غالبًا ما تمنحنا الوظائف التي نمتهنها الغرض الأساسي منها، مثل راتب يكفي لسد الحاجة، أو التزام بعمل يُجبرنا على الاستيقاظ يوميًّا والخروج من المنزل من أجل تحمل المسؤولية، لكنها أيضًا تمنح البعض في كثير من الأحيان شعورًا بعدم الرضا والتململ، والرغبة الدائمة في الهرب، لدرجة التوق إلى تركها، لكن دون تنفيذ على أرض الواقع.

فخ عدم الرضا عن الوظائف والمهن، يعج بالكثيرين الذين يكتفون بالتذمر والمعاناة دون أي محاولة للخروج منه، ويقول البروفيسور ثيو توسوسيديس، طبيب الأمراض النفسية والعصبية، ومؤلف كتاب «التغلب على العوائق السبعة المخفية للنجاح»، أن أكثر سؤال يُطرح عليه: «كيف أعرف أنني أسير في الطريق الصحيح لتحقيق هدفي في الحياة، وخاصة في مجال عملي؟»، فاختيار مهنة ترضي شغفك وقدراتك لا يحتاج فقط إلى جهد ومال ووقت طويل، بل أيضًا إلى استكشاف كبير للذات، بحسب البروفيسور توسوسيديس.

السطور التالية تستعرض معك بعض النصائح التي يخبرك بها علم النفس؛ كي لا تظل عالقًا في فخ عدم الرضا المزمن عن وظيفتك وحياتك المهنية، وإمضاء بقية سنوات حياتك العملية وأنت تتذمر، وتشعر حيال نفسك بالأسف.

1- «لماذا اخترت هذه المهنة؟».. أعد اكتشاف حبك القديم

عندما تشعر بأنك عالق في وظيفتك، وغير راضٍ، ذكّر نفسك بالسبب الرئيسي وراء اختيارك هذه الوظيفة وهذا المسار المهني، سواء كانت هذه الوظيفة هي اختيارك الأول، أو اختيار اضطررت إليه بعد فشل خطتك الأصلية في الالتحاق بوظيفة ما، فلا بد وأنك اخترت هذه المهنة لسبب محدد؛ أعد النظر في هذه الأسباب مرة أخرى، وتذكر لماذا اخترت هذه الوظيفة دون سواها من البدائل الأخرى التي كانت متاحة أمامك، وأخبر نفسك عن سبب اختيارك لها، وأعد وصل «حبك» القديم.

Embed from Getty Images

2- نظّم حفلات أو رحلات.. أجرِ تغييرًا على توصيفك الوظيفي

شعورك بعدم الرضا الوظيفي قد يكون نابعًا من التعود أو الملل الذي قد ينتهي عندما تقوم بإضافة أي جديد لوظيفتك، إذ يُمكن لأي إجراء بسيط، تُضيفه إلى مهامك الوظيفية أن ينتشلك من فخ عدم الرضا، فتطوعك مثلًا للقيام بتنظيم رحلات أو أحداث اجتماعية داخل الشركة أو المؤسسة التي تعمل فيها، أو حتى التطوع لإنشاء صندوق زمالة من أجل مساعدة الزملاء ومعايدتهم، سيساعد في كسر دائرة الشعور السلبي الذي يتسبب فيه الروتين اليومي الذي لا يتغير، وقد يؤهلك لشغل منصب آخر ذي بعد اجتماعي في العمل، مثل إدارة العلاقات العامة.

أو يُمكنك على الأقل أن تطلب نقلك إلى قسم آخر، أو أن يُصبح مرؤوسك شخصًا آخر غير الذي تعمل تحت إمرته، من أجل كسر نمطية الوظيفة التي اعتدتها، واختبار نفسك في مهام أخرى قد تبرع فيها، وتمنحك شعورًا إيجابيًّا.

3- فتش عن الإيجابيات.. اسأل زملاءك عن أسباب رضاهم

في الوقت الذي لا تتوقف فيه عن التذمر والشكوى من وظيفتك، هناك من زملائك في المجال نفسه مَن يشعر بالرضا التام عنها، ويرى نفسه في هذه الوظيفة؛ لذا ينصحك علماء النفس أن تسأل هؤلاء الأشخاص عن أسبابهم، وعن الإيجابيات التي يرونها في هذا المسار المهني، إذ قد تثير أسبابهم الخاصة حماستك، أو تتسبب في إشعال شرارة شغفك الذي انطفأ، وتجعلك تنظر بعين أخرى إلى هذه المهنة أو هذا المجال الوظيفي، الذي تشعر بأنك عالق فيه.

Embed from Getty Images

اذهب إلى زميل يبدو لك ولمن حوله أنه راضِ، واسأله عن مميزات وظيفته، وحاول أنت الآخر أن تُركّز عليها، أو اسأله عن طرقه المبتكرة، أو عن رسائله الخاصة التي يُرسلها لنفسه كي يُصبح راضيًا عن مهنته ومحبًا لها.

4- الوظيفة وسيلة لا غاية.. لا تسع للمنافسة على المناصب

أحيانًا قد تتسبب المنافسة على ترقية ما أو السعي للحصول على منصب كبير، في خلق توتر وإلقاء ثقل على كاهل الشخص، مما يؤثر في شعوره بالرضا، علاوة على أن المنافسة تجعل من الوظيفة أو المنصب غاية، على عكس المفروض منها. 

فالإنسان يعمل في الأساس من أجل تلبية احتياجاته الشخصية والمادية، وكذا النفسية، بإشباع رغبته الأبدية في النجاح، لكن كثرة التنافس والحصول على مناصب عليا، وما يتبعها من مسؤوليات جسيمة، يتسبب في خلق توتر حاد، ورغبة ممرضة في الحصول على منصب أعلى، إلى ما لا نهاية، مما يجعل الشخص غير راضٍ عن أي شيء أو نجاح يُحققه.

لذا يجب عليك أن تتذكر أن الوظيفة ما هي إلا وسيلة لحياة أفضل، وسعادة أكثر، وتحقيق ذات، أما إن تحولت إلى غاية؛ فإنها تُصبح عبئًا نفسيًّا يتبعه شعور مزمن بعد الرضا، لذا عليك أن تتوقف وتتخلى عن الركض في مضمار المنافسة؛ كي تنعم بالرضا الذي تنشده.

5- اترك بيتك في البيت.. لا تأخذ مشاكلك إلى مقر عملك

تشير الدراسات التي أجراها علماء النفس إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل منزلية، ولا يستطيعون الفصل بين حياتهم الشخصية ومسارهم المهني، هم الأكثر شعورًا بعدم الرضا الوظيفي، إذ إن عدم القدرة على الفصل بين هذا وذاك ينعكس انعكاسًا سلبيًّا على الأداء المهني، ومن ثم الشعور بعدم الرضا عن الإنتاجية، التي تؤدي بالتبعية لشعور بعدم الرضا عن الوظيفة بأكملها.

Embed from Getty Images

الأمر ذاته الذي يحدث عندما يحمل شخص ما ضغوطات العمل ومشاكله إلى المنزل؛ مما يتسبب في خلق حالة من التوتر وارتفاع معدل الخلافات الأسرية، بحسب الدراسات العلمية. فإن كنت تشعر بعدم الرضا المهني، عليك أن تراجع حياتك الأسرية والشخصية، وتتأكد أنها لا تؤثر بالسلب فيك، ومن ثم تؤثر في مهنتك ومدى رضائك عنها.

6- شهر العسل لا يدوم.. لا تبحث عن وظيفة جديدة لأنك تشعر بفتور

الشعور بالرضا والحماسة وكذلك السعادة، أمر شائع بعد بدء أي علاقة جديدة، أو شغل وظيفة أو الحصول على منصب، لكن هذا الشعور سرعان ما يفتر بعد شهر أو اثنين أو ستة أشهر على أقصى تقدير بحسب علماء النفس، الأمر الذي يدفع علماء النفس إلى تحذيرك من عدم ترك وظيفتك الحالية، والبحث عن أخرى، من أجل عيش «شهر عسل» جديد، إذ إنه سرعان ما سينتهي هو الآخر بعد أشهر معدودة ، وستبدأ رحلتك في البحث عن وظيفة أخرى، أملًا في استعادة هذه السعادة/الحماسة المؤقتة.

Embed from Getty Images

عندما تشعر بعدم الرضا، وتقرر البحث عن وظيفة أخرى تمنحك شعورًا بالسعادة، تذكر أنك سبق وأن شعرت بها في الأشهر الأولى ثم لم تلبث أن تلاشت، وعليك بدلًا من البحث عن وظيفة جديدة، أن تعد استكشاف وظيفتك وسبب التحاقك بها وتنعش حبك القديم، كما ذكرنا في النقطة الأولى.

7- تعاسة الآخرين قد تخفف من وطأة بؤسك

هل تتذكر المثل القائل: «من يعرف عن ابتلاءات الناس، يهن عليه ابتلاؤه»؟، الأمر نفسه ينطبق على المجال المهني، فإن كنت تشعر بعدم الرضا عن وظيفتك وأنك تكرهها ولا تريد الاستمرار فيها، ينصحك الخبراء بسؤال من حولك من أصدقاء وأقارب ومعارف عما يعانون منه في وظائفهم، إذ إن العلم بما يعانيه الآخرون قد يجعلك تعيد التفكير مرة أخرى في ما لديك، وكيف أن وظيفتك ليست بهذا السوء الذي يتسبب لك في عدم الرضا، وأنك مثلًا تحظى براتب جيد، أو رئيس يُقدّر العمل، أو زملاء أوفياء.

أما إذا جربت كل هذا ولا زلت تشعر بالبؤس وعدم الرضا؛ فيعتقد البروفيسور ثيو توسوسيديس أن تغيير مجالك المهني (Career Shift)، هو الحل الوحيد المتاح أمامك للخروج من فخ عدم الرضا الوظيفي.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد