وقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في يوم  28 سبتمبر (أيلول) 2019، على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وأعلن من هناك أنه سيدعو فور عودته لرام الله إلى الانتخابات الفلسطينية العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.

قال عباس متحمسًا أيضًا إنه سُيحمّل من يعترض علي إجراء الانتخابات الفلسطينية المسؤولية قاصدًا بذلك غريمته «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، لكن وضع عباس لكرة الانتخابات الفلسطينية في ملعب «حركة حماس»، دفع الأخيرة لمفاجأته بسرعة التأكيد أنها مستعدة لإجراء انتخابات عامة شاملة، أي تتضمن انتخابات رئاسية وتشريعية، وانتخابات المجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.

الخطوات السابقة ألقت بظلالها على إشكالية الفلسطينيين مع الانتخابات الفلسطينية، إذ أعقب فوز «حركة حماس» في آخر انتخابات تشريعية تمت عام 2006، دخولهم بعدها في بوتقة الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي أفرز حكومتين منفصلتين منذ أحداث الانقسام عام 2007، وهو واقع أبقى على انتهاء الولاية القانونية والدستورية للرئيس عباس والمجلس التشريعي الفلسطيني منذ 14 عامًا.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ 4 سنوات
دليلك المبسط لفهم القضية الفلسطينية في 5 محطات

الانتخابات الفلسطينية.. رغبة حقيقة أم مناورة سياسية؟

وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ديسمبر (كانون الأول) 2018 بإجراء الانتخابات في فلسطين في غضون ستة أشهر، وشكل هذا الوعد محطة هامة بعد مرور 13 عامًا على تعطيل الانتخابات الفلسطينية، سواء الرئاسية منها أو التشريعية.

حنا ناصر يسلم هنية خطاب الانتخابات من عباس

فعليًا، بدأ اتخاذ خطوات تنفيذية نحو التحضير للانتخابات التشريعية البرلمانية ثم الرئاسية، حين كلّف الرئيس عباس في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2019، رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنّا ناصر، بالتواصل مباشرة مع الفصائل والجهات المعنيّة، من أجل التحضير لإجراء هذه الانتخابات.

ورغم أنه لم يتفاءل الكثير من المراقبين بهذه الخطوة أيضًا واعتبروها مجرد «مناورة سياسية»، إلا أنه قد تجري بالفعل في فبراير (شباط) 2020 ، خاصة أن «حركة حماس» التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007 سارت في ركب ما يريده عباس، وقبلت عرضه، ثم أخذت تلقي بشروطها، وأهمها أنه يجب أن تعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل متزامن، بحيث لا يتم الفصل بينهما، كما يريد الرئيس عباس.

الخطوة الفعلية من «حماس» كانت في ردها الخطي على طلب عباس عبر رئيس لجنة الانتخابات حنا ناصر، حدث ذلك في 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، فقالت الحركة أنها ستشارك في الانتخابات المزمع تنظيمها.

يأمل أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس، هاني البسوس أن تمثل الانتخابات نقطة تحول في الخارطة السياسية الفلسطينية وتؤدي إلى ضخ دماء جديدة في الجسد السياسي الفلسطيني، بإفراز  قيادات من الصف الأول والثاني لتمثيل الشعب الفلسطيني على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

لكن البسوس يقول بلهجة المتأسف: «يجب ألا نفرط في التفاؤل»، ويبين: «المشكلة ستكون في تطبيق والتسليم بالنتائج، وستكون في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وكذلك في مدى التنسيق مع الفصائل الفلسطينية، خاصة فصائل المقاومة التي ليس من السهل أن تقبل بالخارطة السياسية الجديدة»، لكن البسوس يقطع تخوفاته أثناء حديثه لـ«ساسة بوست» بالقول: «قد يُحدث الضغط الشعبي على الفصائل قبول بالنتائج».

ونأخذ البسوس في حالة توقع لما سيحدث، فيقول إن حالة الاستقطاب ستكون على أوجها بين الغريمين «حركة حماس» و«حركة فتح» والمستقلين بقدر ما لديهم من تنظيم ودعم وقوائم قوية ومدى شعبيتها، متوقعًا أن تكون النسب موزعة بين «حماس» و«فتح» والمستقلين بنسب قريبة.

وإذا ما استعنا بما تظهره استطلاعات الرأي الأخيرة، يكشف استطلاع حديث للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة: «أن 39% سيصوتون لصالح (حركة فتح) في حال أجريت انتخابات فلسطينية تشريعية، فيما ستبلغ نسبة التصويت لـ«حركة حماس» 32%، فيما قال 51% من سكان قطاع غزة إنهم سيصوتون لهنية في الانتخابات الرئاسية»، وبفارق غير كبير قال: «47% من سكان القطاع إنهم سينتخبون الرئيس عباس، أما في الضفة فيحصل عباس على 55% (مقارنة مع 46% قبل ثلاثة أشهر في استطلاع سابق) وهنية على 33% (مقارنة مع 41 % قبل ثلاثة أشهر)».

الاحتلال الإسرائيلي

منذ 4 سنوات
لو قامت حرب على غزة الآن.. هل تستطيع «حماس» الصمود؟

«حماس» في الضفة ودحلان في غزة

استبقت إسرائيل كافة التحركات الفلسطينية الأخيرة لتحضير انتخابات فلسطينية، عندما تحدثت عن تقديرات لديها أن «حركة حماس» قد تفوز في الانتخابات التشريعية في حال إجرائها، وبالرغم من استبعاد حكومة الاحتلال أن تجري مثل هذه الانتخابات في عهد محمود عباس، خوفًا من سيطرة «حركة حماس» عبر الانتخابات على الضفة الغربية أيضًا، إلا أنه حسب صحيفة «يسرائيل هيوم» فإن «الانتخابات التشريعية، في حال تم إجراؤها، ستفضي إلى فوز «حركة حماس» على «حركة فتح»، وسيطرتها على الحكم في السلطة الفلسطينية، عبر إقصاء وطرد عنيف لرجال «فتح» من كافة مؤسسات الحكم ومؤسسات الحكومة والأجهزة الأمنية المختلفة للسلطة الفلسطينية».

محمد دحلان وإسماعيل هنية

على العكس، تدرك «حماس» أكثر – من وجهة نظرها – أن عملية فوزها في انتخابات الضفة الغربية صعبة للغاية؛ فهناك من يتربص بها أكثر من طرف، فالاحتلال الذي سيبدأ بملاحقة يومية ممنهجة بالشراكة مع أجهزة الأمن الفلسطينيّة لعناصرها ومؤيديها، وكذلك تفتقر  الحركة في الضفة الغربية إلى بنية تنظيمية، ويقتصر وجودها على مجرد مؤيّدين، وليس على كوادر تنظيمية أسوة بغزة، فيما إذا ما تحقق فوزها فليس من السهل على إسرائيل ألا تعترف بنتائج الانتخابات، وتقضي على كل تحرك للحركة بحكم احتلالها لمناطق الضفة الغربية والقدس.

وهنا يوضح  أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية (الخليل)، عثمان عثمان، أن «أي حكومة سيتم تشكيلها لن تسمح إسرائيل لأعضاء من (حماس) – تتهمهم بالإرهاب – بحرية الحركة داخليًا، أو تنقلهم إلى الخارج».

لكن هل تكون مفاجأة أخرى، ويفوز القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان؟ يجيب عثمان: «لا أعتقد أن هناك نفوذ لدحلان في الضفة الغربية قد يكون نفوذه في قطاع غزة أكثر من الضفة الغربية إعلاميًا ووطنيًا، لكن السمعة غير جيدة للرجل لن تسمح له بالوصول، وهذه نقطة حسم من الواجب التوافق عليها بين جميع الفصائل حتى لا يختلط الحابل بالنابل».

فيما لا يستبعد الأكاديمي هاني البسوس أن تحدث مفاجأة، فيقول: «بالإضافة إلى قوة «حماس» ونفوذها في قطاع غزة، هناك احتمال فوز تيار دحلان بنسبة لا بأس بها في المجلس التشريعي بقطاع غزة، وهناك احتمال كبير بفوز أحد قوائم المستقلين بنسبة تنافس فيها «حركة فتح» و«حركة حماس» إذا كانت القائمة منظمة وتضم شخصيات وطنية مستقلة وازنة ومدعومة من بعض الفصائل، ولها حاضنة شعبية».

سيناريوهات إجراء الانتخابات الفلسطينية

من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية (الخليل)، عثمان عثمان فإن الشواهد على الأرض لا تُبشر بإمكانية إجراء الانتخابات، بالرغم من التوافق الوطني عليها، والرد الإيجابي الذي قدمته «حركة حماس» قبل أيام.

ويبين أسبابه بالقول: «إجراء انتخابات في القدس الشرقية مع الضفة المحتلة وقطاع غزة ضربة قوية لقرارات إدارة ترامب، ولهذا فإن إسرائيل سترفضها بشكل واضح»، ويتابع القول: «إمكانية موافقة وتأييد الأوروبيين لإجراء تلك الانتخابات حاضرة، فقد أيدوا الانتخابات التي جرت في عام 2006، لكن هذا التأييد لا يُعول عليه؛ لكونهم لا يملكون دورًا فاعلًا ومؤثرًا في القضية الفلسطينية».

أما عن الأسباب الداخلية فيقول عثمان لـ«ساسة بوست»: «أي انتخابات سوف تتم هي انتخابات للسلطة الفلسطينية، وليس للمجلس الوطني الفلسطيني، وهذا ما يُضعف نتائجها في ظل أن صلاحية السلطة الفلسطينية أدنى بكثير من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية»، واسترسل قائلًا: «إن إجراء انتخابات على صعيد السلطة دون أن تتزامن مع انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير من شأنه أن يُعيد الفلسطينيين إلى الكرة الأولى، فليس من السهل تنازل قيادة منظمة التحرير عن صلاحياتها انطلاقًا من قيادة الشعب الفلسطيني في غزة».

ويوضح عثمان أن التنافس الذي سيجري سيكون مختلفًا، فتأثر «حركة حماس» في قطاع غزة سيكون أكثر منها في الضفة الغربية حيث إنها في الأخير مهمشة، وليست صاحبة قرار، مؤكدًا أن الذي يمتلك القرار يُخطئ، ويُمارس سلوكيات خاطئة يدفع ثمنها في صندوق الاقتراع، وهذا ما يُشير إلى أن عدم امتلاك «حماس» الصلاحية في الضفة الغربية من شأنه أن يزيد شعبيتها أكثر من «حركة فتح»، بالإضافة إلى أن «حركة حماس» ودخولها في الحكم لا يؤدي إلى تراجع مكانتها، خاصة وأن جماهيريتها أكثر بكثير مما كانت عليه في العام 2006، بحسب تقديراته.

ويعتقد عثمان أن ليس من المهم رجحان كفة أي من الطرفين وكسبه الانتخابات، سواء «فتح» أو «حماس»، بقدر ما هو مهم إيجاد اتفاق مُلزم لكل الفصائل، أي أنّه إذا تشكلت حكومة بعد الانتخابات يجب على رئيس السلطة الفلسطينية أن يُدافع عن هذه الحكومة وعن قرارات كل طرف فيها كما يجب عليه احترام إرادة الناخب، وليس إملاء إرادته في الوقت الذي لا يملك هو فيه الشرعية، فالمطلوب أولًا إجراء انتخابات على مستوى السلطة التشريعية.

ويتوقع أستاذ العلوم السياسية أن يُصيب الخطر أكثر «حركة فتح» إذا وجد منافسون كثر على الانتخابات الفلسطينية قائلًا: «إذا استطاعت (حركة فتح) أن تُلملم جراحها من الداخل وأن توحد جبهتها وتوحد مرشحيها من شأنه أن يُعزز مكانتها، وإلا فلا أعتقد أنها ستحسم الساحة بنسبة 51% لوحدها هي بحاجة إلى فصائل أخرى صغيرة تتكئ عليها كما هو الحال في منظمة التحرير».

ويختم عثمان بالقول: «يجب أولًا الاتفاق على هذه النقاط الحساسة التي سوف يقع فيها الشعب وسيدفع ثمنها لاحقًا، وقال ربما في ظل ذلك تنعكس علينا الانتخابات الفلسطينية وبالًا ونتمنى ألا نكون عقدناها».

عربي

منذ 4 سنوات
بمباركة إماراتية.. هل تصبح «صفقة القرن» طريق دحلان لرئاسة السلطة الفلسطينية؟

المصادر

تحميل المزيد