كان مشهد حسرة فقراء مدينة المهرة اليمنية على صغارهم ونسائهم و«عشش الخوص» التي آوتهم وإبلهم النحيفة مؤلمًا بالنسبة للكثيرين، فقد مرّت الساعات الماضية وهم يصارعون العاصفة المدارية «لبان» دون مساندة حكومتهم أو استجابة دول الجوار لاستغاثتهم.
وبعد وفاة ثلاثة أشخاص على الأقلّ وإصابة العشرات، وفيما تُرك هؤلاء يتلقّون النكبة بصدورهم العارية، عجّلت أبوظبي والرياض لانتهاز الفرصة والنيل من رئيس الحكومة اليمني أحمد عبيد بن دغر الذي «تمرّد» ضد مطالبهما، فضغطتا على الرئيس اليمني نحو إقالة الرجل تحت ذريعة عدم اتخاذه إجراءات كافية لمواجهة الإعصار في بلد يعاني الويلات بسبب الحرب. أُقيل بن دغر ليتحقق بذلك حلم إماراتي قديم، وكذلك لتمضي السعودية نحو التغوّل أكثر في قرارات الحكومة اليمنية، وسط معاناة محافظة المهرة اليمنية.
المهرة.. عاصفة مدارية تتبعها أخرى «سياسية»
أضافت العاصفة المدارية «لبان» التي ضربت محافظة المهرة اليمنية الواقعة شرق البلاد مصائب جديدة لليمن الذي يعاني في السنوات الأخيرة من نتائج الحرب، كالمجاعة والفقر والكوليرا، وقد غمرت محافظة المهرة السيول الناتجة عن عاصفة تضرب الآن سواحل اليمن الجنوبية والشرقية.
فيضانات ضربت العاصمة صنعاء سنة 2016
وغرقت عشرات المنازل وطمرت المياه الممتلكات وجرفت الأراضي الزراعية وقطع التيار الكهربائي، وكانت أكثر المشاهد إيلامًا عندما حاصرت المياه عشرات المواطنين الذين لم يستطيعوا النزوح نحو مناطق آمنة؛ إذ بقيت 50 أسرة عالقة على أسطح المنازل في ظل ضعف الإمكانيات المحلية لإنقاذهم، فيما شرّد أكثر من ألف شخص لجأوا إلى مدراس مدينة الغيضة.
وفيما أكدت الأرصاد الجوية أن الفيضانات ستستمر لـ48 ساعة القادمة؛ اندلعت عاصفة سياسية في اليمن إثر قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إقالة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وإحالته إلى التحقيق، وقد جاء في بيان رئاسة الجمهورية اليمنية أن الإقالة تعود إلى «الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة، وما أصاب أبناء المهرة جراء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة».
إعصار لبان -مدينة الغيضة محافظة المهره pic.twitter.com/XYRpoK0OMP
— المهري (@jamal5320) October 14, 2018
لكن دوافع الاستقالة التي أوردتها حكومة هادي لم تقنع الكثير من المراقبون للوضع اليمني، الذين رأوا أن دافعها الحقيقي لا يتعلق بتحسين أداء الحكومة أو مواجهة استحقاقات ملحة وإنما هو استجابة لضغوط سعودية إماراتية وإجراء عقابي مؤجّل أملته الدولتان على هادي المتواجد في الرياض.
وسبق وأن خرجت العديد من الدلائل التي تشير إلى إصرار الإمارات على إقالة وزير الداخلية أحمد الميسري وابن دغر وكل المسؤولين الذين يتصدّون للنفوذ الإماراتي الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا. يقول المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: «ربط الإقالة بإخفاق الحكومة في مواجهة إعصار لبان في المهرة، الهدف منه غسل سمعة السعودية وتقديم رئيس الوزراء كبش فداء لأخطائها الكارثية في المحافظة»، وتابع التميمي لـ«الجزيرة نت» أن: «من المؤسف أن تستمر الرياض في سياسة توظيف موقع الرئيس هادي في فرض السياسات الكارثية على سلطة شرعية، لا تستطيع أن تمارس مهامها من داخل اليمن بسبب الفيتو الإماراتي السعودي».
إقالة ابن دغر.. هل كانت بسبب عرقلته الأطماع الإماراتية؟
إن رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر أصبح مطية للنظام القطري هو ومجموعة من الوزراء المنتمين لحزب الإصلاح الإخواني باليمن
كان هذا واحدًا من الردود الإماراتية الذي جاء على لسان رئيس تحرير «العين الإخبارية» علي النعيمي ضد موقف ابن دغر الرافض لاحتلال الإمارات لجزيرة سقطرى في مايو (أيار) الماضي.
رئيس الوزراء اليمني المُقالا بن دغر
وقبل الاستفاضة بالحديث عن هذه الأزمة، يمكننا الإشارة لأزمة الرجل الذي عين رئيسًا للحكومة في أبريل (نيسان) 2016 خلفًا لخالد بحاح الذي يوصف بأنّه «رجل الإمارات»، الأزمة التي اندلعت في يناير (كانون الثاني) الماضي، والمتعلقة بالسيطرة الإماراتية على عدن، ففي هذه المدينة التي تشهد توترًا بين المجلس الانتقالي الذي تدعمه أبو ظبي وبين الحكومة اليمنية الشرعية، نتيجة سعي المجلس للانقلاب على هادي وتهديده بالسيطرة على المواقع الحكومية الحيوية بالقوة، أعلن ابن دغر بوضوح أنّ «الإمارات هي صاحبة القرار اليوم في عدن»، وأضاف بالقول: «لا ينبغي لكل شريف الصمت عمَّا يجري بعدن من ممارسات ترقى إلى درجة الخطورة القصوى، وتمسّ أمن المدينة ومواطنيها في ظل غياب الإرادة الوطنية».
وتأكيدًا لصحة ما قاله الوزير المُقال، تحدث المراقبون في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر عن بدء تنفيذ خطة الإمارات لفصل جنوب اليمن، مستدلين على ذلك بالتحركات العسكرية التي يقوم بها المجلس في محيط مطار عدن الدولي، وبوصول دبابات إماراتية إلى عدن.
وبالعودة إلى أزمة بن دغر مع الإمارات في جزيرة سقطرى، وصل رئيس الوزراء المُقال في الرابع من مايو (أيار) الماضي برفقة وزراء من حكومته لجزيرة سقطرى، وفي اليوم الثالث من الزيارة وصلت أول طائرة عسكرية إماراتية تحمل عربتين مدرعتين وأكثر من 50 جنديًا إماراتيًا، تلتها على الفور طائرتان تحملان دبابات ومدرعتين وجنودًا، ثم قامت هذه القوة الإماراتية في تحد واضح للحكومة اليمنية بالسيطرة على منافذ مطار سقطرى وإبلاغ جنود الحماية في المطار والأمن القومي والسياسي وموظفي الجمارك والضرائب، بانتهاء مهمتهم حتى إشعار آخر.
وردًا على ذلك رفض ابن دغر ما قامت به القوات الإماراتية بالسيطرة على المناطق الحيوية في سقطرى، ومع تمادي الإماراتيين بمنع وجود المسئولين اليمنيين في الجزيرة وقرب طردها لحكومة ابن دغر، صدر البيان الأول من نوعه من حكومة هادي حول أن وصول تلك القوة العسكرية يوضح «ما قد غدا معروفًا لدى أبناء اليمن، والمتابعين في الخارج، وذلك أمر أثار جملة من الأسئلة، وترك حالة من القلق في الجزيرة».
وتابع البيان الذي أشار ضمنيًا إلى سيطرة الإمارات على الجزيرة اليمنيّة: «إن الحالة في الجزيرة اليوم بعد السيطرة على المطار والميناء هي في الواقع انعكاس لحالة الخلاف بين الشرعية والأشقاء في الإمارات، وجوهرها الخلاف حول السيادة، ومن يحق له ممارستها، وغياب مستوى متين من التنسيق المشترك الذي بدا مفقودًا في الفترة الأخيرة»، وقد وصفت الإمارات بيان ابن دغر بأنه «تصعيدي يخالف الواقع ولا ينـصف جهودنا الكبيرة»، وكذلك أكدت أنه «لا مطامـع في أي جـزء مـن اليمـن والوجـود العسـكري في سقطرى لا يختلف عن بقية المحافظات».
هل يكون رئيس الوزراء الجديد «ذراع السعوديّة» في اليمن؟
استجابت السعودية لنداءات الاستغاثة اليمنية بعد العاصفة المدارية «لبان»، فأرسلت قافلة إغاثية عبر منفذ الوديعة (جنوب المملكة)، تضمّنت 100 خيمة و100 سلّة غذائية أُحضرت من مستودعات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في اليمن، إضافة إلى 1500 بطانية و200 بساط و220 سلة غذائية.

جندي من القوّات المشتركة بين السعودية واليمنية أثناء عمليات الإنقاذ – المصدر: @mohdsalj
لكن هذا التحرّك الانسانيّ من طرف السعوديّة سبقه منعها في الساعات الأولى للفيضان سلطنةَ عمان من تقديم مساعدات للمحافظة المنكوبة، وهو ما علّق عليه اليمنيّون بقولهم «لا يرحموا ولا يخلوا رحمة ربنا تنزل!» كما قال القيادي الجنوبي فادي باعوم.
ويذهب الصحافي اليمني عباس الضالعي للقول: إن وراء تغيير وكيل محافظة المهرة علي سام الحريزي ومدير الأمن بالمحافظة أحمد محمد قحطان المتزامن مع إقالة ابن دغر هو ضغط سعودي موجّه ضد سلطنة عمان، ويقول الضالعي عبر «تويتر»: «خضوع هادي لضغوط سعودية وتغييره وكيل محافظة المهرة وقائد الشرطة تثبت الأطماع السعودية بالسيطرة على المهرة لتحقيق الأهداف التالية: إنشاء مركز للسلفيين على حدود سلطنة عمان لمحاربة الإباضية، ولتأسيس صراع مذهبي، وفتح ممر لتصدير النفط عبر المهرة، واعتراض السعودية على اتفاقية الحدود».
وقد شهدت الفترة الأخيرة عدّة تحرّكات سعودية في المهرة، منها إقدام السعوديين على بناء أربعة مواقع عسكرية متفرقة، إلا أن سكان المهرة الذين دعم موقفهم الأعيان والمشايخ بالمحافظة تمكنوا من إيقاف تجهيز هذه المواقع حين منعوا أحد المقاولين من البناء لصالح القوات السعودية بالمهرة، كما ترى مصادر يمنية أن إقالة بن دغر تأتي في سياق رفضه تمرير مشروع سعودي في المهرة يقضى بمد أنبوب نفطي من محافظة المهرة، إلى البحر العربي، فقد تحركت هناك شركات سعودية لاستحداث أعمال تتعلق بإنشاء الأنبوب في منطقة «ضحية» الحدودية بين البلدين، وتصدّى ابن دغر لشرعنة هذه الصفقة ضمن إطار رفضه فرض الأجندات السعودية في اليمن.
الدفاع المدني السعودي يشارك بمهام الإنقاذ ضمن الجهود الإنسانية التي يقوم بها تحالف دعم الشرعية في #اليمن بمحافظة المهرة بعد تعرضها لـ #إعصار_لبان pic.twitter.com/97aeOiuERw
— دماج (@Damajalsunna) October 18, 2018
يذكر أن رئيس الوزراء اليمني الذي خلف ابن دغر، معين عبد الملك، يعدّ قريبًا من السعودية في اليمن؛ إذ يُعرف بأنّه من رجال السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر؛ إذ يعمل نائبًا للسفير السعودي في ما سمّي بـ«برنامج إعادة الإعمار» وقد يخدم المملكة في التحركات التي تجري لاستئناف عقد جلسات البرلمان اليمني؛ الأمر الذي يمثل اختيارًا يميل لتمسك سعودي أكبر بالنفوذ في اليمن، بوجه النفوذ الإماراتي المتنامي.