في بداية شهر أبريل (نيسان) الجاري، سافر الدبلوماسيون الإيرانيُّون إلى العاصمة النمساوية فيينا، لإجراء مفاوضات نووية مع باقي الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وهم: روسيا، وبريطانيا، وألمانيا، والصين، بالإضافة إلى دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، بهدف إحياء الصفقة النووية الإيرانية أو ما يعرف رسميًّا بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015».

يُقيم الفريق المفاوض النووي الإيراني في أحد فنادق مدينة فيينا، وفي فندق آخر مجاور، نزلَ الفريق المفاوض الأمريكي، وكان الدبلوماسيون الأوروبيون يجوبون ذهابًا وإيابًا بين كلا الفريقين، في أول محادثات نووية غير مباشرة بين واشنطن وطهران، منذ أن انسحب دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، من الصفقة النووية، في مايو (أيار) 2018.

نتحدث في هذا التقرير مع شخصيات من داخل إيران تشرح إلى أين وصلت المفاوضات في هذه اللحظة، وكيف تؤثِّر في السياسة الداخلية الإيرانية وخلافاتها الحالية قبيل الانتخابات الرئاسية المُقبلة في منتصف العام الحالي.

بداية مبشرة

في حملته الانتخابية الرئاسية، أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنه مستعد تمامًا للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إذا ما عادت إيران إلى الامتثال بكافة التزاماتها بموجب الاتفاق الأوَّل، بعد أن اتخذت طهران العديد من الخطوات التى تنتهك بعض بنود الصفقة النووية، منذ مايو 2019، غالبًا تقصد 2018؟ ردًّا على انسحاب واشنطن أحادي الجانب من الصفقة.

وفي المقابل، ردت طهران على الرئيس بايدن بأنها تعلمت الدرس جيدًا، ولن تعود إلى الامتثال الكامل بالصفقة النووية إلا بعد عودة واشنطن، فمن خرج أولًا عليه أن يعود أولًا.

Embed from Getty Images

 عباس عراقتشي، نائب وزير الخارجية الإيراني، ورئيس الفريق النووي المفاوض، في فيينا لعقد جولات المفاوضات

وفي الوقت الضائع في الخلاف على من سيعود أولًا، وبشكل مباغت، تكثَّف عمل القنوات الخلفية، وبالتحديد الجهود الفرنسية، بحسب دبلوماسي إيراني تحدث لـ«ساسة بوست»، لتبدأ المفاوضات غير المباشرة في فيينا.

في يوم 6 أبريل (نيسان) 2021، انتهت الجولة الأولى من هذه المفاوضات وهدفها الوحيد رفع العقوبات الأمريكية عن إيران لتعود إلى الاتفاق النووي.

خرج المسؤولون، سواءً الإيرانيُّون أم الأوروبيون والأمريكيون من هذه الجولة بنوع من التفاؤل الحذر، واصفين المفاوضات بأنها تبدو إيجابية وبناءة، ما أعطى جرعة من الأمل في إحياء الاتفاق النووي المنكوب مرة أخرى.

«فيضان العقوبات»

كانت النتيجة الأهم في الجولة الأولى من المفاوضات النووية التوصل إلى قرار إنشاء مجموعتي عمل من الخبراء: الأولى مختصة بوضع خطة ببنود الاتفاق النووي التي انتهكتها إيران، وطرق التراجع عنها، والمجموعة الثانية، تعمل على رسم خارطة الطريق التي يجب أن تتبعها الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات المفروضة على طهران.

حتى هذه اللحظة، يبدو أن الأمور تتقدَّم بشكل إيجابي، ولكن في الوقت نفسه صعب التنفيذ، تحدث دبلوماسي إيراني مُطلعٌ على مفاوضات فيينا، لـ«ساسة بوست»، مفضلًا عدم ذكر اسمه، عن أسباب صعوبة تنفيذ هذا المسار.

يقول الدبلوماسي: «مجموعة العمل الخاصة بالخطوات الإيرانية، من السهل تنفيذها، فمنذ البداية، أعلنت طهران مرارًا وتكرارًا، أن الخطوات التي اتخذتها لتخفيف التزامها ببنود الاتفاق النووي، جميعها قابلة للتراجع، الصعوبة عند الأمريكيين».

مجموعة العمل الخاصة بالقائمة الأمريكية لرفع العقوبات هي الأكثر تعقيدًا، بسبب الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب السابقة.

فبعد أن أعلن ترامب انسحابه من الصفقة النووية، فرض من جديد جميع العقوبات النووية التي كانت مفروضة على طهران قبل الاتفاق النووي، ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد لجأت إدارة ترامب إلى ما أسمته بـ«جدار العقوبات»، بالإضافة لسياسة «الضغط الأقصى» التي انتهجتها ضد طهران.

«جدار العقوبات»، هو التحدي الحقيقي أمام إدارة بايدن لاستكمال المفاوضات غير المباشرة مع إيران بشكل فعال وناجح؛ إذ عملت إدارة ترامب باستمرار على تقوية جدار العقوبات لتكون الصخرة الضخمة، وعقبةً، في وجه أي إدارة مستقبلية تنوي العودة إلى الصفقة النووية.

فما هو الجدار؟ هو عقوبات أخرى غير مرتبطة بالملف النووي، مثل عقوبات جرائم «تمويل الإرهاب»، وانتهاك حقوق الإنسان، ومع العقوبات النووية استهدفت الولايات المتحدة أغلب القطاعات الإيرانية، ما وضع البلاد على حافة الانهيار الاقتصادي.

علي بيكدلي، أستاذ علاقات دولية ومحلل سياسي إيراني، يقول في حديث لـ«ساسة بوست» أنَّه: «من السهل رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، لكن إدارة بايدن ستواجه حملة شرسة من المسؤولين الأمريكيين إذا حاول رفع العقوبات غير النووية، وسيُتهم بدعمه للإرهاب».

وبالعودة إلى مفاوضات فيينا، أكد عباس عراقتشي، نائب وزير الخارجية الإيراني، ورئيس الفريق النووي المفاوض، أن طهران مُصرَّة على رفع كافة العقوبات الأمريكية سواءً كانت نووية أم غير نووية.

ربما يبدو الإصرار الإيراني تعنتًا، لكن عقوبات إدارة ترامب المرتبطة بـ«الإرهاب» واسعة وقاسية؛ إذ فرضت عقوبات «الإرهاب» على البنك المركزي الإيراني، ووزارة النفط، وشركة النفط المملوكة للدولة، بالإضافة لعقوبات أخرى شملت القطاع المالي الإيراني بأكمله، وقطاعات إنتاجية أخرى.

ويقول بيكدلي لـ«ساسة بوست»: «العقوبات المتعلقة بالإرهاب والمفروضة على البنك المركزي وشركة النفط، هما أساس الأزمة الحالية الخاصة برفع إدارة بايدن للعقوبات، إذ تدرك إدارة بايدن أن أغلب العقوبات المتعلقة بالإرهاب مُسيَّسة» وفي الوقت نفسه «يحتاج رفعها إلى مواجهة سياسية داخل واشنطن، وإرادة قوية من بايدن».

ويرى الدبلوماسي الإيراني، أن أساس مفاوضات فيينا، هو رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، ويقول «أي حديث عن عودة البلدين إلى الصفقة النووية دون خطوات ملموسة وجادة من الإدارة الأمريكية لرفع جميع العقوبات، هو محض هراء، وخطأ فادح يجب تجنبه في المحادثات الأخيرة».

ومن الجدير بالذكر أنه بعد إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، سرَّعت إدارة ترامب خطواتها قبل خروجها من البيت الأبيض، لتنفذ خطتها بفرض عقوبات جديدة ضد إيران بشكل أسبوعي حتى يوم تنصيب بايدن في 20 يناير (كانون الثاني) 2021.

هجوم نطنز.. محاولات إسرائيلية لتخريب المفاوضات؟

في يوم 11 أبريل (نيسان) 2021، استُهدفت المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية في نطنز، بانفجار في نفق تحت الأرض في داخله كابلات الكهرباء الاحتياطية ما أدى لقطع الطاقة عن أجهزة الطرد المركزي في المنشآت أثناء عملها على تخصيب اليورانيوم.

جاء الهجوم بعد يوم واحد فقط من احتفال الجمهورية الإسلامية الإيرانية باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية، وهو احتفال سنوي لاستعراض المنجزات النووية الإيرانية، وهذا العام كشفت طهران عن أجهزة طرد مركزي من أنواع جديدة، طراز «IR-5»، وَ«IR-6»، وَ«IR-9»، وجميعها أجهزة متطورة وذات كفاءة عالية.

ويقول فريدون عباسي، رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني، في حديث مع «ساسة بوست»: «تم تدمير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في نطنز، الانفجار كان كبيرًا، خسرنا الكثير من الأجهزة والوقت والأموال والمجهود».

سارعت إيران باتهام إسرائيل بالوقوف وراء هذه الحادثة التي لم تكن الأولى، إذ استُهدفت منشأة نطنز في العام الماضي ضمن سلسلة من الانفجارات الغامضة، التي انتشرت في طهران عام 2020.

Embed from Getty Images

الرئيس الإيراني حسن روحاني، في احتفال إيران باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية، وفي الصورة الثانية مهندسٌ إيراني يبدأ تشغيل إحدى العمليات في منشأة نطنز، قبل يومٍ واحد من الهجوم عليها.

في المقابل لم تؤكِّد إسرائيل علنًا وقوفها وراء الهجوم الأخير على منشأة نطنز الإيرانية، ولكن مسؤولين استخبارات أمريكيين وإسرائيليين قالوا لصحيفة «نيويورك تايمز» إنها كانت عملية سرية إسرائيلية.

يأتي هجوم نطنز فى وقت حساس للغاية، بينما تسير المفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران بشكل جيد، حتى وإن كان بطيئًا، وسط الكثير من الإشارات الإيجابية لاحتمال قريب لعودة كلا البلدين إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

ووصف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الهجوم الأخير، بأنه إرهاب نووي، وجريمة حرب، وأبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها ستبدأ بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، بعد أن كانت إيران تخصب اليورانيوم بنسبة 20%، وهي نسبة أكثر من المتفق عليها ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والتي تنص على أن تكتفي طهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67%، باستخدام أجهزة طرد مركزي منخفضة الكفاءة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية الإيراني رامين خضريان، لـ«ساسة بوست»: «الهجوم الإسرائيلي الأخير على منشأة نطنز، ليس هدفه عرقلة البرنامج النووي الإيراني؛ بل هو محاولة إسرائيلية لنسف أي نجاح للدبلوماسية بين واشنطن وطهران، تريد تل أبيب جر طهران إلى حرب غير مباشرة، وإثارة رد فعل قوي من المسؤولين الإيرانيين، لتُعطِّل مفاوضات فيينا إلى أجل غير مسمى».

«إيران لم تبتلع الطُعم»

بعد الهجوم على منشأة نطنز الإيرانية تعالت أصوات التيار المحافظ الإيراني لوقف المفاوضات النووية في فيينا، وضرورة الرد على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت النووية الإيرانية.

ففي أعقاب الهجوم طالب العديد من المسؤولين والنواب البرلمانيين المحسوبين على التيار المحافظ بضرورة التحقيق فى الاختراق الأمني للبلاد، وعودة المفاوضين الإيرانيين إلى إيران والانسحاب من مفاوضات فيينا.

النائب البرلماني الأصولي، أبو الفضل عموئي، واحدٌ من المؤيدين للانسحاب من مفاوضات فيينا والمتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، يقول لـ«ساسة بوست»: «لماذا نتفاوض؟ إسرائيل تستهدف منشآتنا النووية بعلم واشنطن، هؤلاء ليسوا جديرين بالثقة، مهما حدث، لا بد أن يحفظ المفاوضون الإيرانيُّون كرامتهم وكرامة شعبهم ويعودوا إلى وطنهم».

وضع هجوم نطنز إيران بين خيارين، الأول هو الرد بالقوة على استمرار الاستهداف الإسرائيلي لبرنامجها النووي، والانصياع إلى الأصوات التي تطالب بردٍّ ناريٍّ يليق بالجمهورية الإسلامية، والخيار الثاني: تجاهل الأمر، والتحلي بالصبر الإستراتيجي واستكمال المفاوضات النووية.

يرى السيد خضريان، أستاذ العلوم السياسية، أن طهران وظَّفت كلا الخيارين، ويقول لـ«ساسة بوست»: «الرد على العدوان الإسرائيلي جاء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، بإرسال رسالة إيرانية للعالم بأكمله أن استهداف برنامجها النووي لن يعوقها؛ بل سيزيد من إصرارها على استكماله مهما كلفها الأمر، وفي الوقت نفسه، قررت المضي قدمًا في مفاوضات فيينا، ولم تبتلع الطُعم».

في يوم 14 أبريل تدخل الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ودعمَ المفاوضين النوويين الإيرانيين في فيينا، قائلًا: «إن حكومة حسن روحاني قررت التفاوض، وليس لديه مشكلة في ذلك»، كما أعرب عن أمله في أن يمنح الله بركاته للمفاوضين الإيرانيين حتى يسعدوا الشعب الإيراني، ولكنه في الوقت نفسه، أكَّد ضرورة عدم إطالة الوقت والاستنزاف في المفاوضات أكثر من اللازم.

ويُعقب على هذه التصريحات دبلوماسي إيراني لـ«ساسة بوست»: «أظهر آية الله خامنئي دعمه للمفاوضين الإيرانيين من خلال رسائل مباشرة لهم، وأعرب لهم بشكل خاص عن تفاؤله بعملهم الدؤوب في فيينا».

هل تؤثِّر الانتخابات الإيرانية في المفاوضات؟

أثارت المفاوضات النووية الجارية فى فيينا، صراعًا سياسيًّا داخل الجمهورية الإسلامية، يخشى التيار المحافظ الذي يضع عينه على منصب الرئاسة، أن تحرز المفاوضات الحالية تقدمًا كبيرًا يصب فى مصلحة الإصلاحيين، فإذا نجحت إدارة الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني في تحقيق هدفها ورفعت الولايات المتحدة العقوبات وامتثلت مجددًا للاتفاق النووي، فسينتعش الاقتصاد الإيراني، إذ بمجرد الإعلان عن إيجابية المفاوضات ارتفعت قيمة الريال الإيراني بنسبة 2% أمام الدولار الأمريكي، بعد أن فقد أكثر من نصف قيمته في السنوات الثلاثة الماضية.

وعن هذا السيناريو يقول أستاذ العلوم السياسية رامين خضريان لـ«ساسة بوست»: «نجاح إدارة روحاني في إحياء الاتفاق النووي، تعني زيادة شعبية الإصلاحيين مرة أخرى، ووضع المحافظين في مربع الخطر في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولذا يهاجمون مفاوضات فيينا بشتى الطرق».

هذا القلق من نتائج المفاوضات وأثرها في الانتخابات علنيٌّ الآن في إيران؛ إذ صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 14 أبريل منتقدًا المحافظين الرافضين للمفاوضات، قائلًا: «يشعر البعض بالقلق من أن تسفر المفاوضات عن نتائج قريبًا، وبالتالي قد يواجهون مشكلات في الانتخابات».

وكلما زاد الحديث عن قرب التوصل إلى نتيجة مرضية للمفاوضات النووية اشتدَّ هجوم المحافظين على إدارة روحاني وفريق التفاوض النووي، وبالرغم من إعلان المرشد آية الله خامنئي دعمه الواضح والصريح للفريق المفاوض، فإن أنصاره من المحافظين لم يتبعوه في هذا الموقف، على عكس المتوقع.

ففي يوم 20 أبريل قال كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقتشي، إن فريقه في فيينا يمضي على أساس المبادئ التوجيهية التي قدمتها القيادة السياسية العليا في إيران، مؤكدًا التزام فريقه بالخطوط الحمراء لآية الله خامنئي، والتي تتمثل في ضرورة رفع جميع العقوبات الأمريكية مقابل الالتزام الإيراني.

ولكن على الجهة المقابلة، واصل التلفزيون الإيراني الحكومي، والذي يسيطر عليه المحافظون، حربه على الفريق المفاوض في فيينا، فعرض في يوم 20 أبريل، فيلمًا وثائقيًّا بعنوان «نهاية اللعبة»، ينتقد الفيلم الاتفاق النووي بأكمله، وينتقد روحاني ووزير الخارجية، جواد ظريف.

وقبل أسابيع قليلة عرض التلفزيون الإيراني الحكومي الجزء الثاني من المسلسل التشويقي «غاندو»، وغاندو هو نوع من التماسيح التي تعيش في إيران، وفي المسلسل تُصوَّر شخصيةٌ مشابهةٌ في الشكل لجواد ظريف، ويتجسس هو وفريقه النووي المفاوض لصالح جهات غربية، ما أثار جدلًا في الأوساط الإيرانية.

مقطع عن الجدل الذي أثاره الموسم الأول لمسلسل غاندو في الأوساط الإيرانية

فلماذا ظريف تحديدًا؟ يجيب السيد خضريان، أستاذ العلوم السياسية قائلًا إن المحافظين يستهدفون «ظريفًا بشكل مكثف هذه الأيام، خوفًا من أن يلبي الدعوات الموجهة له بالترشح للانتخابات الرئاسية، وهم يعلمون أن فرص فوزه عالية».

«المرونة البطولية» لخامنئي

قبل بدء التفاوض طالبت أصوات أمريكية إدارة بايدن بضرورة الإسراع في إنهاء الجمود المحيط بالاتفاق النووي قبل أن تنتخب الجمهورية الإسلامية رئيسًا جديدًا فى يونيو (حزيران) المقبل، خاصةً وأن أغلب المراقبين يتوقعون أن يكون الرئيس الإيراني المقبل محافظًا.

ولكن أصواتًا أمريكية أخرى تدعو لوضع اتفاقية نووية جديدة، ولكن يشتمل التفاوض على برنامج الصواريخ الباليستية أيضًا.

وقبل بدء مفاوضات فيينا بأسابيع قليلة، قال المرشد الأعلى آية الله خامنئي في خطابه بمناسبة السنة الفارسية الجديدة «إننا لسنا في عجلة من أمرنا للعودة إلى الاتفاق النووي».

ولكن في النهاية أدرك كلا الطرفين أن الوقت يداهمهم، وأن التوصل لاتفاق جديد يستلزم مفاوضات طويلة تمتد لشهور وربما سنوات.

وتراجع آية الله خامنئي عن حديثه في مارس (آذار) الماضي، وأكَّد أنه لا يجب إطالة وقت المفاوضات، وقرر اللجوء إلى «المرونة البطولية»، التي استخدمها قبل سنوات أثناء المفاوضات النووية، بابتعاده عن المواقف الصارمة والشعارات التي تُظهر إيران لامبالية. وفي سبتمبر (أيلول) عام 2013، استخدم آية الله خامنئي مصطلح «المرونة البطولية»، لأول مرة، في اجتماع له بقادة الحرس الثوري، للحديث عن المفاوضات النووية في ذلك الوقت.

«المرونة البطولية» سياسةٌ اشتقَّها الزعيم الأعلى خامنئي من اتفاق الصلح بين الإمام الثاني لدى الشيعة، الحسن بن علي، وبين معاوية بن أبي سفيان.

تسمحُ هذه السياسة لإيران أن تبدي مرونةً دبلوماسية أو سياسية مع الخصم، ولكن دون نسيان حقيقة هذا الخصم أو نسيان الهدف الرئيس لإيران، وتكون هذه المرونة لتحقيق بعض المكاسب التي يمكن أن تنفع البلاد، دون التخلِّي عن الرؤية الأساسية.

Embed from Getty Images

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي 

بالعودة إلى الوضع الاقتصادي السيئ حاليًا لإيران، صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها للعقوبات، وصحيحٌ أن اقتصاد إيران اكتسب شيئًا من المرونة في السنوات الماضية جعله قادرًا على التكيُّف مع الضغط، إلا أن الموجة هذه المرة أشدّ، خاصةً مع الأزمات الاقتصادية التي سبَّبها وباء كورونا.

حميد بور محمدي، محلل اقتصادي إيراني، يصف حقيقة الوضع الاقتصادي لإيران في حديثه لـ«ساسة بوست» قائلًا: «وفقًا للأرقام الرسمية وصل معدل التضخم في إيران إلى 49%، لكننا نعلم أن الأرقام الحقيقية أكثر من ذلك، كما أن الناتج المحلي انخفض بنسبة 1.2% في عام 2020».

هذه الأثقال الاقتصادية ستقع بالكامل على الإدارة الإيرانية الجديدة إذا لم يتم التوصل إلى حل إيجابي في مفاوضات فيينا الحالية. ويأملُ آية الله خامنئي ألا تتعرض الإدارة المستقبلية، والتي يُفضل أن تكون محافظة، إلى احتجاجات شعبية على الأوضاع الاقتصادية قد تهدد استقرار البلاد، ولذا لجأ إلى مرونته في الوقت المناسب، ووقف بكامل قوته خلف الفريق المفاوض في فيينا، لإنجاح محاولة إعادة الاتفاق النووي إلى الحياة مرة أخرى.

لواشنطن مصلحتها أيضًا في التوصل إلى حل مع إيران في أسرع وقت

أقر البرلمان الإيراني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 خطةً إستراتيجية لرفع العقوبات عن الشعب الايراني، ردَّ فعل على اغتيال العالم النووي البارز، محسن فخري زاده.

تضمنت الخطة إلزام الحكومة، ضمنَ أمور أخرى، بوقف العمل بالبروتوكول الإضافي، الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش المستمر للمنشآت النووية الإيرانية.

منطقة الشرق

منذ سنتين
هل يُجبر «قانون البرلمان الإيراني الجديد» واشنطن على العودة للاتفاق النووي؟

في زيارته إلى طهران، توصَّل رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى اتفاق مع إدارة روحاني، ينصُّ على توقف عمل المفتشين الدوليين، ولكن في الوقت نفسه تحتفظ الجمهورية الإسلامية بالمعلومات النووية التي تسجلها الكاميرات في المنشآت النووية، وإذا عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي، ستسلِّم طهران هذه التسجيلات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإذا حدث العكس، ستمحو طهران جميع ما سجلته وسيعود البرنامج النووي الإيراني إلى سريته مرة أخرى.

مدَّة هذا الاتفاق ثلاثة أشهر، وسينتهي في غضون أقل من شهر، وبجانب إعلان طهران الأخير عن تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، سيكون أمامها القليل من الوقت لإنتاج سلاح نووي، وهو ما يُقلق الإدارة الأمريكية ويدفعها للتحرك سريعًا لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

العودة إلى الاتفاق النووي باتت قريبة للغاية

التصريحات الدبلوماسية في الأيام الماضية متفائلة؛ فمثلًا صرَّح السفير الروسي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قائلًا إنَّ المحادثات وصلت إلى مرحلة الصياغة النهائية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بأن المفاوضات في فيينا أحرزت تقدمًا جيدًا في طريق عودة الولايات المتحدة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

وفي حديثه لـ«ساسة بوست»، يرى الدبلوماسي الإيراني أن كل الإشارات والرسائل القادمة من فيينا مبشرة للغاية، فـ«في خلال أسابيع سيكون هناك أخبار سعيدة، المحادثات كانت معقدة في بعض الأحيان، وبطيئة في أحيان أخرى، ولكن النتيجة النهائية قريبة جدًّا».

وبخصوص رفع إدارة بايدن العقوبات المفروضة ضد طهران، قال الدبلوماسي الإيراني، الذي فضل عدم ذكر اسمه، «رفع العقوبات بأكملها، كان أهم شرط لطهران من أجل العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، وبما أننا ننتظر نتيجة إيجابية قريبة، فمن المؤكد أن هناك تقدمًا كبيرًا في أمر رفع العقوبات».

 

المصادر

تحميل المزيد