحدة للدوري، ووصل لنصف نهائي أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي.
حين جاء جوارديولا للسيتي، أنفق في موسمه الأول 213 مليون يورو، جلب بهم مجموعة من اللاعبين من أجل مساعدته في تطبيق أفكاره؛ أبرزهم جون ستونز (55 مليون يورو) والذي كان آنذاك أغلى مدافع في تاريخ كرة القدم، وحارس برشلونة كلاوديو برافو بالإضافة إلى الألماني ليروي ساني.
بلغ معدّل أعمار الفريق مع جوارديولا في موسمه الأول 28.4 سنة، وهو الأعلى في البريميرليغ، وضمت تشكيلة السيتي العديد من اللاعبين فوق 30 عامًا مثل باكاري سانيا وكاباييرو ويايا توريه وزاباليتا. لقد ظنّ بيب أن هؤلاء اللاعبين بإمكانهم تشرّب طريقته في اللعب بحكم عامل الخبرة، إلا أنه خرج بإخفاق كبير من ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام موناكو، والذي امتلك تشكيلة شابة بأسماء غير معروفة حينها، كذلك خرج من بطولتي الكأس في إنجلترا وجاء الإخفاق الأكبر في الدوري الذي أنهاه في المركز الثالث بعد تشيلسي البطل وتوتنهام الوصيف.
كل هذه الإخفاقات جعلت المدرب الإسباني يشعل ثورة في سوق الانتقالات ليغير بها تمامًا شكل الفريق، فقبل بداية هذا الموسم قام جوارديولا بـ«مذبحة» الاستغناء عن اللاعبين؛ إذ تخلى نهائيًا عن 16 لاعبًا من الفريق، أبرزهم: الحارس كاباييرو، وساني، وزاباليتا وكولاروف.
في المقابل، قام بيب بسوق انتقالات تاريخية؛ إذ أنفق 246 مليون يورو وهو الرقم الأعلى على الإطلاق بالنسبة للسيتي طوال تاريخه، مقابل جلب ثمانية لاعبين مناسبين لأفكاره التكتيكية، كان أبرزهم «الأظهرة» التي احتاج إليها جوارديولا بشدة في العام السابق والتي يعتمد عليها في خطته، بينجامين ميندي وكايل والكر وبديله دانيلو.
نظرة عن قرب إلى خطة جوارديولا
يمكننا النظر لما فعله بيب جوارديولا هذا الموسم مع السيتي من خلال أخذ مباراة واحدة نموذجًا لما يقدمه الفريق، والبناء عليها لاكتشاف سبب التطور الكبير الذي حدث. المباراتان الأمتع للسيتي هذا الموسم كانتا أمام ستوك سيتي، والتي فاز فيها بسبعة أهداف مقابل هدفين، والأخرى كانت أمام توتنهام في الأسبوع الثامن عشر، والتي فاز بها بأربعة أهداف لهدف. بدراسة مباراة توتنهام، بالخصوص لأنّه وصيف الدوري العام الماضي وأحد أفضل الفرق من ناحية الأداء في إنجلترا في المواسم الأخيرة، كما أن مدربه بوتشيشنيو يفضّل دائمًا لعب كرة القدم المفتوحة وتطبيق الضغط العالي دون الركون للدفاع واللعب على المرتدات؛ يمكن القول قبل اللقاء إنه كان أول اختبار حقيقي لفريق السيتي أمام فريق بجودة عالية، يضغط عليه من الأمام ويمنعه من الاستحواذ على الكرة.

إحصائيات وتشكيلة الفريقين (whoscored).
دخل السيتي اللقاء بتشكيلة 4-4-3 التي اعتاد بيب عليها في الآونة الأخيرة، والتي تعتمد على ارتكاز واحد في منتصف الملعب متمثّل في فيرناندينيو، وبجواره دي بروين، المهاري الأشقر الذي يمتلك رؤية ثاقبة للأمام، وآخر يستخلص الكرة ويسلمها لأقرب لاعب من ثلاثي المقدمة ويساهم بالزيادة مع الفريق في أثناء الهجوم والضربات الثابتة (جوندوجان أو سيلفا)، وهي الطريقة التي أسفرت عن الهدف الأول للسيتي من ركنية ظهر فيها جوندوجان من العدم وأحرزها برأسه في المرمى.
دي بروين: منجم الذهب الخالص لمانشستر سيتي
ما جعل الرجل الذي درّب فريق السداسية لبرشلونة، والذي ضم حينها إنيستا وتشافي وميسي، وبعدها بايرن ميونخ بتشافي ألونسو وتوماس مولر وليفاندوفسكي، يخرج على الملأ ليصرح أن دي بروين هو «أحد أفضل اللاعبين الذين دربهم في حياته بعد ميسي»، هو أن البلجيكي يقدم مع مانشستر سيتي أداءً يعتبره الكثيرون الأفضل في البريميرليغ هذا الموسم.

دي بروين: الجوهرة التي لمع بريقها مع بيب، مصدر الصورة (the independent).
دي بروين الذي كان حبيس دكة مورينيو في تشيلسي وأدى بشكل جيد في فولسبورغ انفجر مع بيب في مانشستر سيتي، واستطاع جوارديولا تطويعه لأفكاره، فزاد عليه التزامًا دفاعيًا عند خروج الأظهرة، بالإضافة إلى صناعة اللعب، واستطاع أن يصبح أكثر لاعب صناعة للأهداف هذا الموسم بتسعة، وهو ما يتقنه البلجيكي بامتياز. لذا في مباراة توتنهام؛ ترجم كل هذا الإبداع الكروي على أرض الملعب، إذ أحرز هدفًا وتسبب بشكل مباشر في ضربة جزاء، ولم يكتف بهذا فقط، إذ كان أكثر لاعب استخلص الكرة من الفريقين (خمس مرات)، وأكثر من قام بمراوغات ناجحة على أرض الملعب (خمس مرات) وأكثر من لمس الكرة من الفريقين، وأكثر من صنع الفرص أيضًا بين لاعبي الفريقين.
«كيفن دي بروين لاعب مذهل، لا أصدق ما يفعله بالكرة، إنه يركض على أرض الملعب كلاعبي الرجبي»، لم يكن مستغربًا أن يخرج جوارديولا بعد المباراة بهذا التصريح.
رحيم ستيرلنغ هداف الفريق المغضوب عليه
ليس من المبالغة القول إن ستيرلنغ منذ قدومه إلى الفريق لم يقدم أداءً كبيرًا في الكثير من المباريات التي اشترك بها، إذ اشتهر بإضاعته الكثير من الفرص السهلة، كذلك تكاسله في أحيان كثيرة عن الضغط على المدافعين، وهو الركن الرئيس في خطة بيب بالاعتماد على الضغط من الأمام لاستخلاص الكرة.
مع مانشستر سيتي هذا الموسم أصبح رحيم ستيرلنغ هداف الفريق في الدوري (14 هدفًا وصنع أربعة أهداف) والقائم بدور المنقذ للفريق، إذ أحرز الكثير من الأهداف بعد الدقيقة 90، كان أهمها في الجولة الثالثة أمام بورنموث في الأسبوع الثالث في الدقيقة 97، وتكمن أهمية الفوز أنه جاء بعد تعادل الفريق مع إيفرتون، كما كان بداية سلسلة الفوز المتتالي والتي وصلت إلى 18 فوزًا لتتوقف عند كريستال بالاس.
ربما لا يزال يعيب رحيم إضاعته للفرص السهلة، فالفريق هو الأكثر إضاعة للفرص المحققة بين جميع فريق الدوري هذا الموسم (48 فرصة)، لكن اللاعب يقدم مجهودًا كبيرًا في ضغطه على المدافعين وإشغالهم برقابته، ليخلو الطريق لأجويرو وخيسوس في إحراز الأهداف.

على اليسار الخريطة الحرارية للاعبي السيتي الذين قطعوا كل شبر في الملعب تقريبًا! (whoscored).
دكة ريال مدريد التي انتقلت إلى السيتي
وصف الكثير من الخبراء دكة احتياط ريال مدريد الموسم الماضي – والذي أحرز فيه خمسة ألقاب – أنها الدكة الأفضل في العالم حينها، إذ كانت تضم فيها من لا يمكن أن يلعبوا بدلاء في أي نادٍ آخر سوى الريال، نتحدّث عن أمثال خاميس رودريجز، وألفارو موراتا، وبيبي وجاريث بيل وكوفاسيتش.
ما يبرر الإنفاق الكبير لجوارديولا هذا الموسم رغبته في بناء دكة قوية مثل الريال الموسم الماضي، تستطيع تقديم الإضافة له عندما يحتاج إليها، وهو ما حدث بالفعل أمام السبيرز.
مع توتنهام كانت لدى بيب دكة بدلاء بأسماء كبيرة، ولم تخذله عندما احتاج إليها، فقام بالدفع بفابيان ديلف بدلًا من المصاب بينجامين ميندي، وحل مسجّل الهدف الأول جوندوغان مكان ديفيد سيلفا. وفي الشوط الثاني قام بإدخال جابريل جيسوس الهداف البرازيلي الشاب وديفيد سيلفا وفودين. دكة البدلاء هذا العام لدى السيتي هي الأقوى في الدوري الإنجليزي سواء بقيمتها المادية أو الفنية، وهو ما ساعده على تحقيق إنجاز المبارات الثماني عشرة دون هزيمة.
الوجه الآخر للفيلسوف
ليس لدينا بترول بل أفكار، لدى سيتي البترول والأفكار؛ لذا يصبح الأمر أكثر فعالية معهم. *المدير الفني لنادي أرسنال: أرسين فينغر.

صورة لمدرب أرسنال التاريخي أرسين فينجر.
لا تبدو الصورة وردية تمامًا عند الحديث عن الفيلسوف، خاصة لدى منتقديه الذين يرون أن الأموال كان لها دور هائل في نجاحات جوارديولا. في تقرير نشرته صحيفة ماركا الإسبانية أوضحت أن المدرب الإسباني أنفق ما قيمته مليار دولار على الفرق الثلاث التي دربها حتى الآن في مسيرته؛ بـ341.5 مليون دولار مع برشلونة و203.9 مليون مع بايرن ميونخ و453 مليونًا مع مانشستر سيتي.
جوارديولا أنفق على الدفاع فقط هذا العام 178 مليون يورو في أربعة لاعبين فقط (إيدرسون ووالكر وميندي ودانيلو) وهو الأمر الذي دافع عنه موضحًا أن كل الفرق في أوروبا تنفق الأموال، ومذكرًا العالم أنه لعب نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2009 وفاز به وهو يمتلك ثمانية لاعبين من أكاديمية برشلونة «اللاماسيا» لم يكلفوا خزينة النادي دولارًا واحدًا.
صفقات مليونية حادت عن الطريق
إحدى أبرز السلبيات التي تواجه جوارديولا في مسيرته هي كثرة عدد اللاعبين الذين طلب التعاقد معهم بالملايين، ومن ثمّ لم يقدموا الأداء المنتظر بعد قدومهم.
زلاتان إبراهيموفيتش أتى لبرشلونة من إنتر ميلان مقابل 69.5 مليون دولار ومكث مع جوارديولا موسمًا واحدًا ثم رحل إلى ميلان مقابل 24 مليون دولار فقط. السيناريو نفسه تكرّر في إنجلترا، فحين أتى جوارديولا لمانشستر سيتي، كان جو هارت هو الحارس رقم واحد في الفريق، لكن جوارديولا استغنى عنه لأنه «لا يلعب بقدميه» وجلب كلاوديو برافو من برشلونة مقابل 23 مليون دولار، وهو أغلى لاعب فوق الـ30 عامًا وأحد أغلى 10 حراس مرمى في تاريخ كرة القدم.
لم يقدم برافو الأداء الذي كان مُتوقعًا منه، ليضعه بيب على الدكة في بداية الموسم الحالي ويستعين هذه المرة بإيدرسون أغلى حارس مرمى في التاريخ.
https://www.youtube.com/watch?v=pMx1AeT1UUk
يتربع الآن جوارديولا على عرش البريميرليج بفارق 15 نقطة عن أقرب منافسيه مانشستر يونايتد وبهزيمة واحدة فقط، وكان الفريق قد تأهل مسبقًا لثُمن نهائي دوري أبطال أوروبا وأوقعته القرعة مع فريق بازل السويسري، كذلك تأهل الفريق لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية ولدور الـ32 من بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي.
صحيح أن الفيلسوف لم يحقق أي بطولة حتى الآن مع السيتي، وربما يحق للكثيرين وصف موسمه السابق مع الفريق بالفاشل، إلا أن الموسم الحالي يقدم جوارديولا مع كتيبته أداء يراه مدرب نادي نابولي الإيطالي ماوريسيو ساري أفضل حتى من أداء نادي ريال مدريد بطل دوري أبطال أوروبا في الموسم السابق.
تعرض جوارديولا لهزيمة أولى هذا الموسم في الدوري أمام ليفربول، الأمر الذي لم يكن متوقعًا، إذ إنه بعد انطلاقة الفريق المبهرة في الدوري واكتساحه لمنافسيه الكبار بدا أن الوقت قد حان للحديث عن إمكانية تحقيق السيتي لدوري اللاهزيمة هذا الموسم، وهو الإنجاز الذي فشلت بتحقيقه كافة أندية البريميرليغ ما عدا أرسنال عام 2004، لكن الهزيمة أمام كلوب حطمت هذا الحلم، ليمنح جوارديولا أرسين فينغر ليلة هادئة نام فيها باطمئنان على إنجازه السابق رغم خسارته في الليلة نفسها لأول مرة في تاريخ أرسنال أمام بورنموث.
بالعودة إلى بيب فإنه يمتلك فرصة المنافسة على جميع البطولات هذا الموسم، ولو كرر إنجازه السابق نفسه مع برشلونة عام 2009 بالفوز بكل البطولات التي نافس عليها؛ فإنه سيصبح أول مدرب في تاريخ كرة القدم يحرز سبع بطولات في موسم واحد، فهل يستطيع فيلسوف كتالونيا أن يفعلها؟ الأيام القادمة ستجيب عن هذا السؤال.
«لا أقبل أن يخرج لاعب ويصرح أنه يحب أن يكون حرًا في الملعب، ويريد أن يلعب لنفسه، ينبغي عليه أن يفهم أنه جزء من الفريق مع عشرة لاعبين آخرين، لو أراد كل شخص أن يصبح هو موسيقار الجاز فسيتحول الأمر لفوضى، لن يصبحوا فريقًا واحدًا وحينها لن يحققوا أي شيء ممكن».