مع تصاعد وتيرة الاضطرابات في العالم وزيادة خطر الهجمات المسلحة، إضافة إلى المخاوف المتزايدة من الصراعات بين القوى الكبرى، يجد الجيش الفرنسي اليوم أن تطوير قدراته الدفاعية صارت مطلبًا ملحًّا لحماية مصالح فرنسا حول العالم.
صرّح قائد القوات المسلحة الفرنسية، تيري بروكهارد، «أن شروط اندلاع حرب بين القوى الكبرى موجودة بالفعل وهي تنتظر فقط الشرارة اللازمة لتفجيرها». ولذلك عكفت مجموعة من كبار الضباط في الجيش الفرنسي على بلورة خطة لتحديث الجيش تمتد حتى 2030، وفق المخاطر الاستراتيجية التي تهدد فرنسا.
فما الذي تخشاه فرنسا تحديدًا في المستقبل؟ وما هي خطتها الاستراتيجية لمواجهة هذه المخاوف التي قد تلوح في الأفق؟ وكيف تسعى لتعزيز موقعها بين القوى العالمية؟ هذا هو ما تحاول السطور التالية الإجابة عنه.
4 مناطق خطرة يراقبها الجيش الفرنسي
تقول الورقة التي تتضمن الخطة الاستراتيجية الفرنسية إن أشكال الحرب غير المتماثلة اقتربت من النهاية، وإن العودة إلى الصراع المتماثل بين الدول بات أمرًا محتملًا، وترى أن نوعًا آخر أيضًا من الحرب يهدف للحصول على أهداف استراتيجية باستخدام وسائل القوة التي ترهب الخصم وتتلاعب به أصبحت تشق طريقها في ميادين المنافسة.
حدد الجيش الفرنسي أربع مناطق خطرة تهدد مصالح فرنسا:
1. البحر الأبيض المتوسط ومناطِقه الجنوبية
تعاني مناطق الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط صعوبات في السيطرة على أراضيها ونزوح السكان منها نتيجة تدفق المقاتلين من ليبيا، إضافة إلى الدور المحوري الذي تمثله ليبيا في مشكلة المهاجرين التي تعرض المصالح الأمنية للاتحاد الأوروبي للخطر.
كما يمثل الوجود الدائم لقوات روسيا الجوية والبحرية وزيادة حيازة دول المنطقة للأسلحة المتطورة عودة لسياسات القوّة.
أما في شرق المتوسط، تثير حقول الغاز المنتشرة في المنطقة شهية الدول والقوى الإقليمية، فهناك النفوذ التركي المتزايد في المنطقة والذي تراه فرنسا تهديدًا لمصالحها. وتصاعدت حدة الخلاف بين البلدين في شهر يونيو (حزيران) الماضي على إثر ما قالت فرنسا إنه احتكاك عسكري بين سفنها في شرق المتوسط وسفن تركية.
وتراشق البلدان الاتهامات بشأن الدور الذي تؤديه كل منها في المنطقة لا سيما في ليبيا وسوريا. ويتوقع المراقبون أن تستمر هذه الخلافات وربما تتصاعد، وسط مخاوف من أن تخرج الأمور عن السيطرة؛ في حين تسعى فرنسا للوصول إلى اتفاق أوروبي مشترك حول ما تسميه المشكل التركي يضع حدًا لتحركات تركيا في المنطقة.
ودخلت الصين المنافسة أيضًا في منطقة شرق المتوسط، لا سيما بعد تبنيها مشروع طريق الحرير الضخم، الذي لا بد من تأمينه في منطقة تحوي نزاعات هي الأسخن في العالم، الأمر الذي قد يشهد تضاربًا في مصالح البلدين.
في حين أن تدخل روسيا في صراعات الدول المشاطئة للبحر المتوسط، خاصة في ليبيا وسوريا، شكّل قلقًا لفرنسا، التي تنتشر قواتها في هاتين البلدين وتخشى من مواجهة مع روسيا النووية.
وفقًا لما نقلته صحيفة «لوموند» الفرنسية عن الجنرال بوركهارد أن حدثًا صغيرًا ربما يتحول لتصعيد عسكري لا يمكن السيطرة عليه. وقال: «إن الحرب المستقبلية مع روسيا لن يسبقها غزو، ربما نُجر إلى الحرب نتيجة حسابات تكتيكية خاطئة».
2. دول البلقان
تمثل دول البلقان الواقعة في جنوب القارة الأوروبية تحديًا كبيرًا للدول الأوروبية وأمنها، إذ لا تزال المنطقة شديدة الانقسام وفقًا لتاريخها ومساراتها الاقتصادية المتباينة وربما المتناقضة.
بحسب رؤية الجيش الفرنسي، يمكن استغلال نقاط الضعف هذه بسهولة من قبل الجماعات المتطرفة أو عصابات الجريمة، ولا شك أن عودة الاضطرابات إلى هذه المنطقة تمثل تهديدًا كبيرًا لأمن دول أوروبا وتثبت فشل الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
3. أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
تمتلك فرنسا مصلحة أمنية واقتصادية مباشرة في استقرار قارة أفريقيا وما جاورها، فهناك اتفاقيات تعاون ودفاع مشترك وقواعد عسكرية فرنسية في المنطقة.
لكن المنطقة تشهد تحديات لا يمكن تجاهلها، مثل سهولة اختراق حدودها، وبطء عملية تنويع المصادر الاقتصادية بعيدًا عن النفط والثروات الطبيعية، إضافة إلى ضعف الحكومات وتزايد تأثير الجماعات المتطرفة على شريحة واسعة من السكان، لا سيما الشباب.
ويعكس الوجود العسكري الأوروبي الكثيف في المنطقة أهميتها الاستراتيجية، إلا أنها ما زالت تشهد نزاعات كبيرة، فحركة الشباب تهدد الصومال، وهناك أزمة السودان، والصراع الدائر بين إريتريا وجيرانها، كما أنها تتأثر أيضًا بالحرب الدائرة في اليمن والمنافسة بين القوى الإقليمية.
4. آسيا
شهدت هذه المنطقة أكبر إنفاق دفاعي عالمي على مدى العقد الماضي، وهي منطقة محفوفة بعدد غير مسبوق من التوترات التي ينطوي بعض منها على بعد نووي.
في شمال شرق آسيا، يبرز الخطر القائم نتيجة تنافس الولايات المتحدة والصين، وهي أزمة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وفي جنوب آسيا، يستمر النزاع التاريخي بين الهند وباكستان، بجانب النشاط الدائم للحزكات المسلحة التي تعمل في باكستان وأفغانستان، وأيضًا التنافس التقليدي بين الهند والصين.
وبالطبع أي تدهور في الأوضاع الأمنية في آسيا يأتي بعواقب وخيمة على فرنسا، بسبب كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، بجانب تهديد مصالحها الخاصة (مواطنيها ومناطقها الخاصة في المنطقة ومصالحها الاقتصادية)، وكذلك شراكتها مع عدة دول على رأسها أستراليا والهند واليابان وسنغافورة وماليزيا وغيرها. وأيضًا ستتأثر حرية التوريد لهذه الدول إذ ستصبح الملاحة في خطر.
خطط استراتيجية متتالية عنوانها واحد: «فرنسا لن تتخلى عن قوتها»
منذ أن أهدى 46 خبيرًا عام 2013 للرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا هولاند «الكتاب الأبيض» الذي يتضمن الرؤية المستقبلية الدفاعية لفرنسا من ناحية الأمن القومي وتعزيز نفوذها في العالم، وعزّزتها بعد ذلك الخطة الاستراتيجية عام 2017 والهدف السياسي واضح لدى الفرنسيين: فرنسا لن تتخلى عن قوتها.
أوضحت تلك الخطط المتوالية التهديدات التي قد تواجهها فرنسا في المستقبل، في ظل التطورات العالمية، وما هي الخطوط العريضة التي يجب أن يعمل عليها الجيش الفرنسي من أجل التأهب لمواجهة هذه التحديات والتهديدات.
واستجابة لهذه الخطط، وافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خطة دفاع طموحة تمتد حتى 2030 تهدف لإنشاء «نموذج قوي ومتكامل قادر على تأمين العمليات الأساسية والضرورية للدفاع، وهي: الردع والحماية والمعرفة والترقب والوقاية والتدخل».
ولتحقيق هذا الغرض، قرر الرئيس الفرنسي رصد موارد غير مسبوقة تقدر بـ198 مليار يورو على مدى السنوات الخمس الأولى من مشروع القرار أي حتى 2023. وكان من المقرر أن ترتفع الميزانية بمقدار 1.7 مليار يورو سنويًا حتى عام 2022، وبمقدار 3 مليار يورو عام 2023 لترتفع بذلك ميزانية الدفاع إلى 39.6 مليار يورو في ذلك العام. ويعكس ذلك زيادة في الإنفاق العسكري يوازي 2% من إجمالي الناتج المحلي حتى عام 2025.
العنصر البشري في قلب اهتمام الخطة الجديدة
خلافًا للخطط السابقة التي كانت تركز أكثر على جانب المعدات، أولت هذه الخطة اهتمامًا كبيرًا بالعنصر البشري من جنود وبحاّرة وطيارين والموظفين العسكريين والمدنيين للوزارة.
من الناحية الوظيفية، تريد أن توفر الخطة الجديدة للرجال والنساء في الجيش جميع الوسائل التي تضمن تحقيق مهماتهم العسكرية بإتقان ويسر، وضمان الوصول للبنية التحتية اللازمة للتأهب العملياتي، مثل: ميادين الرماية وأجهزة المحاكاة.
ومن ناحية أخرى، تولي الخطة اهتمامًا ملحوظًا بالحياة اليومية للجندي، وذلك بتحسين الظروف المعيشية للعسكريين والمدنيين العاملين في وزارة الدفاع وأسرهم.
وشملت الخطة تزويد أفراد الجيش الفرنسي المنتشرين في العمليات الخارجية بالزي العسكري الجديد المقاوم للحريق بحلول عام 2020 وستحصل عليه كل القوى عام 2025. وكذلك توزيع 55 ألف سترة واقية من الرصاص وتسليم 43 ألف خوذة جديدة بين 2019 – 2025. فيما خصصت الخطة 530 مليون يورو لخطة الأسرة في الأعوام بين 2019 – 2025. (1)
ومن أجل تحسين استعداد 114 ألف جندي فرنسي (منهم 77 ألفًا من القوات البرية) لمستقبل الحرب الموصوف في التقرير، تتبنى القوات المسلحة الفرنسية 12 مشروعًا كبيرًا يشمل: إنشاء مدرسة فنية جديدة لتوفير مستوى أفضل من التعليم لضباط الصف المكلفين باستخدام العتاد الذي سيسلم في إطار برنامج «العقرب»، وهو خطة تحديث عسكرية تهدف لرفع قدرة الجيش الفرنسي من المعدات بتكلفة 6.7 مليار دولار.
خطة تحديث معدات الجيش الفرنسي
كانت لجنة وزارية قد وافقت على بدء مرحلة البحث في برنامج العقرب عام 2010، وعقبها إعلان وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، عن بدء المرحلة الأولى من البرنامج. ثم تعهدت الحكومة الفرنسية في 2016 بتقديم 6.7 مليار دولار على مدى 11 عامًا لبرنامج تحديث الجيش.
يهدف البرنامج إلى استبدال جميع مركبات القتال في الخطوط الأمامية الفرنسية بمنصات محسنة ترتبط بنظام جديد وموحد للاتصالات وإدارة ساحة المعركة (BMS).
وبالطبع لا يمكن الحديث عن خطط تعزيز الجيش دون التطرق للمعدات والأجهزة العسكرية التي تمثل جزءًا مهمًا من قوة الجيش، فبموجب هذه الخطة سيزود القوات البرية بـ50% من المركبات المدرعة الجديدة ومتوسطة الوزن جريفونز وجاجوار المتفق عليها في برنامج العقرب بحلول عام 2025.
أما القوات البحرية، فستحصل على أربع غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية من فئة باراكودا وثلاث غواصات إف آر إي إم إم وفرقاطتين متوسطتي الحجم.
وستشهد القوات الجوية انضمام ست طائرات بدون طيار من طراز ريبر و28 طائرة رافال جديدة و55 طائرة إم 2000 دي محدّثة بحلول عام 2023.
ومن أجل ضمان استقلال فرنسا، أوصت الخطة بزيادة موارد الاستخبارات والكفاءة في معارك الفضاء السيبراني. وهكذا، خصصت الخطة 1.6 مليار يورو للفضاء الإلكتروني وتعهدت بإضافة 1000 مختص جديد في هذا المجال إلى طاقمها بحلول عام 2025. وخصصت الدولة أيضًا 4.6 مليار دولار استثمارًا في معدات الاستخبارات من أقمار صناعية وطائرات بدون طيار وغيرها.
البحث والابتكار لمواجهة تحديات المستقبل.. الفريق الأحمر نموذجًا
لم تغفل الحكومة الفرنسية وجيشها عن ضرورة التنبؤ والاستعداد للتحديات المستقبلية. ففي خطة 2030، ارتفعت الميزانية المرصودة للبحث والابتكار من 750 مليون يورو إلى مليار يورو اعتبارًا من عام 2022، وستخصص الوزارة 1.8 مليار يورو سنويًا من أجل الإعداد لبرامج التسلح المستقبلية، مثل دراسة تصميم مقاتلة الجيل الجديد ودبابات القتال المستقبلية وحاملة الطائرات شارل ديجول.
وذهب الجيش الفرنسي إلى أكثر من ذلك من أجل التنبؤ بالتحديات المستقبلية والشكل الذي سيكون عليه النظام الدفاعي؛ إذ ذكرت الصحف الفرنسية في أواخر العام الماضي أن الجيش الفرنسي يعتزم تجنيد كتاب خيال علمي ليشكلوا «الفريق الأحمر».
تتركز مهمة هذا الفريق في تخيل المستقبل البعيد 2050 – 2080 وتخيل القدرات العسكرية التدميرية واقتراح سيناريوهات المخاطر المستقبلية وطرق التصدي لها، لتمسك فرنسا في يديها كل الأوراق الرابحة في مضمار الابتكار العسكري وفقًا لتعبير وزيرة القوات المسلحة الفرنسية، فلورانس بارلي.
تعزيز القدرات الفضائية.. فرنسا على الطريق
أعلن الرئيس الفرنسي في يوليو (تموز) 2019 عن إنشاء قيادة فضائية عرفت محليًا باسم «CDE»، وعُدل لاحقًا اسم القوات الجوية الفرنسية ليصبح القوة الجوية والفضائية الفرنسية. وقال رئيس أركان القوات الجوية والفضائية، الجنرال فيليب لافين: «يجب على الطيارين اليوم أن ينظروا إلى أعلى وأبعد نحو الفضاء هذا المجال الاستراتيجي الجديد».
يقع مقر هذه المنشأة في تولوز، ومن المفترض أن تصل إلى قدرتها التشغيلية الكاملة بحلول 2025 بإضافة ما يقرب من 500 موظف. ويعمل حاليًا 220 رجلًا وامرأة على تطوير قدرات تسمح بحماية الأقمار الصناعية العسكرية من أي أقمار أجنبية أخرى تحاول الاقتراب منها. وتستعد قيادة المنشأة لإجراء أول تدريب فضاء عسكري أوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
نحو سلاح أوروبي.. هدف فرنسا الطموح
ذكرت خطة الجيش الفرنسي الاستراتيجية أيضًا ضرورة تكوين خط دفاعي أوروبي مستقل وموحد، نظرًا للتهديدات المتقاربة التي تواجهها دول أوروبا.
الفكرة ليست بالجديدة إذ تنص المادة 41 من معاهدة الاتحاد الأوروبي على تأسيس جيش أوروبي موحد إلا أن التنازل عن جزء من السيادة الوطنية المطلوب من الدول الأعضاء يصعّب المهمة. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل قد شدد على ضرورة إنجاز هذا المشروع، نظرًا لأن حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة يحتضر، بحسب زعمه.
وفي هذا الصدد وافق وزراء دفاع حكومات دول الاتحاد الأوروبي في أواخر عام 2019 على إقامة 13 مشروعًا دفاعيًا جديدًا لتطوير القوة الدفاعية بعيدًا عن الولايات المتحدة تشمل سلاح تشويش إلكتروني للطائرات وتكنولوجيا لتتبع الصواريخ البالستية.
وتأمل هذه الدول في إطلاق صندوق تسليح يقدر بمليارات مع بداية 2021 من أجل العمل على تصميم دبابات وسفن حربية وبنائها وإجراء أبحاث تكنولوجية جديدة. والجدير بالذكر أن مركز التخطيط الدفاعي الأوروبي توقع أن تؤدي فرنسا دورًا كبيرًا يقدر بنحو 60% من مشاريع التسليح الـ47 التي يعمل عليها الاتحاد الأوروبي.
إعادة التجنيد الإلزامي والعزف على وتر الوطنية
لتعزيز الشعور بالواجب الوطني والوحدة الوطنية بين الشباب الفرنسي، ولإعداد الجيل لمرحلة الصراعات العالمية التي شبهها بالحرب الباردة، طرح إيمانويل ماكرون في حملته الانتخابية للرئاسة عام 2017 فكرة إعادة التجنيد الإلزامي في صفوف الجيش الفرنسي.
أوضح الرئيس الفرنسي أن التجنيد سيشمل جميع الذكور والإناث بعمر 16 سنة وسينقسم إلى مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: هي تنسيب لمدة شهر واحد والتركيز على الثقافة المدنية وتطوير علاقات جديدة مع المجتمع.
والمرحلة الثانية: هي التنسيب الطوعي لمدة ثلاثة أشهر إلى سنة حيث يُشجع الشباب على الخدمة في المجالات المرتبطة بالدفاع والأمن.
وأثارت فيما بعد الصور الأولى لهذه التجربة عام 2019 انتقادات واسعة، خاصة من اليسار الفرنسي الذي انتقد إجبار الشباب على ارتداء الزي الرسمي وحضور مراسم تحية العلم في الصباح الباكر وتكرار النشيد الوطني باعتباره نوعًا من القومية القسرية، عدا عن التكاليف الباهظة التي يتطلبها مشروع كهذا.
ونشرت سيلين ماليسي، المستشارة الإقليمية الشيوعية، تغريدة قالت فيها إن هذا الكابوس القومي القديم يرعبها، واعتبرته إنكارًا لحرية الشباب وإرادتهم الحرة وروحهم النقدية، ووصفته بأنه حفلة تنكرية منافقة.
عُدل القرار لاحقًا ليصبح خدمة مدنية إلزامية، أي التحاق بالجيش ولكن دون تعامل مع الأسلحة، حيث يتعلم الشباب الإسعافات الأولية والدفاع عن النفس وقيم الجمهورية الفرنسية وكيفية اكتشاف الأخبار الكاذبة، رغبة في أن يكون ذلك وسيلة للتماسك الاجتماعي والحفاظ على الأمة الفرنسية من النزاع.
وكانت فرنسا قد ألغت الخدمة الإلزامية تدريجيًا في الأعوام بين 1996 و2001، وماكرون هو الرئيس الفرنسي الأول الذي لم يُستدع للخدمة في الجيش. وستعود هذه الخدمة لتصبح إلزامية بحلول عام 2024 للفرنسيين المولودين عام 2008.
هل تؤثر جائحة كورونا في خطة 2030؟
عصفت جائحة كورونا بالكثير من الاقتصادات حول العالم وأدّت إلى توقف الكثير من المشاريع والخطط التي كانت مقررة في السابق. وكانت فرنسا قد كشفت في الثالث من سبتمبر (أيلول) الماضي عن خطتها للتعافي الاقتصادي البالغ قيمتها 100 مليار يورو لمدة عامين، وغاب قطاع الأسلحة عن هذه الخطة المالية.
وقال مسؤول تنفيذي في هذه الصناعة إن هذا الغياب يدعو الحكومة لمراقبة زيادة الإنفاق العسكري المقررة بنحو 1.7 مليار يورو عام 2021. وقال إن الإنفاق الحكومي يجب أن يتجه نحو المجالات المدنية لمساعدتها على التعافي من الجائحة.
لكن، على الرغم من الدعوات التي وجهها المشرّعون في البلاد والضغط الذي فرضته الجائحة، أعلنت باريس أن ميزانية الدفاع ستبقى دون تغيير لعام 2021.
وقالت وزيرة القوات المسلحة، فلورانس بارلي أن هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي اتبعنا فيها خطة 2019 – 2023 حرفيًا، وهذا جهد كبير وغير مسبوق. فيما دعا فرانسواز دوما، رئيس لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة في الجمعية الوطنية، إلى أن يكون الدفاع في قلب خطة الإنعاش الاقتصادي المستقبلية.
إلا أن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية شكك في تقريره الصادر في 15 أكتوبر (تشرين الأول) في استدامة التزام الحكومة الفرنسية بهذه الخطة خاصة وأن أهم خطواتها كان من المفترض أن تتم في 2022. وقال التقرير إنه حتى لو بدا ماكرون مصممًا على الاحتفاظ بطموحاته الاستراتيجية للجيش الفرنسي، إلا أن قانون التخطيط العسكري يترك الباب مفتوحًا لمراجعة نمو الميزانية المخطط له في 2021 بناءً على الوضع الاقتصادي العام، وبالتالي، يرى أن تحديث قانون التخطيط في العام المقبل هو اختبار حقيقي لفرنسا.