كل هذا الحديث عن التربية الإيجابية وضرورة الحفاظ على نفسية الأطفال، وحمايتهم من الخوف والقلق والتوتر، يبدو في ناحية، بينما تبقى فزاعات الأطفال في ناحية أخرى، راسخة ومستقرة ومستمرة، في جميع أنحاء العالم، تتفق عليها الثقافات على اختلافها، حيث الخوف مرادف الطاعة، والقاعدة الآمنة التي يؤمن بها الآباء: «طفل خائف على قيد الحياة، أفضل من طفل متهور قد يفقد حياته ثمنا لجرأته وحب استكشافه».

تبدو فكرة تخويف الأطفال مستساغة لدرجة أن عملًا فنيًّا مثل «شركة المرعبين المحدودة» لم يتسبب في إثارة أي غضب أو حتى حفيظة المشاهدين، سواء كانوا من مؤيدي التربية الإيجابية أو لا، ضحك الجميع من «كورتي البعبع» و«مارد وشوشني» حيث «صراخ الأطفال» يستخدم وقودًا في أرض الوحوش.

لماذا يخيف العالم أطفاله؟

«هل تعرف ما هو الخوف؟ إنه يقتل أفضل ما في نفسك، تعيش طوال عمرك في أمان ثم تكتشف أنه أمان زائف، وأن الخوف كامن مثل الأشباح، لا تهدأ في الظلام أو في الضوء» – *محمد المنسي قنديل، قمر على سمرقند

رغم إيمانها بمبادئ التربية الإيجابية، لم تتردد إسراء عبد المعطي في تخويف طفلها، حتى إنها ابتكرت له شخصية مخيفة خصيصًا تدعى «بحبح»: «اعتدت من ولادة صغيري البالغ من العمر الآن أربع سنوات، اتباع عدد كبير من قواعد التربية الإيجابية، فأنا أحترمه، ولا أكذب عليه أبدًا مهما كلفني هذا. أحترم وعودي، وأتعامل معه بصفته شخصًا كبيرًا ناضجًا، وأحرص على ألا أضربه، لكنني أشعر بالعجز في أحيان كثيرة فألجأ إلى حيلة سحرية تدعى «بحبح».

تكمل إسراء حديثها مع «ساسة بوست»: «تلك الشخصية الخرافية التي لم أحدد لها شكلًا ولا ملامح، كي أترك الأمر لخيال صغيري مفرط الحركة الذي أعجز عن إبقائه في السرير، أو إقناعه بالمكوث ولو قليلًا كي ألتقط أنفاسي. ففي أوقات العجز الشديد، حين يبلغ الإرهاق حده وأشعر أنني لم أعد قادرة على إيقافه، ألجأ –آسفة- لبحبح، يكفي أن أقول إنه هناك في الظلام ينتظر، فينكمش صغيري ويكف عن الحركة وينام في أوقات كثيرة».

تضيف إسراء أن ذلك يشعرها بالذنب، وتتساءل هل نوم الطفل خائفًا يمكن أن يضره؟ لكنها – على تعبيرها – تتناسى ضميرها وأسئلتها وكل شيء أمام لحظات الهدوء النادرة حين تحظى أخيرًا بفرصة للراحة والنوم.

من لايورونا المكسيكية إلى أبو رجل مسلوخة المصري.. هكذا يخوِّف العالم أطفاله!

لا تخلو ثقافة شعبية تقريبًا من تلك الشخصية المخيفة التي يجري استخدامها على نطاق واسع من أجل تخويف الصغار، فنظرة سريعة على فزاعات الأطفال المستخدمة في دول العالم تمنح فكرة أفضل عن السمات المشتركة لتلك الشخصية التي تكون في الغالب «امرأة» سبق لها أن قتلت أطفالًا، أو وحشًا شيطانيًّا، يقف في الخارج لخطف الأطفال.

«لا يورونا المكسيكية»: امرأة «ناحبة» تبكي في الطرقات بعدما أغرقت طفليها في النهر، ويجري استخدام هذه الحكاية لتحذير الأطفال من الخروج في الظلام، خوفًا من أن يقابلوا المرأة الناحبة التي لن تتردد في إغراقهم في النهر.

«بابا ياجا الروسية»: بالرغم من أن الاسم يوحي بأنه لرجل، فإنه في الواقع يشير إلى امرأة، فبابا ياجا أو بابا روغان، امرأة شمطاء تحلِّق في السماء على هاون عملاق وتخطف الأطفال الصغار وربما تأكلهم.

«الحاواوا الجزائرية»: المرأة الوحش، التي يتكون جسدها من حيوانات عديدة، وترتدي ملابس من جلد الأطفال الذين يسيئون التصرف ولا يسمعون كلام والديهم.

«باوباس الليتوانية»: روح امرأة شريرة بيدين رفيعتين مع أصابع طويلة ومخيفة وعيون حمراء تعاقب الأطفال الذين يسيئون التصرف عبر سحلهم بعد الإمساك بشعورهم.

«أنيس السوداء البريطانية»: ساحرة زرقاء اللون ذات أظافر حديدية تسلخ جلود الأطفال المخطوفين وتلفها حول خصرها.

«الجدة النمر التايوانية»: يعتقد أنها الأصل في قصة ذات الرداء الأحمر، حيث يتخفى النمر في صورة جدة طيبة ليأكل الأطفال الأشقياء.

«كوكا البرازيلية»:  أنثى تمساح تسرق الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى النوم، وتردد:«نانا نيني».

«بوك الصربي»: مخلوق يشبه الدب يختبئ في المناطق المظلمة لجذب وحمل الأطفال الذي يخرجون في الظلام.

«ويوي جومبل الإندونيسية»: روح أنثى تسكن النخيل، تحب الغابات.

«جومبي في ترينداد وتوباجو»: أرواح شريرة لأشخاص أشرار كانوا يسيئون التصرف قبل الموت، يعودون في أشكال عديدة ليطاردوا الأطفال الذين يعصون والديهم.

«بوجي مان الأمريكي»: ليس له مظهر محدد، لكنه يستهدف الأطفال الذين لا يستجيبون لأوامر والديهم، وكذلك الأطفال الذين يمصون إصبعهم، وعادة ما يختبئ أسفل أسرِّة الأطفال.

«ميتمنوي في هايتي»: رجل رفيع له قدمان طويلتان، يجول الشوارع عقب منتصف الليل، يمسك ويأكل أي شخص ما زال خارج بيته.

«جرومابا النيبالي»: مخلوق يشبه القرود يخطف الأطفال غير الملتزمين الذين لا يطيعون والديهم.

البليغا أو «وحش البئر» في مالطا: وحش يجذب الأطفال الذي يتدلون لينظروا داخل آبار الماء.

«باباروجا البوسنية»: امرأة مسنة تجر الأطفال عبر ثقوب صغيرة في الأرض.

«دونجولا ميسو في الكونغو»: مخلوق له عيون مخيفة، يُستَخدم لتحذير الأطفال من التحدث إلى الغرباء، يحمل الحلوى والألعاب ويخطف الأطفال الذي يستجيبون للغرباء.

«أبوزو في اليابان»: كاهن لونه أزرق له عين واحدة، يختطف الأطفال الذين يركضون ويلعبون في الحقول عقب المدرسة بدلًا من التوجه مباشرة من المدرسة إلى البيت.

ناماهاجا في اليابان أيضًا: شيطان يرتدي ملابس من القش ويمسك بالسواطير ويسير حول الأطفال ليراقب من منهم كسول أو يسيء التصرف كي يعاقبه!

«الموركو في فنلندا»: شبح مستدير أزرق، جاحظ العينين، يقضم الأطفال بأسنانه الحادة.

«أبو رجل مسلوخة في مصر»: شبح لطفل محترق بشدة، مات بسبب عدم سماع كلام والديه، يسرق الأطفال الذين لا يسمعون الكلام ويطهيهم.

«الهومبر ديل ساكو في أمريكا اللاتينية»: شبح رجل يحمل الأطفال الأشقياء في جوال ليأكلهم لاحقًا.

«الكوكو في إسبانيا»: غول يراقب الأطفال من أسطح المنازل ويتناولهم إذا ضايقوا والديهم.

«أود رود أوجين في بلجيكا»: كائن أسود أحمر العينين، يشبه الكلب لكنه ليس كذلك له أنياب ويطارد الأطفال الذين يبقون خارج أسرَّتهم عقب مرور وقت النوم.

وقصص مخيفة يرويها الآباء وتحملها أرفف المكتبات

«هناك فرق شاسع بين من يطيعك حبًّا ومن يطيعك خوفًّا» *غازي عبد الرحمن القصيبي

ثمة وجهات نظر تدعم الفوائد العديدة للحكايات المرعبة والشخصيات الأسطورية التي يحكى عنها للأطفال، فوفق متخصصين تساعد القصص المخيفة الأطفال على تعلم كيفية التعامل مع الخوف في الحياة الواقعية.

لكن ما الفارق حقًّا بين القصص المخيفة على أرفف المكتبات والسلاسل الموجهة للأطفال من بداية عمر القراءة وحتى سن المراهقة؟ وتلك التي يرويها لهم آباؤهم من التراث؟ يجيب نيل جايمان، المؤلف غزير الإنتاج في مجال أدب الأطفال، والذي خصص جزءًا كبيرًا من إنتاجه للقصص المخيفة والمرعبة، عن هذا السؤال، ويقول: «الخوف بجرعات صغيرة رائع، لدينا قصص أشباح من مصر القديمة، وفي الكتاب المقدس أيضًا».

مضيفًا أن قصص الأرواح والأشباح والحكايات المرعبة موجودة في كل مكان، «من روما حيث قصص المستذئبين وحالات الاستحواذ الشيطاني، إلى الولايات المتحدة، تلك القصص التي تجعل الظلال أعمق، وتحفز الخوف، وتشعرنا أن هناك شيئًا مميزًا وفريدًا حول حالة الحياة. الخوف شيء رائع ولكن بجرعات صغيرة، مثل أن تركب قطار الأشباح في الظلام وأنت تعلم أن الأبواب ستفتح في نهاية اللعبة. ولكي تنجح القصص للأطفال والكبار، يجب أن يخافوا، ويجب أن تنتصر، لا فائدة من الانتصار على الشر إن لم يكن الشر مخيفًا».

الرعب للجميع: تأثير قصص التخويف في الأطفال

«الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجيء. لو رُدَّ إلى الحياة لصاح بكل رجل: لا تخف! الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت» *نجيب محفوظ، أولاد حارتنا

يملك الأطفال منذ ولادتهم وحتى ثماني سنوات أسبابًا عديدة للخوف والقلق، بوصفه جزءًا طبيعيًّا من الطفولة والخبرة الحياتية، فوفق موقع «raisingchildren» يخاف الأطفال لأسباب عديدة بطبيعتهم مثل:

  • خوف الرضع من الضوضاء والمرتفعات والغرباء والانفصال عن الوالدين.
  • خوف أطفال مرحلة ما قبل المدرسة من البقاء بمفردهم، خاصة في الظلام.
  • خوف الأطفال في سن المدرسة من الأشياء الخارقة كالأشباح والمواقف الاجتماعية والفشل والنقد والاختبارات والأذى النفسي أو التهديد، وتصير المخاوف أكثر شيوعًا لدى الأطفال فوق سن 8 سنوات.
  • تتزاد مخاوف الأطفال مع التقدم في العمر مثل الخوف من المرض أو الأذى والحروب، والمخاوف البيئية والاقتصادية والسياسية، والعلاقات الأسرية.

لكن هل يتفاقم  حجم الخوف عند الأطفال حين تُستخدم فزاعة الشخصيات المخيفة للتحكم في سلوك الطفل، مثل تخويفه من الخروج من المنزل أو البقاء خارج السرير عقب ساعات النوم؟ للإجابة عن هذا السؤال درست الطبيبة جرازينا كوتشانسكا ردود فعل الأطفال داخل «بيت الرعب»، وتوصلت في النهاية إلى أن الأمر ليس خاضعًا إلى حجم التخويف بقدر شكل العلاقة التي تربط الطفل بوالديه، وعليه وضعت أربعة أنواع  من ردود فعل الأطفال تجاه الخوف بناء على علاقة الطفل بوالديه، ووجودهما في مكان قريب، وهي: «آمنة، متجنبة، مقاومة، غير منظمة أو غير قابلة للتنصيف».

فالطفل الآمن يدخل إلى بيت الرعب ويستكشف بثقة طالما أن والديه في مكان قريب، أما الطفل المقاوم فسوف يشعر بالقلق من وجود الوالد في مكان قريب، ويستاء عندما يذهب الوالد بعيدًا، ويعود ويشعر بالضيق حين يعود الوالد، أما الطفل المتجنب فسوف يكون قلقًا لكنه لن يبالي بمغادرة الوالد أو عودته، أما النوع الرابع فلا يمكن التنبؤ بسلوكه، وغالبًا ما يظهر حركات غريبة ومتشنجة في وجود الوالد وغيابه.

في المملكة المتحدة يحرص ثلث الآباء على تجنب إخافة أطفالهم وتجنب الحكايات المخيفة، لكن المفاجأة هي توصية علم النفس بقراءة مثل تلك القصص التي تمنح الصغار إحساسًا بالسيطرة على الخوف مع الوقت!

تقول عالمة النفس إيما كيني إن الخوف استجابة طبيعية، وحين تقرأ قصة مخيفة لطفل، أو يقرأها الطفل لنفسه، تتشكل لدى الطفل مرونة، فالمخاطرة والخوف شيء نحتاجه في الطفولة، والأشخاص الذين يخاطرون على المدى الطويل يتصرفون أفضل من أولئك الذين لا يفعلون، إذ كيف يمكنك أن تشعر بالأمان إذا لم تشعر بالخوف؟ فالخوف  داخل بيئة آمنة وخاضعة للسيطرة أمر رائع.

علاقات

منذ سنة واحدة
الأمان المغاير.. 4 مصادر للأمان النفسي الذي تبحث عنه بعيدًا عن العلاقات الإنسانية

المصادر

تحميل المزيد